يرى الدكتور محمد علي محمد في مقالته " التفاعلية الرمزية في علم الاجتماع المعاصر " أن مصطلح التفاعلية الرمزية يعود إلى الاتجاه المعروف باسم مدرسة الفعل الاجتماعي ، ولكنه لا يعترف بأن التفاعلية الرمزية نظرية تقوم على المبادئ و الأسس التي تقوم عليها النظرية الاجتماعية بل يرى أنها منظور و في ذلك يرى أنها ليست نظرية بالمفهوم المنطقي الاستنباطي لهذا المصطلح ، كما أنها ليست كذلك أيضا ًحينما يستخدم مصطلح النظرية للدلالة على أنماط محددة للعلاقات أو الظواهر أو الوقائع أو المجتمعات و المنظورلا يزيد عن كونه اتجاها ً أو مدخلا ً نظريا ً و منهجيا ً يتضمن رؤية لعالم الظواهر و الوقائع الاجتماعية بل ترتكز على تصورات فلسفية معينة ، بحيث تؤثر هذه التصورات في النتاج النهائي للبحث والتحليل ، ولعل الذي دفعنا إلى هذه التفرقة المبدئية بين النظرية و المنظور هو أن النظريات تنحو دائما ً نحو أهداف طموحة ، فهي تسعى إلى الدقة المنطقية و التصورية و تهدف إلى التفسير و التنبؤ من خلال نسق محكم من القضايا المرتبطة فيما بينها ارتباطا ً منطقيا ً خاليا ً من أية تناقض، ذلك هو ما تهدف إليه معظم النظريات السوسيولوجية .
حقيقة أن كلمات مثل التفسير و التنبؤ و الاستنتاج تتردد في كتابات وأعمال التفاعليين الرمزيين و لكن استخدامهم لهذه الكلمات ينطوي على معنى مغاير تماما ً لما هو مألوف في لغة علم الاجتماع ، فالتفسير لا يعني استنباط القضايا من مقدمات سابقة ، و بالمثل لا يقصد بالتنبؤ توقع الاحتمال في ضوء هذه القضايا ، و إنما التفسير و التنبؤ عند التفاعليين الرمزيين مرتبطان بالبصيرة الخارجية التي يطورونها من خلال معايشتهم للظواهر الإنسانية أكثر مما هما نتاج لتناول عدد من المتغيرات في إطار الضبط و التحكم وصولا ً إلى فروض معينة.
وجدير بالذكر أن هذا اللون من المعرفة التي يسعى إليها عالم الاجتماع ذي الاتجاه التفاعلي الرمزي تختلف تماماً عن تلك التي نحصل عليها بعد مطالعة متعمقة للنظريات الوظيفية أو التبادلية أو غيرها مما تنظر إلى السلوك على أنه مشتق من مبادئ محددة و مسلم بها.
إذن فالمضمون الأساسي لمنظور التفاعلية الرمزية لا يتضمن قضايا قابلة للتحقق الامبيريقي بالطرق المنهجية المألوفة، و إنما ينطوي هذا المضمون على مجموعة من الأفكار المفترضة التي يجب أن تتلاءم معها أحداث الحياة اليومية و وقائعها ، فليس هدف التفاعليين الرمزيين اختبار عدد من الفروض امبيريقيا ً و إنما هم يزعمون أن لديهم مجموعة من المفاهيم و التصورات والأفكار التي تصلح إطارا ً لوصف الواقع و تفسيره ، و يحتاج كل من يمارس هذه الحرفة إلى أن تكون لديه المهارات اللازمة لممارستها( غيث، 1997 م ، ص 67 ــ 68 ).
الخلفية الفلسفية للتفاعلية الرمزية:
ظهرت التفاعلية الرمزية كنتيجة لعدة جذور فكرية و بخاصة كما تتمثل في إسهامات ماكس فيبر و المدرسة الألمانية و لكن يرجع جذرها الأساسي للفلسفة البرجماتية، فقد نشأت الفلسفة البرجماتية في الولايات المتحدة خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ، و قد طرح الفكر الفلسفي البرجماتي على بساط البحث و المناقشة مسألة مهمة و هي العلاقة بين العقل و الجسد .
حقيقة أن كلا ً منا على وعي تام بعقله الخاص ، و من ثم لنا أن نتصور أن العقل خاصية متميزة و طبيعية لدى البشر ، و مع ذلك فلا يوجد بالجسم عضو محدد أو عملية فيزيقية محددة تقابل أفعال العقل .
و لقد وقفت المدارس الفلسفية من هذه القضية موقفين متباينين ، فلدينا وجهة النظر التي تؤكد سيادة العقل و تجعل من العقل نقطة بدء لتفسير كافة ضروب السلوك الإنساني ، إلى الحد الذي تذهب فيه إلى وجود عقل جمعي هو المسئول عن وحدة تصرف الجماعة و تمثل مفاهيم إرادة الجماعة و الروح القومية و غيرها ، محاولات لتناول مشكلة العلاقة بين العقل و الجسد .
وهذا الاتجاه يرى أن الجسد خاضع بدوره لحكم العقل ، الفعل إذا يشغل المرتبة التالية على العقل و الفكر، و ضروب النشاط التي يمارسها الأفراد ليست مستقلة عن خصائص العقل و طباعه .
أما الاتجاه الفكري الثاني فهو يتناول العلاقة بين العقل و الجسد من وجهة نظر مختلفة تماما ً فهو يبدأ بإنكار وجود شيء يمكن أن نطلق عليه مصطلح العقل، فليس ثمة وجود سوى للجسم فقط، و التجربة تنتقل خلال الحواس إلى الجهاز العصبي مصطحبة معها الفعل أو السلوك ، فلا عقل إذا سابق على السلوك .
وهذا التناول السابق لهذين الاتجاهين ينقلنا إلى قضية أخرى هامة هي التي عبر عنها التساؤل الذي مؤداه:
أيها تحيل الأولوية على الآخر، الفرد أم المجتمع ؟
بعبارة أخرى : هل علينا أن ندرس الأشخاص بوصفهم الوحدات الأولية للدراسة لأن المجتمع يتألف في نهاية الأمر من الأفراد ؟ أم أن علينا أن نبدأ من المجتمع و نستنتج منه السلوك الفردي ؟
لقد أجابت الفلسفة البرجماتية على هذه التساؤلات بأنه ليس ثمة تفرقة ذات معنى بين المجتمع و الفرد، فالأفراد يتشكلون بواسطة المجتمع، تماما ً مثلما القول أن السلوك الفردي الخلاق هو الذي يصنع المجتمع، و هكذا تكون نقطة البداية، هي المجتمع و الفرد، في معية واحدة ، حينئذ علينا أن نعيد صياغة التساؤل ليصبح على النحو التالي:
كيف نستطيع تفسير دوافع الأفعال بوصفها مظاهر للفردية تجري داخل سياق اجتماعي يتسم بالمرونة و القهر أيضا ً .
هكذا أزاحت الفلسفة البرجماتية التفرقة التقليدية بين الفرد و الجماعة بحيث أصبح من المتعذر تفسير الحياة الاجتماعية إذا فصلنا بينهما على أي نحو.
ويمكن لنا معرفة الخبرة الحية التي يعيشها الناس من خلال الإصغاء تماما ً لما يقوله الناس عن خبراتهم و أن نصل من خلال ذلك إلى القصة الداخلية التي يرويها الأفراد عن ظروف حياتهم و مواقفهم ، و يكتسب الاتصال في هذا السياق معنى أكثر عمقا ً و دلالة فهو أكثر من طريقة لتسجيل التفاعل، إنه جوهر النظرية برمتها، ذلك أن السلوك يتحدد من خلاله ، فالناس يتصرفون وفقا ً لتبادل الرغبات و المقاصد و المعاني .
هناك تواصل للمقاصد بين الناس بحيث تستجيب ذواتهم و تتوافق من خلال ضروب الاتصال و التفاعل بينهم، و الدارس لهذا كله ، هو في موقف يشبه تماماً موقف المشاركين أنفسهم ، فعليه لكي يفهم السلوك أن يكتشف المعاني التي يتواصل من خلالها الأفراد و من ثم فهو سيدرك أن الاتصال الرمزي هو أساس كل سلوك اجتماعي و هو في الوقت ذاته الأسلوب المنهجي الملائم لاكتساب المعرفة عن هذا السلوك ، فكل أعضاء المجتمع إنما يحققون توافقهم المتبادل من خلال مواقف يفسرون فيها السلوك تفسيرا ً رمزيا ً و الاتصال هو جوهر الفعل ، و يجب أن يشكل الأساس الملائم لمنظور واقعي يمكن من خلاله تناول الأحداث الاجتماعية . (غيث، 1997 م ، ص 71ــ75)
الخصائص العامة لمرحلة النشأة:
تركز اهتمام الكتابات المبكرة حول قضية الدافعية الإنسانية ، و يمكن تلخيص أهم الملامح لمرحلة النشأة في النقاط التالية:
1 ) لقد أظهرت هذه الدراسات اهتماما ً واضحا ً بدور العوامل الجماعية باعتبارها عناصر هامة لفهم السلوك، فليس ثمة ما يدعو للنظر إلى الأفراد في المجتمع بوصفهم وحدات تدفعها قوى داخلية أو خارجية ، و إنما النظرة الصحيحة لهم تتمثل في دراستهم من خلال تفاعلهم و علاقاتهم المتبادلة ، لأن تحليل السلوك الاجتماعي يبدأ من حقيقة التجمع الإنساني في المجتمع .
2 ) اهتمت هذه الدراسات بمهاجمة التصور القديم عن العلاقة بين الفرد و المجتمع بحيث تحولت بؤرة الاهتمام من الفرد إلى علاقة الأفراد بالبيئة ، و لقد تطلب ذلك تحولا ً أيضاً في تناول المشكلات الاجتماعية و أساليب الصلاح الاجتماعي ففي ضوء هذا التصور الجديد علينا أن نبحث عن أسباب هذه المشكلات في البيئة الاجتماعية،و معنى ذلك أن مدخلا ً جديدا ً لدراسة السلوك الاجتماعي ، قد أخذ في الظهور و بمقتضاه نعطي دوراً أساسيا ً للتفاعل الاجتماعي في البيئة الاجتماعية .
3 ) لم يعد تفسير نشوء الذات الاجتماعية قاصرا ً على الحدود الضيقة القديمة التي حصرت هذا التفسير في نطاق العوامل الفردية فحسب ، إذ أن تفسير تطور الذات ينبغي أن ينهض على التسليم بأن الفرد قادر على أن يستدمج دور الآخرين في عقله على نحو يمكنه من اكتساب أنماط جديدة للفعل و التصرف تجاه ذاته و تجاه الآخرين أيضاً.
4 ) عند دراسة تطور الذات علينا أن نأخذ في اعتبارنا فكرة جديدة هي فكرة الانبثاق و هي فكرة انتقلت من الفلسفة إلى ميدان العلوم الاجتماعية بحيث أصبحت ذات تأثير واضح في إعادة صياغة التصور السائد عن العلاقة بين الفرد و المجتمع و أهم نتيجة لهذه الفكرة هي تجنب الحتمية الفردية أو الجماعية .
5 ) اكتسبت الجماعة الاجتماعية دورا ً جديدا ً في إطار علم النفس جديد أيضا ً في تشكيل الدافعية للسلوك الاجتماعي ، و في ذلك بالطبع تصور جديد لمفهوم الغرائز و لتأثير العوامل البيولوجية في السلوك حقيقة .
و قد اعترف علماء التفاعل المبكرين بتأثير هذه العوامل ، و لكنهم أسهموا إسهاما ً واضحا ً في دحض الحتمية البيولوجية من خلال الاعتراف بأن هناك تفاعلا بين العوامل البيولوجية و الجماعية .
6 ) توسيع مفهوم السلوك الرمزي لكي يشتمل على مجموعة من العناصر فضلا ً عن اللغة ، و في ذلك إدراك واضح للدور الهام الذي يلعبه الاتصال في عملية التفاعل و في وجود المجتمع الإنساني ذاته بوصفه مجموعة من المعاني المشتركة .
7 ) أسهمت هذه الدراسات في تطوير المناهج الملائمة لدراسة التفاعل الرمزي و السلوك الاجتماعي على نحو يمكن الباحث الاجتماعي من التعمق في فهم مختلف العوامل في الموقف الاجتماعي ، و لقد أسفر ذلك عن تبني منهج الاستبطان التعاطفي و من ثم تطور الاتجاهات الكيفية في علم الاجتماع . غيث، )1997 م ، ص 105ــ106)
إذاً فالتفاعلية الرمزية تطرح عدة مفاهيم لم يسبق طرحها من خلال النظرية البنائية الوظيفية أو الصراعية، و نجد أهمها فيما يلي :
1 ــ التفاعل: وهو سلسةٌ متبادلةٌ ومستمرةٌ من الاتصالات بين فرد وفرد، أو فرد مع جماعة، أو جماعةٍ مع جماعة.
2 ــ المرونة : ويقصد بها استطاعةُ الإنسان أن يتصرفَ في مجموعةِ ظروفٍ بطريقة واحدة في وقت واحد، وبطريقةٍ مختلفة في وقتٍ آخرَ، وبطريقة متباينة في فرصةٍ ثالثة.
3 ــ الرموز: وهي مجموعةٌ من الإشارات المصطَنعة، يستخدمها الناسُ فيما بينهم لتسهيل عمليةِ التواصل، وهي سمة خاصة في الإنسان. وتشملُ عند جورج ميد اللغةَ، وعند بلومر المعاني، وعند جوفمان الانطباعاتِ والصور الذهنية.
4 ــ الوعيُ الذاتي :وهو مقدرةُ الإنسان على تمثّل الدور، فالتوقعات التي تكُون لدى الآخرين عن سلوكنا في ظروف معينة، هي بمثابة نصوصٍ يجب أن نَعيها حتى نُمثلَها، على حدّ تعبير جوفمان.(عويسي،2008،www.maktoobblog.com)
5 ــ الذات: وهو ما يتعلق عادة بتصور الفرد عن نفسه الناتج عن خبراته في التفاعل مع الأفراد الآخرين كما يمكن تعريف مفهوم الذات نفسيا بأنها ( تكوين معرفي منظم وموحد ومتعلم للمدركات الشعورية والتصورات والتعميمات الخاصة بالذات ،يبلوره الفرد ويعتبره تعريفا نفسيا لذاته ).
6ــ الذات الفاعلة أو الفاعل الاجتماعي: إن مفهوم الذات الفاعلة عند علماء التفاعلية الرمزية اقرب إلى مفهوم النفس البشرية التي هي حصيلة تفاعل عوامل داخلية وراثية وخارجية مجتمعية . http://www.ejtemay.com
و سنعرض في الصفحات القادمة بشيء من التفصيل، أهمية هذه المفاهيم في النظرية التفاعلية الرمزية و كيف تم تفعيل هذه المفاهيم من خلال أفكار النظرية.
أهمية الرموز و المعاني في التفاعلية الرمزية:
تدور فكرة التفاعلية الرمزية حول مفهومين أساسيين هما : الرموز و المعاني في ضوء صورة معينة للمجتمع المتفاعل، و تشير التفاعلية الرمزية إلى معنى الرموز على اعتبار أنها القدرة التي تمتلكها الكائنات الإنسانية للتعبير عن الأفكار باستخدام الرموز في تعاملاتهم مع بعضهم البعض .
ونجد أن استخدام الرموز أمر قائم في كل من التجمعات الحشرية مثل تجمعات النمل و النحل ، و التجمعات البشرية ، إلا أن التعامل بالرموز في التجمعات الحشرية يقوم على أساس التفاعل الغريزي التلقائي ، و ذلك على عكس التجمعات البشرية التي تستخدم الرموز للتعبير عن شيء له دلالة اجتماعية و تهتم التفاعلية الرمزية بالطريقة التي يختار بها المشاركون في عملية التفاعل الاجتماعي لمعاني الرموز و يتفقون على هذه المعاني .
و يشير مفهوم الرموز إلى الأشياء التي ترمز إلى شيء آخر ، أو يكون لها معاني أعمق من الجانب السطحي للرمز ، و يتم تحديد معنى الرموز عن طريق الاتفاق بين أعضاء الجماعة ، إذ يتعلم الأطفال التمييز بين كلا من رجل الشرطة و سائق الأتوبيس و لاعب كرة القدم عن طريق نوعية الملابس التي يرتدونها و قد ينظر أحد أفراد مجتمع آخر لهذه الملابس على اعتبار أنها مجرد ملابس فقط ، و نجد أن هؤلاء الذين تعلموا ما ترمز إليه هذه الملابس يمكنهم تحديد العمل الذي يؤديه كل من يرتدي نوع معين من هذه الملابس و بالتالي يمكنهم التفاعل بسهولة مع كل منهم. (لطفي و الزيات ،1999م ، ص 120)
هنا يتضح أهمية المجتمع في تحديد الرموز و معانيها و كيفية التفاعل بعد إدراك هذه المعاني مع ملاحظة أن المعنى الذي يدل عليه الرمز قد يدل على نقيضه في مجتمع آخر ، أو في زمن آخر ، أو يدل على معنى مختلف تماما ً عما أريد له في مجتمع ما و زمن ما .
كما أن تحليل هذه الرموز و فك طلاسمها ، أصبح مما يهتم له أكثر من علم ، مثل علم النفس و علم الإجرام و علم الطفولة ، حيث أن هذه الرموز تكشف عن جوانب عديدة في حياة الإنسان ، قد لا يفهمها أحيانا سوى الراسخون في العلم .
اللغة :
تعتبر اللغة من أهم الرموز التي يتم استخدامها في عملية التفاعل الاجتماعي اليومي،تعتمد هذه اللغة على الكلمات كرموز يتم من خلالها التعبير عن المقصود الكامن في النفس ، هذه الكلمات ليس لها معنى حقيقي في حد ذاتها ، و إنما تكتسب المعاني من خلال الخبرة في رموز المجتمع ، و ماذا يقصد بكل رمز ، و بالإضافة إلى اللغة هناك رموزاً أخرى مثل الإشارة باليد ، كما يحدث في لغة الصم، و قد تستخدم الإشارات كذلك مع سوى هذه الفئة في التعاملات اليومية ، كما يكون بين الأم و ابنتها من رموز قد تكون من خلال العين مثلا ً و لا تفهمها الضيفة الحاضرة بوجودهما .
المعاني :
لا يكتمل الهدف من الرمز دون إدراك المعنى الرامي إليه ، و هذا ما يهتم به منظور التفاعلية الرمزية ، حيث يدرس المعاني التي يعطيها الناس لسلوكهم و سلوك الآخرين ، فلا فائدة من هذه الرموز في عملية التفاعل الاجتماعي دون إدراك معانيها .
تطبيق المنظور التفاعلي في تفسير الظواهر و النظم و المشكلات الاجتماعية: . (لطفي و الزيات ،1999م ، ص 131 ــ 183 )
تم استخدام أو تطبيق المنظور التفاعلي بوجه عام في تفسير العديد من الظواهر و النظم و المشكلات الاجتماعية، مثل: مشكلات التحضر و مشكلة عدم المساواة بين النوعين (الجنسين) و الأسرة ، و المشكلات البيئية، و التنشئة الاجتماعية، و مشكلة التحضر.
1 ــ تفسير المنظور التفاعلي لمشكلات التحضر :
تركت عملية التحضر تأثيراتها العميقة على المشاعر النفسية للأفراد أو لملايين السكان بحيث انتشر بينهم الشعور بالوحدة و الضياع ، هذه المشاعر التي ربما لم يكن إنسان الريف يعرفها ، جعلت أصحاب مدخل علم النفس الاجتماعي يهتمون بدراسة هذه التأثيرات ، و ما نتج عنها من مشكلات نفسية خطيرة شاعت بين الأفراد الذين يعيشون في المناطق المتخلفة مثل مشكلة المرض العقلي و تعاطي الخمور و إدمان المخدرات .
و قد أهتم العديد من العلماء بدراسة التأثيرات التي أوجدتها حياة المدينة و منهم جورج زيمل و لويس ويرث ، و رأوا بأن حياة المدنية تؤدي إلى نتائج سلبية ينعكس أثرها على كثير من الأفراد ، سواء على الأسرة و مكانة الكبار بها أو على نطاق الجيرة والأصدقاء .
عكست هذه الآراء تخوفاً عميقاً من حياة المدينة و تفضيلاً للقيم التقليدية التي تفضل نوعية الحياة الريفية ، حيث التضامن الأقوى و التماسك الأسري و خبرة و معرفة كل صديق بصديقه ، هذه الأمور التي تفتقدها حياة المدينة كما يرى زيمل و ويرث دعتهما إلى اقتراح تقسيم المدينة إلى وحدات صغيرة حتى يتمكن الأفراد من المعيشة في مجتمعات محلية صغيرة يشعرون فيها بالانتماء أو العضوية و يتمكنون فيها من تدعيم علاقات الجوار، ففي رأيهما أن حياة الأرياف بما فيها من قيم هي أفضل حالا ً من حياة المدن ، و أن التفاعل الذي يكون وجهاً لوجه في المجتمعات المحلية هو ما فيه سعادة الإنسان .
2 ــ تفسير المنظور التفاعلي لمشكلة عدم المساواة بين النوعين ( الجنسين )
رغم أن مصطلح الجندر قد عرف وانتشر في ثمانينات القرن الماضي ، إلا أنه يبدو أنه قد وجد جذوره في تفسيرات بعض علماء النفس الاجتماعي للفروق بين أدوار الجنسين ، حيث يؤكد معظم هؤلاء العلماء أن أدوار الجنسين تنمو خلال السنوات المبكرة من مرحلة الطفولة نتيجة التفاعل مع الآباء و جماعات الأقران و المدرسين و وسائل الإعلام .
و إن كان علم الجندر قد اتخذ كوسيلة لتبرير المساواة بين الجنسين ، فإن هذا ما يقول به بعض علماء النفس الاجتماعي الذين يرون أن الاختلافات بين الجنسين لها أصول بيولوجية ، و قد يصعب تغييرها ، و بالتالي قد يصعب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالقضاء على مشكلة عدم المساواة بين الجنسين أو العمل على التخفيف من حدتها• و في هذا يشير علماء النفس الاجتماعي إلى أن التمييز ضد المرأة يظهر نتيجة الاختلافات في عملية التنشئة الاجتماعية ، ففي هذه العملية تتم تنشئة الذكور على الاستقلال و السيادة ، بينما تتم تنشئة الإناث على التبعية و الخضوع ، و من ثم يتعلم كل من الجنسين أن يرى المرأة على اعتبار أنها في منزلة أدنى من منزلة الرجل .
و في نفس الوقت نجد من بين علماء النفس الاجتماعي أن هناك أصحاب النظرية البيولوجية الاجتماعية ، الذين يرون أن الاختلافات بين الجنسين لها أصول بيولوجية ، و قد يصعب تغييرها ، و بالتالي قد يصعب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالقضاء على مشكلة عدم المساواة بين الجنسين أو العمل على التخفيف من حدتها .
3 ــ تفسير المنظور التفاعلي للأسرة :
تحتوي الأسرة على العديد من العلاقات ، سواء الرابطة بين الزوج و زوجته أو بين الآباء و الأبناء أو علاقة الأسرة بعد ذلك بالمجتمع الخارجي ككل، هذه العلاقات المتنوعة المتعددة و التي تحتوي على العديد من السلوكيات المحتوية على الكثير من الرموز ، الناقلة للثقافة أو لتسهيل عملية التنشئة الاجتماعية ، مما يمكن لممثلي النظرية التفاعلية الرمزية دراسته ، كما تساعد نظرية التفاعل على فهم كيفية تنمية أعضاء الأسرة للفهم المشترك لأفعالهم من خلال عملية الاتصال اللفظي و غير اللفظي ، و كيف تعكس عملية الاتصال الاختلافات بين أعضاء الأسرة في الثروة و القوة و النفوذ .
عند دراسة عمليات الاتصال و التفاعل تلك يمكن للتفاعليين ملاحظة أن صاحب القوة و النفوذ هو من يسيطر على عملية التفاعل و يوجهها ، حيث من الملاحظ لدى التفاعلين أن الآباء يعبرون عن قوتهم و سيطرتهم على عملية التفاعل من خلال مقاطعة حديث غيرهم أكثر مما يفعل الأبناء !!
كذلك من الملاحظ سيطرة الزوج أو الأب في جهاز التحكم بالأجهزة الالكترونية مثل التليفزيون و يقوم هو وحده بتقليب القنوات ، مما يشير إلى سلطته كذلك داخل الأسرة ، و هذه الرموز المستخدمة هنا تشير بطرف خفي إلى أن من يقومون بهذه الأمور يميلون إلى التأثير أكثر من غيرهم في عملية اتخاذ القرار .
4 ــ تفسير المنظور التفاعلي للمشكلات البيئية :
تزخر المجتمعات الحضرية بالعديد من المشكلات البيئية ، و كما رأينا سابقاً في نظرة المنظور التفاعلي لمشكلات التحضر ، و تأثير التمدن على حياة ساكني الحضر ، ففي تفسير هذا المنظور للمشاكل البيئية نجده يرى أن الاتجاه نحو الحضرية يؤدي إلى تدمير النظم البيئية و بالتالي ظهور المشكلات البيئية .
كما يرى أصحاب المنظور التفاعلي أن الأزمة أو المشكلات البيئية تنجم عن القيم و الأيدولوجيات و الاتجاهات التي يتم تعلمها .
و إذا ما ربطنا بين المنظور التفاعلي و المشكلات البيئية التي نشهدها هنا في محافظة جده كمنطقة حضرية ، نجد بأن هذا المنظور يؤكد أن من الأسباب التي أدت إلى تدهور و اضطراب البيئة في المدن ، تلك التأثيرات المجردة من اللمسات الإنسانية للحياة خاصة في الأحياء الفقيرة منها ، و تتضح هذه الصورة الإنسانية المؤسفة في المناطق الفقيرة حيث يضعف الأمل منها في تحسين أحوال سكانها المعيشية ، ففي الأحياء الفقيرة ، و خاصة العشوائية ، يصل معدل الجريمة إلى قمته ، و لا شك أن هذا من شأنه أن يجعل بيئة المدن أقل ملائمة لسكن و حياة الإنسان ، و هذا ما نلحظه في العديد من المدن من حيث ارتفاع معدل الجريمة و التلوث البيئي ، و عدم ملائمة بعض المساكن للإقامة بها، بل إن المشاكل قد غطت البر و البحر بحيث أصبح مجتمعاً بكامله مهدداً بيئياً بأن يغرق في صرفه الصحي !!
و إذا كان المنظور التفاعلي يرى بأن هذه الأزمة قد نتجت عن القيم و الايدولوجيات و الاتجاهات التي يتم تعلمها، و لا تدعوا لاحترام هذه البيئة ، فإنه من الممكن علاج الأزمة أو المشكلات البيئية عن طريق عدم تعلم الاتجاهات التي تؤدي إلى تدمير البيئة ، و استنزاف مواردها و لا يجب أن يتم نقل هذه الاتجاهات عبر الأجيال المختلفة ، إذ أن عدم تعلم هذه الاتجاهات الضارة يؤدي إلى إحلال اتجاهات جديدة أخرى محلها ، الأمر الذي يساعد على علاج المشكلات البيئية ،• و يمكن أن يتعلم الناس في القرن العشرين ما تعلمه الناس في المجتمعات البدائية من حيث النظر إلى الطبيعة باحترام و تبجيل و أن البشر جزء يعتمد على غيره من الأجزاء الموجودة في البيئة الطبيعية ، و أن أسلوب الحياة الذي يحاول تحقيق الانسجام مع الطبيعة يعد أفضل من أسلوب الحياة الذي يحاول التحكم في الطبيعة و تدمير التوازن البيئي .
هذا يقودنا كذلك إلى كيفية اختفاء القيم من حياتنا الاجتماعية ، حيث تحتل اتجاهات جديدة أخرى محلها ما لم يتم تجذيرها في أنفس الأبناء.
5 ــ تفسير المنظور التفاعلي لعملية التنشئة الاجتماعية :
يؤكد أصحاب المنظور التفاعلي على عملية التنشئة الاجتماعية و استمرارها مدى الحياة، و ذلك من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية و التي تتعامل مع شخصيات الأفراد و التي هي متغيرة باستمرار، و رغم هذا التغير في الشخصيات إلا أن منظور التفاعل الرمزي يرى بأن تنشئة الذكور و الإناث تتم في المجتمع بحيث يكون لكل منهما أدواره الخاصة به، و يتم تأكيد هذه الأدوار من خلال عمليات التفاعل التي تتم داخل المجتمع
يهتم المنظور كذلك بتوضيح كيفية هذه التنشئة، و الاهتمام بالعالم الخارجي بما فيه من أشخاص و معان و أفكار عند تفسير موجهات التنشئة الاجتماعية أو نمو الطفل، أو تطور و سمات الشخصية حتى مرحلة متأخرة من الحياة .
6 ــ تفسير المنظور التفاعلي لمشكلة الجريمة:
يهتم هذا المنظور بدراسة الجريمة عن طريق النظر إلى الطريقة التي تتطور بها قواعد السلوك من خلال التفاعل بين أعضاء الجماعة .
و تعرف الجريمة إما على اعتبار أنه إما أن يؤدي إلى الضرر الواقعي ( مثل الاعتداء و الاغتصاب و القتل ) أو يرمز إلى أنه مصدر للإزعاج لأعضاء الجماعة ( مثل التسكع و التشرد و تعاطي المخدرات ) .
و سوى العلاقات التي تكون بين المجرمين بعضهم البعض أو بين المجرمين و الضحايا ، فكذلك يدرس التفاعليون العلاقة التي تكون بين رجال الشرطة و المشتبه بهم ، فقد كشفت دراسة عن القتل عن أن الضحايا يسهمون غالبا ً في قيام المجرمين بقتلهم ، عن طريق قيامهم ببدء استخدام القوة أو تهديد المجرم بطرق رمزية مثل الإهانات و الإيماءات القذرة .
و قد كشفت دراسة عن سلوك رجال الشرطة عن أنهم يعتمدون على الرموز من سلوك و اتصال لفظي لتحديد ما إذا كانوا سيقومون بالقبض على المشتبه بهم ، أو تحذيرهم ، أو تركهم دون تحذير .
يمكن لنا خلال منظور التفاعلية الرمزية أن نفسر أثر مشاهدة الأفلام التي تبث مشاهد العنف و الإجرام في اكتساب المنحرفين لهذه الممارسات و كذلك يمكن لنا الاستفادة من هذا المنظور عند إيداع الأحداث في دور الملاحظة ، حيث ينبغي لنا مراعاة عدم وضع من هم ذوي انحرافات بسيطة مع ممارسي الانحراف بشكل أكبر و ذلك حتى لا ينتقل هذا السلوك من خلال التفاعل بين الأحداث المودعين في دور الملاحظة.
فقد أشارت العديد من الدراسات أن كثير من المودعين في السجون أو دور الملاحظة يكتسبون أنماطاً أخرى من السلوكيات غير القانونية من خلال التفاعل المستمر لفترة طويلة مع غيرهم من المودعين و الذين يفوقونهم في تنوع هذا السلوك أو المهارة به. (لطفي و الزيات ،1999م ، ص 131 ــ 183 )
رؤية التفاعلية الرمزية لطبيعة الإنسان و الواقع الاجتماعي :
تشير بعض الافتراضات الرئيسية للتفاعلية الرمزية إلى أن الإنسان قادر على تحسين ذاته كما تؤكد بعض هذه الافتراضات أن الإنسان يقوم بصياغة و تشكيل الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه من خلال عملية التفاعل الاجتماعي ، و عن طريق استخدام الرموز مثل اللغة و عن طريق عمليات التفاعل الرمزي يتم تكوين البناء الاجتماعي و الحافظ عليه ، أو تغيره و ليس من الممكن فهم أنماط التنظيم الاجتماعي ، حتى تلك التنظيمات المعقدة بدون معرفة العمليات الرمزية بين الأفراد الذين يشكلون في النهاية هذه الأنماط .
كما تذهب التفاعلية الرمزية إلى أن ظواهر المجتمع ليس لها وجود خارج نطاق وعي الأفراد أو مداركهم .
و يتضح مما سبق أن التفاعلية الرمزية تتضمن بعض القضايا الرئيسية التي تكشف عن قدرة الإنسان على تحسين ذاته و بناء شخصية بالإضافة إلى قدرته على تشكيل و صياغة و تغيير الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه من خلال عملية التفاعل بين الأشخاص و الجماعات داخل المجتمع الإنساني .
و ترى التفاعلية الرمزية أن المجتمع نسق متفاعل ، و لا يمكن أن يوجد شيء في المجتمع خارج إطار التفاعل، أي أن المجتمع كيان متجدد باستمرار بين كل لحظة و أخرى و نجد أن التفاعل بين الفرد و المجتمع هو الذي يحدد هوية كل من الفرد و المجتمع في نفس الوقت ، بحيث يصبح الفرد و المجتمع كيان واحد له شخصيته المميزة .
و تلعب التنشئة الاجتماعية دورا ً هاما ً و مؤثرا ً في ربط الفرد بالجماعة وربط الجماعة بالمجتمع ، إذ يولد الأطفال في الأسرة ، وينتمي الطلاب إلى المؤسسات التعليمية ، و ينتمي الأفراد إلى جماعات و هيئات متعددة الأنشطة داخل مجتمعاتهم ، و من ثم يكون الفرد و المجتمع وجهان لعملة واحدة على النحو الذي ذهب إليه عالم الاجتماع الأمريكي نشارلز كولي .
و ينظر أنصار التفاعلية الرمزية إلى أفراد المجتمع على اعتبار أنهم مخلوقات تحاول بناء الحقيقة و معرفة معاني الأشياء أو الموضوعات أو الأحداث التي يواجهها الناس في حياتهم اليومية ، فالمعاني من وجهة نظر التفاعلية الرمزية، ليست أشياء موروثة و كافة في ذات الأشياء، و لكنها تعبر عن إحساس أولي للشعور الإنساني نحو الأشياء، و هذا الشعور هو الذي يعبر عن المعاني التي ترمز إليها الأشياء، و يرى التفاعليون أن الناس هم الذين يصيغون الحقائق الاجتماعية لتفسير ما يحدث في العالم الذي يعيشون فيه، و في هذا الصدد يرى الفيلسوف الاجتماعي الفريد شوكز ، أن الناس يستمدون الحقائق من خبرة الحياة اليومية التي يعيشونها عن طريق النشاط العقلي ، و ذلك على اعتبار أن هذه الحقائق تعد من صنع العقل البشري .( لطفي و الزيات، 1999 م ، ص 121 ــ 123 )
و بالتأكيد لا يمكن لنا قبول هذه الأفكار على علاتها، فليس الناس وحدهم هم الذين يصبغون الحقائق الاجتماعية لتفسير ما يحدث في العالم و إنما هناك تفسيرات قد طرحت من قبل خالق الخلق إما في القرآن الكريم أو السنة النبوية، و هناك تفسيرات لم تطرح و هي ما يعرف بالحكمة الإلهية من أمر ما، فحدث مثل كارثة السيول التي أغرقت محافظة جده، كان لها العديد من التفسيرات و التي يمكن أن تكون حقائق اجتماعية مثل الفساد الإداري ، هذه الحقائق يستخدمها الناس لتفسير ما يحدث في هذا العالم و لكنه كما أسلفنا و إن كان من وضع البشر، فهناك أيضاً تفسيرات قد تكون في علم الغيب، قد تتضح بعد زمن ِ ما و قد لا تتضح سوى في عالم ٍ آخر .
تقييم منظور التفاعلية الرمزية:
انطوت التفاعلية الرمزية على جملة من الايجابيات والسلبيات:
فمن إيجابياتها :1 ــ تأكيدها على التفاعل الرمزي و اهتمامها بدراسة الوحدات الصغرى التي لم يؤكد عليها أصحاب النظريات الكبرى من بنائية أو صراعية .
2- من المحتمل أن تكون مفهومات نظرية التفاعلية الرمزية أكثر شمولا من الأنماط المحددة للتفاعل والتي تهتم بها متطورات الأخرى وأنه من الممكن إدراج المفهومات مثل التبادل والاتصال والإعلام ضمن مفهومات التفاعل الرمزي .
3- يمكن أن تستخدم مفهومات التفاعل الرمزي لتشمل مدى واسع من العلاقات الإنسانية مثل الصراع، التعاون، الخضوع، ومن حيث المبدأ على الأقل فإن التفاعلية الرمزية تجعل صياغة نظريات متباينة تدرس كل نمط من العلاقات الإنسانية أمرا لا ضرورة منه.
أما عن أهم سلبيات دراسة التفاعلية الرمزية :
1- أكدت التفاعلية الرمزية على أن المجتمع تفاعل رمزي دون أن تشير إلى أنماط الظروف مهما كان نوع التفاعل الذي يؤدي إلى ظهور وانبثاق أي نمط من أنماط بناء اجتماعي واستمراره وتغييره في سياق أي ظرف من الظروف .
2- الغموض الذي اتسمت به أطروحات التفاعلية الرمزية وكيفية تشكيل التنظيم الاجتماعي وتغييره فهناك غموض بين عملية التفاعل ونتائجها .
3- عدم صياغة براهين وحجج كافية وذلك حول كيف وإلى أين وما عمليات التفاعل التي تعمل على تكوين واستمرار وتغيير أنماط التنظيم الاجتماعي المتنوعة والمتباينة.
4- تقليل التفاعلية الرمزية من شأن الأبنية الاجتماعية بحيث تجعلها موضوعات ناتجة عن اتجاهات الفاعلين أو الأشياء تتشكل كنتيجة للتفاعل.
5- عدم ربط التفاعلية الرمزية بين الأبنية الاجتماعية و العمليات الاجتماعية واقتصارها على تأكيد وجود كل منهاhttp://nounou1982.maktoobblog.com) .)
6 ــ من الملاحظ أن التفاعلية الرمزية قد جعلت من الشخصية أو الذات محور دراستها ، و جذبت انتباه الباحثين إلى دراسة التفاصيل الصغيرة في الحياة الاجتماعية، و بذلك تكون قد استبعدت النظام الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي من مجال الدراسة و صرف انتباه الباحثين عن دراسة القضايا الأساسية للمجتمع.
7 ــ بالإضافة إلى أن التفاعلية الرمزية قد جعلت التفسير الاجتماعي ينحصر في نطاق التغير النفسي للأفراد ، و ليس التغير في الوحدات أو الأنساق الاجتماعية الكبرى. . ( لطفي و الزيات ، 1999 م ، ص 131 )
إسهام بعض العلماء في تطور التفاعلية الرمزية :
يعد تشارلز كولي و جورج هربرت ميد و هربرت بلومر من أبرز ممثلي منظور التفاعلية الرمزية ، سنتعرض هنا لإسهامات جورج هربرت ميد من خلال هذا الملخص :
جورج هربرت ميد : 1863 ــ 1931م
ولد ميد في مشاشوتس و تعلم في كلية اوبران ثم جامعة هارفارد ثم جامعة لبيزج ثم جامعة برلين في ظل المثالية الألمانية التقليدية و العملية الأمريكية .
و لقد قدم ميد بحوثا ً عن أفكار كلا ً من سمل و دوي ، و أثناء عمل ميد مع دوي في جامعة شيكاغو ، ركز ميد على فهم التفاعل المتبادل و الذات الاجتماعية في داخل محتوى مجتمع يعايش أعلى مستويات التصنيع و التحضر و نزعات الإصلاح و النزعة العملية و المثالية و من ثم كان وعي الإنسانية بذاتها يتزايد تبعا ً لذلك .
و تتضمن أعمال ميد الرئيسية ما يشير إلى ذلك من قبيل ( العقل و الذات و المجتمع ) 1934 و فلسفة الفعل 1938 م (حجازي،1980م،ص 194)
أمضى ميد جانبا ً كبيرا ً من حياته الأكاديمية يتعلم في جامعة شيكاغو ، و قد أصبح أستاذا ً للفلسفة بها منذ عام 1894 حتى وفاته عام 1931 م .
و كان مقلا ً فيما نشره من أعمال خلال حياته ، و مع ذلك فاض تأثيره على معاصريه من خلال مجموعة من المحاضرات و المقالات المتفرقة ، و بعد وفاته جمعت هذه المحاضرات و المقالات المتفرقة و نشرت على هيئة كتب كان منها " حركات الفكر في القرن التاسع عشر " 1936 م ، بالإضافة لما سبق ذكره من مقالات .
و ترجع أهمية ميد إلى أنه استطاع أن يتحرر من الأفكار السلبية و الميكانيكية عن الذات و الشعور ، تلك الأفكار التي هيمنت على علم النفس و علم الاجتماع الأمريكي في البدايات الأولى من القرن العشرين .
حاول ميد أن يبحث في نشأة الذات في ضوء خبراتها و تجاربها الاجتماعية العملية ( مظاهرها الخارجية ) و أيضا ً في ضوء خبرتها كوعي أو شعور ( مظاهرها الداخلية ) و في هذا الصدد تأثر ميد فكريا ً بالعديد من الاتجاهات و التيارات الفكرية ، كان من أهمها الفلسفة البرجماتية عند جون ديوي و وليام جيمس و التطورية الداروينية و المثالية الألمانية ، و رومانسية القرن التاسع عشر ، على جانب علم الاجتماع الذي طوره تشارلز كولي .( جلبي ، 1998 م ، 159 ــ 160)
أهم إسهامات جورج هربرت ميد في التفاعلية الرمزية:
بدأ ميد منظوره بالتركيب بين المفهومات الثلاثة ( العقل و الذات و المجتمع ) بافتراضين أساسيين :
الفرض الأول : أجبر الضعف البيولوجي للكائنات الإنسانية على التفاعل سويا ً في سياق الجماعة ليحققوا البقاء على قيد الحياة .
الفرض الآخر : يحافظ البشر على استمرار تلك الأفعال التي تسهل التفاهم و التعاون و من ثم بقاءهم . •
و بناء على هذين الفرضين استطاع ميد إعادة تنظيم مفهومات العلماء الآخرين بحيث تدل على الكيفية التي منها ينبثق العقل و الذات الاجتماعية و المجتمع ، و كيف يستمر و تدعم كل منها أثناء التفاعل الاجتماعي .
أولاً: العقل
يرى ميد أن السمة المميزة للعقل الإنساني هي قدرته على :
1 ــ استخدام الرموز ليميز الموضوعات في البيئة.
2 ــ التدريب على تكرار مجموعة أساليب فعل بديلة في الخيال تجاه هذه الموضوعات .
3 ــ رفض أساليب العمل غير الملائمة ، و من ثم اختيار الفعل الواضح الصحيح .
و قد أطلق ميد على عملية استخدام اللغة أو الرموز عملية الممارسة الإبداعية في الخيال ، و من ثم يكشف طرح مفهومه للعقل باعتباره عملية لا باعتباره بناء ، و علاوة على ذلك يرى ميد أن وجود و استمرار المجتمع أو العمل الجمعي أو التعاون يعتمد على قدرة الكائنات الإنسانية على تبادل ممارسة تخيل أساليب الفعل تجاه بعضهم البعض و من ثم انتقاء أنماط السلوك التي تسهل التعاون و التكيف .
و من ثم لا يركز ميد على عقول تلك الكائنات الإنسانية الناضجة و إنما يحلل كيفية تطور و انبثاق تلك القدرة عند الكائنات الإنسانية ، و ما لم تتطور عقول الأطفال الرضع فلن يوجد المجتمع و لن تتكون الذات.
و يرى ميد أن العقل ينبثق من عمليات اختيارية انتقائية ، حيث تضيق المجموعة الواسعة الأساسية من الإيماءات الأولية العشوائية التي تصدر عن الطفل الرضيع ، لأن بعض الإيماءات تولد ردود فعل ملائمة من أولئك الذين يعتمد عليهم الطفل في بقائه على قيد الحياة ،فبكاء الطفل يدل على انزعاجه من أمر ما ، و ضحكه يدل على ارتياحه ، و لكن مع نمو هذا الطفل و تحوله إلى شاب فإن الأمر يصبح أكثر تعقيدا ً بحيث أن هذه الإيماءات قد لا تعطي المدلول الصادق ، فالبكاء أصبح لا يدل شرطا ً على الحزن و الانزعاج ، بل قد يرمز للفرح و على العكس الضحك كذلك .
و عندما تأخذ الإيماءات شكل معان عامة مشتركة يطلق عليها ميد الإيماءات الشائعة المقبولة ، و قد زادت هذه الإيماءات المقبولة الشائعة بين الأفراد من كفاءة التفاعل بين الأفراد ، إذ تتيح هذه الإيماءات مجالا ً للتواصل أكثر قدرة و أكثر تحديدا ً لتوصيل الرغبات و المطالب ، و كذلك تفسح الطريق لمجالات العمل المنشودة ، و من ثم من قدرة الكائنات الإنسانية على التوافق و من خلال قراءة ثم تفسير الإيماءات الشائعة المقبولة تفسيرا ً مدعما ً يستطيع الأفراد القيام بالتدريب على تخيل بدائل الأفعال التي تسهل توافقهم سويا ً و من ثم يرى ميد أن الكائن الحي قد يكتسب العقل عندما يطور قدرته على :
1 ــ فهم الإيماءات الشائعة المقبولة .
2 ــ استخدام هذه الإيماءات لاكتساب أدوار الغير .
3 ــ التدريب على تخيل مجموعة من الأفعال البديلة .
ثانياً: الذات
يرى ميد أنه كلما نضج الأفراد اتخذت صور الذات المؤقتة التي تتكون من خلال التفاعل مع الغير في مواقف التفاعل شكلا ً أكثر تحديدا ً ، و من ثم يصير مفهوم الذات أكثر استقرارا ً و أكثر وعيا ً باعتباره موضوعا ً محدداً و يرى ميد أن انبثاق مفهوم الذات يجعل الأفراد أكثر اتساقا ً لأنه يتحقق من خلال مجموعة الاتجاهات و الأحكام أو المعاني المستقرة و المتماسكة ، حول ذات المرء باعتبارها نمطا ً محددا ً للشخص .
و قد اختار ميد أن يركز على الانتباه على أطوار ثلاثة لنمو الذات و يدل كل طور على التغير الذي يطرأ على أنواع صور الذات الانتقالية التي يكونها الشخص عند اكتساب الأدوار، كما أن كل طور يعني تزايد تبلور و تحديد مفهوم الذات الأكثر استقرارا ً .
و يطلق ميد مصطلح طور اللعب على الطور الأول لاكتساب الأدوار حيث تنبثق صور الذات، و في طور اللعب يستطيع الأطفال افتراض رؤية عدد محدود من الأشخاص الآخرين ، ربما يكون في البداية شخصا ً أو شخصين .
و في الطور الثاني و بتأثير نضج الجسد ، و ممارسة اكتساب الأدوار يصبح الكائن الحي الناضج قادرا ً على لعب أدوار أشخاص آخرين كثيرين يسهمون معه في نشاط منظم .
و قد أطلق ميد على هذا الطور مصطلح اللعبة لأنه يميز قدرة الأفراد على صياغة صور عديدة للذات و على التعاون مع جماعة من الأفراد يشاركون في نشاط تعاوني منظم، و قد أعطى ميد مثلا ً على هذه الصورة من مباراة كرة السلة ، حيث يفترض أن يلعب كل فرد من الأفراد الدور الذي يقوم الآخرون به في الفريق من أجل المشاركة الفعالة لكسب المباراة و تتحقق المرحلة الأخيرة من مراحل تطور الذات عندما يستطيع الفرد أن يأخذ دور الآخرين الذين يتوحدون بقيم مشتركة أو مجموعة الاتجاهات الاجتماعية التي يمكنها أن تزيد من طبيعة الموافقة على استجابات الآخرين الذين يتعين أن يتفاعل معهم و يتوحدون مع الاتجاهات المشتركة الواضحة داخل المجتمع الأكبر .
و يرى ميد أن الأفراد في هذا الطور قادرون على تصور منظور كلي للمجتمع أو المعتقدات و القيم العامة و المعايير في مجالات التفاعل المختلفة للفرد و هذا يعني أن الكائنات الإنسانية يمكنها :
1 ــ أن تزيد من طبيعة و مقدار موافقتها على استجاباتها للأفراد الذين يتعين التفاعل معهم .
2 ــ و توسيع مجال صور الذات التقويمية انطلاقا ً من توقعات الآخرين المحددين إلى مجال توقعات المجتمع الأكبر و هكذا فإن القدرة المتزايدة دوما ً على أخذ الأدوار و توسيع مفهوم الغير هو ما يحدد نمو الذات .
ثالثاً: المجتمع
يرى ميد أن المجتمع أو النظم كما يعبر عنه دائما ً، يمثل التفاعلات المنظمة و النمطية بين أفراد مختلفين، و يستند تنظيم التفاعلات على العقل و لا يستطيع الأفراد تنسيق أنشطتهم بغير قدرة العقل على لعب الأدوار .
و يعتمد المجتمع أيضا ً على قدرات الذات خاصة عملية تقويم المرء لنفسه من خلال الاتجاهات و القيم العامة التي يتوحد الآخرون بها ، و دون القدرة على رؤية و تقييم الذات كموضوع ضمن هذه المجموعة من الاتجاهات و التصرفات ، فإن الضبط الاجتماعي قد يعتمد فقط على تقييمات الذات المنبثقة من لعب الأدوار من خلال التفاعل مع الآخرين الحاضرين حضورا ً مباشرا ً و المعروفين ، و من ثم يصير التنسيق بين الأنشطة المختلفة المتنوعة داخل الجماعات الكبيرة أمرا ً بالغ الصعوبة .
و رغم أن ميد اهتم اهتماما ً حيويا ً بكيفية قيام المجتمع و نظمه و استمراره من خلال قدرات العقل و الذات ، فإن هذه المفهومات تسمح له أن ينظر إلى المجتمع في حالة مستمرة من المرونة و الصيرورة و التدفق و إمكانية التغير .
و علاوة على ذلك فإن الذات كموضوع في عملية التفاعل يقلل من حقيقة أن محصلة التفاعل تتأثر بالأساليب التي تغير بها مفهومات الذات الفهم الأولي للإيماءات و عملية تخيل مجموعة بدائل السلوك .
و هكذا يؤكد هذا المنظور أن المجتمع و الأنماط الأخرى للتنظيم الاجتماعي يستمران و ينتشران و يتغيران من خلال قدرات العقل على التوافق و التأثير المباشر للذات .
و يرى ميد أن المجتمع ظاهرة بنائية تنبثق من التفاعلات التي تتحقق خلالها التفاعل بين الأفراد ، و من ثم يمكن أن يتغير المجتمع و يعاد بناؤه من خلال العمليات التي حددتها مفهومات العقل و الذات .
بيد أن ميد يبدو غالبا ً قد خطا خطوة أبعد للتأكيد على أن التغير ممكن فقط و لكن لا يمكن التنبؤ به غالبا ً حتى من جانب هؤلاء الذين يحثون على حدوث التغير في السلوك .
و قد صاغ ميد مفهومين جديدين لتفسير عدم تحديد السلوك هما :
الأنا الفطرية التي تتميز بالفردية ( I ) و الأنا الاجتماعية ( Me ) و يرى ميد أن الأنا الفطرية ( I ) تشير إلى النزعات الغرائزية الدافعية للأفراد ، بينما تمثل الأنا الاجتماعية صورة الذات في السلوك بعد أداء الذات له .
و من خلال هذين المفهومين أكد ميد أن سلوك الأنا الفطرية أو السلوك الغرائزي لا يمكن التنبؤ به، لأن الفرد لا يمكن أن يعرف إلا من خلال التجربة ( الأنا الاجتماعية ) و ما حدث فعلا ً و ما يترتب على ذلك من نتائج تؤثر على الأنا الفطرية أثناء التفاعل .
بإيجاز يمثل المجتمع عند ميد تلك الأنماط البنائية للنشاط المنسق التي تستمر و تتغير من خلال التفاعل الرمزي بين الفاعلين و خلالهم و من ثم يتحقق استمرار المجتمع و تغيره من خلال عمليات القعل و الذات ، و بينما يعتقد ميد أن معظم التفاعلات التي تؤدي إلى التغير و الاستقرار على حد سواء في الجماعات يمكن التنبؤ بها ، فما تزال ثمة إمكانية قائمة لحدوث أفعال تلقائية لا يمكن التنبؤ بها ، يمكنها أن تغير أنماط التفاعل الموجودة فعلاً.( تيرنر ، 1999 م ، ص 203 ــ ص 208 ) .
نقد إسهامات جورج هربرت ميد :
يذهب العالم ميلتزر إلى أن الإطار الذي استخدمه هربرت ميد إطارا ً يتسم بالغموض و عدم التحديد ، و يبدو ذلك واضحا ً من مجموعة المفاهيم التي طورها مثل : الدافع و المعنى و العقل و اكتساب الدور ، و الذات و الأنا الداخلية ، و الأنا الخارجية ، و الوعي الذاتي ، و الآخر المعمم ، و الموضوع ، و الصورة ، و الاتجاه ، و الإيماءة ، و الرمز .
و تتطلب هذه المفاهيم إدراكا ً حدسيا ً ، الأمر الذي لا يجعل منها أدوات تصورية واضحة و دقيقة لتفسير السلوك الإنساني ، و هذا الحشد من المفاهيم الغامضة قد جعل إطار ميد خاليا ً من أية مضمون حقيقي ، مثال ذلك أنه كان ينبغي أن يهتم هذا الإطار مثلا ً بالعناصر العاطفية و اللاشعورية في السلوك الإنساني و من الملاحظ أيضا ً أن تصورات ميد يتعذر دراستها واقعيا ً ، فقابلية الإطار للبحث محدودة بحيث يتعذر التحقق من صحته امبيريقيا ً .
و يرجع العالم كون هذا الغموض الذي اتسمت به أعمال ميد إلى مفهومه عن الذات و عنصريها المكونين و هما : الأنا الداخلية ، و الأنا الخارجية .
فالمتأمل لتعريفات ميد لا يستطيع أن يقع على تعريف محدد و متفق عليه حول هذه المفاهيم و دورها في تحديد لأنماط التفاعل الاجتماعي ، وقد انعكس ذلك على التراث المعاصر ، حيث نجد نحو تسع تعريفات ممكنة لمفهوم الذات ، و تكشف هذه التعريفات عن مبلغ التباين و الاقتران بين مختلف اتجاهات التفاعلية الرمزية . ( غيث و آخرون ، 1997 م ، ص 135 ــ 136 )
المراجع :
• تيرنر، جوناثان، بناء نظرية في علم الاجتماع، ترجمة دكتور محمد سعيد فرح، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1999 م.
• جلبي، عبد الرزاق و آخرون، نظرية علم الاجتماع الاتجاهات الحديثة المعاصرة، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1998 م.
• حجازي، محمد فؤاد، النظريات الاجتماعية، القاهرة، دار غريب للطباعة، 1980 م.
• عمر ، معن خليل، نظريات معاصرة في علم الاجتماع ، عمان ، دار الشروق ،1997م .
• غيث ، محمد عاطف و آخرون ، مجالات علم الاجتماع المعاصر ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ،1997 م.
• لطفي، طلعت و كمال الزيات، النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، القاهرة، دار غريب للطباعة، 1999 م .
الروابط الالكترونية :
• http://nounou1982.maktoobblog.com
• www.maktoobblog.com
• http://www.ejtemay.co
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق