أولاً : حياته :
أو دورك حاييم يهودي فرنسي ، ولد في 13 أبريل 1858م في مدينة إيبينال Epinal بمقاطعة اللورين في الجنوب الشرقي بمقاطعة اللورين في الجنوب الشرقي من فرنسا عن أسرة يهودية تتمسك بتقاليد الدين. وقد أحب دور كايم منذ حداثته مهنة التدريس فصمم على أن يصبح مدرساً وليس رجل دين كما كانت ترغب أسرته. وظل حتى الثامنة عشرة من عمره طالباً متفوقاً بمدرسة ابينال، ثم ما لبث أن انتقل إلى باريس حيث التحق بالليسيه، وهي خطوة للالتحاق بعد ذلك بمدرسة المعلمين العليا، والتي كانت تمثل في ذلك الوقت قمة اختيار الطلاب الأكاديمين في فرنسا، وقد تمكن دور كايم من الالتحاق بها بعد أن اجتاز اختياراً تمهيداً عام 1879م، وكان قد بلغ من العمر 21 عاماً ولقد كانت المدرسة مركزاً هائلاً للفكر في ذلك الوقت. ( محمد، محمد، ص 186 )
استكمل دراساته في مدرسة المعلمين العليا بباريس , ثم سافر إلى ألمانيا حيث درس الاقتصاد، والفولكلور، والانثربولوجيا الثقافية، ثم عين أستاذاً بجامعة بوردو Bordeaux عام 1887م ، والتي كانت أول جامعة فرنسية تطرح مقررات منتظمة ونظامية في مجال العلوم الاجتماعية وبخاصة في علم الاجتماع، والتحق بجامعة باريس عام 1902م . (تيماشيف، نيقولا,1993،168) .
إلا أن تدريس العلم الاجتماعي أساساً علمياً يتمثل في تدعيم فلسفات التحديث في إصلاح التعليم .. فقد تدرجت المحاضرات الأولى متنوعة تنوعاً واسعاً وقد تدرجت بدءاً بالأخلاق والتغير الاجتماعي والانتحار والأسرة والتربية وانتهاءً بالاشتراكية وتاريخ علم الاجتماع ذاته. كان من المألوف أن ينظر إلى علم الاجتماع في فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر على أنه مرادف للاشتراكية ومن ثم اعتبر كما لو كان معادياً للثقافة والقيم البرجوازية إلى جانب عدائه للدين والأسرة والتغير الاجتماعي السلمي. (السيد، السيد ، 2000 ، 124 )
بذلك يكون كايم أول عالم اجتماع فرنسي أكاديمي محترف يشغل كرسي أستاذية علم الاجتماع ( 1913 ). إذ كان علم الاجتماع بالنسبة له حرفة أو مهنة. لذا كان يعمل دائماً على أن يجبر الهيئة الأكاديمية على قبول علم الاجتماع كتخصص علمي معرفي محدد. كما حدد في دروسه وأبحاثه المستويات التي من خلالها يمكن الحكم على علم الاجتماع أو تقييمه. أشار دور كايم في أول دراسة منهجية في علم الاجتماع، أشار فيها إلى أنه لم يجد من علماء اجتماع القرن التاسع عشر - كونت ومل وسبنسر – من حاول أن يذهب بالعلم بعيداً عن العموميات التي تعني بطبيعة المجتمعات وبعلاقة المجال الاجتماعي بالمجال البيولوجي، وأنهم اكتفوا ببحث ودراسة أكثر المصادر التي يعتمد عليها البحث البيولوجي، وأنهم اكتفوا ببحث دراسة أكثر المصادر التي يعتمد عليها البحث السسيولوجي عمومية . لذلك اختص لنفسه مهمة تحديد موضوع علم الاجتماع ومجال دراسته والمنهج الملائم له. وعلى الرغم من اسهاماته في دراسة الموضوعات مثل التصنيع والانتحار والدين والأخلاق ومناهج البحث في العلم الاجتماعي أثارت في مجموعها العديد من الخلافات، إلا أن بصماته في تطور علم الاجتماع وبعض مجالات العلم الاجتماعي – وبخاصة الأنثربولوجيا – لا تزال ذات تأثير ملحوظ.
بدأ كايم خطه المهني، أي اشتغاله بعلم الاجتماع وفي وقت بدأ فيه النظام التعليمي الفرنسي يمر بعملية توسع وتحديث بدرجة ملحوظة، وكانت هذه الفترة هي فترة الانكسار والخزي القومي لما منيت بها فرنسا من هزيمة في حربها مع بروسيا ( 1870- 1871 ) وضم ألمانيا لمنطقة الإلزاس واللورين Alsace-Lorraine . فلقد كان الشعور القومي في عصر الجمهورية الفرنسية الثالثة يشكل السياق الأيدولوجي للعديد من حركات الإصلاح العلماني التي قامت بها الدولة في نظام التعليم العالي برمته. وكثيراً ما وصف علم الاجتماع الدوركايمي كما لو كان إسهاماً ملحوظاً لتشكيل الأخلاق المدينة الحديثة، أو صياغة أيدولوجية جمهورية جديدة ترفض كلاً من الاتجاه الكاثوليكي الفرنسي التقليدي جنباً إلى جنب مع الاتجاه الاجتماعي المحافظ الذي كان مترسخاً في أعماق الفرنسيين. ( السيد ، السيد ، 2000، 123-124 )
نظراً لكل هذه الظروف التي كان يمر بها مجتمع دور كايم ، ظهرت مشكلة الاتساق العام وكيفية حماية المجتمع من الانهيار. مع وجود هذه الأزمات لم تكن الظروف التي أدت إلى انبثاق علم الاجتماع على يد كونت وقد اختفت تماماً، فلا يزال الصراع بين النزعة المحافظة والاشتراكية الراديكالية قائماً، وعلى دور كايم أن يختار لنفسه طريقاً وسط هذه الظروف.
يذهب جيدنز Giddens إلى أن دور كايم لم يكن منخرطاً في العمل السياسي وأن موقفه السياسي يمثل رفضاً لنزعة المحافظة الاشتراكية الثورية . فهو ليبرالي تأثرت ليبراليته بالظروف الاجتماعية والسياسية للإقليم الذي يعيش فيه. ( زايد ، أحمد ، 2006، 77 )
ثانيا ً : كايم والاتجاهات الفكرية السائدة :
هنا سنحاول أن نعرض للاتجاهات الفكرية السائدة التي تحاور معها كايم ، فقد تشكل فكره من خلال هذا الحوار إلى جانب تأثره بظروف المجتمع الذي يعيش فيه. تحاور دور كايم مع ثلاثة اتجاهات فكرية : الفكر النفعي لهربرت سبنسر، والفكر الاشنراكي ثم الفلسفة الوضعية ( وإطارها المحافظ ).
• دور كايم والفكر النفعي :
اتضح منذ البداية معاداة دور كايم للنزعة الفردية ، بحيث يذهب روبرت نيسبت إلى أن دور كايم يشترك مع فرويد في تحمل جزء كبير من المسئولية عن تحويل الفكر من التركيز على الإرادة والاختيار والوعي الفردي، إلى التركيز على الجوانب غير الاختيارية وغير العقلية. بل إن رد فعل دور كايم تجاه المذهب الثوري كان أكثر ثورية من فرويد من حيث أنه ظل هو بؤرة الاهتمام الرئيسية في تحليلات فرويد النفسية ، أما دور كايم فإنه يركز على الظروف الاجتماعية الخارجية كمصدر للدافع والفكر والسلوك. فما نهتم به عند دراسة أسبقية المجتمع على الفرد، ومن قدرة هذا المجتمع على أن يضع مجموعة من الميكانيزمات القهرية تضبط سلوك الأفراد داخله. ومن هنا تظهر معاداة دور كايم معاداته للفكر الفردي وهذا شيء طبيعي طالما ان بؤرة اهتمامه الرئيسية هي النظام العام. فهو يخاف أن تقضي المنفعة الفردية والتنافس على وجود هذا النظام على ما يذهب ألفن جولدنز.
تتضح معاداة كايم للفكر النفعي الفردي أيضاً في رفضه لنظرية العقد الاجتماعي المرتبطة بهذا الفكر والتي أكد عليها هربرت سبنسر وجوهر النظرية هو علاقة التبادل الاقتصادي التي تحسمها حسابات العرض والطلب بين الأطراف الداخلة في التعاقد. فنظر كايم إلى العقد نظرة مجتمعية عامة، يتحقق من خلاله النظام العام، وبونه يصبح الناس في حالة حرب فتحقيق المصالح المتعددة للأفراد من خلال التعاقد هو الذي يقلل من حدة العداء الكامن بين الأفراد، ويؤدي ذلك إلى فائدة متبادلة وسلام متبادل. فق فشل سبنسر وغيره فمن دوافع الأفراد الفعلية أو دوافع الأطراف الداخلين في التعاقد . إنها الجوانب غير التعاقدية في العقد الاجتماعي.وهي حقيقة لم يدركها أصحاب النزعة الفردية على الإطلاق . وهنا يكمن الحل الدور كايمي لمشكلة النظام الذي يقوم على قهر القيم والمعايير بدلاً من قهر الدولة لعلاقات النفعية وتنظيمها لها على ما ذهب هوبز. (زايد، أحمد ، 2006 ، 78-79 )
• دوركايم والفكر الاشتراكي :
دفع جنوح دور كايم إلى النظام إلى رفض الاشتراكية. لقد بدأ اهتمام دور كايم بالاشتراكية منذ عام 1883م، نفس الفترة التي أعد فيها خطة كتابه عن تقسيم العمل. ولكن تقدمه في هذه الدراسة جعله ينشغل بها عن الاشتراكية إلى أن بدأ يهتم بها مرة أخرى في عام 1895م، حيث ألقى سلسلة محاضرات في هذا الموضوع. ويذهب البعض إلى أن كل أعمال دور كايم ما هي إلا محاولة لإقامة نموذج لمجتمع يعارض نموذج ماركس الاشتراكي ؛ حيث يحاول منذ البداية أن يبحث عن نوع من الوساطة الفكرية بين نسقين نظريين قائمين؛ الوضعية والماركسية من خلال تفسير منبعهما المشترك وأعني سان سيمون.
ولكنه فشل في هذه المصالحة الأيدولوجية فطوّر الجانب المحافظ عند سان سيمون وأهمل الجانب الراديكالي الذي طوره ماركس .
لم يرى دور كايم في الاشتراكية مذهباً جديداً بل اعتبرها صيحة ألم لإنسان يواجه بمظاهر الأنومي في المجتمع الصناعي. إنها مثلها مثل ظواهر المجتمع يجب أن تخضع للدراسة العلمية. يجب اعتبارها حقيقة اجتماعية خارجية، فهي وإن كانت توجد في المجتمع إلا أنها لا تعبر بالضرورة عن الظروف الاجتماعية التي أنتجت ذلك المجتمع. بل أن عداء دور كايم للاشتراكية امتد إلى نقد آراء ماركس فيما يتعلق بعلاقات الإنتاج والصراع الطبقي والنموذج الذي قدمه يؤكد أهمية التغيرات التراكمية في مقابل التغيرات الثورية في المشروع الماركسي. فالمجتمعات التي تقوم بها الثورات ليست هي المجتمعات التي تكشف عن قدرة أكبر على التغير، بل العكس هو الصحيح تماماً ؛ لأنه في أغلب هذه المجتمعات تظل التقاليد الأساسية دون تغير، كما أن الثوريين يعطلون التغير الطبيعي من خلال الروتين البيروقراطي. أما عن الصراع الطبقي فقد اعتبره دور كايم ناتجاً عن حالة المرض Malaise الذي استشرى في العالم الحديث إلى جانب سوء النظام Disorder الناتج عن التفكك الأخلاقي. ومن هنا كان تركيز دور كايم على الجوانب القيمية والأخلاقية في تحقيق التضامن والتماسك في المجتمع .
وإذا كان اهتمام دور كايم بإقامة دعائم النظام العام قد جعله يرفض التفسيرات الفردية والاشتراكية، فإن نفس السبب قد جعله يتبنى الوضعية.
• دوركايم والوضعية :
إن القول بتبني كايم للاتجاه الوضعي لا يعني أنه ردد آراء كونت على عواهنها، بل إنه استلهم الروح الوضعية عندما ركز على أهمية تحليل العلاقات القائمة بين النظم الاجتماعية من ناحية وبينها وبين البيئة الموجودة فيها من ناحية أخرى، وعندما جعل من نظريته محاولة لاستعادة التوازن والاستقرار بين عناصر المجتمع المتصارعة، وفي إضفاء الطابع العلمي على دراسة المجتمع من وجهة نظر محافظة إلى حد بعيد. ولقد حاول دور كايم أن ينقي الوضعية ويخلصها من الشوائب الفلسفية واليوتوبية التي أضفاها عليها كونت وقد تجلى ذلك فيما يلي :
1. اختفت أو ضعفت النزعة التطورية في أعمال دور كايم وظهر اهتمامه بالدراسات المقارنة، ذلك الذي اتضح بجلاء في دراسة دور كايم لتقسيم العمل والانتحار والدين.
2. معارضة النزعة التنبؤية اليوتوبية حيث ذهب دور كايم إلى أن العلم لم يصل على مرحلة النضج بحيث يمكن أن يتنبأ بالمستقبل: فإذا كان كونت قد رفع شعار النظام والتقدم. فإن دور كايم لم يعر أهمية للتقدم وركز على النظام. وبهذا يكون كايم قد أجهض النظرية التطورية للوضعية وقلب مفهومها عن الماضي رأساً على عقب.
3. أضفى دور كايم طابع العلمانية على العلم. فإذا كان كونت وسان سيمون قد ربطا علم الاجتماع بالدين إلى درجة أنهما اعتبراه ديانة جديدة للإنسانية، فإن دور كايم عالج الدين كظاهرة اجتماعية مثل كل ظواهر المجتمع.
4. نحا دور كايم بالوضعية منحىً علمياً فبذل قصارى جهده لتحديد موضوع ومنهج علم الاجتماع. فمن حيث الموضوع حدد خصائص الظاهرة الاجتماعية، ومن حيث المنهج ركز دور كايم على الموضوعية والعلمية في دراسة الظواهر الاجتماعية إلى درجة أنه ذهب إلى أننا يجب أن نعتبرها " أشياء " خارجية منفصلة عن شعورنا الذاتي، وأنه يجب على الباحث أن يتحرر من كل فكرة سابقة عن الظاهرة كي لا يقع في أسر أفكاره الخاصة. هكذا استمرت الوضعية في أعمال دور كايم كما سنرى في أعماله. ( مقال من الانترنت )
إسهاماته المنهجية :
1. يعد كايم أول من عرف الظاهرة فهو يرى أننا حينما نحاول أن نميز حادثة معينة ترتبط بالمجتمعةأ, تكون ذات دلالة اجتماعية نلجأ إلى استخدام مصطلحات غير واضحة وغير ملائمة فقد وجد كايم ظواهر معينة في الحياة الاجتماعية يتعذر تفسيرها في ضوء التحليل السيكولوجي او الطبيعي، فهناك انماط من السلوك وضروب من التفكير والشعور تتميز بأنها خارجة عن الفرد وتتمتع بقوة وقهر ( تيماشيف، نيقولا،1993، ص ص 168-169 )
2. كان أول من طبق قواعد المنهج العلمي في علم الاجتماع وقدم تطبيقه هذا في دراسته ( قواعد المنهج العلمي في علم الاجتماع ) (زايد، أحمد ،2006،ص 83 )
نظر كايم إلى علم الاجتماع من حيث كونه يهتم بدراسة المجتمع وما ينبعث عنه من ظواهر دراسة علمية وصفية تحليلية ولكي يحقق العلم غايته فإنه لابد من منهج علمي يستطيع بفضله الوصول إلى قوانين الظواهر ولقد وضع كايم الخصائص التي يجب أن تتميز بها دراسات علم الاجتماع والتي يمكن إيجازها فيما يلي :
1. يجب دراسة الظواهر الاجتماعية باعتبارها اشياء بمعنى انها تخضع للملاحظة والتجربة.
2. يجب على الباحث التحرر من كل فكرة سابقة يعرفها عن الظاهرة حتى لا يقع أسير الأفكار الشخصية
3. يجب على الباحث أن يبدأ بتعريف الظاهرة التي يتخذها مادة للدراسة.
4. يجب على الباحث عند دراسة طائفة خاصة من الظواهر الاجتماعية أن يبذل قصارى جهده في ملاحظة هذه الظواهر من الناحية التي تبدو فيها مستقلة عن مظاهرها الفردية.
أما فيما يتعلق بخطوات المنهج العلمي فلخصها كما يلي :
1. دراسة نشأة الظاهرة والوقوف على عناصرها لأن الظاهرة شيء معقد وتتألف من أجزاء كثيرة.
2. دراسة تطور الظواهر والوقوف على مختلف أشكالها.
3. دراسة العلاقات التي تربط الظاهرة بما عداها من الظواهر التي تنتمي إلى شعبتها.
4. الانتفاع بمطلق المقارنة في دراسة الظواهر
5. الكشف عن الوظيفة الاجتماعية التي تؤديها الظاهرة وما خضعت له هذه الوظيفة من تطور وذك في ضوء دراسة تاريخ الظاهرة.
6. تحديد القوانين التي يصل إليها الباحث من دراساته ويجب صياغة هذه القوانين بدقة لأنها هي التي تكون مادة العلم.
3. من إسهاماته أيضاً الوظيفية :
كان لدور كايم دوراً مؤثراً في تأسيس النظرية الوظيفية، ومبدئياً فإن تأثيرات كونت وسبنسر في الوظيفية تجد امتداداتها عند دور كايم في الكثير من أبحاثه سواء المتعلق منها بـ " تقسيم العمل في المجتمع " أو " الأشكال الأولية للحياة الدينية " . وسوف نعرض الآن إسهامات كايم في تأسيس البنيوية الوظيفية.
أولا : اهتمام دور كايم بالوقائع الاجتماعية جعله يهتم أيضاً بالأجزاء المكونة للنسق الاجتماعي من جهة وعلاقات الأجزاء بعضها البعض ومن ثم تأثيرها على المجتمع. ففي حديثه عن الوقائع الاجتماعية وجد نفسه مضطراً لإعطائها أهمية كونها تندرج في إطار بنى ومؤسسات سعى دور كايم إلى البحث عنها.
ثانياً : اعتنى دور كايم كثيراً بالبنى والوظائف وعلاقاتها بحاجيات المجتمع. وهذا يعني اهتمامه بالبنية والوظيفة كعنصرين هامين في التحليل السسيولوجي.
ثالثاً : من أهم الأمور التي قام بها دور كايم تمييزه بين مفهومين " السبب الاجتماعي "
و" الوظيفة الاجتماعية "، إذ أن دراسة " السبب الاجتماعي " سيعني الاهتمام بمبررات وجود البنية، أما دراسة " الوظيفة الاجتماعية " فستعنى الاهتمام بحاجيات المجتمع الكبيرة وكيفية تلبيتها من طرف بنية معينة.
رابعاً : رفض دور كايم رفضاً قاطعاً فكرة اسطورية الدين، وأكد في المقابل على أنه ظاهرة عالمية وبالتالي لابد وأن تكون له في الوظيفية في المجتمعات البشرية. فمن بين وظائف الدين عند كايم العمل على توحيد الناس وخلق روح التضامن الاجتماعي بينهم عن طريق القيم الثقافية والاعتقادات الدينية التي يدعو إليها هذا الدين أو ذاك.
حسب كايم فـ ( إن الانسجام من ملامح الرؤية الوظيفية ) لا بل أنها تنظر إلى المجتمع على أساس أنه مستقر وليس هناك ما يعكر صفوه من صراعات ونزاعات بما أن أجزاءه تتكامل في القصد والهدف.
4. التصنيف الاجتماعي :
ينهض تصنيف كايم للأنواع الاجتماعية على تسليمه بأن المجتمعات يمكن أن تنقسم إلى أجزاء، بحيث يشكل كل جزء على حدة مجتمعاً بسيطاً. وهذه المسلمة تتفق مع ما يذهب إليه كونت ، من أنه يتعين أن نصنف المجتمعات وفقاً لدرجة تنظيمها، فيبدأ التصنيف عادة بأبسط المجتمعات تركيباً، بحيث نستطيع بعد ذلك أن نصوغ مجموعة كاملة من النماذج الاجتماعية. فنحن نبدأ عادةً بنموذج أساسي بسيط، ثم تصعد بعد ذلك درجة أخرى إلى المجتمعات التي تتكون من أكثر من قسم واحد، مثل تجمع عدد من القبائل أو العشائر. أما الخطوة التي تلي ذلك كله، فهي المجتمعات الانقسامية المركبة مثل المدينة أو الدولة.
5. من إسهاماته أيضاً دراسته للانتحار :
تعتبر دراسته عن «الانتحار» من خير دراساته التي تمثل البحث السوسيولوجي الذي يقوم على أسس نظرية واضحة. كما تعتبر أول نموذج متكامل للبحث الاجتماعي ، بل أن التاريخ للبحث الاجتماعي يتعين أن يبدأ من هذه الدراسة إذ لا ترجع أهمية هذا الكتاب للمنهج الاحصائي الذي يستخدم فيه ببراعة فحسب، إنما لقدرة دور كايم على تدعيم موقفه النظري بالبيانات والشواهد الواقعية وما انطوى عليه من تحليله من دلالات فلسفية وايدولوجية . وسوف نتناول دراسته هذه بالتفصيل ضمن نظرياته كما سيأتينا لاحقاً .
6. تعتبر دراسة كايم للدين أيضاً أحد أهم اسهاماته :
تمحور سؤال دور كايم الأساسي عن مصدر الدين الحديث وبما أن التخصص والغطاء الايدولوجي يجعل من الصعب دراسة جذور الدين في المجتمع الحديث مباشرة، مما جعل دور كايم يتناول الموضوع في إطار المجتمع البدائي. وأيضاً سنتناول دراسته للدين من خلال مؤلفه " الأشكال الأولية للحياة الدينية " مفصلين في آرائه في ذلك لاحقاً.
مؤلفاته :
• " تقسيم العمل في المجتمع " الصادر عام ( 1893م )
• " قواعد المنهج في علم الاجتماع " الصادر عام ( 1895 م )
• " الانتحار" الصادر عام ( 1897 م )
• " الأشكال الأولية للحياة الدينية " الصادر عام ( 1912 م )
• " التربية وعلم الاجتماع " الصادر عام ( 1924 م )
• " علم الاجتماع والفلسفة " الصادر عام ( 1924 م )
• " التربية والأخلاق " الصادر عام ( 1925 م )
• " الاشتراكية " الصادر عام ( 1928م ) أهم المفاهيم عند دور كايم :
1. الظاهرة وقد سبق تعريفها في اسهاماته المنهجية .
2. الضمير الجمعي :
طور دور كايم فكرة الضمير الجمعي التي تميز ( تقسيم العمل في المجتمع ) كما يلي: " إن مجموع المعتقدات والمشاعر العامة لدى المواطنين العاديين في المجتمع تكون نسقاً محدداً له حياته الخاصة يمكن أن نطلق عليها " الضمير الجمعي " وهو مختلف تماما ًعن ضمير معينة بالرغم من أنه لا يمكن تحققه إلا عن طريقها "وسوف نوضح بعض النقاط في هذا التعريف :
• اعتبر كايم أن الضمير الجمعي يتكون عالمياً عندما تحدث مجموعة المعتقدات والمشاعر.
• تصور دور كايم الضمير الجمعي كنسق ثقافي مستقل وحتمي، نجد أن كايم يتصور الضمير الجمعي كشئ مستقل تماماً عن ضمير الفرد.
يرى كايم أن الزيادة في تقسيم العمل الناتجة عن الزيادة في الكثافة الحيوية تسبب ضعف الضمير الجمعي، وتقل أهمية الضمير الجمعي في مجتمع التضامن العضوي مقارنة بمجتمع التضامن العضوي مقارنة بمجتمع التضامن الآلي، فالناس في المجتمع الحديث ينصهرون عن طريق تقسيم العمل والحاجة الناتجة للوظائف التي يؤديها الآخرون أكثر من انصهارهم عن طريق ضمير جمعي قوي مشترك .
3. التمثل الجمعي :
في حين أن فكرة الضمير الجمعي كانت مفيدة لدور كايم لكن من الواضح أنها فضفاضة وغير محددة، وعدم قناعته بمفهوم الضمير الجمعي قاده إلى التخلي عنه في أعماله اللاحقة لمصلحة مفهوم آخر أكثر تحديداً هو التمثل الجمعي.
ويمكن اعتبار التمثل الجمعي حالات محددة أو طبقات فرعية من الضمير الجمعي، باللغة المعاصرة التمثل الجمعي بقيم ومعايير جمعية معينة مثل الأسرة،المهنة، الدولة والمعاهد التعليمية والدينية.
4. القهر :
يرى كايم أن الظاهرة الاجتماعية تستطيع أن تفرض نفسها على الفرد أراد ذلك أم لا، والفرد لم يشعر بهذا القهر او لا يكاد يشعر به حينما يستسلم له بمحض إرادته، ومما يدل على وجود القهر الاجتماعي أن الفرد لإذا حاول الخروج على إحدى الظواهر الاجتماعية فإنها تتصدى لمقاومته بصور مختلفة. مثال ذلك العقاب المادي كما هو الحال في الجريمة، أو الجزاء الخلقي كما هو الحال في الخروج عن المألوف مما يدعو إلى استهجان الناس لسلوكه.(حسن، عبد الباسط ، 1977، ص 80 )
5. الوظيفية :
يلجأ دور كايم في تفسيره لمفهوم الوظيفية إلى استعارة بعض التصورات البيولوجية. فهي في رأيه تشير إلى نوع من الارتباط بين واقعة معينة وحاجات الكائن العضوي.
بعبارة أخرى فإن وظيفة الظاهرة الاجتماعية هي خلق نوع من التقابل بينها وبين الحاجات العامة للمجتمع فوظيفة تقسيم العمل - مثلاً – هي تحقيق التكامل في المجتمع الحديث لكن ذلك لا يعني أن تقسيم العمل قد وجد أساساً لتحقيق هذا الدور، كما أنه ليس من الضروري أن تنطوي هذه الوظيفة على منفعة تعود على الفرد مباشرة. فالمهمة الأساسية للتحليل الوظيفي إذن هي الكشف عن الكيفية الي يسهم بها نظام معين أو ظاهرة اجتماعية بعينها في تحقيق واستمرار الكيان الاجتماعي.(تيماشيف، نيقولا،1993، ص ص 182-183)
باختصار نستطيع القول أن كايم عرف مفهوم الوظيفية " بأن وظيفة العناصر الاجتماعية تتمثل في مساهمتها في الحفاظ على مجرى الحياة في المجتمع" ( حجازي ، أكرم )
6. تقسيم العمل في المجتمع :
أسس دور كايم تحليله في ( تقسيم العمل في المجتمع ) على مفهومه عن نوعين مثاليين من المجتمعات، النوع الأكثر بساطة يتميز بالتضامن الآلي وهو ذو بناء اجتماعي غير متباين نسبياً وينعدم فيه تقسيم العمل أو يوجد في أدنى درجاته، أما النوع الحديث فيتميز بالتضامن العضوي وبه تقسيم واسع للعمل.
بالنسبة لدور كايم يعتبر تقسيم العمل في المجتمع حقيقة اجتماعية مادية تتضمن الدرجة التي يتحدد فيها تخصيص الأعمال والمسئوليات. فالناس في المجتمعات البسيطة يحتلون مواقع عامة جداً يؤدون فيها قدر واسع من المهام المختلفة ويتعاملون مع عدد كبير من المسئوليات، بمعنى آخر الرجل البسيط هو رجل كل المهن.
على النقيض من ذلك فإن أولئك الذين يعيشون في مجتمعات حديثة يحتلون مواقع أكثر تخصصاً ولهم نطاق ضيق من المهام والمسئوليات. مثلاً دور ربة المنزل في المجتمعات البسيطة له موقع أفضل من دور الأم اليوم فوجود ( خدمات الغسيل، خدمات التوصيل للمنازل، والأجهزة الكهربائية .. الخ ) تؤدي عدد من المهام كانت في السابق من مسئولية الأم.
التغير في تقسيم العمل له انعكاسات عديدة على بنية المجتمع وبعض أهم هذه الانعكاسات يظهر في الاختلاف بين نوعين التضامن الآلي والعضوي.
7. التضامن الآلي والتضامن العضوي :
قارن كايم بين المجتمعات القديمة والمجتمعات الأكثر تطوراً، ووجد أن الأولى تتميز بوجود نوع من التضامن الآلي، ويعتمد التضامن الآلي على التماثل بين أعضاء المجتمع، بينما يستمد التضامن العضوي أساسه من التباين، وفي تناوله لموضوع التضامن كان دور كايم مهتماً بما يجعل المجتمع متماسكاً، فالمجتمع الذي يتميز بالتضامن الآلي موحد لأن كل الناس عموميين، والرابطة بينهم تتمثل في أنهم جميعاً يؤدون نفس المهام ولهم مسئوليات متشابهة ، أما المجتمع الذي يتميز بالتضامن العضوي متماسك بالاختلاف الموجود بين أفراده لأن لهم مهام ومسئوليات مختلفة. لأن الناس في المجتمع الحديث يؤدون مهاماً محدودة نسبياً فإنهم بحاجة إلى أناس آخرين عديدين للبقاء. مثال : الأسرة التي يكون رب بيتها صياداً تكون ربة البيت نفسه جامعة للغذاء مكتفية ذاتياً وعملياً، لكن الأسرة الحديثة تحتاج للبقاء أسبوعاً واحداً للبقال والخباز و الجزار والمعلم والضابط .. الخ. هؤلاء الناس يحتاجون إلى الخدمات التي يقدمها الآخرون من أجل الحياة في العالم الحديث، فالمجتمع الحديث كما يرى دور كايم متماسك بتخصص أفراده وحاجتهم إلى خدمات آخرين عديدين.
8. القانون :
يرى كايم أن المجتمع ذو التضامن الآلي يتميز بقانون قمعي، لأن الناس متشابهين جدا في مثل هذا المجتمع ولأنهم يعتقدون بقوة في أخلاق عامة فإن أي خرق للقانون تجاه نسق القيم المشتركة غالباً ما يكون ذا أهمية بالنسبة لأغلبية الأفراد، وبما أن الناس يحسون بالجرم ويعتقدون بقوة في الأخلاق العامة فإن خارق القانون يعاقب بقسوة لكل فعل يعتبر خرقاً للقانون ومخترقاً لنسق الأخلاق العامة.
على النقيض من ذلك يتميز المجتمع العضوي بقانون تعويضي، فبدلا من العقوبة القاسية في مواجهة الجرائم الصغيرة ضد الأخلاق العامة، إن الأفراد في هذا النوع من المجتمع الأكثر حداثة يطلب منهم الانصياع للقانون او تعويض أولئك الذين تضرروا من أفعالهم.
9. الحقائق الاجتماعية :
يذكر دور كايم أن موضوع علم الاجتماع المميز يجب أن يكون الحقائق الاجتماعية. ومفهوم الحقائق الاجتماعية له عدة مكونات، ولكن ما هو حاسم في فصل علم الاجتماع عن الفلسفة هي فكرة أن الحقائق الاجتماعية يجب أن تعامل كأشياء، وبما أنها تعامل كأشياء فإن الحقائق تدرس ميدانياً وليس فلسفياً.
كان دور كايم يعتقد أن الأفكار يمكن معرفتها عن طريق الاستبطان فلسفياً لكن الأشياء لا يمكن إدراكها عن طريق النشاط العقلي الخالص ونحتاج من أجل فهمها إلى معلومات من خارج العقل. هذا التوجه الميداني ودراسة الحقائق الاجتماعية كأشياء هو الذي ميز علم اجتماع دور كايم عن التفكير الفلسفي لكونت وسبنسر.
يهتم علم الاجتماع بالظواهر لكنها عادة تختلف عن تلك الظواهر العقلية موضوع علم النفس. لذلك فإن دور كايم ذكر أن علم الاجتماع مهتمون بالقيم والمعايير في حين أن علماء النفس مهتمون بأشياء مثل الغرائز الإنسانية.
تلعب الحقائق الاجتماعية دوراً أساسياً في علم اجتماع دور كايم. لاستخراج أهم الحقائق الاجتماعية من أعماله وتحليل أفكاره عن العلاقات بين تلك الظواهر فمن الأفضل أن نبدأ بمحاولاته تنظم الحقائق الاجتماعية في مستويات من الواقع الاجتماعي. لقد بدأ دور كايم بالحقائق المادية ليس لأنها الأهم لكن لأن مكوناتها تأخذ أهمية عرضية في تنظيره. إنها تؤثر على الحقائق الاجتماعية غير المادية، موضوع اهتمامه الأساسي. ويمكن تصنيف المستويات الكبرى للواقع الاجتماعي عند دور كايم كما يلي :
أ- الحقائق الاجتماعية المادية :
1. المجتمع
2. المكونات البنيوية للمجتمع ( الدولة مثلاً )
3. المكونات المورفولوجية للمجتمع ( توزيع السكان، قنوات الاتصال، ترتيبات المساكن مثلاً )
ب- الحقائق الاجتماعية غير المادية
1. الأخلاق
2. الضمير الجمعي
3. التمثل الجمعي
4. التيارات الاجتماعية
10.الكثافة الحيوية :
حقيقة اجتماعية وعامل أساسي في نظرية كايم للانتقال من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي هي الكثافة الحيوية.
يعني مفهوم الكثافة الحيوية يعني عدد السكان في المجتمع وكمية التفاعل الذي يحدث بينهم. الزيادة السكانية أو الزيادة في التفاعل إذا أخذنا كلاً على حدة لا يشكلان عاملاً مهماً في التغير الاجتماعي، لكن الزيادة في أعداد الناس مصحوبة بزيادة التفاعل بينهم – الكثافة الحيوية – يؤديان إلى التغير من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي لأنهما معاً يقودان إلى المزيد من التنافس حول الموارد النادرة وصراع أكثر كثافة من أجل البقاء بين مختلف مكونات المجتمع البسيط المتشابهة والمتوازية. وبما أن الأفراد والمجموعات والأسر والقبائل وما إلى ذلك تؤدي أدواراً متشابهة فغالباً ما يصطدمون حول هذه الأدوار خاصة في حالة ندرة الموارد. نشوء تقسيم العمل يسمح للناس والبنيات الاجتماعية التي يخلقونها بالتكامل أكثر من الصراع بعضهم البعض وهذا بدوره يجعل التعايش السلمي أكثر احتمالاً، إضافة إلى ذلك فإن الزيادة في تقسيم العمل تؤدي إلى المزيد من الفعالية وينتج عن ذلك الزيادة في الموارد مما يسمح لعدد أكبر وأكبر من الناس بالبقاء في سلام.
كان كايم مهتم بشكل أساسي بتأثير التغيرات المادية على الحقائق الاجتماعية غير المادية وطبيعتها في المجتمعات ذات التضامن الآلي والعضوي. لكن ونسبة لتصوره عن أي نوع من علم الاجتماع شعر أن دور كايم أنه من الصعوبة دراسة الحقائق الاجتماعية غير المادية مباشرة، لأن الدراسة المباشرة للحقائق غير المادية كانت في رأيه موضوعاً فلسفياً أكثر من كونه موضوعاً لعلم الاجتماع. ومن أجل دراسة هذه الحقائق علمياً يجب على الباحث البحث عن الحقائق المادية ودراستها لأنها هي التي تحدد طبيعة الحقائق غير المادية والتغيرات داخلها.
11. اللامعيارية :
في مفهوم اللامعيارية اظهر دور كايم اهتمامه بشكل جيد بمشاكل ضعف الأخلاق العامة، يواجه الأفراد اللامعيارية عندما لا تكون هنالك قيود أخلاقية كافية، أي عندما لا يكون لديهم مفهوم واضح عن ما هو صحيح ومقبول كسلوك وما هو غير ذلك. حسب كايم أن المرض الأساسي في المجتمع الحديث هو تقسيم العمل اللامعياري ، ومفهوم اللامعيارية لا يوجد فقط في ( تقسيم العمل في المجتمع ) لكن أيضاً في ( الانتحار ) باعتباره أحد الأنواع الأساسية ، وقد تناولنا هذا النوع بالتفصيل سابقاً ولكن يمكننا الإشارة إلى ان الانتحار اللامعياري يحدث نتيجة لتدني الأخلاق الجمعية ولغياب الموجهات الخارجية الكافية لكبح نزوات الفرد.
12. الانتحار :
عرف كايم الانتحار بأنه " كل حالات الموت التي يكون نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لفعل سلبي أو ايجابي قام به المنتحر نفسه, وهو يعلم انه سيؤدي إلى هذه النتيجة". وسوف نفصل عن دراسته عن الانتحار فيما بعد ولكننا هنا وضعناه كتعريف باعتباره أحد المفاهيم الهامة عند كايم.
13. المقدس والمدنس :
منطلقاً من منهجه الاساسي أن الحقيقة الاجتماعية تسببها حقيقة اجتماعية أخرى، خلص دور كايم إلى أن المجتمع هو مصدر الدين، فالمجتمع من خلال أفراده يخلق الدين من خلال تعريفه لظواهر معينة بأنها مقدسة وأخرى مدنسة، تلك الجوانب من الواقع الاجتماعي التي تعرَف على أنها مقدسة وأخرى بأنها مدنسة، أما المقدسة فهي تلك لتي تعزل وتعتبر من المحرمات تكوَن أساس الدين، وما تبقى يعتبر مدنساً، فالمقدس يؤدي إلى سلوك يحتوي على التقديس، والاحترام، الغموض،الرهبة والشرف، هذا الاحترام الذي ينسب لظواهر معينة ينقلها من المدنس إلى المقدس . التمييز بين المقدس والمدنس وارتفاع بعض ظواهر الحياة الاجتماعية لمستوى المقدس ضروري ولكن ليس كافياُ لتطور الدين، ولتطور الدين لابد من توفر ثلاث ظروف أخرى :
1. يجب أن يتطور نسق من المعتقدات الدينية، والمعتقدات " هي التمثلات التي تعبر عن طبيعة الأشياء المقدسة وعلاقتها مع بعضها البعض أو مع الأشياء المدنسة ".
2. من الضروري وجود نسق من الطقوس.
3. أخيراً يحتاج الدين إلى كنيسة أو مجتمع أخلاقي.
وأدى التداخل بين المقدس والمعتقدات والطقوس والكنيسة قاد دور كايم إلى التعريف الدين كما يلي:
" الدين نسق موحد من المعتقدات والممارسات تجاه الأشياء المقدسة - أي الأشياء التي تعتبر محرمة – المعتقدات والممارسات التي تتوحد في مجتمع أخلاقي واحد يعرف بالكنيسة وكل الذين يلتزمون بذلك ".
14. الطوطمية :
الطوطمية خاصة والدين عامة مشتقان من الأخلاق الجمعية، وهي نفسها قوى غير شخصية ، هي ليست سلسلة من النباتات، والحيوانات والأرواح فقط.
15. الانفعال الجمعي :
الضمير الجمعي هو مصدر الدين كما يرى كايم، لكن ما هو مصدر الضمير الجمعي ؟ يرى كايم أن مصدره واحد يأتي من مصدر واحد هو المجتمع.
مفهوم الانفعال الجمعي لم يوضح جيداً في أي من أعمال دور كايم بما في ذلك " الأشكال الأولية للحياة الدينية " ويبدو أنه كان في ذهنه وبشكل عام اللحظات الكبرى في التاريخ التي أمكن فيها للجماعة تحقيق مستويات عليا من الرقي والتي تقود بدورها إلى تغيرات كبرى في بنية المجتمع، وكنموذج على ذلك نستحضر الإصلاح الديني وعصر النهضة في أوروبا ، ذكر كايم أن الدين ينشأ من " الانفعال الجمعي " إنه وسط هذه البيئات الاجتماعية المنفعلة ومن هذا الانفعال نفسه يبدو أن الدين يولد، وخلال فترات الانفعال الجمعي يخلق أفراد العشيرة الطوطمية.
باختصار، الطوطمية هي التمثيل الرمزي للضمير الجمعي والضمير الجمعي بدوره يأتي من المجتمع لذلك فإن المجتمع هو مصدر الضمير الجمعي والطوطمية.
16. الإصلاح الاجتماعي :
كان دور كايم إصلاحياً اجتماعياً يرى أن المشاكل في المجتمع الحديث طارئة وليست صعوبات أصلية، في اتخاذه لهذا الموقف يقف كايم موقف المعارضة من المحافظين والراديكالين في عصره، فالمحافظون مثل لويس دي بونالد وجوزيف دي مايستر رأوا انعدام الأمل في المجتمع الحديث ودعوا للعودة إلى الحياة البدائية. أما الراديكاليون مثل الماركسيين في عصر دور كايم وافقوا على أن العالم لا يمكن إصلاحه، وكانوا يأملون ان الثورة ستأتي بمجتمع اشتراكي جديد. خلافاُ لكل ذلك تابع دور كايم تحليله بين العمليات الاجتماعية والبيولوجية وذكر أن مشاكل وقته عبارة عن " أمراض " يمكن معالجتها بواسطة الطبيب الاجتماعي الذي يعرف الطبيعة الأخلاقية لمشاكل العالم الحديث ويتخذ إصلاحات بنيوية للتخفيف منها .إذن فقد كان كايم إصلاحياً وليس راديكالياً أو ثورياً. لقد كان واضحاً حول موقفه السياسي في مناقشته لاهتمامه بدراسة الحقائق الاجتماعية فقد قال: " إن تحليلنا ليس ثورياً وإنما نحن في الأساس محافظون بما أننا نتعامل مع الحقائق الاجتماعية كما هي، نقر بمرونتها لكننا نتصور أنها حتمية وليست اعتباطية، كم هو خطير المذهب الذي يرى في الظواهر الاجتماعية فقط نتائج الاستقطاب غير المقيد والذي يمكن قلبه في لحظة بواسطة الخداع الجدلي ". لم يكتف كايم بذلك بدعوتنا إلى مذهبه السياسي وإنما هاجم في الجملة الأخير النظريات الثورية ( الخداع الجدلي ) لدى ماركس وأتباعه.
17. الجمعيات المهنية :
العلاج الرئيسي الذي افترضه كايم للأمراض الاجتماعية هو قيام الجمعيات المهنية، وعندما تمعن في المنظمات التي كانت موجودة في زمنه، لم يقتنع دور كايم بأن هنالك صراع مصالح أساسي بين مختلف الناس الموجودين في تلك المنظمات – الملاك، والإداريين والعمال. في هذا اتخذ كايم موقفا معارضاً لماركس الذي يرى أن هنالك صراعا اساسيا بين العمال والملاك. يعتقد كايم أن مثل ذلك التصادم في المصالح موجود في ذلك الوقت لأن مختلف الناس داخل تلك المنظمات تنقصهم الأخلاقية العامة وذلك النقص في الأخلاق يمكن إرجاعه إلى النقص في البنية التكاملية. اقترح دور كايم أن البنية الضرورية لإيجاد تلك الأخلاقية التكاملية هي الجمعيات المهنية.
18. تقديس الفرد :
كما رأينا اعتبر كايم أن يرى أن مشاكل المجتمع الحديث الأساسية في الأصل أخلاقية وان الحل الوحيد والواقعي يكمن في إعادة تأكيد قوة الأخلاق العامة. وبالرغم من أن كايم كان مقتنعاً أنه ليس إلى العودة إلى الضمير الجمعي القوي الذي يميز مجتمعات التضامن الآلي، كان يحس أنه نسخة حديثة منه، رغم ضعفها بدأت تظهر. وقد أطلق على الشكل الحديث للضمير الجمعي " تقديس الفرد " . هذا مفهوم غريب لدور كايم بما انه يبدو وكأنه يدمج قوى الأخلاق والفردية ذات التعارض الواضح.
متضمن في هذا ان قد أصبحت النظام الأخلاقي للمجتمع الحديث، وبرفعها إلى مكانة نسق أخلاقي قبلت الفردية لدى دور كايم. لكنه واصل معارضة الأنانية، بشكل مثير للسخرية متناقضاً وغير مقتنع على الإطلاق اقترح دور كايم تقديس الفرد كحل للأنانية الحديثة .
19. التنشئة الأخلاقية :
يقول كايم أن " الأخلاق العامة تخترقنا " و " تكون جزءا منا ". حسب روبرت نسبت " لم يتخل دور كايم أبداً عن فكرته أن المجتمع الغربي الذي يعرفه مر بأزمات كبرى وتلك الأزمات عبارة عن تحلل السلطة الأخلاقية في حياة الأفراد . اهتمام دور كايم باللامعيارية في ( الانتحار ) و ( تقسيم العمل في المجتمع ) يعتبر تجلياً لذلك الاهتمام، عرفت التربية والتنشئة بواسطة دور كايم أنها العمليات التي عن طريقها يتعلم الفرد أساليب مجموعة أو مجتمع ما واكتسابه الأدوات الفكرية والمادية
نظرياته :
أولاً : الانتحار :
ظهرت دراسة دوركايم الهامة عن الانتحار وذلك بعد مضي عامين على نشر مؤلفه قواعد المنهج في الاجتماع عام 1897 م وأول خطوة بدئها دوركايم هي تعريف الانتحار كما أسلفنا، وبعد إن يحدد دوركايم تعريف الانتحار ينتقل إلى مناقشة نقطة أخرى ذات أهمية وهي المجموع الكلي لحالات الانتحار في بلد معين يسمح لنا إن بحسب معل الانتحار وهذا المعدل هو (الظاهرة الاجتماعية)
و قد برر كايم اختياره لظاهرة الانتحار بثلاثة أسباب هي :
1. اعتقاده أنه من اليسير تعريف الانتحار، وذلك على الرغم من أنه أوضح بعد ذلك أن هذا ليس أمراً حقيقياً.
2. توافر الاحصاءات والبيانات الخاصة بهذه الظاهرة.
3. أن موضوع الانتحار يحتل أهمية خاصة نظراً لتزايد معدلات الانتحار إلى ثلاثة أو أربعة أضعافها خلال القرن التاسع عشر.
لا تعد هذه الدراسة بحثاً أكاديمياً فحسب، ولكنها دراسة متعمقة لمشكلة عامة بحاجة إلى العلاج والترشيد. يضاف إلى ذلك أن دور كايم أراد أن يفحص كافة الأعمال العلمية أو غير العلمية التي دارت حول ظاهرة الانتحار.
بدأ دور كايم دراسته بمحاولة تعريفه للظاهرة إذ أنه اعتقد أنه من اليسير تعريف الظاهرة - كما أسلفنا – لكنه وجد فيما بعد أن ثمة صعوبات عديدة تعترض هذا التعريف أما التعريف الأول الذي وضعه فهو:
1. " أن الانتحار يشير إلى الموت الذي يرجع بصورة مباشرة أو غير مباشرة لفعل إيجابي أو سلبي قام به الشخص المنتحر" لكنه عدل عن هذا التعريف لآنه في نظره قد أغفل خاصية أساسية للانتحار وهي أنه لابد وأن يكون مقصوداً، ومن ثم صاغ تعريفاً بديلاً مؤداه : " يشير إلى أن الانتحار إلى كل حالات الموت التي تكون نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لفعل سلبي أو إيجابي قام به المنتحر نفسه وهو يعلم أنه سيؤدي إلى هذه النتيجة".
2. وبعد أن حدد دوركايم تعريف الانتحار انتقل إلى مناقشة نقطة أخرى ذات أهمية وهي المجموع الكلي لحالات الانتحار في بلد معين يسمح لنا إن بحسب معل الانتحار وهذا المعدل هو (الظاهرة الاجتماعية)، ذلك أن معدل الانتحار يظل في مستوى ثابت من سنة إلى أخرى، وهذا الثابت لا يمكن أن يعزى ببساطة إلى تفسيرات سيكولوجية، إذ أن المرء عليه أن يسلم بأن " معدل الانتحار " مرتبط بالظروف المكانية والزمانية. وهذا بدوره هو ما يجعل دراسة الانتحار تدخل ضمن مجال علم الاجتماع.
3. فند كايم في الجزء الأول من كتابه ، العوامل السيكولوجية ، والعوامل الكونية، ثم ينتقل بعد إلى دراسة طبيعة الأسباب الاجتماعية أو النتائج المرتبة عليها، وكيف تربط نتيجة بوضع اجتماعي معين. ويعتبر هذا القسم الثاني هو القسم الأساسي في الكتاب والذي يتضمن عرض نظريته، ثم ينتهي الكتاب بمناقشة قصيرة نسبياً لما يعنيه بالعنصر الاجتماعي في الانتحار، والوسائل التي يمكن استخدامها لوقف تيار الانتحار، وبذلك يخلص دور كايم إلى الطرق التي يمكن استخدامها لمواجهة هذه المشكلة الاجتماعية وتلك مسألة يهتم بها كل الاهتمام، وقد كتب قبل ذلك بعدة سنوات في تصدير كتاه عن " تقسيم العمل" يقول : ( أنه على الرغم من أننا ندرس الواقع أولاً، إلا ان ذلك لا يعني أننا لا نرغب في تحسينه، إننا نحكم على أبحاثنا بأنها عديمة الفائدة على الإطلاق، إذا اقتصرت على مجرد التأمل، وأننا إذا فصلنا بعناية المشكلات النظرية عن العملية، فليس ذلك إهمالاً للمشكلات العلمية، ولكن الأمر على العكس من ذلك حيث اننا نرغب في أن نكون في موقف أفضل من أجل إيجاد حل لها ).
4. حلل كايم الانتحار من ناحية غير اجتماعية مثل ربط الانتحار بالمرض العقلي وأيضا ربط الانتحار بالعوامل الكونية وأخيرا ربط الانتحار بالتقليد والمحاكاة ، بعد ذلك يعتقد دوركايم بعد إن فرغ من دراسته لجميع هذه الأمور انه قد نجح في استبعاد العوامل الغير اجتماعية وبذلك ينتقل مباشرة إلى معالجة الأسباب الاجتماعية والمواقف الاجتماعية التي تحدد هذه الأسباب.
5. حاول دوركايم جمع حالات الانتحار في ثلاثة نماذج حيث يتضمن كل نموذج مجموعة من الأسباب الاجتماعية والنماذج االثلاثة للانتحار هي :
الانتحار الأناني: تبدأ معالجة دور كايم للانتحار الأناني بتحليل العلاقة بين الدين والانتحار، ويلاحظ دور كايم - من واقع الاحصائيات – ان معدل الانتحار يزداد في الدول البروتستانتينية في أوروبا عنها في الدول الكاثوليكية، ولا يرجع ذلك إلى التباين الثقافي. فقد لوحظ أنه على الرغم من التجانس الثقافي في مقاطعات بغاريا، إلا اننا نجد مع ذلك ان نسبة الانتحار تقل كلما زاد عدد الكاثوليك، كما لوحظ كذلك أن معدلات الانتحار ترتفع في بروسيا نظراً لزيادة عدد البروتستانت، بينما تقل نسبة الانتحار بين اليهود عنها بين الكاثوليك والبروتستانت ، ويرجع تباين نسبة الانتحار بين الكاثوليك والبروتستانت إلى ما يتمتع به البروتستانت من حرية في البحث والتفكير، فضلاً عما يشيع بينهم من فردية، نتيجة لضعف التضامن بين جماعاتهم، مما يؤدي إلى تحرر المرء من قيود الضمير الجمعي، كذلك من أخلاقيات الجماعة، وعلى ذلك يكون نقصان الروابط الاجتماعية بين البروتستانت عاملاً مؤدياً إلى ارتفاع معدل الانتحار بينهم، ويدعم ذلك ما نجده في انجلترا، باعتباره دولة بروتستانتية، فالملاحظ أن نسبة الانتحار تقل نسبياً وذلك لما تمارسه الكنيسة من ضغوط على المجتمع، أكثر مما تفعله الكنائس في البلاد البروتستانتية الأخرى.
ثم ينتقل دور كايم إلى معالجة علاقة الانتحار بالأسرة، والمجتمع السياسي .
ذهب دور كايم إلى أن الانتحار يزداد بضعف الروابط الاجتماعية في الجماعة، وبشيوع الفردية، والعزلة الاجتماعية للفرد، فالروابط الأسرية تقلل من عزلة المتزوج، بالتالي تقل نسبة الانتحار بين المتزوجين عنها في غير المتزوجين. مثال :
انتحار القائد في بعض البلاد عندما يخسر إحدى المعارك.باختصار ويحدث هذا النوع من الانتحار عندما تضعف هذه التيارات الاجتماعية مما يمكن الأفراد من فعل ما يريدون بعد تجاوزهم للضمير الجمعي.
- الانتحار الغيري أو الإيثاري: في حين أن الانتحار الأناني غالباً ما يحدث عندما يكون الاندماج الاجتماعي ضعيف جداً، فإن الانتحار الإيثاري يحدث عندما يكون الاندماج الاجتماعي قوياً جداً.
فالمنتحرون الغيريون يربطون إرادتهم بإرادة المجتمع، ويفعلون ما تمليه عليهم الجماعة التي ينتمون إليها، ذلك أن الفرد يعبر ع اندماجه الاجتماعي بشعوره الدائم بأنه على استعداد لأن يضحي بنفسه في سبيل الجماعة، وعلى ذلك فإن المجتمع هو الذي يحدد حالات الانتحار، وهو الذي يجبر أفراداً بالذات على أن يقتلوا انفسهم بأنفسهم، وقد ذهب كايم إلى ان هذا النمط شائع في المجتمعات البدائية ومثال على هذا النوع : قتل الزوجة لنفسها بعد وفاة زوجها في بعض المجتمعات. (محمد، محمد، 2000، ص 213)
- الانتحار الانومي: أو اللامعياري ويحدث عادة عندما تضطرب ضوابط المجتمع سواء كان اضطراباً إيجابياً ( الانتعاش الاقتصادي مثلا ) أو سلبياً ( الكساد الاقتصادي ) كلا النوعين يؤديان للتعطيل المؤقت للجماعة عن أداء دورها السلطوي على الأفراد مما يطلق العنان لتيارات لا معيارية وتقود هذه التيارات لزيادة معدلات الانتحار اللامعياري.
- الانتحار القدري : هذا النوع لا يشار إليه كثيراً إلا أن كايم كان قد ناقشه إحدى حواشي كتابه ( الانتحار )، ففي حين أن الانتحار الأنومي يحدث في الحالات التي تضعف فيها الضوابط فإن الانتحار القدري يحدث في الحالات التي تكون فيها الضوابط متجاوزة للحد المرغوب فيه ، وقد وصف كايم مرتكبي هذا النو من الانتحار بأنهم " أشخاص مستقبلهم مغلق بقسوة ونزواتهم خنقت بعنف عن طريق نظام قهري". والمثال التقليدي لهذا النوع هو الرقيق.
ثانياً : التفسير الاجتماعي للدين :
1. حاول دوركايم في كتابه عن (( الصور الأولية للحياة الدينية ))الصادر عام 1912 إن يقدم لنا تحليلا دقيقا لصور ومصادر وطبيعة وأثار الدين من نفس بدايته السسيولوجية، والفكرة الأساسية التي تدور حولها الدراسة هي ان الدين يعتبر " شيئاً اجتماعياً " وهذا بالتالي يتضمن فكرتين أساسيتين ، الأولى : أن الأفكار والممارسات الدينية إنما تشير أو ترمز إلى الجماعة الاجتماعية، والثانية : وأن التجمع هو المصدر أو المنبع الأصلي أو السبب النهائي للخبرة الدينية .
2. بدأ دور كايم دراسته بتعريفه لموضوع بحثه، وهو الدين فعرفه بأنه "نسق موحد من المعتقدات والممارسات التي تتصل بشيء مقدس أي كل ما هو محرم وهذه المعتقدات والممارسات تتحد في مجتمع أخلاقي واحد وفريد يسمى الكنيسة ويضم كل الذين يرتبطون به"*
3. وحاول أيضا دور كايم إن يبحث عن أصل الدين وذلك بتحليل الدين في أكثر المجتمعات البدائية وليحصل له ذلك اختار الدراسة المتعمقة لقبيلة استرالية تدعى آريونتا . وقد أخذ دور كايم الطوطمية – كما تسود في آريونتا – باعتبارها الصورة البسيطة للدين وكما سبق وذكرنا في المفاهيم فالطوطمية تشير عادة إلى الاعتقاد في قوة خفية أو مقدسة أو مبدأ يضفي الحياة على الطوطم، فتختار القبيلة أو العشيرة اسم موضوع معين في البيئة عادة ما يكون حيوان أو نبات وتمارس تجاهه بعض الطقوس، ويعتبر الطوطم رمز الجماعة.
ثالثا : نظرية تقسيم العمل :
يعد كتابه " تقسيم العمل الاجتماعي " الصادر عام 1893م – والذي كان بمثابة فاتحة أعماله السسيولوجية – دراسة كلاسيكية للتضامن الاجتماعي. فقد عالج في القسم الأول من الكتاب الظواهر الاجتماعية بوجه عام باعتبارها نتائج مصاحبة لتقسيم العمل في المجتمع، والذي اعتبره متغيراً مستقلاً. وقد أفاد كايم على نحو واسع وبشكل مباشر من بيانات مستمدة من القانون، والذي يعتبره مظهراً للحياة الاجتماعية لا يخضع فقط للملاحظة، بل هو بمثابة أكثر صور القهر الاجتماعي تنظيماً،يرى كايم أنه حين يسود في المجتمع تضامن آلي، يتميز الضمير الجمعي بقوة ملحوظة. ويشير الضمير الجمعي في هذه الدراسة المبكرة، إلى المجموع الكلي للمعتقدات والعواطف العامة بين معظم أعضاء المجتمع، والتي تشكل نسقاً له طابع متميز. ويكتسب هذا الضمير العام واقعاً ملموساً فهو يدوم خلال الزمن ويدعم الروابط بين الأجيال. يؤكد كايم أن الضمير الجمعي يعيش بين الأفراد ويتخلل حياتهم إلا انه يكتسب مزيداً من الاستقلال حينما يتحقق نوع من التماثل الواضح بين أفراد المجتمع؛ ذلك أن الضمير الجمعي يعد نتاجاً للتماثل الإنساني، ولعل هذا الموقف السائد في المجتمعات التقليدية التي تتميز بالتضامن الآلي، حيث يسيطر الضمير العام على عقول الأفراد إلا اننا نلاحظ أنه يتحقق لدى كل فرد ضميران : الأول تشارك فيه الجماعة، والثاني فهو خاص بالفرد ذاته.
يصاحب نمو تقسيم العمل في المجتمع ظهور التضامن العضوي، فتقسيم العمل وما يترتب عليه ممن تباين بين الأفراد، يعمل على تدعيم نوع من التساند المتبادل في المجتمع.وينعكس هذا التساند على العقلية الإنسانية والأخلاقيات، كما أنه يتبدى في ظاهرة التضامن العضوي ذاتها. وكلما ازداد هذا التضامن رسوخاً، قلت أهمية الضمير الجمعي.
تناول كايم في القسم الثاني من كتاب ه الأسباب المؤدية إلى زيادة تقسيم العمل مؤكداً عاملاً أساسياً – من وجهة نظره – يتمثل في نمو كثافة السكان .
رابعا : دور كايم في الميزان :
1. على الرغم من ان كايم لم يكتب مقالا يختص بتحديد دراسة علم الاجتماع إلا ان نظريته تميزت بقدر كبير من الاتساق وذلك لقدرته البالغة على تقديم إجابات واضحة ومحددة للمشكلات الرئيسية في النظرة السسيولوجية.
2. ميز دور كايم بين التضامن الآلي والعضوي إلا انه أهمل نسبيا التمييز بين مستويات العمومية التي تحققها الأنماط الثقافية والقيم والمعايير والمجتمعات والادوار التي توجد في المجتمع.
3. اهتمام دور كايم البالغ بتحليل مشكلة التماسك والتضامن جعله يهمل دراسة الصراع كعملية أساسية في الحياة الاجتماعية.
4. أهمل دراسة المجتمعات الفرعية وهي الأجزاء التي يتكون منها الكل, كما انه تجاهل الفرد ومطالبه لأنه التفت فقط إلى المجتمع وحاجاته.
5. تأثر دوركايم كثيرا بظروف عصره وبالمناخ الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي كان سائدا في فرنسا في ذلك الوقت وقد أدت هذه الأمور إلى إهمال مجموعة من الفروض.
6. أوجه القصور التي تعاني منها نظريته يكمن في التعريفات, بأنها تعريفات بدائية.(مقالات من النت للطالبة )
من أوجه النقد التي فصلت أفكاره أيضا :
1- طبيعة الظواهر الاجتماعية
يقول دوركايم ان الظواهر الاجتماعية هي جبرية تجبر الفرد على اتباعها، وحصر دوركايم طرق التفكير والشعور والسلوك بالمجتمع بدون تدخل الفرد بها وبذالك فالفرد مسير لهذه الظواهر، الغى دوركايم دور الفرد في اتخاذ القرارات بانها محدد من قبل اجتماعيا ومحاولة الفرد بالخروج عن العرف السائد يجلب له السخرية والاستهزاء
النقد:
المجتمعات بشكل عام هي في حالة تطور دائم وما ينطبق اليوم عليه من عادات وسلوكيات لاتنطبق غدا وبذالك فالمجتمع هو متمرد على اصالته بشكل مستمر والميل الاجتماعي العام لاكتساب او لطرد العادات الشائعة هي متفاوتة بين افراد المجتمع لايوجد في المجتمع ذوق كلي او ميل كلي ومن خلال هذه النظرة للتفاوت فهناك في الغالب نظرة لاختيار الصائب من الخاطىءوهذه النظرة للتفريق بين الصواب والخطا هي لاتنطبق على افراد المجموعات بل قد تصبح اداة للتفريق بين الفرد والفرد وبمجرد وجود هذا التفريق ستتحدد السمة العامة للمجتمع
لناخذ على سبيل المثال شيوع القصات الاجنبية
الصواب عند البعض هو في الاحتفاظ بالاحتشام الموروث من السائد وعند البعض هو في التجديد ومن هنا يبدأ الصراع بين الطبقات حتى يسود الميل العام او يبقى الصراع مفتوحا لاجل ونظرة التفريق بين الصواب والخطا
هي نظرة فردية لابد ان يمتلك الافراد هذه الاداة حتى يتبعون ميلا عاما ما ولكن معطيات المجتمع هي محددة بالشائع والموجود وهذا مايجعل الفرد محددا في قبوله وابتكاره للنمط العام والظرف الاجتماعي ولكن لكي يتم السجال في المعطى والصراع بين القبول والرفض لابد من ظهور النزعة الفردية في الاختيار، فلايمكن شيوع ظاهرة اجتماعية ما ان لم يتم موافقة مجموعة من الافراد عليها ، ولايمكن ان ترفض ان لم يتم استبعادها من الاغلبية ، وينضم الافراد الى مجموعات توافق على الظاهرة او ترفضها ،والملخص ان الظواهر محددة ولكن اختيار الافراد لها هو ما يجعلها شائعة
2- طريقة دراسة الظواهر الاجتماعية
يقول دوركايم ان دراسة الظواهر الاجتماعية يجب ان تتم على انها اشياء ،،معنى ملاحظتها ملاحظة موضوعية خارج عن اطار الذاتية والتامل العقلي البحت ، ويجب الاخذ في الاعتبار على انه يجهل كل شيء عنها في البداية حتى تتم هذه الدراسة ملاحظتها
النقد:
المبدأ الذي بدا فيه دوركايم في دراسة الظواهر الاجتماعية ومنطلقها بانها خارجة عن اطار الفرد ، وناتجة عن الجماعة محددة بها،قيده في فكرة دراستها الفكر الفردي والتاملات الذاتية منطلقها بحثي يبحث عن تجمعات افراد ومجتمعاتروخاصة فيما يمس دراسة الظواهر الاجتماعية،من خلال البحث الذاتي قد يصل الانسان الى حقائق في المجتمع موجودة من غير ملاحظة حقيقية لها،الظواهر الاجتماعية والتي لاتخرج عن اطار الجماعة بالنسبة الى دوركايم،هي موجودة بملاحظة وتدقيق الفرد لها ذاتيا، لانها مجموعة من الاجزاء المجردة تحقق تكاملا فكريا في عقل الانسان ، يخرجها بتامله لها على حقيقتها ويكون له نظرة ذاتية لها،والتي تاسس منطلق جديد للبحث عن فكرة جديدة موجودة في المجتمع غائبة عن ملاحظتها ،حتى تشيع كظاهرة محل الدراسة والتدقيق من قبل الافراد لها ويتناولونها اما بالقبول او الرفض ،وبذالك فالبحث الذاتي عن الظواهر الاجتماعية هو من يوجدها على حقيقتها اكثر من مجرد ملاحظتها كما هي ، وهي فرصة الابداع والابتكار الحقيقي
3- فكرة الضمير الجمعي:
الضمير الجمعي او العقل الجمعي : (هو مجموعة المعتقدات والمشاعر لدى اعضاء المجتمع والتي تدخلهم في قالبها الفردي وتحدد تفكيرهم ) ، فالضمير الجمعي هو واحد عند كل فرد من افراد المجتمع ويعبر عنه بطريقته الخاصة وهو يطبع افراد المجتمع الواحد بطباعهم المتالفة ويحدد سلوكهم الفردي
النقد:
في الواقع هناك بعض التصرفات الفردية والتي قد تصبح في يوم وليلة معتقد اجتماعي ،المعتقدات الاجتماعية بدات من خلال تصرفات فردية سباقة اليها ، وهذه التصرفات قد تخلق عند الجماعة ردود افعال متشابهة ازاءها،فتصبح معتقد اجتماعي،الكل يعرف ان تعامل الفرد مع رمز او شيء او فرد اخر يختلف من شخص الى شخص،ولكن حتما هناك بعض السلوكيات التي تتشابه عند جميع افراد المجتمع في التعاطي معها، وهذا مايشكل المعتقد الاجتماعي او ماقصد به دوركايم الضمير الجمعي، فهو صنيعة الفرد اساسا.
فلنفترض ان هناك رئيس دولة ما وقد سن هذا المتسلط قانونا يحث فيه المجتمع على تقبيل قدمه عند رؤيته، ولنفترض ان المجتمع كان في حالة ذل وتقديس للرئيس (الرمز) بحيث لا يرفض له طلبا، عندها ستتشكل في المجتمع قوانين فردية واجتماعية ، القوانين الفردية هي التي تسمح بالاختلاف بين شخص وشخص في التعامل مع هذا التقبيل، اما الجماعية فهي المعتقد الناشىء عن هذه السنة وابعادها التي قد تتشابه في فكر الافراد جميعا، او حتى تصبح مالوفة بسبب وجود المقنع والمنظر الجيد لها،وهنا ينشا المعتقد وهو ليس بضمير جمعي حتما وانما قبلة قدم ( مجلة أقلام الثقافية )
أخيراً :يظهر أن حال " كايم " كحال " فرويد " من قبله، وان القيادات اليهودية السرية قد دفعته لإيجاد أفكار في مجال تخصصه – وهو علم الاجتماع – من شأنها تنفيذ المخطط اليهودي العام الرامي إلى هدم أسس الدين والأخلاق في مختلف الأمم والشعوب .
وبوسائل مختلفة متعددة وكثيرة، دعمت الدعاية وأجهزة الإعلام اليهودية رجلها الموجه " دور كايم " ورفعته إلى مرتبة غير عادية، حتى صار عند المؤرخين رائد علم الاجتماع بعد"كونت "وأمسى رئيس المدرسة الاجتماعية الفرنسية. ( الخراشي ، سليمان ، ص ص 1-2)
المراجع
1. أحمد زايد ، النظريات الكلاسيكية والنقدية ، دار نهضة مصر ، مصر : القاهرة ، ط1، 2006 .
2. أكرم حجازي ، النظرية الاجتماعية ، الموجز في النظريات لباجتماعية التقليدية والمعاصرة، الجزء الأول، كتاب من الانترنت
3. السيد عبد العاطي السيد ، النظرية في علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية ، مصر: الإسكندرية، 2000
4. محمد علي محمد، تاريخ علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية ، مصر : الإسكندرية.
5. نيقولا تيماشيف ، نظرية علم الاجتماع طبيعتها وتطورها ، ترجمة الدكتور محمود عودة وآخرون ، دار المعرفة الجامعية،مصر: الإسكندرية، 1993م
6. عبد الرحمن حسن حنبكة الميداني، كواشف الزيوف ، نقلاً عن سليمان الخراشي ، دور كايم وآرائه في علم الاجتماع ، مقال من الانترنت.
7. ملخصات سابقة للطالبة من الانترنت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق