مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

09‏/12‏/2010

قضايا في علم النفس الاجتماعي


عبد الكريم بلحاج

إذا كان الإنسان بطبعه كائنا اجتماعيا، فهو بالضرورة ، وكما يشهد على ذلك واقعه السيكولوجي وواقع وجوده الاجتماعي والثقافي، كائن علائقي بامتياز[2] . وهذه الصفة العلائقية تجد معناها فيما تتأسس عليه من سيرورات نفسية واجتماعية . أي مجموع مظاهر حياة الأفراد التي يتداخل فيها النفسي بالاجتماعي ، والفردي بالجماعي.
إن هذه الفكرة تلخص مجال الاهتمام بالنسبة لعلم النفس الاجتماعي والتصور الذي يتعاطى من خلاله مع إنسان المجتمعات المعاصرة في سياق حياته اليومية. وكتاب الأستاذ المصطفى حدية جعل من هذه الفكرة منطلقا لصياغة وعرض عدد من القضايا التي تستدعي فحصا سيكوسوسيولوجيا ، وذلك من حيث كون هذه القضايا هي من صميم الممارسة العادية للحياة الاجتماعية من طرف الأفراد أو أنها تتمظهر في أشكال صراعية ومأزمية . ثم إن حياة هؤلاء بقدر ما أنها تنتظم وفق مجموعات اجتماعية متنوعة ، بقدر ما أن " حقل الوقائع السيكولوجية " الذي يكتسح مداها يبدو مليئا بالظواهر والقضايا التي تتطلب مقاربة علم النفس الاجتماعي[3].
إنه كتاب أتى ليستجيب لمجموعة من الأهداف. منها ما هو بيداغوجي، ما هو تحليلي وما هو تحسيسي . طبعا من دون أن يخلو من تمرير بعض الرسائل من طرف المؤلف، ذات طابع علمي معرفي ومنهجي وثقافي.
الهدف البيداغوجي : اٍن مجموع الموضوعات التي يأويها الكتاب ( التنافر المعرفي، اٍدراك الآخر، مفاهيم الذات والهوية والدور، الاتجاهات، دينامية الجماعات، التواصل 
التنشئة ) تشكل في الوقت ذاته :
- الإطار العام للمعارف التي يغطيها مجال علم النفس الاجتماعي ، من حيث أنها موضوعات تشترك في "سمة الربط بين النفسي والاجتماعي، بين الفرد والجماعة.
- المادة الأساسية لبرامج التكوين والنشاط العلمي ( من مقررات دراسية تعليمية وأعمال البحث )، وذلك من حيث الاستئناس بالمفاهيم والنظريات الوازنة تاريخيا وتقليديا في مسار هذا العلم .
- المحاور الرئيسية التي تتوزعها انشغالات الباحثين في هذا المجال بالنسبة للعمل التجريبي من جهة والعمل المسحي الميداني من جهة أخرى . وهو ما يشهد عليه واقع حال هذا المجال على المستوى العالمي.
لقد تجلت الخطوة الأولى في معاينة هوية علم النفس الاجتماعي ذاته ، سواء من حيث أنه كيان معرفي مستقل بموضوعه ومنهجه أو من حيث طبيعة وخصوصية علاقاته مع علم النفس من جهة وعلم الاجتماع من جهة أخرى ، وذلك بطبيعة الحال من حيث الانشغال بالواقع السيكولوجي للفرد في سياق وجوده المجتمعي . فالتأكيد على قاعدة هذه الهوية يجد معناه في إمكان هذا العلم من عقد "توافق بين النفسي والجماعي (..)، كوحدة تنصهر فيها بشكل متداخل عمليات نفسية واجتماعية (..) أي أن الفرد نتاج للعلاقات الاجتماعية ومنتج لواقعه الاجتماعي " (ص 6 )[4] .
هذه الموضوعات يأتي طرحها متجددا لكونها لم تستنفد الأسئلة بصددها، والتي تمثل عملية التفاعل الاجتماعي بالنسبة لها الأساس الذي يعطيها معنى فيما تعبر عنه من أبعاد نفسية اجتماعية، بل ان المفهوم الذي تحيل عليه يعتبر بمثابة "النواة والإطار المحدد للمقاربة النفسية الاجتماعية" (ص 11). ثم اٍن الأسئلة التي تتعلق بهذه الموضوعات تبقى حاضرة باستمرار، وذلك بحكم أن الواقع التفاعلي للأفراد والجماعات في عالم اليوم هو واقع بقدر ما أنه يعرف حركية وتغيربقدر ما أنه يفرز ظواهر واٍشكاليات تعكس مظاهرمتغيرة لهذه الموضوعات.
بالنسبة لتناول هذه الموضوعات بالعرض والمناقشة فقد وجهها هاجس نقل وإيصال
المعارف الخاصة بهذا المجال ، بحيث يمثل بحق في هذا المقام مرجعا مهما للدارس وللباحث وللمهتم ب " قضاياعلم النفس الاجتماعي ". كذلك ولنفس الغايات فهو بمثابة أداة عمل من حيث التعاطي السيكوسوسيولوجي مع عدد من الاشكاليات البينفردية والبينجماعية التي يزخر بها واقعنا المجتمعي على المستويات النفسية والاجتماعية والتقافية . وما إثارة هذه القضايا والمفاهيم التي تتمحور حولها وترافقها في العرض إلا من أجل استيعاب إيقاعاتها في اتجاه فهم طبيعة واقعنا الذي يتشكل من مجموع ومختلف تفاعلاتنا كأفراد وكجماعات وكمجتمع.
الهدف التحليلي : وقد بدا من خلال العرض العام والموضوعي للمجال العلمي الذي يشكله علم النفس الاجتماعي. وهو العرض الذي يكتسب مشروعية في الطرح، لكونه ينسجم مع المنظومة الحالية لهذا العلم . وكأن المؤلف مسلحا ب"حذر ابستمولوجي" يريد التذكير بأن انخراطنا ضمن هذه المنظومة تبقى خطوة أساسية ولا مناص منها ( بعيدا عن متاهات الخصوصية والمحلية في العلم )، لاسيما قد سبق وأن مارس نقدا إبستمولوجيا بخصوص مهام ووضعية هذا العلم في الوطن العربي[5]. ثم إن هذا الهدف يتجلى في التوظيف الإجرائي للمفاهيم الأساسية في علم النفس الاجتماعي، وذلك في سياق الواقع الاجتماعي المغربي. بحيث تطلعنا صفحات الكتاب على مناقشة معرفية (مفاهيمية ونظرية ) لأسئلة تتقاطع البحث العلمي الأساسي بالنسبة لهذا المجال والرصد العيني لواقع الأفراد والجماعات في المجتمع المعاصر.
أيضا نلمس نوعا من الحرص على ضبط معرفي وإجرائي للمفاهيم التي تفيد معاني موضوعات الكتاب ، حيث ظهر ذلك على مستوى الأساس النظري لهذه المفاهيم وعلى مستوى التأطير النظري للموضوعات المعنية بها . وكنموذج لذلك ، العرض المتعلق بالسلوك العدواني والعنف من حيث تعابيرهما السيكولوجية والاجتماعية.
أما بلنسبة للإطار النظري العام لعلم النفس الاجتماعي فاٍن ما نستشفه من النصوص وما يحكمها في تفسير الأبعاد النفسية لموضوعاتها، وهو إطار لم ينحصر في منظور بعينه.أي فيما إذا كان التفسير يوجهه المنظورالسلوكي Behaviorisme ( مثلا مع سكينر)، وكنموذج لهذا التفسير في طرح مبادىء التعلم في موضوعات التفاعل الاجتماعي والسلوك العدواني؛ أو المنظور المعرفي Cognitivisme ( النمو مع بياجي ) و ( المجال والدينامية مع لوين ) ، خاصة ما أصبح يشكله هذا المنظورالأخير بالنسبة لقطاع واسع في البحث والاشتغال بالعلم .فقد تجلت إثارته في نطاق موضوعات : التنافر المعرفي ، والإدراك، وتعليم مهارات التفكيروالإتجاهات.
كذلك منظور الدور Rôle الذي جسد بدوره اتجاها نظريا لمعاجة الوقائع النفسية الاجتماعية[6]، فهو "يشكل نقطة التقاء بين عدة مستويات من التحليل " (ص 119 ). ولا غرابة في كون المؤلف يفرد فصلين يبرزمن خلالهما أهمية الدوروتعبيراته النفسية الاجتماعية على مستوى التفاعل بين الأفراد والجماعات :
ف.8 : محددات مفهوم الدور بين الثقافة والمجتمع. من أجل فهم عميق للسلوك الفردي.
ف.9 : علاقة الادراك والتواصل بالدور الاجتماعي.
إلى جانب هذه الاتجاهات النظرية السائدة في مجال علم النفس الاجتماعي والتي تقاسمت التأثير في مهام التفسيرمن حيث المستويات التي يرصد بها الظواهر النفسية الاجتماعية[7] ، نجد انفتاحا على الإمكانات التي يساهم بها التفسير النفسي الديناميي كقيمة مضافة من أجل فهم هذه الظواهر(مع
رواد التحليل النفسي، أو مع لانك و روجرز..)، لاسيما فيما يتعلق بقضايا الذات والهوية والعدوان .
فيما يتعلق بالتناول النظري الذي يطبع موضوعات الكتاب هو تناول حكمته معالجة نقدية تنم عن خبرة صاحبها في التوظيف المعرفي المتنبه والممنهج للمرجعيات والأطروحات والتصورات النظرية التي تجادبت ( ولا زالت تتجادب إلى حد ما) النظر و التفسير في علم النفس الاجتماعي.
والفائدة المكتسبة من مثل هذا التوظيف تتجلى في الإستعمال النظري الموجه للدرس وذلك الموجه للبحث، ثم الإستعمال الذي يؤثت قول وخطاب الأخصائي في هذا المجال.
الهدف التحسيسي: يبدو من خلال موضوعات الكتاب والتي تدور كلها حول سيرورة التفاعل الاجتماعي ، أن هناك قاسم مشترك فيما بينها سواء من حيث تسجيل مظاهر التفاعل بين ما هو نفسي و ما هواجتماعي أو من حيث إثارة أشكال التفاعل بين الفرد والجماعة، ويتجلى في إبراز أهمية الفرد داخل المجتمع إن على مستوى الإنشغال العلمي أو على مستوى الوجود الاجتماعي. بمعنى أن مشكلات مختلف قطاعات الحياة المجتمعية حيث يكون الفرد حاضرا وفاعلا فيها بشكل من الأشكال وكذلك عدد من الظواهر النفسية والاجتماعية "المأزمية" التي صارت تميز هذا العصر ، لا يمكن تجاوزها أو إيجاد حلول لها من دون اعتبار للفرد في خصوصيته النفسية والعقلية أو في صفته وانتماءاته الاجتماعية . لذلك نجد تركيزا من جهة على سيرورات عقلية من قبيل التفكير والتنافر المعرفي ، ومن جهة أخرى على سيرورات نفسية اجتماعية مثل الاتجاهات والذات والدور والهوية والتواصل ودينامية الجماعة . فمجموع هذه السيرورات وضعها المؤلف في قالب غاية أساسية ، وهي المساهمة في تحقيق فهم للسلوك الفردي . كذلك في نفس الاتجاه يشير الأستاذ حدية إلى الدور الذي تلعبه للتنشئة الاجتماعية ( الأسرية والمدرسية ...إلخ) ، حيث يؤكد على كونها " عملية ضرورية في الربط بين الفرد والمجتمع "، بل إنها بمثابة " آلية أساسية تساهم في التوافق والتكيف" (ص180). والمعروف أن موضوع التنشئة الاجتماعية في المجتمع المغربي وخاصة في الوسط القروي ، أخذ من الاهتمام والانشغال العلمي للباحث نفسه[8] ما قد يكفي للإقرار بخبرته المعرفية ( من الناحية النظرية والمنهجية والعملية ) في التعاطي مع هذا الموضوع بحثا وخطابا ، بل أيضا ما يسمح بالكشف عن مهام أو مشكلات حادثة ومستحدثة نسبة إلى تطور أشكال و أساليب وسياقات التنشئة الاجتماعية .
ثم إن المؤلف من خلال طرحه ومعالجته لموضوعات الدور والهوية والتنشئة الاجتماعية يعبر عن موقف تكاملي متفتح في علم النفس الاجتماعي ، بحيث يربط جسور الإسهامات والفوائد المعرفية بين علم النفس وعلم الاجتماع وأيضا الأنتربولوجيا. الأمر الذي يحيل على موقف يكون في منحى عن أية نزعة قد تبررها "ايديولوجيا علمية"[9] معينة ، كما أنه لا"يتخندق" ضمن التيارات السائدة ( السلوكية، السيكودينامية، المعرفية، العلاقات الانسانية) من حيث مرجعية التصور والنظر والممارسات ( على مستوى البحث والتطبيق ) في هذا المجال العلمي[10] . وهو أيضا من الناحية الابستمولوجية يبدو موقفا متحررا من كل مد وجزر قد تعرفه مرجعيات التصور هذه ، وكذلك يبقى مستقلا في اختياراته بالنسبة الى المسعى والمقا ربة الذين ينسجمان مع التفسيرالعلمي. هذا باعتبار أن الهم الابستمولوجي لم يغب عن هذا العمل من حيث مطارحة قضايا علم النفس الاجتماعي من جهة ، و تشخيص واقع علم النفس خاصة في المغرب من جهة ثانية . كذلك من منطلق هذه المهام العلمية التي نستنبط بعض معالمها العامة من مختلف النصوص ، فإننا نقرأ معها دعوة الى ترسيخ تقليد لدى الدارسين والمهتمين بمثل هذه القضايا التي تبقى حاضرة ومؤثرة في حياتنا اليومية و في بيئتنا الاجتماعية ، يتمثل في تفعيل ممارسة سيكولوجية وسيكوسوسيولوجية واضحة تساهم " في تنمية النظرية العامة على المستوى الدولي، مع إغناء معرفتنا الخاصة والمتميزة بمجتمعنا المغربي " (ص 211) .
في الواقع إن القضايا التي يثيرها هذا الكتاب، هي قضايا حية بالنسبة لعلم النفس الاجتماعي الذي لازال ينكب على معاينتها والكشف عن تعابيرها، و حية أيضا بالنسبة للمجتمع الذي تكتسح فيه مجالات مهمة من حياة الأفراد والذي لايمكنه الاستغناء عن فوائد هذا العلم في التعاطي معها.
في هذا الاتجاه ، إذن، تبقى المساهمة التي يمكن أن يقدمها علم النفس الاجتماعي بمثابة مساهمة متعددة المستويات ولا تتوقف فقط عند مستوى الدراسة والبحث حول القضايا المجتمعية ذات أساس نفسي اجتماعي، بل إلى التدخل ( أو مثلا دينامية الجماعات ) كمستوى عملي من أجل إحداث التغيرات الممكنة التي تستوجبها هذه القضايا وذلك في نطاق خدمة تقدم المجتمع . كذلك يفترض أن تكون مثل هذه المساهمة بمثابة هدف ليس فقط منشود ولكن فعلي للتعبئة العلمية .
ـــــــــــ

[1] - حول كتاب جديد للدكتور المصطفى حدية . من منشورات المجلة المغربية لعلم النفس . الرباط. 2004. 240 ص.
[2] - Fischer , G-N : les concepts fondamentaux de la psychologie sociale . Paris . Dunod.1987. p 24.
[3] - Beauvois , J-l. : une définition de la psychologie sociale . dans Beauvois, Dubois, Doise (eds) : la construction sociale de la personne . Grenoble . PUG. 1999. p 311-312.
[4] - من كتاب ذ . حدية موضوع هذه القراءة ( ص: صفحة ) و ( ف : فصل ).
[5] - المصطفى حدية : قضايا إبستمولوجية في علم النفس الاجتماعي . علم النفس الاجتماعي العربي كنموذج. في كتاب : إشكاليات المنهاج في الفكر العربي و العلوم الانسانية . الدارالبيضاء. دار توبقال.1987. ص:67-76.
[6] - Deutsh, M et Krauss, R.M. Les théories en psychologie sociale. Paris –Mouton-Lahaye. 1972
[7] - Doise , W. L’explication en psychologie sociale .Paris. PUF. 1982
[8] - أنظر الأعمال التالية :
Socialisation et identité : étude psychosociologique de l’enfant scolarisé au Maroc. Casablanca. .Najah el jadida .1988.

Processus de la socialisation en milieu urbain au Maroc. Ed. faculté des lettres de Rabat.1996 .
[9] - Deconchy , J-P : Psychologie sociale , croyance et idéologies . Paris . Méridiens klinckiesck. 1989 .p162.
[10] - عبدالكريم بلحاج : علم النفس الاجتماع بالمغرب. أسئلة الموضوع والممارسة. في كتاب : العلوم الانسانية والاجتماعية بالمغرب ، طروحات ومقاربات . الرباط. المعهد الجامعي للبحث العلمي.1998


abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق