مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

08‏/12‏/2010

ملف : الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر

جان بول سارتر
ماهر حسن - المصرى اليوم عدد 15/ 4/ 2009 
فى باريس وفى 21 يونيو من عام 1905 ولد جان بول سارتر لأب كان يعمل موظفا فى البحرية وقد توفى وهو لايزال صغيراـ فتعهدته والدته وأدخلته «ليسيه لويس الكبير»، ومنها انتقل إلى دار المعلمين العليا وتخرج عام 1929، وبدأ فى ممارسة التعليم حتى عام 1945م 
وفى أثناء دراسته فى دار المعلمين التقى سارتر بالأديبة الفرنسية سيمون دو بوفوار، وصارا صديقين، ثم تطورت العلاقة بينهما و«تساكنا» طوال حياتهما تقريبا، ولكن من دون عقد زواج مسجل. 
منذ بداية الثلاثينات جمع سارتر عددا من المعجبين بآرائه، وكانوا يلتقون فى مقهى «الضفة اليسارية» على نهر السين ليتناقشوا أمور الفلسفة والأدب والفنون، حيث راح سارتر يكوّن معظم الأفكار التى ستتشكل منها فلسفته، فيما بعد التحق سارتر بالجيش الفرنسى عام 1939، عند نشوب الحرب العالمية الثانية. 
وقد اعتقلته القوات الألمانية فى العام التالى وسجنته فى ألمانيا. ولكنه تمكن من الفرار من المعتقل ثم التحق بالمقاومة الوطنية فى باريس، وصار يكتب فى صحف ومجلات المقاومة وبعد الحرب أسس سارتر مجلته الشهيرة «الأزمنة الحديثة» وترك التعليم، مخصصا وقته كله للكتابة والنشاطات السياسية التى صارت مجلة المنبر الأعلى فى العالم لنشر الفكر اليسارى التقدمى ولكن سارتر لم يكن منتسبا إلى الحزب الشيوعى. 
وعندما بدأ صديقه الحميم ألبير كامو، المؤمن بالوجودية أيضا، ينتقد التصرفات الستالينية بعنف، بقى سارتر مترددا كثيرا فى تأييد ذلك. أما وجودية سارتر فتقوم على رؤية الإنسان الذى يرى فى وجوده أنه أهم الصفات وأنه غاية بذاته، ولا أهداف «ما ورائية» لوجوده، بل هو الذى يحدد أهدافه بنفسه. 
وتؤكد من جهة أخرى أن حرية الإنسان مطلقة وقد أثرت فلسفته الوجودية - التى نالت شعبية واسعة - فى معظم أدباء تلك الفترة. منح جائزة نوبل للآداب عام 1964م. تميزت موضوعات سارتر الدرامية بالتركيز على حالة أقرب إلى المأزق أو الورطة. 
ومسرحياته «الذباب» «اللامخرج» «المنتصرون» تدور فى غرف التـعذيب أو فى غرفة فى جهنم أو تحكى عن طاعون مصدره الذباب. وتدور معظمها حول الجهد الذى يبذله المرء ليختار حياته وأسلوبها كما يرغب والصراع الذى ينتج من القوى التقليدية فى العالم التقليدى الذى يوقع البطـل فى مأزق ويحاول محاصرته والإيقـاع به وتشـويشه وتشويهه. 
وفى عام 1956 عارض سارتر ومجلته الأزمنة الحديثة التدخل السوفيتى فى المجر وتوفى فى مثل هذا اليوم (15 إبريل) من عام 1980م.
-------------------------------------------------------------------
معلومات عن سارتر من ويكيبديا
جان-بول شارل ايمارد سارتر ولد فى 21 يونيو 1905 بباريس وتوفى فى 15 أبريل 1980 بباريس أيضاً. هو فيلسوف وروائي ومؤلف مسرحي درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. حين احتلت ألمانيا النازية مع فرنسا، انخرط سارتر في صفوف المقاومة الفرنسية السرية.
بعد الحرب أصبح رائد مجموعة من المثقفين في فرنسا. وقد أثرت فلسفته الوجودية، التي نالت شعبية واسعة، على معظم أدباء تلك الفترة. منح جائزة نوبل للآداب عام 1964. تميزت شخصياته بالانفصال عنه وبدت وكأنها موضوعات جدال وحوار أكثر منها مخلوقات بشرية، غير أنه تميز بوضع أبطاله في عالم من ابتكاره.
لم يكن سارتر مؤلفاً مسرحياً محترفاً، وبالتالي فقد كانت علاقته بالمسرح عفوية طبيعية. وكان بوصفه مؤلفاً مسرحياً، يفتقر أيضاً إلى تلك القدرة التي يتمتع بها المحترف بالربط بين أبطاله وبين مبدعيهم. كما كان يفتقر إلى قوة التعبير الشاعري بالمعنى الذي يجعل المشاهد يلاحق العمق الدرامي في روح البطل الدرامي.
تميزت موضوعات سارتر الدرامية بالتركيز على حالة أقرب إلى المأزق أو الورطة. ومسرحياته " الذباب" " اللامخرج" "المنتصرون" تدور في غرف التـعذيب أو في غرفة في جهنم أو تحكي عن طاعون مصدره الذباب. وتدور معظمها حول الجهد الذي يبذله المرء ليختار حياته وأسلوبها كما يرغب والصراع الذي ينتج من القوى التقليدية في العالم التقليدي الذي يوقع البطل في مأزق ويحاول محاصرته والإيقاع به وتشويشه وتشويهه.
وإذا كان إدراك الحرية ووعيها هي الخطوة الأولى في الأخلاقية السارترية فإن اسـتخدامه لهذه الحرية وتصرفه بها - التزامه- هو الخطوة الثانية. فالإنسان قبل أن يعي حريته ويستثمر هذه الحرية هو عدم أو هو مجرد "مشـيئ" أي أنه أقرب إلى الأشـياء منه إلى الكائن الحي. إلا أنه بعد أن يعي حريته يمسي مشـروعاً له قيمته المميزة.
في مسرحيتيه الأخيرتين "نكيرازوف" (1956) و"سجناء التونا" (1959) يطرح سارتر مسائل سياسية بالغة الأهمية. غير أن مسرحياته تتضمن مسائل أخرى تجعلها أقرب إلى الميتافيزيقيا منها إلى السياسة. فهو يتناول مواضيع مثل: شرعية اسـتخدام العنف، نتائج الفعل، العلاقة بين الفرد والمجتمع، وبين الفرد والتاريخ. من مسرحياته أيضاً : "الشـيطان واللورد" و"رجـال بلا ظـلال".




منذ بداية الثلاثينات جمع سارتر عددا من المعجبين بآرائه، وكانوا يلتقون في مقهى "الضفة اليسارية" على نهر السين ليتناقشوا أمور الفلسفة والأدب والفنون، حيث راح سارتر يكوّن معظم الأفكار التي ستتشكل منها فلسفته فيما بعد. التحق سارتر بالجيش الفرنسي عام 1939، عند نشوب الحرب العالمية الثانية. وقد اعتقلته القوات الألمانية في العام التالي وسجنته في ألمانيا. ولكنه تمكن من الفرار من المعتقل ثم التحق بالمقاومة الوطنية في باريس، وصار يكتب في صحف ومجلات المقاومة.
بعد الحرب أسس سارتر مجلته الشهيرة "الأزمنة الحديثة" وترك التعليم مخصصا وقته كله للكتابة والنشاطات السياسية.أ 
صارت مجلة "الأزمنة الحديثة" المنبر الأعلى في العالم لنشر الفكر اليساري التقدمي. ولكن سارتر لم يكن منتسبا إلى الحزب الشيوعي. وعندما بدأ صديقه الحميم ألبير كامو، المؤمن بالوجودية أيضا، ينتقد التصرفات الستالينية بعنف، بقي سارتر مترددا كثيرا في تأييد ذلك.
تأثر سارتر بالفيلسوفين ادموند هاسلر ومارتن هيديغار في تطوير فلسفته الخاصة "الوجودية"، كتحليل لوعي الإنسان الذاتي لعلاقته مع الكون. وفي الثلاثينات كتب عددا من الدراسات عالج فيها مسائل الخيال والعاطفة، وتوجها بعمله الفلسفي الكبير "الكون والعدم" (1943).
ورغم شهرته كفيلسوف وأديب وكاتب مسرحي وسينمائي وناقد اجتماعي، فان أبرز ما يميز جان بول سارتر هو طرحه لنظرية "الوجودية"، وارتباطهما بشكل كامل لا انفصام فيه، كأنهما وجهان لعملة واحدة. فالوجودية هي جان بول سارتر وجان بول سارتر هو الوجودية.
وهذه الفلسفة تقوم أساسا على نظرة إلى الإنسان الفرد الذي ترى ان "وجوده" هو أهم صفاته ، وانه غاية بذاته، ولا أهداف "ماورائية" لوجوده، بل هو الذي يحدد أهدافه بنفسه. وتؤكد من جهة أخرى ان حرية الإنسان مطلقة ولا حدود لها.
بعد الحرب أصبح رائد مجموعة من المثقفين في فرنسا. وقد أثرت فلسفته الوجودية - التي نالت شعبية واسعة - في معظم أدباء تلك الفترة. منح جائزة نوبل للآداب عام 1964. تميزت شخصياته بالانفصـال عنه وبدت وكـأنها موضوعات جدال وحوار أكثر منها مخلوقات بشرية ، غير أنه تميز بوضع أبطاله في عالم من ابتكاره.
لم يكن سارتر مؤلفاً مسرحياً محترفاً وبالتالي فقد كانت علاقته بالمسرح عفوية طبيعية. وكان بوصفه مؤلفاً مسرحياً ، يفتقر أيضاً إلى تلك القدرة التي يتمتع بها المحترف بالربط بين أبطاله وبين مبدعيهم. كما كان يفتقر إلى قوة التعبير الشاعري بالمعنى الذي يجعل المشاهد يلاحق العمق الدرامي في روح البطل الدرامي.
تميزت موضوعات سارتر الدرامية بالتركيز على حالة أقرب إلى المأزق أو الورطة. ومسرحياته " الذباب" " اللامخرج" "المنتصرون" تدور في غرف التـعذيب أو في غرفة في جهنم أو تحكي عن طاعون مصدره الذباب. وتدور معظمها حول الجهد الذي يبذله المرء ليختار حياته وأسلوبها كما يرغب والصراع الذي ينتج من القوى التقليدية في العالم التقليدي الذي يوقع البطـل في مأزق ويحاول محاصرته والإيقـاع به وتشـويشه وتشويهه.
وإذا كان إدراك الحرية ووعيها هي الخطوة الأولى في الأخلاقية السارترية فإن اسـتخدامه لهذه الحرية وتصرفه بها - التزامه- هو الخطوة الثانية. فالإنسان قبل أن يعي حريته ويستثمر هذه الحرية هو عدم أو هو مجرد "مشـيئ" أي أنه أقرب إلى الأشـياء منه إلى الكائن الحي. إلا أنه بعد أن يعي حريته يمسي مشـروعاً له قيمته المميزة.
في مسرحيتيه الأخيرتين "نكيرازوف" (1956) و"سجناء التونا" (1959) يطرح سارتر مسائل سياسية بالغة الأهمية. غير أن مسرحياته تتضمن مسائل أخرى تجعلها أقرب إلى الميتافيزيقيا منها إلى السـياسة. فهو يتناول مواضيع مثل: شرعية اسـتخدام العنف ، نتائج الفعل ، العلاقة بين الفرد والمجتمع ، وبين الفرد والتاريخ. من مسرحياته أيضاً : "الشـيطان واللورد" و "رجـال بلا ظـلال".
عام 1956 عارض سارتر ومجلته الأزمنة الحديثة التدخل السوفياتي في المجر، وكذلك أحداث تشيكوسلوفاكيا عام 1968. وفي عام 1967 ترأس المحكمة الدولية لجرائم الحرب التي أقامها الفيلسوف والمؤرخ برتراند راسل للنظر في سلوك الجيش الأميركي في فييتنام. ثم صار من أكبر معارضي الحرب في فييتنام والداعين إلى وقفها. كما ساند ثورة الطلاب في فرنسا عام 1968.
في الستينات عمل سارتر على مجموعة ضخمة من أربعة أجزاء أسماها "أحمق العائلة"، وهي تتناول سيرة حياة الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير، ومن خلالها عرض بعض آرائه الجديدة النتأثرة بالفكر الماركسي والفكر الفرويدي أيضا.أ 
فقد سارتر بصره في نهاية عمره ثم مات بعد إصابته بمرض في الرئتين عام 1980.
----------------------------------------------
سارتر كان معلمي
بقلم: جيل دولوز 
ترجمة: فتحي المسكيني




أيّ حزن على أجيال بلا "معلّمين"ǃ فليس معلّمونا هم الأساتذة العموميون فحسب، على ما بنا من حاجة إلى أساتذة. إذ حين نبلغ سنّ الرجال، يكون معلّمونا أولئك الذين يفرضون علينا جدّة جذريّة، أولئك الذين يعرفون كيف يخترعون تقنية فنّية أو أدبيّة ويجدون طرق التفكير المناسبة لحداثتنا، نعني لصعوباتنا كما لحماساتنا الصاخبة. نحن نعلم أنّه ليس ثمّة سوى قيمة فنّية واحدة، بل حتى قيمة حقيقية واحدة: "اليد الأولى"، الجدّة الأصيلة لما نقول، "الموسيقى الصغيرة" التي بها نقول ذلك. 




إنّ سارتر إنّما كان ذلك بالنسبة لنا (بالنسبة إلى جيل العشرين من العمر عند التحرير). من، عندئذ، عرف كيف يقول شيئا جديدا، إن لم يكن سارتر ؟ من علّمنا طرقا جديدة في التفكير ؟ ومهما كانت لامعة وعميقة، فإنّ أعمال ميرلوبنتي قد كانت تحمل صبغة الأستاذ وتابعة لأعمال سارتر من أوجهة عدة. (قد كان سارتر يشبّه كيان الإنسان عن طيب خاطر باللاّوجود الخاص بـ"ثقب" في العالم: بحيرات صغيرة من العدم، كما يقول. في حين أنّ ميرلوبنتي إنّما يأخذها على أنّها طيّات، طيّات بسيطة وثنايا. بذلك كانت تتمايز وجوديّة صلبة وثاقبة عن وجوديّة أكثر مرونة وأكثر تحفّظا.) أمّا كامو، يا للحسرة ! فكان تارة نزوعا متكبّرا إلى الفضيلة، وتارة عبثا من الدرجة الثانية: كان كامو ينتسب إلى المفكّرين الملعونين، لكنّ كلّ فلسفته إنّما كانت تعود بنا إلى لالاند ومايرسون، إلى مؤلّفين كانوا بعدُ معروفين جيّدا لدى حاملي الباكلوريا. في حين أنّ ما كان يأتي من سارتر إنّما هو الموضوعات الجديدة، وشيء من الأسلوب الجديد، وطريقة خصومية وشرسة جديدة في طرح المشاكل. ففي خضمّ فوضى التحرير وآماله، اكتشفنا وأعدنا اكتشاف كلّ شيء:كافكا، الرواية الأمريكية، هوسرل وهيدغر، توضيح المواقف الذي لا ينتهي مع الماركسية، الاندفاع نحو رواية جديدة... لكنّ كلّ شيء مرّ عبر سارتر، ليس فقط لأنّه كان يملك، بصفة الفيلسوف، عبقرية الكلّ الجامع (la totalisation)، بل لأنّه كان يعرف كيف يخترع الجديد. إنّ العروض الأولى لمسرحية الذباب، وظهور الوجود والعدم، ومحاضرة الوجودية مذهب إنساني، إنّما كانت أحداثا كبرى: كنّا نتعلّم من بعد ليالي طويلة كيف هو التماهي بين التفكير والحرية.إنّ "المفكّرين الأحرار" (penseurs privés)، هم، بوجه ما، يعارضون "الأساتذة العموميين". حتى السوربون تحتاج إلى سوربون مضادّة، وإنّ الطلبة لا يستمعون جيّدا إلى أساتذتهم إلاّ حين يكون لهم أيضا معلّمون آخرون. لقد كفّ نيتشه في وقته عن أن يكون أستاذا من أجل أن يصبح مفكّرا حرّا : ذلك ما كانه سارتر أيضا، في سياق آخر، ومخرج آخر. وإنّ للمفكّرين الأحرار خاصيتين: نوع من التوحّد الذي يلازمهم في كلّ حال؛ ولكن أيضا شيءٌ من الاضطراب، شيءٌ من فوضى العالم حيث ينبجسون والذي ضمنه هم يتكلّمون. ولذلك هم لا يتكلّمون إلاّ باسمهم الخاص، دون أن "يمثّلوا" شيئا؛ وهم يستحثّون داخل العالم أشكالا من الحضور الخام، وقوى عارية ليست هي بدورها "قابلة للتمثيل". 




كان سارتر قد رسم بعدُ في ما هو الأدب ؟ المثال الأعلى للكاتب: " إنّ الكاتب سوف يستعيد العالم كما هو، نيئا تماما، عرقان تماما، نتنا تماما، يوميّا تماما، من أجل أن يقدّمه إلى حرّيات على أساس من الحرّية... إنّه لا يكفي أن نمنح الكاتب حرّيةَ أن يقول كلّ شيء ! فهو ينبغي أن يكتب لجمهور يملك حرّيةَ تغيير كلّ شيء، وهو ما يعني، علاوة على إزالة الطبقات، القضاء على كلّ دكتاتورية، والتجديد المستمرّ للأطر، والقلب المتواصل للنظام، ما إن يميل إلى التحجّر. وبكلمة واحدة، إنّ الأدب هو ، في ماهيته، الذاتيّة التي من شأن مجتمع في ثورة دائمة." إنّ سارتر، منذ البداية، إنّما تصوّر الكاتب في شكل إنسان مثل الآخرين، يتوجّه إلى الآخرين من وجهة نظر حرّيتهم فحسب. كانت كلّ فلسفته تنخرط في حركة تأمّلية لا تكفّ عن إنكار فكرة التمثيل، ونظام التمثيل نفسه: كانت الفلسفة تغيّر من موقعها، كانت تهجر دائرة الحكم (jugement)، من أجل أن تستقرّ في عالم أكثر ألوانا هو عالم "ما هو سابق على الحكم" و"ما هو سابق على التمثيل". إنّ سارتر قد رفض مؤخّرا جائزة نوبل. وتلك مداومة عمليّة على نفس الموقف، فزعٌ من فكرة أن يمثّل بالفعل شيئا ما، حتى ولو كان قيما روحية، أو كما يقول، من أن يكون تابعا للمؤسسة. <يحتاج المفكّر الحرّ إلى عالم ينطوي على حدّ أدنى من الفوضى، حتى وإن كان أملا ثوريّا، بذرة من ثورة دائمة. ثمّة، لدى سارتر، شيء مثل تعلّق خاص بالتحرير، بالآمال الخائبة لهذه اللحظة. وكان لابدّ من حرب الجزائر من أجل أن يعثر على شيء ما من النضال السياسي أو الاضطراب المحرِّر، وعندئذ، في أوضاع معقّدة، وتعقّدُها في كوننا على وجه الدقة لم نعد المقموعين، بل أولئك الذين يجب عليهم أن يرتدّوا ضدّ أنفسهم. آه أيها الشباب. لم يبق غير كوبا ورجال المقاومة (les maquis) الفينزويليين ! <بيد أنّه ثمّة ما هو أكبر من وحدة المفكّر الحرّ، إنّها وحدة أولئك الذين يبحثون عن معلّم، الذين كانوا يريدون معلّما، ولم يمكنهم الالتقاء به إلاّ في عالم مضطرب. 




إنّ النظام الأخلاقي، إنّ النظام "التمثيلي" قد انغلق علينا. حتى الخوف النووي قد بدا لنا في هيئة خوف بورجوازي. إنّه يحدث أن نقترح على الناشئة ، الآن،تيلهارد دي شاردان باعتباره معلّما للتفكير. لقد نلنا ما نستحق. بعد سارتر، ليس فقط سيمون فايل، بل سيمون فايل القرد. وليس ذلك، رغم كل شيء، لأنّه لا وجود لأشياء جديدة على نحو عميق في الأدب الحالي. لنذكر مع خلط الحابل بالنابل: الرواية الجديدة، كتب غومبروفيتش ، سرديات كلوسوفسكي، سوسيولوجيا ليفي-شتراوس، مسرح جينات ودي غاتي ، فلسفة "الجنون" التي يشتغل عليها فوكو... بيد أنّ ما ينقص اليوم، وهو ما كان سارتر قد عرف كيف يجمّعه ويجسّده للجيل السابق، إنّما هي شروط كلّ جامع (une totalisation): ذاك الذي تكون فيه السياسة والمخيال والجنس واللاّوعي والإرادة مجتمعة ضمن حقوق الكلّ الإنساني. نحن نقتات وجودنا اليوم، والأعضاء مشتّتة. كان سارتر يقول عن كافكا: إنّ أعماله هي "ردّة فعل حرّة وموحّدة على العالم اليهودي-المسيحي لأوروبا الوسطى؛ إنّ رواياته هي التجاوز التأليفي لوضعه كإنسان، ويهودي، وتشيكي، وخطيب ناشز، ومسلول، الخ". بل سارتر نفسه: إنّ أعماله هي ردّة فعل على العالم البورجوازي كما وُضع موضع سؤال من قِبل الشيوعية. إنّها تعبّر عن التجاوز لوضعه الخاص كمثقّف بورجوازي، وتلميذ سابق لدار المعلمين، وخطيب حرّ (libre fiancé)، ورجل قبيح (بما أنّ سارتر غالبا ما قدّم نفسه على هذا النحو)...، الخ.. : كلّ الأشياء التي تنعكس وتتصادى في حركة كتبه نحن نتكلّم عن سارتر كما لو كان ينتمي إلى حقبة ولّت. يا للحسرة ! إنّما نحن على الأرجح الذين ولّينا في خضمّ النظام الأخلاقي والامتثالي الحالي. إنّ سارتر، على الأقلّ، إنّما يسمح لنا أن ننتظر، دون عنوان واضح، لحظات مستقبلية، واستئنافات حيث يعيد الفكر تكوين نفسه ويعيد صنع تشكيلاته الجامعة (totalités) ، بما هي قوة جماعية وخاصة (privée) معا. وإنّه لهذا السبب إنّما يظلّ سارتر معلّمنا. إنّ كتاب سارتر الأخير، نقد العقل الجدلي، هو أحد أجمل وأهمّ الكتب التي ظهرت في السنين الماضية. 
إنّه يعطي للـوجود والعدم تتمّته الضرورية، في معنى أنّ المطالب الجماعية إنّما تأتي لاستكمال ذاتيّة الشخص. وحين نفكّر في الوجود والعدم من جديد فذلك من أجل أن نستعيد الدهشة التي تولّدت لدينا أمام هذا التجديد الكبير للفلسفة. نحن نعلم اليوم أيضا بشكل أفضل أنّ علاقات سارتر مع هيدغر، وتبعيّته إزاء هيدغر إنّما كانت مشاكل واهية، قائمة على سوء فهم. فما كان يثيرنا في الوجود والعدم إنّما كان سارتريّا فحسب وكان يقيس لنا مقدار مساهمة سارتر: مثل نظرية سوء النيّة، حيث يقوم الوعي، داخل نفسه، بتصريف قوّته المضاعفة في ألاّ يكون ما هو وأن يكون ما ليس هو؛ ونظرية الغير، حيث أنّ نظرة الآخرين تكفي لأنْ تجعل العالم يهتزّ من تحتي وتجعله "يُسرَق" منّي؛ ونظرية الحرّية، حيث أنّ هذه تضع حدودها بنفسها بأن تشكّل نفسها بنفسها من خلال مواقفها؛ والتحليل النفسي الوجودي حيث نلتقي من جديد على الخيارات الأساسية لفرد ما ضمن حياته الملموسة. وفي كل مرة، كانت الماهية والمثل المضروب يدخلان في علاقات مركّبة كانت تهب للفلسفة أسلوبا جديدا. إنّ نادل المقهى، والفتاة العاشقة، والرجل القبيح، وبخاصة صديقي-بيار-الذي-لم-يكن-أبدا-هنا، إنّما كانت تكوّن روايات حقيقية في صلب العمل الفلسفي وتجعل وتيرة الماهيات على إيقاع الأمثلة الوجودية. وفي كلّ مكان كان يسطع تركيب نحوي عنيف، مصنوع من الكسور والتمطيط، يذكّرنا بالأمرين الأكثر استحواذا على سارتر: بحيرات اللاّوجود، ولُزوجة المادة. إنّ رفض جائزة نوبل هو خبر سارّ. أخيرا هناك أحدٌ لا يحاول أن يفسّر أنّها لمفارقة لذيذة لكاتب ما، لمفكّر حرّ، أن يقبل التشريفات والتمثيلات العمومية. 




لقد أخذ بعدُ كثير من الماكرين يحاولون حمل سارتر على التناقض: فالناس ينسبون إليه مشاعر الغيظ، فالجائزة جاءت متأخّرة؛ و يعترضون بأنّها، على كلّ حال، تمثّل شيئا لا يُستهان به؛ وهم يذكّرونه بأنّ نجاحه، على كلّ حال، إنّما كان وسيبقى بورجوازيّا؛ ويشيرون إلى أنّ رفضه ليس أمرا عاقلا ولا راشدا؛ وهم يقترحون عليه أن يتّبع مثل الذين يقبلون-وهم-يرفضون، ولو كلّف ذلك وضع المال في أعمال خيرية. ليس من المستحسن الاحتكاك به أكثر من اللازم، إنّ سارتر مجادل مخيف... ليس ثمّة عبقريّة من دون محاكاة ساخرة لنفسها. ولكن أيّة محاكاة ساخرة هي الفضلى ؟ أن يصبح عجوزا متكيّفا مع الأوضاع، مرجعية روحية أنيقة ؟ أم أن يريد من نفسه أن يظلّ مخبول التحرير ؟ أن يرى نفسه أكاديميا أم أن يحلم بأنّه رجل مقاومة فينزويلي ؟ من لا يرى الفرق في الكيف، الفرق في العبقريّة، الفرق الحيويّ بين هذين الخياريْن أو هذين النوعين من المحاكاة الساخرة ؟ لأيّ شيء كان سارتر وفيّا ؟ دائما للصديق بيار-الذي-لا-يكون-هنا-أبدا. إنّه قدر هذا المؤلّف أن يجعل الهواء النقيّ يمرّ حين يتكلّم، حتى ولو كان هذا الهواء النقيّ، هواء الغيابات، صعب التنفّس.
نُشر هذا المقال لأوّل مرة في مجلّة :- Arts, 28 novembre 1964, p. 8-9. وقد كتبه دولوز بعد مضيّ شهر من رفض سارتر جائزة نوبل.
--------------------------------------------------------------------
من سارتر إلى بابا سارتر في الثقافة العربية
بقلم: علي بدر




حين نقول سارتر، نعني الثقافة الحسية والشعبية المجنونة التي امتدت من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى ثورة الستينيات، يعني نمط وأسلوب الحياة الجديدة الذي صدره الحي اللاتيني والسان جرمان دوبريه، يعني عالم المقاهي والملاهي ودور النشر والمكتبات على إيقاع موسيقى الجاز والشانسون الفرنسي الذي بلغ ذروة تجليه مع الصوت الساحر لإديث بياف، ولشارلز آزنافور الذي غنى أغنية La Boheme نشيد الفنانين والشعراء في المونمارتر، حين نقول سارتر نعني البوهيمية الروائية بعد أن اطلق الكتاب مشاعرهم وغرائزهم، غارقين في الملذات والأحاسيس والمتع بنَهَم كبير، نعني الفلسفة التي هبطت إلى الشارع، إلى الحياة، إلى المنزل، إلى المقهى كي تعتق الفرد من العوائق الاجتماعية والسياسية وتعيش معه متبطلة في المقاهي والشوارع والملاهي.
حين نقول سارتر نعني صورة نجم الثقافة الذي يحيط به مريدوه الاطلنطيون من المولعين بالفكر والإبداع والالتزام والحرية، نعني الامبراطور الثقافي الذي جلس على عرش السان جرمان دوبريه محاطا بجوقة من المعجبين والمعجبات من ممثلين وممثلات ومطربات وعارضات أزياء وكاتبات مبتدئات وطالبات، نعني سارتر الساحر بمفاهميه الشاملة وحركاته الإغوائية بالرغم من دمامته، سارتر الامتثالي بالرغم من مبادرته السياسية، وتعليقاته الملغمة، ونشاطاته الثقافية الكثيرة، سارتر الفنان الساحر بالرغم من العدمية المتشائمة والسوداوية التي طبعت كتاباته، سارتر المرح والساخر بالرغم من كفاحه السياسي الجاد، سارتر ساحر الجميلات، زير النساء الذي يغوي الفاتنات بفضل جاذبيته الفكرية. 
ولكن من أين كان للثقافة العربية ان تدخل عالم سارتر؟ من الالتزام الشرس، من الحرية المطلقة، من رجل الغليون... من الفيلسوف الذي يمشي على الأرض، يدخن ويكتب الأغاني ويزعج الكثيرين بشهرته وصداقاته مع النساء؟ من البوهيمي الذي يشكل خطراً على القيم الأخلاقية، من المناضل السياسي المؤمن بالاشتراكية، والمتعاطف مع الشيوعيين، أم من معادي الستالينية وقاهر الشيوعيين. من سارتر المفكر الأوروبي الصاخب، أم سارتر العالمثالثي في مقدمة (معذبو الأرض) لفرانز فانون. من سارتر الدوغمائي في نقاشه مع عبدالكبير الخطيبي حول المسألة اليهودية أم من سارتر المتمرد في تطبيع أفكار ألبير ميمي عن تحول الثقافات واكتساب الشفرات. من سارتر المتشائم في نقاشه مع المسيو نافيل عن الوجودية أم من سارتر المتعدد، والمتغير في أفكاره وحياته. من سارتر النص الحر غير الخاضع إلى قيود أم من سارتر الملتزم. من سارتر المقيد بالنص أم من قديس النظرة الليبرالية الذي رأى في وجود الفرد غاية بذاتها. والذي جعل من حد الحرية المطلقة شرطا للالتزام. من الطفل البرجوازي الذي عاش لحظة اللا فعل بشكل أبدي أم من سارتر الأزمنة الحديثة. المختبر الفكري والأدبي في الخمسينيات، من سارتر المدافع عن الجزائر مع كاتب ياسين ومحمد ديب. المناضل في دعم جبهة التحرير الوطني الجزائرية واستعداده لإيواء المناضلين الجزائريين الذين تطاردهم الشرطة الفرنسية. أم من سارتر المنخرط المحموم مع الصهيونية. من سارتر المنظِّر السياسي في عمله النظري الضخم نقد العقل الجدلي أم من سارتر المتضامن البسيط والشعبي مع فيتنام في الحرب الأمريكية. من سارتر الرافض لجائزة نوبل أم من سارتر المطبِّع للوجودية كتيار متقدم في الحياة الثقافية. من سارتر الغثيان الذي فضح الحياة البرجوازية الزائفة والمصطنعة أم من سارتر الباحث عن الجمال وهو ينزع عن الجسد قدسيته؟.
من هذا المفتتح كان عليّ أن استهل روايتي بابا سارتر وأنا أبحث عن سارتر المعادي لسارتر في الثقافة العربية، أو بالأحرى في جزء من الثقافة، وهي ثقافة استلابية عبرت طوال الخمسينات والستينات عن عجز ونكوص كاملين في فهم سارتر أو تقديمه، كان عليّ أن أبحث عن سارتر المضاد لسارتر في جزء من الثقافة المعاصرة التي تخلت عن شفرتها مع أول إطلالة لهذه الشخصية الساحرة دون تمييز شديد بين الفكرة وبين امكانات تحققها، أو على الأقل بين الفكرة وبين ظلالها، ولدى مثقفين مهمين لا يتعلق الأمر لديهم بمهزلة عالمثالثية، أو بخداع ماكر، إنما بمواقف وقناعات وصراعات فكرية وسياسية واجتماعية، أنا أجادل هنا: إن سارتر في نسخته العربية لم يكن في حقيقته نهاية لعرض خطير من الأفكار المشوهة، والمواقف المختلفة، والقناعات دون تمثيل حقيقي أو استيعاب صريح فقط، إنما كان نوعا من عدم الكفاءة الأخلاقية والاجتماعية والفكرية لدى بعض المثقفين، حيث دخل سارتر إلى الثقافة العربية بقدر كبير من الاختلاق، والكذب والتزييف... والأمر لم يكن عرضا على الاطلاق، فهناك صراع رمزي على سارتر ذاته وعلى أفكاره بين أعتى تيارين ثقافيين في الخمسينيات والستينيات بين جماعة الآداب وجماعة شعر. 
فجماعة الآداب الممثلة بسهيل إدريس وعبدالله عبدالدايم وأميل شويري وغيرهم كانت تعبر عن ربط عضوي بين القومية والوجودية كشرط لازم للالتزام السياسي الأخلاقي والاجتماعي في الممارسة الأدبية، وبالرغم من ان هذا الربط كان ربطا اعتباطيا بطبيعة الأمر، إلا ان جماعة الآداب خاضت صراعا ضاريا مع جماعة شعر الممثلة بيوسف الخال وأدونيس والذين وجدوا في المفهوم الوجودي للحرية الفردية، وتحرر الكائن من الغائية الشرط اللازم للممارسة الأدبية، وهكذا أنتجت الوجودية تيارين متناقضين ومتصارعين، وأصبح سارتر هو الرأسمال الرمزي الذي تتدافع القوى الثقافية والسياسية لتملكه والاحتياز عليه، فما هو الالتزام السارتري نسبة للقوميين؟ وما هي الحرية الأدبية والثقافية والفكرية نسبة لليبراليين؟ 
كان مفهوم الالتزام السارتري أكثر تعقيداً مما طرحته الآداب مثلما كانت الحرية السارترية أكثر تعقيداً مما طرحته مجلة شعر... فماذا تبقى من سارتر في الثقافة العربية؟.
نشرت بجريدة الرياض السعودية عدد 7 إبريل 2005
---------------------------------------------------------------------------------------------
الفلسفة الوجودية بين سارتر وكيركغارد
بقلم: راسم قاسم




الوجودية ابتدأت بثورة على الديكارتية، او على فلسفة(ديكارت) ولم يكن كيركغارد اول الثائرين من الفلاسفة على ديكارت ومنهجه العقلاني في الشك واليقين، فقد سبقه الى ذلك(كانط) بل سبقه الى ذلك عامة اقطاب الفلسفة الالمانية الذين اسسوا الفلسفة المثالية ايام ازدهار الفكر الرومانسي في اوروبا، مثل هردر، وشيلنج بين(1800-1850) على وجه التقريب، ولكن كل هؤلاء الفلاسفة رغم ثورتهم على عقلانية ديكارت اي اعتماده على العقل في اثبات كل شيء وفي نقض كل شيء وفي فهم كل شيء، ساروا مسار ديكارت اي لاثبات ان العقل والمنطق لا يؤديان الى الحقيقة او لا يؤديان بالضرورة الى الحقيقة. اما كيركغارد فقد انتهج منهجا آخر في ثورته على العقلانية وعلى ديكارت الا وهو منهج الشعور والتعبير الملهم لاثبات الحقيقة التي لا يمكن ادراكها الا بالهام وفي رسالة كانط عن(نقد العقل النظري) يدور هذا الموقف الكيركغاردي(الوجود عند كيركغارد اذن دراما هائلة متجددة دائما ابدا، يثبت على صراع الاضداد او صراع الشر والخير اذا اردنا ان نستخدم لغة الاخلاق او صراع الانسان مع الله، اذا اردنا ان نستخدم لغة الصوفية. وهو يشبه مارتن لوثر -مؤسس البروتستانتية الذي اجمل رأيه في فساد الانسان فسادا اصيلا ملازما بقوله ان الخطيئة الاولى خطيئة ابينا آدم وامنا حواء، لم تمح ولا سبيل الى محوها لانها كشعر اللحية تحلقها كل يوم فتنمو كل يوم) (دراسات اوروبية .. انيس منصور ص25).
ولقد رفض كيركغارد مثالية هيجل الجدلية، وقبل كيركجارد من هيجل فكرة تصارع الاضداد(الموضوع ونقيض الموضوع) ولكنه رفض من هيجل فكرة تصالح الاضداد او تصالح الموضوع ونقيض الموضوع فيما يسميه مركب الموضوع. وهيجل يرى ان فكرة وجود قوة طاقة او عاطفة باطنية مضمرة لا تعبر عن نفسها الا خرافة، اما كيركغارد فيرى غربة الانسان عن الله، او عزلة الروح الموحشة عن الله، كلما ازدادت هذه الغربة مدى وعمقا وازدادت هذه العزلة وحشة بالخطيئة ازداد”اليأس “ كما وكيفا، وتتمحور دراسات كيركغارد في صميمها في اليأس والوانه، فكأنما هي جولة مديدة في طبقات الجحيم، ورغم ذلك”فكير كغارد “ ليس معتمدا بلا امل فالنورعنده ينبلج كلما ادلهم الظلام فبلغ مداه، والله يتجلى للنفس البائسة في احلك لحظات اليأس فينتشلها ويغمرها بنعمته ورضوانه.
إن فلسفة هيجل متفائلة تفاؤلا منطقيا فكل واقع منطقي وكل ما هو منطقي واقع”دراسات اوربية لويس عوض ص27 “ وهي فلسفة تجعلنا ننظر حتى الشر القائم في الحياة وتفلسفه وتقبله على انه من منطق الحياة والوجود. ان هذا التفاؤل الهيجلي لا مكان له في فلسفة كيركغارد الذي لم ير في الحياة والكون نظاما او كينونة شاملة بل رآهما يقومان على الوجود الجزئي والفردي الشخصي المشتت الذي لا يخضع لضوابط او روابط ولا لمنطق معقول. بل تحكمه تلك القوة الغامضة الرعناء التي يسميها”اللاوعي “،”بل اكثر من هذا فان الوجود نفيه عند كيركغارد خطيئة، وهو لا يقصد”مجرد الوجود “ او الكينونة الخام حيث كل شيء مندمج في هيولي او كتلة او قطيع والوجود هو”البعد “ او الامتداد في المكان والزمان، وهذا ابعد لا يتحقق الا بانفصال جزئيات المكان”النقط“ وجزئيات الزمان”اللحظات “ فهو اذن نوع من التمزق وهو انفصال الذات عن الموضوع والفكر عن المادة “،”دراسات اوربية، لويس عوض ص29 “ هل كان ظمأ كير كغارد الى الله قريبا من الصوفية والاشراق هل هو البعد عن معترك الحياة والتقرب الى الله بوجدان روحي هل كيركغارد رافضا لكل سلبيات وايجابيات الحياة هاربا منها ام انه يلغي كل حركة او تفكير انساني لاعتقاده بعدم جدواها .
مدرسة باريس الوجودية:
اصبحت لفظة وجودي مرفوضة من قبل مؤسس الفلسفة الوجودية مثل كير كغارد وهيدجروباسيرز ولقد اقتصرت لفظة وجودي على مدرسة باريس الوجودية التي تضم سارتر وسيمون دي بوفوار وغيرهم. واصحاب هذه المدرسة قد رفضوا كل الفلسفات قد نظرت الى الانية (الكينونية) من خلال النفس الناطقة او العاقلة فقط. الامر الذي عبر عنه ديكارت (انا افكر اذن انا موجود). والوجودية ترد على ذلك ان الانسان يستطيع ان يؤكد ذاته ووجوده في هذه الحياة من خلال (المواقف) التي يجد نفسه منخرطاً فيها. باعتبار انه ذلك الكائن البشري الموجود في العالم ومن خلال التمايز بين الانسان والحيوان.
اين يقف سارتر بين كيركغارد وهيدجر؟.
في الحقيقة ان الفلسفة الوجودية التي اقترنت بكيركغارد الدانماركي لم تكن ذات سمات محددة او ابعاد كما في الفلسفات القديمة والحديثة بل هي عند كيركغارد مجرد بحث وتقضي، ولكن من خلال الذات. اما عند سارتر وسيمون ومن قبله هيدجر فهي ليست موضوعات للمعرفة بل اصبحت (ادوات) استخدمها الانسان في حياته اليومية. لذلك فان سارتر قد رفض الاتجاهات المثالية في المعرفة، تلك الاتجاهات التي احالت الوجود، وجود الاشياء او (الظواهر) الى مجرد (ادراك) لها. (ان للاشياء في وجودها شخصية تملي نفسها بها على الشعور)(ما هي الوجودية د. يحيى هويدي مجلة الهلال عدد 2 سنة 1967 ص54)
وقد نجد هذا الرأي واضحا في كتاباته الادبية ففي مسرحية الغثيان يصف قبضة الباب (الان عندما هممت بدخولي حجرتي وقفت فجأة في مكاني ولم استطع ان اتقدم خطوة واحدة ذلك لانني احسست ان شيئاً بارداً لمس يدي واملى علي وجوده في (شخصية) لم استطع انكرها، ثم فتحت يدي، لقد لمست يدي قبضة الباب ليس الا) (الغثيان سارتر ص72).
والوجودية بهذا الاعتبار رد فعل قوي ضد التيارات العقلية الي صبغت الفلسفة في تصورها القديم وعصورها والحديثة على السواء. فاذا كانت تلك الفلسفات القديمة قد نظرت الى (الانية) او الكينونة من خلال النفس الناطقة او العاقلة فقط الامر الذي عبر عنه ديكارت (انا افكر اذن انا موجود) فان الفلسفة الوجودية ترد على لسان كيركغارد (كلما ازددت تفكيراً قل وجودي) وارادت ان تؤكد ان الانسان موجود من خلال المواقف التي يجد نفسه منخرطاً فيها، وعلى رأي هيدجر (الانسان معاشراً للاشياء وليس عارفاً لها) (د.يحيى هويدي مجلة الهلال ص60 سنة 1967 العدد2). 
وهنا ينفرد سارتر عن استاذية كيركغارد وهيدجر بان اضاف ان الالغاز هي طابع الوجود، والالغاز هنا ضد الوضوح المصطنع الذي جعلت منه الفلسفات العقلية طابعاً عاماً للانسان (للوجود) وتوهمت منه انها تستطيع ببعض المقولات العقلية (الجاهزة) ان تسيطر على الكون كله.. كما اضاف ان هذا الوجود الانساني يتصف بمفارقته لذاته.
لذلك نجد سارتر يؤكد دائماً في مقولاته (ان الانسان في جوهرة (تعميم) او (مشروع لتحقيق امكانيات لانهاية لها كلما حقق جانب، سعى الى تحقيق جانب اخر) (دراسات اوربية انيس منصور ص64) (ويحدثنا سارترعن العدم باعتبار انه داخل في نسيج الوجود دخولاً موضوعيا يمثله وجود هذه الاشياء المادية التي يصفها لنا باعتبار ان تطورها الذاتي قد انتهى واصبحت تمثل في الكون وجودات استاتيكية وجودات في ذاتها، وجودات صماء صلبة، كثيفة مظلمة، غارقة في ظلامها من شأنها ان تجمد العقل الانساني وتعوقه، وتحيل حركته الى سكون) (الوجود والعدم سارتر طبقه دار المعرفة بيروت 1974 ص212). 
ويرى هيدجر ان المجادلات التي يقوم بها الانسان للوصول الى الحقيقة وسط الاشياء، تذهب كلها ادراج الرياح لان الانسان كلما اقترب من الاشياء ابتعدت هي عنه، وافلتت من قبضته،وينتج عن ذلك ان الانسان يشعر بعجزه،وينتج عن ذلك شعور يتمثل في عدم الاكتراث او اللامبالاة.
ونستنتج مما تقدم ان الفلسفات الوجودية (اقول الفلسفات الوجودة لاتحمل ابعاداً ثابتة او اطراً محددة) هي فلسفات فردية في اساسها،تقوم على الفرد اولاً وتنظر الى كل انسان على انه يمثل الفردانية المقفلة على نفسها-وهي وان تحدثت عن الاخرين فحديثها يدور في دائرة(انا والغير) او (انا والفرد والاخر).
اشتهر سارتر من حيث هو فيلسوف بانه”وجودي “ ويميل الشراح الى ان يجدوا اسلافه العقليين في (هيجل وكيركغاور) علماً انه مما يدعو الى البحث انه اقرب الى (فخته ) (جوهان جوتاب (1762- 1814) في الروح منه الى اي من الاخرين،اذ يعالج فكرة الحرية الانسانية في بعض الاحيان بوسائل قريبة-بشكل يدعو الى الدهشة- من تلك الوسائل التي تطرق فيها( فخته) وتخلص فيها من كل انواع التحديد التي كانت تقيد تأكيده كانت على كرامة الفعل الحر ومنزلته اللتين لانظير لهما( الموسوعة الفلسفية المختصرة -مكتبة الانجلو المصرية 1963 مراجعة د.زكي نجيب محمود ص176 )ولكن سارتر يرى ان الناس هم الذين يخلعون على العالم ماقد يوصف به من النظام والمعنى. ولقد تأثر سارتر بانسان مثل برومثيوس في عالم لا يوجد فيه زيوس الذي يشده بالاغلال الى الصخرة.
وارتأى سارتر ان من واجب الفيلسوف هو مساعده الناس بواسطة الفكر على ان يحرروا انفسهم. ان ما ينسجه سارتر من انماط عقلية نسجا يستمد خيوطه من فكرة الحرية. يوشك الا يكون ذا طراز ثابت فاحيانا تكون الحرية اسما لحاله من الاستقرار والشفافية في الحياة تنفلت دائما من الانسان في سلوكه الخلقي-لكنها ما تنفك تقربه بالدنومة لقد انتمى عمل سارتر بمعنى من المعاني الى تقليد اولئك الذين وجدوا عمل سارتر بمعنى من المعاني الى تقليد اولئك الذين وجدوا في فكرة الحرية المبهمة والمحيرة ولكنها باعثة على النشوة هي نقطة ابتداء في البناء التاملي (ويميل سارتر دائما) الى مذهب الانا وحدية(نظرية الحضار الذات في نفسها) فهو يجد في صور العلاقات بين الناس في المجتمع وهي ما قدرة مارسيل تقديرا ماليا مصادر تهدد كيان الشخصية الفردية اذ انها تهيئ امام الانسان فرص خداعة لنفسه وفرص التخفي وراء قناع وان مسحة من التشاؤم لتسرب في مناقشة سارتر للعلاقات الانسانية هي مسحة تبدو في كل رواياته وكتبه الموسوعة الفلسفية المختصرة المكتية الانجلو المصرية 1963 مراجعة الدكتور زكي نجيب محمود ص177.
اما سارتر الروائي فينقصه ذلك الامتياز الكبير الذي نجده على سبيل المثال عند البير كامي في روايته (الطاعون) نفس المصدر ونجد في روايات سارتر استغراقا سياسيا كما في رواية في سبيل الحرية التي لم تصدر كل اجزائها.
لقد استطاع سارتر ان ينحو منحى جديدا في طرح افكاره مستفيدا من فكرة الحرية ويضيف الى الفكر الانساني شحنات شجاعة تبعده عن النمطية والانقياد المطلق للافكار السائدة لكننا نجد تخطيا في طروحاته فهو من جانب سياسي
يلتزم فكرا محدودا ومن جانب اخر عبثي لا يقيم وزنا للقيم المتعارف عليها الا انه استطاع ان يشغل العالم في فترة من فترات الزمن الوسيط للقرن العشرين وان يلتزم قضايا ساخنة للشعوب المغلوبة كقضية الجزائر وفيتنام كما ان له مواقف بطولية ضد النازية لقد استطاع سارتر ان يستقطب حوله اجيالا من الشباب لانهم وجدوا فيه متنفسا للذات في التعبير عن نفسها بحرية تامة.
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق