مراحل نشوء علم الاجتماع :
اذا اردنا وضع علم الاجتماع في اطاره الصحيح لا بد من العودة الى الماضي ومراجعة ما قاله المفكرون في مجتماتهم او في فكرة المجتمع بشكل عام :
فالفلاسفة اليونان كانوا اول من فكر بالمجتمع ككل بمعزل عن كونهم افرادا فيه ومشتركين في احداثه . فالرجل المثقف حسب افلاطون هو الذي يرى كل الاشياء في اطارها العام لذلك ركز فلاسفة اليونان على افكار كلية ، افكار عامة مثل فكرة العدالة ، دولة .
الفلاسفة اليونان : بدات دراسة المجتمع مع فلاسفة اليونان القدامى اللذين تمكنوا من دراسة العلاقة التي تربط الفرد بالدولة وتحد يدا بالمدينة – الدولة عندهم .
وكلمة سياسة مشتقة من المدينة الدولة اليونانية من الفلاسفة اليونان نذكر : افلاطون (427-347) حيث كتب في الدولة المثالية ثلاثة اعمال منهم الجمهورية ، رجل الدولة والشرائع .
في كتاب الجمهورية : يتكلم افلاطون عن دولة حسنة التنظيم : احتلال الرجل المناسب في المكان المناسب في سلم تراتبي عن ثلاث طبقات كبرى ويقول كما ان قوى الفرد ترجع في نظره الى 3 قوى :
- القوى الفكرية مركزها في العقل .
- القوى العصبية مركزها القلب
- القوى الشهوانية مركزها البطن .
ولكل قوة من هذه القوى فضيلة ، فضيلة القوى الفكرية الادراك والفكر وفضيلة العصبية الصبر وفضيلة القوى الشهوانية العفة . ولا يتحقق صلاح الفرد الا اذا تغلبت القوى الفكرية على باقي القوى .
اما طبقات المجتمع ترجع في نظره الى 3 طبقات تضاهي كل طبقة منها قوة من قوى الفرد الثلاثة :
الطبقة الاولى : طبقة الفلاسفة والحكام والعقلاء … اللذين خصوا بحاسة يستطيعون بفضلها ادراك الحقائق العامة . هذه الطبقة تكون بموزاة الطبقة الفكرية وفضيلة هذه الطبقة هي الحكمة .
الطبقة الثانية : طبقة رجال الحرب تضاهي طبقتهم القوة الغضبية في الفرد فضيلة هذه الطبقة ، حماية الوطن .
الطبقة الثالثة : طبقة العمال بكل فئاتهم وتضاهي طبقتهم القوة الشهوانية في الفرد وفضيلتهم العمل الذي يؤدي الى الانتاج .
وكما ان الفرد لا يتحقق صلاحه الا اذا تغلبت قوته الفكرية على قوتيه الغضبية والشهوانية ، كذلك المجتمع لا يتحقق صلاحه الا اذا تسلمت طبقة الفلاسفة زمام الحكم وسيطرت على ما عداها من الطبقات .
في كتاب ( رجل الدولة ) يدخل افلاطون المزيد من التفاصيل والشروط العملية حول حكم الملوك – الفلاسفة في مجتمع مشاعي التنظيم .
في كتاب الشرائع يتكلم افلاطون عن سبل تحصيل الحد الاقصى الممكن من الفضيلة والسعادة وبخاصة في مسالة فصل السلطات .
ارسطو (324-384 ) : يظهر ارسطو في كتاباته السياسية ، كعالم اجتماع اكثر مما هو فيلسوف تتلمذ على يد معلمه افلاطون : كتاب في الاخلاق –كتاب في السياسية .
في كتاب السياسية عرض ارسطو بالاشكال التي ينبغي ان تكون عليها الحكومة ما يجب ان تقوم به حتى تحقق للافراد السعادة ، التي تكلم عنها في كتابه الاخلاق :
في كتابه السياسية : تكلم عن اشكال الحكومة حيث راى بانها ترجع بنظره الى حكومات صالحة والى حكومات فاسدة .
الحكومات الصالحة هي التي تعمل على تحقيق السعادة والحرية لجميع الافراد .
الحكومات الفاسدة هي التي لا تتحقق في ظلها السعادة والحرية الا لقليل من الناس دون الاخرين .
يرجع ارسطو الحكومات الى 6 اشكال حكومات :
( فالصالحة 3 اشكال والفاسدة 3 اشكال )
الحكومات الصالحة هي الموناشيك او الحكومة الملكية ( رجل الملك ) وهي التي تستقل فيها ملك ولكن هذا الملك يجب ان يكون ملك عادل ورشيد .
الحكومة الارستقراطية او حكومة الاشراف يتولى الحكم فيها جماعة من خيرة القوم وافضلهم .
الحكومة الجمهورية وهي التي يشترك فيها جميع افراد الشعب عن طريق ممثليهم المختارين من حيث المبدا .
يرى ارسطو ان اصلح الحكومات هي : الملكية-الاشراف واقلها اصلاحا هي الجمهورية .
ويقول ارسطو ان هناك ثلاث انواع من الحكومات الفاسدة : الملكية او حكومة الملكية تصبح استبدادية او اوتوقراطية .
حكومة الاشراف تصبح حكومة اليغارشية حيث يستبد في الحكم طبقة الاغنياء وحكومة الجمهورية تصبح ديمقراطية التي يسيطر عليها مجموعة من افراد الطبقات الدنيا او من الشعب ويرى ارسطو ان اصلح الحكومات الصالحة اذا تطرق اليها الفساد تصبح من اكثر الحكومات الفاسدة ، اخر الحكومات الصالحة اذا تطرق اليها الفساد اصبحت اقل الحكومات الفاسدة فسادا.
الفلاسفة الرومان : لم يهتم الفلاسفة والعلماء الرومان بايجاد نظريات ومدارس جديدة تعمل على تطوير الافكار الفلسفية والاقتصادية والسياسية التي عبر عنها الفلاسفة اليونان لاعتقادهم بان النظريات التي اكتشفها اليونان ( ارسطو وافلاطون ) بهذه المجالات كانت كافية للاغراض التي احتاجها مجتمعهم ، لكنهم كانوا بحاجة ماسة لتطوير امور العدالة والادارة والاقتصاد والحياة الاجتماعية بغية تطويرها نحو الاحسن .
وقد اصبحت النزعة السائدة للفلسفة عند الرومان نزعة اخلاقية ودينية ترمي الى الوصول بالانسان الى اسمى مراتب كماله .
لعل اول ظاهرة اجتماعية تاثرت بهذه النزعة الانسانية ظاهرة الرق فقد الغي ما كان يحيط بهذا النظام من ظلم وتعسف واضطهاد واضفي على الرقيق ( المستعبد) شخصية اخلاقية فاصبح عضوا من مجتمع المدينة الذي يعيش فيه ( اعطني الحرية) اصبح عضوا يرفع قضاياه الى المحاكم المختصة
كما قضت التشريعات على ما كان يتمتع به الاب من نفوذ مطلق على افراد اسرته فلم يعد الابن ملك لابيه كما يملك الحاجات المادية ولم تعد الزوجة غريبة كل الغرابة عن الاسرة .
من اشهر فلاسفة الرومان ( سينيك ) (شيشرون) .
سينيك : ولد في قرطبا في اسبانيا ( جامع قرطبه في الحضارة الاندونسية ) 4-15 ب م وكان ذات غنى وجاه درس الفلسفة والمحماة ، ويمكن تلخيص ارائه بالتالي :
1- اعتقد بان الملكية المادية للانسان هي التي تحدد طبقته ومنزلته الاجتماعية اذ لا يمكن الفصل بين الملكية والطبقة .
2- ان الثروة التي يملكها الانسان هي التي تحدد له او تعطيه المجال للحصول على القوة والسلطة السياسية . فاغنياء المجتمع غالبا ما يكونوا حكاما شرعيين .
3- نادى " سينيك" باهمية فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية وقال بان رجل الدين يجب ان لا يتاثر باحكام السلطة السياسية في البلاد .
"شيشرون" (43-106 ب م ) كان خطيبا وكان من طبقة العبيد وبعدها اصبح من طبقة المفكرين والحكماء .
ويمكن حصر افكاره بالنقاط التالية :
1- بالرغم من اعتقاده بالدولة المثالية على غرار جمهورية افلاطون الا انه ذكر بان المجتمع الروماني يجب ان لا يسعى وراء المثالية لانه اساسا مجتمع خير وليس فيه ما يدل على وجود التعسف والظلم الاجتماعي .
2- اكد على اهمية الحياة الاجتماعية وذلك لما تقدمه من قوانين للافراد الذين يشاركون فيها واوضح اضرار العزلة الاجتماعية التي لا تعطي مجال للانسان والانتفاع من قدرته وطاقاته .
3- قال بان المجتمع يرتكز على قاعدة سيكولوجية اساسها العواطف والرغبات والمصالح الذاتية واضاف بان العوامل الذكائية والحيوانية هي التي تدفع الانسان الى تكوين العلاقات الاجتماعية .
المرحلة المسيحية :
كان لمسائل المجتمع صداها كذلك في ابحاث اوائل ( المسيحية) المفكرين المسيحين ومن تعلق منها خصوصا بالدولة والكنيسة ، من اهم المفكرين : القديس اوغسطينوس (354-430 م) حيث ركز في كتاباته على ضرورة التمييز بين مدينة الله وحكومات الارض او مجتمعاتها .
مفكرو القرون الوسطى : حيث استمر موضوع التمييز بين وظيفة الكنيسة ووظيفة الدولة لدى العديد من مفكري القرون الوسطى ومن اهم المفكري في القرون الوسطي .
"توما الاكوبيني":( 1227-1274) و"مارسيلو بادو" (1278-1343 ) والذي كان اكثر تحديثا من "توما" حيث تكلم عن الشعب كمصدر اساسي لسلطة الكنيسة والدولة معا.
المرحلة الاسلامية :
يجب ان يكون هناك فكر مخصب للعلوم التي يحتاجها المجتمع ، لولا العرب لما وصلت العلوم الى الاوروبيين ، فعملية الترجمة هي عملية تراكمية للمعرفة .
من المفكرين المسلمين : الفارابي .
هو ابو نصر محمد الملقب بالفرابي نسبة الى مسقط راسه وتقع ( الفراب ) في تراكستان (870-950) الف في مختلف العلوم والفنون وخاصة في المنطق والفلسفة والطب والعلوم الطبيعية والسياسة والاجتماع والموسيقى ، يعتبر المؤسس الحقيقي للدراسات الفلسفية في العالم الاسلامي والمنشىء الاول في ما نسميه الفلسفة الاسلامية ويعتبر اعظم ناشر وموضح لاراء ارسطو ولذلك اطلق عليه اسم المعلم الثاني والمعلم الاول هو ارسطو .
اهم مؤلفات الفرابي في هذا الخصوص : اراء اهل المدينة الفاضلة حيث وضع فيه تصميما لما ينبغي ان تكون عليه المدينة الفاضلة ، وقد جاء تصميمه مشابها في كثير من جوانبه لتصميم ( جمهورية افلاطون ) مع بعض التمايز نتيجة لتاثره لمبادىء الاسلام .
والمدينة الفاضلة حسب الفرابي هي التي تتحقق فيها السعادة لجميع افراد المجتمع على اكمل وجه ولا يتم ذلك الا بتعاون الافراد في ما بينهم وفي هذا يقول الفرابي : فالمدينة التي يقصد بالاجتماع فيها التعاون على الاشياء التي تنال بها السعادة في الحقيقة هي المدينة الفاضلة .والمدينة الفاضلة تشبه البدن الصحيح او السليم الذي تتعاون اعضاؤه كلها على تامين حياة الحيوان وعلى حفظها عليه ).
اهم وظائف المدينة واكبرها حصرا :
وظيفة الرئاسة وذلك لان رئيس المدينة هو السلطة العليا التي تستمد منها جميع السلطات ، لذلك لا يصلح للرئاسة. الا اذا تزود بصفات فطرية وصفات مكتسبة ( يجب ان يكون لديه شروط للرئاسة منها فطرية وصفات اخرى مكتسبة خلال الحياة) .
· الصفات الفطرية : اشترط الفرابي ان يتوافر فيها 12 صفة ، يتصف بهما رئيس المدينة الفاضلة منها
- ان يكون تام الاعضاء .
- جيد الفهم والتصور لكل ما يقال له ويتلقاه .
- كذلك جيد الحفظ لما يراه ولما يسمعه ويدركه ، ذاكرة جيدة ، ونظرية والسمع
-جيد الفطنة ذكيا .
- ان يكون حسن العبارة ( نطق جيد ) محبا للعلوم .
- غير شره على الماكول والمشروب والمنكوح ، محبا للصدق واهله ، مبغضا للكذب واهله .
- ان يكون كبير النفس ، محبا للكرامة .
- ان يكون الدرهم والدينار وسائر اغراض الدنيا هينة عنده .
- وان يكون محبا للعدل واهله مبغضا للظلم والجور .
- ان يكون قوي العزيمة ، جسورا ، مقداما غير خائف ولا ضعيف النفس .
· الصفات المكتسبة : والتي حيث اشترط الفرابي في رئيس المدينة الفاضلة 6 صفات :
- ان يكون حكيما أي فيلسوف عالما حافظا للشرائع ولكل القوانين والسنن .
- ان يكون له جودة استنباط الامور غير المعلنة فيما لا يحفظ عن السلف .
- ان يكون له جودة رؤية وقوة استنباط ومتحريا فيما يستنبطه .
- ان يكون له جودة الارشاد لشرائع الاولين ( ياخذ شرعة الاوائل والقوانين المسنونة ).
- ان يكون له جودة ثبات في بدنه في مباشرة الحرب وقد اعترف ( الفرابي ) انه من النادر ان تتوافر هذه الصفات جميعها في شخص واحد ، كما ان افراد المدينة لا تتحقق سعادتهم ولا تصبح مدينتهم فاضلة الا اذا ساروا على غرار رئيسهم
ويرى الفرابي انه من الممكن ان تتحقق هذه المدينة ومن الممكن ان يوجد لها رئيس وان كان ذلك نادرا ويرى ان افراد المدينة انفسهم لا تتحقق سعادتهم ولا تصبح مدينتهم الفاضلة الا اذا ساروا على غرار رئيسهم واصبحوا صورة عنه .
ويقسم الفرابي المجتمعات الى نوعين :
1- مجتمعات كاملة : حيث تتحقق فيها التعاون الاجتماعي من اجل سعادة الانسان .
2- مجتمعات ناقصة التي لا يتوفر فيها التعاون الاجتماعي ولا تحقيق السعادة .
المجتمعات الكاملة تقسم الى 3 اقسام :
ا- المجتمعات العظمى وهي حسب رايه اجتماع العالم كله في دولة واحدة وتحت سيطرة حكومة واحدة .
ب- المجتمعات الوسطى مثل اجتماع امة في جزء من الارض ( مثل دول اوروبا تعمل على ان يكون لها تاثير عالمي وحصة في الحياة الاقتصادية العالمية ، وتسمى مجموعة الدول الاوروبية ).
ج- المجتمعات الصغرى مثل اجتماع سكان مدينة معينة .
المجتمعات الناقصة : اجتماع اهل القرية ، اعضاء عائلة واحدة للوصول الى النواة ( العائلة).
"ابن خلدون ":
(1332-1406) هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون ، ولد في تونس وتوفي في القاهرة ، وكان ينتمي الى احد اكبر العائلات السياسية في تونس ، من اهم مؤلفات ابن خلدون كتاب ( العبر وديوان المبتدا والخبر ) في ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر )، وهو من حيث المبدا كتاب تاريخ يتالف من 7 اجزاء واشتهر بالجزء الاول منه والذي سمي ( بالمقدمة)، حيث الفه في 5 اشهر 1375 اثناء اعتزاله الحياة السياسية (من خلال معرفته بالحياة) حتى اواخر 1378 حيث كانت من اخصب مراحل في حياته .
درس المجتمع دراسة تاريخية حيث قال بان المجتمع يمر بمراحل متباينة متصلة فيما بينها ، فدراسة الماضي ترشدنا الى فهم الحاضر والتنبؤ عن المستقبل .
(اذا الفكر الخلدوني ) قال بوجود نوعين من المجتمعات :
المجتمع الريفي الذي يتميز بالعصبية التي هي دعامة المجتمع القبلي ، ويتحول هذا المجتمع الريفي بعد التغيرات ينتقل الى المجتمع الحضري .
حسب راي ابن خلدون لا نستطيع فهم طبيعة المجتمع الحضري الذي هو مصدر انبثاق المجتمع الحضري او دون دراسة المجتمع القبلي . ان فلسفة ابن خلدون التاريخية وتطبيقها على المجتمعات الانسانية كانت هامة جدا لفهم المراحل التاريخية التي يمر بها المجتمع الانساني .
لقد استخلص ابن خلدون قانونا يحكم حركة المجتمعات الانسانية قانون الاطوار الثلاثة :
الطور الاول : هو طور النشأة والتكوين .
الطور الثاني : هو دور النضج والاكتمال .
الطور الثالث : هو طور الهرم والشيخوخة حيث تفرط العصبيات وموت العصبية الكبرى ( ويعبر عنه مثل حياة الانسان الذي يكون طفل ثم شاب –ثم عجوز ويموت ) ( عندما ينتهي المجتمع تبدا مرحلة تكوين مجتمع اخرى وهكذا) فهناك دائرة مغلقة في التفكير الخلدوني من حيث الحركة الاجتماعية كما يقول ابن خلون هي في دورة مستمرة فحيث ينتهي مجتمع ما لا بد ان يستانف السير مجتمع اخر ، هناك مجتمعات تبقى مدة طويلة في الحكم وخاصة في مرحلة النضوج ومنها ما يقام بفترة الشيخوخة ومنها مجتمعات تموت باكرا .
درس ابن خلدون الظواهر الاجتماعية في حالة استقرارها وفي مظاهر تطورها ، ودرس في الوقت نفسه القوانين التي تحكم ذلك في الحالتين واعتقد بان الظواهر الاجتماعية لا تشذ عن بقية ظواهر الكون وانها محكومة بقوانين تشبه القوانين التي تحكم ظواهر علم الفلك – الظواهر الطبيعية – الكيمياء والفيزياء … تمثل بالعلوم العلمية ليقيم مبادىء واسس تحكم علم الاجتماع .
من بحوث ابن خلدون في مقدمته يتالف اذا علم مستقل سماه ابن خلدون علم (العمران البشري ) الذي دعاه اوغست كونت او الاجتماع الانساني او الذي اسماه اوغست كونت علم الاجتماع . لان قوام هذا العلم هو دراسة الظواهر الاجتماعية للكشف عن القوانين التي تخضع لها .
يقول ابن خلدون :( وكأن هذا علم مستقل بنفسه فانه ذو موضوع هو العمران البشري والاجتماعي الانساني وذو وسائل وهي بيان ما يلحقه من العوارض الذاتية واحدة بعد اخرى … وهذا شان كل علم من العلوم وضعيا كان او عقليا ) ثمة اشارة الى ان ابن خلدون كان يدرس الظواهر الاجتماعية في حال استقرارها وفي مظاهر تطورها واذا جاز لنا ان نعبر عن ذلك بالمصطلحات العلمية الاجتماعية الحديثة نقول ان ابن خلدون كان يدرس الظواهر من الناحيتين الستاتيكية او استقرار والديناميكية او الديناميك او التطورية الى جانب عنايته بدراسة الظواهر من الناحية التشريحية (أي الحالة التي هي عليها في كل زمان ومكان يعني دراسة الظاهرة حسب المكان والزمان فكان يدرس الظاهرة بعناصرها واجزائها ووظائفها وما الى ذلك من وسائل الدراسة الستاتيكية وكان يدرس في الوقت نفسه تطور الظاهرة وقوانينها التي تخضع لها ضمن منطق هذا التطور .
لقد سار ابن خلدون على الطريقة السليمة لانه من المتعذر في علم الاجتماع ان نفصل بين الناحيتين التشريحية والتطورية كما فعل اوغست كونت فيما بعد وادى به هذا الفصل الى اخطار كثيرة وقللت من شان ابحاثه .
· تسمية علم الاجتماع :
من البداية التسمية الحالية لعلم الاجتماع اطلقها فرنسي هو اوغست كونت 1798-1857 هو الذي اطلق على هذا العلم الجديد تسمية علم الاجتماع .لقد اساق هذه التسمية لاول مرة تتالف من كلمتين اول كلمة لاتيني وتعني المجتمعات او الجماعات الاسرة القرية .المدينة او ما شابهها من صور الاجتماع الممكنة أي مجموعة من المجموعات .والكلمة الاخرى يونانية "لوغوس" وهذه الكلمة تعني باليوناني العلم .وبالرغم من خروج هذه التسمية عن القاعدة العامة باشتقاقها من اصلين مختلفين يبدا باللاتينية وينتهي باليونانية .
على خلاف ما درج عليه غيره من العلماء عندما صاغوا تسميات لعلومهم مثل تسمية علم الاحياء وتسمية علم النفس التي اشتقت من اصلين يونانين الا انه شاع استعمال هذه التسمية حتى القرن الثامن عشر فرفضت هذه التسمية .واعتمدت بسبب شيوعها وليس بسبب قربها الى الواقع . وكان من الصعب الاستعاضة عنها بتسمية اخرى اكثر ملائمة وقد يتسائل البعض حول ما اذا كان كلمة بسيكولوجي هي التسمية الوحيدة التي اطلقت على هذا العلم منذ انشائه حتى اليوم .بالرغم من الصعوبات للسرد التاريخي لكافة المحاولات التي ظهرت في هذا الصدد فان المخرج كان في عملية انتقاء الامثلة التي مر بها هذا العلم .
من هذه التسميات نشير الى التعبير الذي اطلقه الفرنسي عالم الاجتماع "سان سيمون" (1760-1825) اطلق تعبير الفيزيولوجية الاجتماعية .كذلك هناك محاولة لعالم اجتماع بلجيكي اسمه "رودلف كيلي" (1796-1894) الذي اراد البلجيكيون ان يجعلوا منه اول منشا لعلم الاجتماع الذي نشر عام (1838) كتاب يعالج الظواهر الاجتماعية تحت عنوان الفيزياء الاجتماعي .كذلك التسمية التي اطلقها ابن خلدون علم الاجتماع او علم العمران البشري والاجتماع الانساني .كذلك من التسميات التي اطلقت عالم اجتماع انكليزي "Giddings"" كان له اقتراح اخر او تسمية اخرى سماه علم الاجتماع الاستقرائي كما انه هناك عالم اجتماع فرنسي "رينيه موينيه" .كان يقبل بتسمية "اوغيست كونت" لكنها افضل علم الاجتماع المقارن .من الواضح اذا ان هناك عدة تسميات مختلفة ودقيقة اكثر من التسمية المتداولة ولم تظهر لعلم الاجتماع تسمية واحدة ويستطيع كل من يريد استقراء تاريخ هذا العلم ان يعثر على محاولات متباينة تفضل كل منها .
اطلاق اسم معين على علم الاجتماع .نظرا لما ياتي من تفسير لهذا العلم ونظرا للتبريرات .وهنا تنشا مشكلة وهي مشكلة الاختلاف والتباين بين التسميات العديدة التي ظهرت لعلم الاجتماع عبر التاريخ نشاته وتطوره ويمكن رد هذه التسميات والاختلاف الى اعتبارين اثنين :
الاعتبار الاول : هو ان التسمية المفضلة لدى بعض العلماء كان يستند الى تطور محدد بموضوع علم الاجتماع واذا ادى تصور "سان سيمون" لوضوع علم الاجتماع بان دراسة لوظائف الظواهر الاجتماعية .
ما هي الظواهر الاجتماعية والى ماذا تؤدي هذه الظواهر ؟
مثل تدريس العلوم الطبيعة حسب دراسة الموضوع تكون التسمية اذا وظائف الظواهر الاجتماعية التي هي موضوع علم الاجتماع ادى الى تفضيل علم الاجتماع ب الفيزيولوجية الاجتماعية وادى تصور "كارل ماركس" لموضوع علم الاجتماع بانه دراسة لبناء المجتمع في حملته هذا التصور ادى به الى رفض تسمية علم الاجتماع التي اقترحها "اوغست كونت" واقترح تسميته علم الاجتماع لانه يدرس جوانب المجتمع وليس فقط الظواهر الاجتماعية .
الاعتبار الثاني : هو ان التسمية المفضلة لدى بعض الاخر من علماء الاجتماع كانت تسند الى تصور محدد للمنهج الذي يجب اتباعه في هذا العلم . حيث استند "Giddings" في تسمية علم الاجتماع الاستقرائي الى اعتقاده بان المنهج الذي يفضل اتباعه هو المنهج الاستقرائي الذي يستخدم في العلوم الطبيعية .
والذي يستخلص منها الباحث الملاحظات الفردية للظواهر موضوع الدراسة حتى يصل الى نتيجة عامة او تعميم ينطبق على عدد كبير من الظواهر الفردية حسب "Giddings" هي افضل تسمية لانه هناك نهج في علم الاجتماع ولقد سماه علم الاجتماع الاستقرائي (الانتقال من الخاص الى العام او من جزء الى الكل او من البسيط الى المركب ).
الحالة الاخرى المنهج الاخر والمختلف عن المنهج الاستقرائي هو المنهج الاستبطاني أي اخذ عينة من المجتمع مماثلة وندرسها ثم النتيجة نعممها على كل المجتمع (الاستقرائي ).
هناك منهجين مختلفين والذي يسير فيه الباحث حسب هذا المنهج الاستبطاني بعكس المنهج الاستقرائي من العام الى الخاص ومن الكل الى جزء ومن المركب الى البسيط .
هناك ايضا علم الاجتماع المقارن وهو منهج ومن علماء الاجتماع الذي يؤمنون بهذا المنهج هو فرنسي "رينيه موينيه" اعتقاده بان المقارنة هي المنهج الاساسي لكل دراسة اجتماعية علمية ذلك انها تتبع الوصف وتسبق التفسير وان مهمة علم الاجتماع قبل كل شيء ان يقرب ويقارن بين الظواهر التي قام بوصفها حتى يستطيع عالم الاجتماع بالطبع استخلاص اوجه الشبه والاختلاف بينها .
ثم تاتي بعد ذلك مرحلة البحث عن الاسباب التي ادت الى هذا التشابه او ذاك الاختلاف او بعبارة اخرى تاتي مرحلة التفسير حسب منهج المقارنة هو المقارنة بين الظواهر وليعرف بما يمتاز عن الاخرى ويرى اوجه التقارب ثم مرحلة التفسير واهم الامور دراسة الظواهر الاجتماعية (المقارنة).
تعريف علم الاجتماع :
هناك تعريفات اهمها :
من الصعوبة العثور على تعريف دقيق جامع وشامل لعلم الاجتماع فالتعريف في علم الاجتماع هو اشكالية بحث بحد ذاته لكن يمكننا القول بان علم الاجتماع (هو دراسة العلمية او البحث العلمي للظواهر الاجتماعية) هو تعريف علم اجتماع اسمه "Riet" يحدده "غنز برغ " بانه العلم الذي يدرس طبيعة العلاقات الاجتماعية واسبابها ونتائجها كل العلاقات بين الافراد والجماعات والمجتمعات المحلية والكبرى . ويعني بالعلاقات الاجتماعية أي اتصال او تفاعل او تجاوب بين شخصين او اكثر يهدف الى سد واشباع حاجات ومتطلبات الافراد الذين يكونون الاتصال او التفاعل الاجتماعي . اما "ماكس ويبر" الماني علم اجتماع (1864-1920 ) من اهم علماء الاجتماع بداية القرن العشرين يعرف علم الاجتماع العلم الذي يفهم ويفسر السلوك الاجتماعي .
يعني اية حركة او فاعلية مقصودة يؤديها الفرد وتاخذ بعين الاعتبار وجود الافراد الاخرين تعريف اخر هو " لجورج زيميل " لدراسة شبكة العلاقات والتفاعلات الاجتماعية التي تقع بين الافراد والجماعات على اختلاف انواعها واغراضها .
لا يعتقد ان المجتمع هو كائن حي كما يعتقد "اوغست كونت "ومن ثم "سبنسر" (بريطاني) ولا هو شيء ليس (جامد) له وجود حقيقي وانما هو شبكة معقدة من العلاقات المزدوجة ،بين الاشخاص الذين هم في حالة ايصال دائم الواحد مع الاخر.
المجتمع ينظر "زيمل" هو مصطلح يطلق على عدد من الافراد الذين تربطهم علاقات اجتماعية متفاعلة بالنسبة " لزيمل" علم الاجتماع لا يختص بدراسة العلوم الاجتماعية كالاقتصاد وعلم النفس والتاريخ وعلم الاخلاق بل يختص بدراسة اشكال التفاعلات الانسانية التي تكمن خلف السلوك السياسي والاقتصادي والديني والجنسي والى ما هناك .اخيرا تعريف لعلم الاجتماع انكليزي "هوب هاوس" .
(1864-1929) يعرف علم الاجتماع بالعلم الذي يدرس العلاقات المتفاعلة بين الجوانب المختلفة للحياة الاجتماعية كما تعبر عن نفسها بالمؤسسات الاجتماعية .
بعنى اخر العلاقة بين المؤسسات الاجتماعية هو علم الاجتماع والحياة الاجتماعية حسب "هوب هاوس" تظهر عندما تقوم المؤسسات باداء واجبها ووظائفها للانسان والمجتمع .هناك مؤسسات تقوم بوظائف اقتصادية وهناك مؤسسات تقوم بوظائف اسرية كذلك هناك الوظائف الدينية التي يقوم بها المؤسسات الدينية والمؤسسة السياسية تقدم بوظائف السياسية .
ان علم الاجتماع يدرس اذا ليبني وظائف المؤسسات الاجتماعية دراسة تفضيلة لا تتوخى منهم واستيعاب انشطتها واحكامها وقوانينها واهدافها القريبة والبعيدة فحسب بل تتوخى استخلاص الحقائق الاجتماعية المشتركة بينها ورسم القوانين الشمولية التي تحدد انماط سلوكية وعلاقات ومواقف وقيم اعضائها ومنتسبيها ايضا وهذه بعض من التفرعات لكنها تعريفات اساسية ومهمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق