مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

09‏/12‏/2010

سوسولوجيا الإنترنت


 د. أحمد محمد صالح  

هل مستعملو شبكة الإنترنت يشكّلون مجتمعا له ثقافة متميّزة عن ثقافتهم الأصلية ؟ هذا السؤال كان بؤرة اهتمام عدة دراسات ! خلاصتها ان الشبكة تمثل بنية فوقية مجتمعية مدعمة بثقافتها الخاصة ! والسؤال الآن ماهى السمات الرئيسية لثقافة مجتمع شبكة الإنترنت ؟ وللإجابة على هذا السؤال ، نتفق أولا ماذا نقصد بمفاهيم مثل المجتمع Society والثقافة Culture .
لا يختلف مفهومنا للمجتمع ، عن المفهوم العلمى في المراجع المختلفة ، فهو مجموعة منظمة من الناس تضم ذكورا وإناثا يشتركون في ثقافة واحدة . أو سكان إقليم واحد يتحدثون لغة واحدة عادة لا يفهمها سكان الإقليم المجاور ! او هم مجموعة من الناس تشترك في موطن واحد ويعتمدون لبقائهم ورفاهيتهم على بعضهم البعض ، ولهم طريقة حياة معينة واحدة ، والمجتمع أيضا هو الطرق والوسائل التى يتفاعل بها البشر , ونقصد بالمجتمع هنا كل ذلك.

نفس الموقف في الثقافة ، فالثقافة في المراجع العلمية هى السلوك المشترك المتعلم من قبل اعضاء المجتمع ، وهى الاعتقادات والمواقف والاتجاهات والمثل العليا التى تميز مجتمع أو سكان معينين ، او هى طريقة حياة مجموعة من الناس ، وهى ايضا مركب المفاهيم المشتركة وأنماط السلوك المتعلم , التى تسلم من جيل لآخر, من خلال وسائل اللغة والمحاكاة . والثقافة في الاثنوجرافياEthnographic علم الثقافات هى ذلك المركب الذى يتضمن المعرفة والمعتقدات ، والفنون ، والأخلاق ، والقانون ، والعادات ، وأى مكتسبات أخرى يكتسبها الأنسان كعضو في المجتمع . والثقافة أيضا هى الأساليب المألوفة والمعتادة التى تمارسها المجموعات الإنسانية لتنظيم سلوكياتهم في علاقتها ببيئتهم . والثقافة بصفة عامة هى جميع الأنواع المتعلمة والمشتركة في السلوك المكون للوسيلة الرئيسية لتكيف الإنساني ، والثقافة بصفة خاصة هى طريقة حياة مجتمع معين . ونقصد بالثقافة هنا كل ذلك تجنبا للتحفظات التى أبداها العلماء حول تلك التعريفات ، فهناك مجتمعات كثيرة لا ينطبق عليها مصطلح الأمةnation ، وهناك كثيرا من الأمم خاصة الجديدة ، يعيش داخل حدودها أناس مختلفون يتكلمون عدة لغات غير مفهومة لبعضهم البعض ، وعلى ذلك فأن مثل هذه الأمم تتكون من عدة مجتمعات وعدة ثقافات مختلفة . وأيضا قد يتضمن المجتمع الواحد عدة أمم تعيش داخله ! فنحن نقول على سبيل المثال، ان الكنديين والأمريكان يشكلون مجتمعا واحدا لأن كلتا المجموعتان تتكلّم الإنجليزية ، عموما ليس كلّ شخص يوافق على مثل هذا البيان؛ والبعض يفضّلون اعتبار الولايات المتّحدة وكندا مجتمعان مختلفان لأنهما كيانات سياسية منفصلة.


وبذلت الكثير من الجهود للتميز بين مفاهيم الثقافة والمجتمع ! وهل الثقافة تتبع المجتمع ؟ ام ان المجتمع يتبع الثقافة ؟! و هلّ بالإمكان أن يكون للمجتمع أكثر من ثقافة واحدة؟ وهل نفس الثقافة يمكن أن تكون مشتركة مع أكثر من مجتمع واحد؟ ومعظم العلماء يميلون إلى الفرض الذى يقول أن أعضاء المجتمع الواحد يشتركون في ثقافة واحدة ، وإن المجتمعات المختلفة لا تملك نفس الثقافة ! مع الإقرار بأن هناك احتمال ضعيف بأن يكون هناك مجتمعان مختلفان يتشاركان في نفس الثقافة نتيجة تشابه البيئة ، وتماثل التطور الثقافي ، وإن هذا الاحتمال يمكن المجادلة بشأنه ! وهذه النقط هامة جدا ! لأننا اذا وصفنا مستعملي شبكة الإنترنت بأنهم يمتلكون ثقافة متميّزة ! إذن فهم يحتاجون أولا ان يكونوا مجتمعا واحدا ! وكيف يكونون مجتمع واحد مع الحجم الكبير لامتداد الإنترنت عبر الفضاء العالمى الواسع ؟! هذه المعضلة يمكن أن تحلّ بالنظر إلى الإنترنت كبنية فوقية مجتمعيه superstructure . وهو مصطلح لكينونة معقدة تعتمد على العديد من المقومات والأصول ، وفي نظرية ماركس تعتبر مؤسسات اجتماعية كالقانون والسياسة مبنية فوق الاقتصاد في إطار بناء مجتمعى . وأستخدم سبنسر وغيره من علماء الاجتماع مصطلح البناء الاجتماعي إشارة إلى نوعا من الترتيب بين مجموعة نظم المجتمع التى يعتمد بعضها على بعض .

الإنترنت وعاء لبنية فوقية مجتمعية :

نتفق أولا ان الشبكة لا تتوفر فيها المنافع والخصائص المتوقعة في أيّ مجتمع. خاصة المنافع الضرورية مثل توفير الغذاء والملجأ إلى أفراد المجتمع . وهكذا لا نستطيع المجادلة بأن الشبكة تعتبر مجتمعا ، بدون تكيف وتعديل في مصطلح المجتمع بطريقة ما. وإذا تخيّلنا الشبكة، ليس كمجتمع منفصل عن الخطوط العامة السائدة والتى تميز مجتمعات العالم ، لكن بالأحرى هى مكونات متشابكة ومتراكمة للكثير من تلك الخطوط ، وهذا يمكن أن يعيّن على تعريف الإنترنت كوعاء لبنية فوقية مجتمعية . وهى على ذلك محررة من التزامات المجتمعات الأخرى في القيام بوظائف التناسل وتوفير الغذاء والمسكن ، استنادا على حقيقة واضحة أن أعضاء مجتمع الإنترنت هم في نفس الوقت أعضاء في مجتمعاتهم التقليدية التى تدعمهم ! وهكذا حرّرت الإنترنت كبنية فوقية مجتمعية من القيود الملزمة للمجتمعات الأخرى ، وعلى ذلك لا يجب أن ننظر للشبكة كمجتمع مستقل ، بل كبنية فوقية مجتمعية ، متحررة من قيود الطبيعة البشرية ، وتستطيع ان ترضى وتزود أعضائها بإشباعهم بمواد خاصة جاذبة لهم . وبينما تسود خطوط عامة تميز العديد من المجتمعات السائدة ، تبقى إمكانية النظر للشبكة ككيان مجتزأ بكفاية ، ومدعم ومميز بثقافته الخاصة . وبالرغم من أن الإنترنت كما ذكرنا ليست مجتمعا مستقلا، ألا انها تكون بنية فوقية مجتمعية superstructural تمتد فيها الكثير من الخطوط العامة التى تميز المجتمعات السائدة وتعتمد عليها لاستمرار وجودها ، و بينما هى ترث العديد من العناصر الثقافية من المجتمعات التي تمتدّ عبرها ، رغم ذلك فهى اى الإنترنت تملك ثقافة خاصة ومميزة ، وبمعنى آخر بالرغم من أن ثقافة الإنترنت توصف بالتميز الواضح المختلف"distinct" ، الا أنها تشترك في العديد من العناصر مع الثقافات السائدة الأخرى ، فثقافة الإنترنت هي امتداد طبيعى للعناصر السائدة في الثقافات الأخرى ، فمعظم ثقافة الإنترنت مأخوذة من هذه الثقافات السائدة، لكن هناك الكثير أيضا من تلك العناصر حدث لها تكيّفا ثقافيا مع البيئة الجديدة وهى الإنترنت .ويجدر الإشارة هنا إلى النتيجة التى توصل لها ميرفيMurphy, R.F. (1989)في كتابة الثقافة والإنثربولوجيا الاجتماعية ، حيث لاحظ ان 90 % من محتوى معظم الثقافات أخذت من المجتمعات الأخرى من خلال الاقتباس والتقليد والمحاكاة !

وإذا كانت الشبكة كما ذكرنا لا تتوفر فيها المنافع والخصائص المتوقعة في أيّ مجتمع. خاصة المنافع الضرورية مثل توفير الغذاء والملجأ إلى أفراد المجتمع ، فهذا الزعم محتاج ضبط ، فإذا رجعنا للمراجع العلمية في علم الثقافات مثل Morris, 1988 ، Harris, 1988،Barnouw, 1987 Nanda, 1991 ) نجد الإفادات الآتية :

1- من الاحتياجات الأساسية في اى ثقافة إنسانية سواء كانت ثقافة بدائية ، او ثقافة حديثة هو تنظيم النشاطات والعلاقات الجنسية .

2- كلّ المجتمعات لها نشاطات وأفكار ومعتقدات تكون بشكل فعال طريقة حياة محليه يتميز بها كل مجتمع .

3- الألعاب الرياضية والمسابقات والألعاب الأخرى وجدت في جميع الثقافات في العالم ، وتعتبر من الأبعاد العالمية في أي ثقافة

4- تبين ان أساس النجاح والبقاء في كلّ ثقافة هو تطوير وتنمية المعرفة والتقنية للحصول على الغذاء من بيئة معيّنة

5- في كلّ مجتمع، سواء تقليدي أو حديث، أستعمل العمر كمؤشر للأدوار الذي يتوقع الشخص ان يلعبها

6- تزيين وتجميل الجسم الإنساني كانت صفة موجودة في كلّ الثقافات والمجتمعات المعروفة .

ولو لاحظ القارئ ان استخدمنا مفردات مثل " كلّ مجتمع " أو " كلّ الثقافات " يجعل شبكة الإنترنت في عزلة ! فالإنترنت لا تستطيع ان تزوّد أعضائها بكل هذه الميزّات السابقة ، وهو ما يبرر الاعتقاد بأنه لا يجب النظر إلى الشبكة كمجتمع مستقل ، بل كبنية فوقية مجتمعية ، متحررة من قيود الطبيعة البشرية، وهذا كما ذكرنا يحرّر الشبكة من الالتزام بتزويد أعضائها بتلك التسهيلات والميزات التي تسود في وظائف المجتمعات السائدة الأخرى ، ويصعب تدعيم الحجج حول الفرضية التى تعتبر الإنترنت لها ثقافتها الفرعية او الثانوية للمجتمع الآخر ؟ صعبة التدعيم والإثبات خاصة عند طرح السؤال ما الذى تستطيعه الإنترنت لتكون تلك الثقافة الفرعية ؟ وبنظرة عالمية لا يوجد مجتمع أو ثقافة في العالم تدرج الإنترنت في سياقها ، لذلك يبدو التفكير في شروط الثقافة الفرعية لثقافة الإنترنت تفكير غير فعال .

الكيانات الاجتماعية على الإنترنت

وإذا اتفقنا على ان الإنترنت تكون بنية فوقية مجتمعية superstructural تمتد فيها الكثير من الخطوط العامة التى تميز المجتمعات السائدة وتعتمد عليها لاستمرار وجودها ، و هى ترث العديد من العناصر الثقافية من المجتمعات التي تمتدّ عبرها ، فأن العديد من علماء الاجتماع كتبوا عن تطوير الكيانات الاجتماعية على الإنترنت ، او بمعنى اكثر تحديدا ، كتبوا عن المجتمعات العلى الخط online communities التى نشأت على الإنترنت ، وتشكلت في فضاءها cyberspace ! وتلك الكيانات الاجتماعية الرقمية الجديدة تكونت في هيئة جماعات رقميه يتم تحاور وتواصل البشر عبرها ، من أشهرها خدمة usenet فهى الشريان الأساسي للفضاء الإنترنتى ، فمن خلال المشاركة في المجموعات الأخبارية news grpupحيث تهتم كل مجموعة بموضوع معين ، يمكنك ان تسمع صوتك ، وتعلن أراءك على الملايين ، لكى يعارضوك أو يجيبوا على استفساراتك او ينتظروا الإجابة على سؤال طرحته !وهناك ايضا البريد الإليكتروني e-mail ، ولوحة الرسائل message boards، وحجرات الدردشة ،chat room ومؤتمرات الفيديو video conferencingحيث يتم الحوار بين الاف البشر في تنظيم الإنترنت ، ولا ننسى ايضا خدمة eGroups، التي تمكننا من إنشاء نواد خاصة للمراسلة، فيستطيع كل منا إنشاء ناد له في دقائق، وحصر عضويته في الأشخاص الذين يدعوهم للاشتراك.. وتسمح هذه الخدمة، بالإضافة إلى البريد، بتبادل الملفات وبالمحادثات الصوتية المباشرة بين عدة أفراد في الوقت ذاته. وهذا استدعى من علماء النفس والاجتماع التركيز على الكيفية التى تغيرت فيها صيغ وحدود الزمن والفضاء والمثيرات الحسيه ، وكل ما هو مرتبط بأشكال التعبير الإنساني في الحياة الرقمية الجديدة . ولدراسة تلك الظواهر الجديدة يتطلب الأمر تكامل في منهج دراسة الحالة كمنهج بحثى، تتكامل فيه أدوات البحث من ملاحظة متوارية وملاحظة بالمشاركة ، وتقمص وجداني ، وفحص الدوافع ، ومناقشات جماعة البؤرة ، والمعالجات التجريبية الظاهرية للمتغيرات ، والاستبيانات القابلة للقياس ، والمقابلات البنائيه والغير بنائية من خلال الأتصال بالبريد الإليكتروني ، وحجرات الدردشة ، ولوحات الرسائل ، والاتصال التليفونى ، والاتصال وجها لوجه. وإذا اعتبرنا تلك الكيانات الاجتماعية على الإنترنت ، هى بمثابة مجتمعات محلية في مجتمع فضاء الإنترنت ، هنا يستلزم الأمر الاتفاق على مفهوم المجتمع المحلى .

الغموض في تعريف " المجتمع المحلى "

هناك اتفاق ضعيف في العلوم الاجتماعية حول مفهوم المجتمع المحلى Community ، فيما عدا ذلك فهذا المفهوم يستعمل بشكل دائم تقريبا لوصف مجموعة من الناس. فعلم الاجتماعsociology يبدو أنه أصيب بالتضارب والغموض في بعض مصطلحاته الأساسية ، مثل مصطلح المجتمع المحلى . فهذا المصطلح كواحد من المفاهيم في مفردات علم الاجتماع ، يستعمل بطرق متعددة ، ووصف المصطلح بأنه مفهوم شامل ، حتى قاموس أكسفورد في علم الاجتماع ذكر هذا الغموض والالتباس في مصطلح " المجتمع المحلى " ، وهذا جعل الحصول على تعريف اجتماعي متماسك لمصطلح " المجتمع المحلى " ، مرتبط بالإجراءات ،والحدود ، والشروط التى تضعها الدراسات التجريبية، والتى هى عادة مستحيلة التنفيذ. علاوة على ان مصطلح " المجتمع المحلى " يستعمل بعدة طرق ومعانى غير علمية ضمن الحياة اليومية ، وهذا يزيد غموض وتشويس هذا المصطلح ، خاصة عندما نريد تعريفه علميا ضمن العلوم الاجتماعية .

ونعرض بعض أمثلة للطرق المتنوّعة التي يستعمل بها مصطلح المجتمع المحلىCommunity " خارج أدبيات علم الاجتماع مثل : في مجال الإعلانات والدعاية ، نجد مصطلح Community بالإنجليزية دلالة على مخزن ومركز للبقالة ، او عملية خلق وظائف لناس محليين ، و يستخدم أيضا في أسماء البنايات التى تبنى كقرية مستقلة ، ويستعمل في وصف آهل مدينة معينة يشعرون بالفخر لمدينتهم ، او لوصف أقلية سكانية معينة مثل مجتمع الشواذ ، او مجتمع السود وهكذا ، او حينما نصف شعور التآزر بين مجموعة من الأصدقاء او زملاء العمل ، أو حينما نصف مجموعات عالمية على اتصال مع بعضهم البعض من خلال المطبوعات ، على سبيل المثال، " المجتمع الأكاديمي " الذى يتكون من آلاف الأكاديميين الذين يتّصلون مع بعضهم البعض من خلال المجلات العلمية والمؤتمرات العلمية الدورية، وأشكال أخرى من الاتصال الشخصي سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة . فهذا الاستعمال الغير العلمي لمصطلح Community يؤدّي عادة إلى سوء فهم عندما نحاول استعمال مصطلحCommunity في النصوص العلمية الاجتماعية ، وهناك سبب آخر مهم للغموض الذى يحيط بمصطلح Community ضمن علوم الاجتماعيه ، وهو التغيير المستمر في التركيب الاجتماعي ، الذى جعل استعمال مصطلح المجتمع المحلى له طبيعة سياسية عندما يستعمل في نصوص العلوم الاجتماعية . هذا والتغييرات التى تحدث ضمن التركيب الاجتماعي ، توصف أنها تغييرات مجتمعية من قبل علماء نظريين مشهورين مثل دوركايم، وماركس، ويبير، وآخرون، وتحدث في رأيهم بسبب التغييرات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية التى تتفاعل على نطاق واسع في المجتمع . على سبيل المثال، يكتب دوركايم عن التغييرات التي تحدث عند الانتقال من المجتمعات الزراعية الريفية البدائية ، والتى تعتمد فيها العلاقات الاجتماعية أساسا على القرابة والإقامة الجغرافية المشتركة ، حيث التضامن ميكانيكي بين أفرادها ، إلى المجتمعات الصناعية الحضرية الحديثة حيث العلاقات تقوم على أساس من المصلحة العامة بالإضافة إلى الإقامة الجغرافية المشتركة ، والتضامن العضوي، لكنه ليس بالضرورة ان يقوم على روابط القرابة. ويقول ماركس، الروابط والعلاقات الاجتماعية في المجتمعات الحديثة تعتمد على المال، والسعى للحصول عليه ، والتفاوت بين الناس يحدث بسبب ندرة هذا المال . والفئات الخاصة، طبقا لماركس، تتشكل على أساس الطبقة التى تتحدد في نفس الوقت وبشكل كبير على المال وتراكم الثروة. واليسار الجديد في الستّينات والسبعينات أطلق مصطلح " Community " على التنظيم الذى يجمع الناس بسبب معيّن. على سبيل المثال، جماعة لوطيّة في سان فرانسيسكو ، شكّلت لدعم حركة اجتماعية استهدفت كسب وتشكيل حقوق الشواذّ جنسيا! وأثناء ثورة الشباب في فرنسا عام 1968 مايو/مارس في فرنسا، أستخدم مصطلح Community كبديل للاستهلاك الرأسمالي . والكثير من تعبيرات التنظير في العلوم الاجتماعية استخدمت كتعبيرات سياسى مرتبط بأجندة أعمال .

وما سبق ليس على الإطلاق تسجيل شامل من استعمالات لمصطلح Community على مدى القرن الماضي. على أية حال، هذا المصطلح يعتمد تعريفة على الذي يستعمله، اهتماماته وأهدافه. وهذا المصطلح له العشرات من التعاريف ان لم يكن مئات التعاريف المتميّزة في العلوم الاجتماعية. ومن المستحيل الإجماع على تعريف اجتماعي واحد لمصطلحCommunity ، بسبب هذا الغموض، نعتمد دائما على التعريف الإجرائي في كل ورقة بحثية طبقا لمتغيرات البحث .



المجتمع المحلى المتشابك

في أفضل محاولة لتنظير مصطلح Community ، أخضع جورج هيلاري، في دراسة له 94 تعريفا إجتماعيا من مصطلح " Community المجتمع المحلى " إلى التحليل النوعي والكمّي. (هيلاري، 1955, ) وأستطاع تمييز 16 مفهوما حاسما مختلفا ضمن هذا العيّنة. ووجد هيلاري تعريف واحد فقط كان مشتركا بين هذه التعاريف الـ94: بأنهم جميعا يتعاملون مع الناس. وذكر هيلاري ان هناك 69 تعريف من الـ94 اتفقت ان من شروط " المجتمع المحلىcommunity التفاعل الاجتماعي، والإقامة في منطقة واحدة ، ووجود روابط بين الناس " ولوحظ في دراسة تجريبية حديثة قام بها بوبلين أكثر من 125 تعريف إجتماعي لمصطلحcommunity، توفرت فيها السمات المميزة التى ذكرت أعلاه ، وهى ما زالت موجودة في أغلبية التعاريف على الرغم من بعض التغييرات الثانوية في إستعمال المصطلح على مرّ السنين. ولعدم التشويش ، واعتمادا على تحليل هيلارى ، نستطيع ان نقرر ان مصطلحcommunity " المجتمع المحلى، يجب ان يتضمن المعانى الآتية:

(1)مجموعة من الناس (2) تشترك في تفاعل اجتماعي (3) وبينها بعض الروابط المشتركة بين أنفسهم و بين الأعضاء الآخرين للمجموعة (4) ويشتركون في العيش في منطقة على الأقل بعض الوقت. هذة الشروط الأربعة في المصطلح لازم توفرها عند التحدث عن المجتمعات المحلية في العالم الواقعي ، لكن على مر السنين تغيرت شروط المجتمع المحلى كما كتب بعض علماء الاجتماع ، وبينوا ان المجتمعات المحلية community أصبحت مجتمعات خاصة على نحو متزايد. وتأخذ تلك المجتمعات المحلية المخصوصة شكل الشبكات ، وهذه الشبكات تعتمد على الأرجح على الأفراد بدلا من الاعتماد على العيش معا في الجوار. وأنه إذا كانت المجتمعات المحلية الأولية المستندة على الجغرافيا والجيرة أصبحت شيئا من الماضي، بعد ان كانت موجودة أبدا طوال الوقت ، فأن المجتمعات المحلية تواصل اليوم وجودها ، وهى مدعومة الآن من خلال عدد من التقنيات التى تتضمن الكلمة المطبوعة، ووسائل النقل والمواصلات، وتقنيات الاتصالات جديدة. فالحاسب كوسيط اتصالي هو فقط واحد من العديد من التقنيات المستعملة من قبل الناس ضمن وجود المجتمعات المحلية ومحاولتها للبقاء على اتّصال، وإبقاء روابط المجتمعات المحلية على اتصال عن بعد عبر المسافات . وهذا التحول نحو المجتمعات المتشابكة الخاصّة، من مجتمعات متجذّرة في النوع ، ومحصورة في منطقة جغرافية، إلى مجتمعات مخصصة بين جمهور متباعد ، وبسبب اتجاه خصصه كل ما هو عام ، وفي غياب الجهات العامة التى تجمع مصالح الناس ، تسهل الإنترنت تنمية و تطوير المجتمعات المحلية المستندة بشكل أساسي على الجغرافيا في أغلب الأحيان، وتصبح أداة ثمينة وفعالة في عملية للاتصال الشخصي ، الذى يمثل الدعامة الأساسية لاستمرار المجتمعات المتشابكة الخاصّة التي تستند على الأشخاص. وعلى ذلك نزعم ان مجتمع فضاء الإنترنت هو بنية فوقية مجتمعية superstructural تمتد فيها الكثير من الخطوط العامة التى تميز المجتمعات السائدة وتعتمد عليها لاستمرار وجودها ،وهى ترث العديد من العناصر الثقافية من المجتمعات التي تمتدّ عبرها ، وأن الكيانات الاجتماعية التى نشأت في فضاء الإنترنت ، او بمعنى اكثر تحديدا ، المجتمعات العلى الخط online communities ،ومن أشهرها خدمةusenet ،المجموعات الأخبارية news grpup ،البريد الإليكترونى e-mail ، ولوحة الرسائل message boards، وحجرات الدردشة ، chat room وموتمرات الفيديوvideo conferencing ، و خدمة eGroups، وغيرها تعتبر مجتمعات محلية متشابكة خاصة private network communities .

المجتمع المحلى المتشابك الخاص

Barry Wellman بارى ويلمان، باحث في جامعة تورنتو - كندا ، واحد من أوّل من لاحظ التغيير والتحول في مصطلح المجتمع المحلى community المستند على المناطق الجغرافية نحو المجتمع المحلى المتشابك . وكتب ويلمان يقول : الناس الآن بدلا من أن تجتمع في المتنزهات، والمقاهي , ونواصي وأركان الشوارع مع الجيران والأصدقاء ، يدردشون الآن مع الأصدقاء بالبريد الإلكتروني والتليفون أو يجتمعون في تجمّعات صغيرة في بيوتهم الخاصّة الواقعية ، او في بيوتهم الخاصة الافتراضية .

وكتب ويلمان أيضا يقول : ان الهواتف، والسيارات، والطائرات، والبريد إلكتروني أبقت العلاقات الاجتماعية بين الناس مع الأصدقاء والأقرباء نشيطة على المسافات الطويلة . ورغم ان هذه التقنيات جوهريا مخصصة بمعنى أنها ملكية خاصة، فالهواتف والبريد الإلكتروني عادة تكون بين شخصين فقط ، وأكثر السيارات تحمل شخص واحد أو واثنان أثناء السفر ". ولاحظ ويلمان بأنّ منزل الإنسان العادي، خصوصا ضمن الضواحي، أكبر اليوم وأكثر أتساعا من أي وقت مضى. وهكذا أصبح البيت الخاصّ مكان مثالي لاستضافة تجمع صغير. والخصخصة التى نقصدها هنا بأنّ الناس يتّصلوا بأعضاء مجتمعهم المحلى بشكل نشيط للبقاء على علاقاتهم من خلال تكنولوجيات الاتصال والمعلومات او السيارات وهى كلها ملكية خاصة ، وذلك بدلا من زيارة الأماكن العامّة من مقاهى ونوادى وانتظار الأصدقاء والمعارف للمرور بهم "

والمجتمع المحلى المتشابك الخاصّ لشخص معين ، هو النسخة المخصصة من المجتمع المحلى على الشبكة لشخص بالذات قد لا يكون مشترك، فيها مع الآخرين. على سبيل المثال، المجتمع المحلى لشبكتي الشخصية الخاصة تتكوّن من أفراد عائلتي ، وتلاميذى وزملائى في الجامعة ، وناس أعرفهم فقط من عن طريق البريد الإلكتروني تواصلوا معى تفاعلا مع كتاباتى المتواضعة ، و أيضا من خلال أشكال الاتصال الأخرى على الإنترنت، وناس التقيت بهم أثناء السفر، وآخرين تعرفت عليهم في الجامعات والمؤتمرات المختلفة التى حضرتها . فهم مجموعة من الناس لا يعرفون بعض غالبا ، وأنا الربطة المشتركة بينهم ، ولو أنّ في العديد من الحالات، نجد اهتمامات ومصالح أعضاء المجتمع المحلى لشبكتي الشخصية تتداخل وتتشابك . ويتفاعل بعض الناس ضمن مجتمع شبكتي مع بعضهم البعض مباشرة، بينما آخرون يعملون ذلك بشكل خاص من خلالي. ويحدث تفاعلنا في المنطقة المشتركة لاهتمامنا ، التى غالبا ما تتكون إلكترونيا. والاتصال بيننا يحدث في الغالب خلال تقنيات الاتصالات الإلكترونية مثل الهاتف والإنترنت ولو أنّ هناك بعض أعضاء مجتمع شبكتي أجتمع معهم وجها لوجه بانتظام. هذا هو المجتمع المحلى المتشابك الخاص بى ، وأزعم بعدم وجود أي واحد في أي مكان في العالم يتشارك معى ، ويملك نفس خصائص المجتمع المحلى لشبكتى ، او مع الذين أجتمع معهم وجها لوجه بانتظام. ، ولو أنّ هناك بعض الذين يشتركون معى في جزء كبير من خصائص مجتمع شبكتى ، ولكنها ليست نفس الخصائص بالتمام .

ومفهوم المجتمع المحلى المتشابك الخاصّ private network communities، يعتمد على الشخص نفسه، وليس متناقضا مع تعريف المجتمعات المحلية المتشابكة التى تقوم على مجموعة من الناس. فأعضاء المجتمع المحلى المتشابك يشتركون على الأقل في ربطة مشتركة واحدة، حتى وإذا كانت فقط معرفة شخصا واحدا ضمن المجتمع المحلى المتشابك ، ويتفاعلون أيضا مع بعضهم البعض، ولو أنّ أحيانا هذا التفاعل يحدث بشكل غير مباشر من خلال وسطاء. وفي المجتمع المحلى المتشابك ، نجد ان المنطقة المشتركة من الاهتمامات بين أعضاء المجتمع قد تكون واقعية فعلا ، وليست اهتمامات من التى نشأت على الخط ، أو خلقت في الفضاء الإلكتروني .هذا ومن النادر جدا ان تتم المقابلات والاجتماعات بين أعضاء المجتمع المحلى المتشابك وجها لوجه ، فمعظم تفاعلاتهم تتم في الفضاء الإليكتروني .

abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق