مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

09‏/12‏/2010

مجتمع المعرفة والوعي الثقافي في الواقع العربي


أ.د. محمد السنوسي بن عامر
تقديم 
أوضحت معظم وثائق حقوق الإنسان وعلى رأسها الوثيقة الخضراء الكبرى حق الإنسان في تقرير المصير وفي السلام وفي بيئة متوازنة وحقه في التنمية، ولقد كان للأخيرة وضع خصوصي، لاسيما ما أبرزه إعلان الحق في التنمية عام 1986، والذي ترجم إلى برنامج عمل في فيينيا عام 1993 من قبل هيئة الأمم المتحدة، والذي طور مفهوم التنمية من بعد اقتصادي فقط إلى أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وقانونية؛ حيث أصبح أكثر عمقاً وشمولية، ومنح الإنسان فيه محورية العملية التنموية, أصبح هو مرتكز التنمية؛ مما أدى إلى بروز مصطلحات ومفاهيم جديدة في هذا السياق مثل التنمية البشرية والتنمية المستدامة؛ حيث أعطيت التنمية البشرية بعداً إنسانياً جديداً جعل العلاقة بين الإنسان والتنمية علاقة جوهرية وعضوية. 
وتعتبر التنمية الإنسانية من أهم التحديات التي تواجهها المجتمعات البشرية مع بداية مطلع الألفية الثالثة، ولعل عاملي الثقافة والمعارف يشكلان أهم المحاور في الحق في التنمية خاصة في البلدان النامية والوطن العربي بوجه الخصوص، والتي أوضحت معظم التحاليل أن أمامها خيارات جديدة لم تكن واردة من قبل ( د. محمود الفضيل جامعة القاهرة). 
وبما أن التنمية الإنسانية تستهدف بناء الإنسان في مجالات عدة: اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وبالتحديد الحق في التعليم ومحو الأمية والتقانة والبحث العلمي والمشاركة السياسية والاقتصادية؛ فإنه من المفيد التركيز على أبرز العوامل المؤثرة عليها وإخضاعها إلى التحليل والتقييم محلياً وعالمياً، وعلى مستوى الوطن العربي، ومن ثم إخضاعها إلى دراسات متأنية وهادفة للاستعداد إلى رحلة المستقبل، وصولاً إلى التقدم والازدهار.
وحيث إن المعرفة وبناء المجتمع المعرفي يعتبران حجر الزاوية في التنمية الإنسانية؛ فقد تم اختيارها في هذه الورقة على اعتبارها وسيلة بناء القدرات البشرية، ومصل التحصين ضد الحرمان المادي والمعنوي في المجتمعات، وصولاً إلى بناء مجتمع الكفاية والعدل.. مجتمع التقدم والازدهار.. مجتمع المعرفة .. 
مجتمع المعرفة : 
إن المعرفة لا تنشأ من فراغ؛ بل هي وليدة عوامل اجتماعية ثقافية تاريخية تؤثر في بناء المجتمع معرفياً، وقدرته على إنتاج المعرفة وتوظيفها بكفاءة في جميع نشاطاته للارتقاء بمستوي الإنسان وإيصاله إلى مرحلة العطاء الكفء، وفهم معادلات الحياة واستعمالها لبناء مجتمع أفضل؛ فأن المعرفة هي السبيل الوحيد لبلوغ هذه الغاية، وهي في حد ذاتها الأداة المحركة للعنصر البشري لتحقيق حريته ورفع قيمته، وتحوله من التخلف إلى التقدم. ويتضح من عدة دراسات أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين مستوى المعرفة والقدرة الإنتاجية في المجتمع، وقد يكون هذا جلياً بمقارنة المجتمعات التي اكتسبت فيضاً من المعرفة في مجالات عدة، ونمو هذه المجتمعات وازدهارها؛ فكلما زادت المعرفة بالثقافة وإنتاجها، كلما زاد الإنتاج الاقتصادي وازدهر وارتفعت معدلاته التنموية. 
إن عوامل مهمة مثل الثقافة والبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحلية والعالمية تؤثر تأثيراً بالغاً في اكتساب المعرفة؛ ولذلك ستتناول هذه الورقة الدور الهام الذي تلعبه هذه العوامل كلٌّ على حدة في منظومة المعرفة وإقامة المجتمع المعرف،ي وخاصة على الصعيد العربي، وصولاً إلى تنمية إنسانية حقيقية. 
الثقافة: 
ويقصد بالثقافة مجموعه الأدوات الفكرية والنظم والقيم التي تحكم منظومة الفكر والفعل، ولعل الدين واللغة والثرات تمثل محاور هامة في الثقافة العربية بوجه الخصوص؛ فقد تمتع العرب بتراث ثقافي وفكري وديني مزدهر يمثل رصيداً عظيماً منبعه القوة الثقافية والفكرية والتاريخية، حصيلة تجربة الشعوب وتراثها العظيم، والتي انصهرت في بوتقة حضارة العرب فسمت هذه الثقافة لتتجه اتجاهاً عقلانياً في التحليل والتجربة لإقامة البرهان والدليل والارتباط الديني بالنزعة العقلانية والعلمية. 
ولعل الرباط الوثيق بين الدين والدنيا في تعاليم ومبادئ الإسلام والتحامهما العضوي بالمعرفة أحدث اقتراناً شرعياً بين العالم المادي والعالم الروحي، وبين الحياة الدنيوية والآخرة، وهذا شجع على الطلب المشروع للمعرفة في كل ا لمجالات، ومن كل صوب؛ فتم التشجيع على طلب العلم والمعرفة من المهد إلى اللحد وطلب العلم ولو في الصين فازدهر التراث الفكري وشكل أرثاً رائعاً في اللغة والأدب والفكر والعلوم، و في هذا السياق الدور الرائع والمتميز الذي تلعبه اللغة، والتي تعتبر أساساًَ في تنمية المعرفة وخلق المجتمع المعرفي؛ لأنها مظلة واسعة الأفق ينضوي تحت ظلالها الفكر والأدب والتراث والقيم، ولقد وصفت اللغة بأنها الوسيلة التي تترجم ما في ضمائرنا من معانٍ ( مقدمة ابن خلدون) وأنها مرآة للعقل تعكس ما يحتويه؛ فإن هي تصدعت وضعفت أوهنت الجهد، وحرمت الدقة، ومنعت تسامي العقل والقلب. وبالرغم من أن لغتنا العربية قد حملت في طياتها تلك الإيجابيات الرائعة التي تتحدى بها فلاسفة اللغة والفكر والثقافات الأخرى، إلا أنها وقعت في مطب التصدع والضعف؛ فإن عدم تطورها ونموها مقابل الثورة العالمية في التقنية والفكر والثقافة جعلها عاجزة في بعض المجالات مثل التعليم والترجمة، والمعالجات الآلية وتقانات المعلومات. 
ونرى أن غياب السياسات اللغوية مثل توحيد لغة التعريب، وتوحيد الجهود لتقوية موارد اللغة من المجامع اللغوية والتنسيق بينها، وتسييس اللغة وفرص مصطلحات سياسية خاصة، وعدم التشخيص الحقيقي مواقع الضعف والتخلف اللغوي والتهجين مع اللهجات المحلية، كل هذا أدّى إلى ضعف اللغة وتصدعها، وفقدت القدرة على التحديث المعرفي ونقل المعرفة واستيعابها؛ ولهذا فإنه من المفيد في وقتنا الحاضر ومستقبلاً رفع كفاءة اللغة العربية وتقويتها، ودعم خصائصها الذاتية؛حتى تكون بمستوى إبراز وتجسيد التطورات التقنية والمعلوماتية، بالإضافة إلى قدرتها على خلق علاقة متكافئة بينها وبين اللغات الأخرى ا لمحيطة لخوض معركة التعريب والترجمة؛ لتنمية القدرات الذهنية واستيعاب المعرفة المتجددة والمتسارعة. 
اولا : يفوتنا أن نتذكر بأن عالم اليوم يجبر الثقافات بأن تجدد نفسها وتطور معطياتها لتواجه أشكال المعرفة الحديثة، وتتألق في الإبداع والإنتاج المعرفي، وهذا من شأنه أن يضيف الجديد للثقافة العربية. 
الأثر السياسي على اكتساب المعرفة : 
يعتبر الأثر السياسي في الوطن العربي من أخطر المؤثرات على الحق في التنمية الإنسانية؛ حيث أسهمت المعوقات التي أحدثها في تأخير البنية الاجتماعية والاقتصادية؛ وبالتالي أدّى إلى قصور معرفي حادّ، وهذا بطبيعة الحال نتيجة لإقحام السلطة السياسية نفسها نحو توجيه المجال المعرفي باحتوائه وتسييره نحو خدمة توجهاتها وأهدافها، وتخلي النخبة المثقفة والتقدمية في الوطن العربي عن استقلالية المجال المعرف،ي وطبعه بالطابع السياسي؛ مما أدى إلى تدجينه والانحراف به عن المسار الطبيعي، ويكفي القول أن السيطرة والتسيير للنظم السياسية لمؤسسات العلم والمعرفة، والزج بها في حلبات الصراع السياسي، وتفضيل الولاء السياسي في إداراتها عن مقاييس الكفاءة والمعرفة وتقييد الحريات الفكرية والبحثية، كل هذا أدّى إلى انحراف المنظومة العلمية والتقنية عن مسارها الطبيعي، وقتل ملكة الخلق والإبداع، والاتجاه نحو إكراهات معرفية لا يمكن التغلب عليها إلا إذا تحررت المعرفة من كل هذه القيود، وأصبحت حقّاً مشروعاً لكل الإنسان بحرية مطلقة وبدون إكراه . 
إن وجود قانون يحرر المعرفة ويجعلها حقاً طبيعياً لكل إنسان في الوطن العربي أصبح ضرورة ملحة قانوناً، يبتعد عن الشكلية والجمود الذي تعاني منه كل قوانين المعرفة في الوطن العرب،ي ويتحرر من ربقة تقييد السلطات الأمنية المتحججة بمقتضيات الآمن القومي وضرورة تجاوز الحريات الفردية والمؤسسية، ومصادرة حريات المعرفة من منع المطبوعات وسحب الكتب ومصادرة الرأي؛ بحجة المحافظة على الأمن والنظام العام . 
ولا يفوتنا هنا أن نبرز دور العولمة الخطير بتوجهاتها الثقافية والاجتماعية، والموسومة والمعروفة باحتكارها وتسييرها للمعرفة لخدمات طموحاتها التوسعية، ومصالحها الاقتصادية والسياسية، ومصادرتها للهويات الثقافية، ومنع استقلاليتها باعتبارها قوة توجيه سياسات القطب الواحد؛ فهي لا تختلف عن أي سلطة تحكمية ومسيطرة؛ فهي تسعى بمعطياتها وفلسفتها إلى تكريس سيطرة الأقوى على المقدرات الكونية من معرفة واقتصاد ونظم سياسية، ومن ثم السيطرة على عجلة التنمية، وهذا بطبيعة الحال يحصر الدول النامية وعلى رأسها الدول العربية في زاوية ضيقة، والاحتياج المستمر للمعرفة التي هي مصدرها والمنتج لها؛ فخصخصة المعرفة وامتلاكها لمؤسسات غربية ستترجم إلى زمن ومال، وهذا ما يحرم كثيراً من دول العالم الثالث منها، ويضع كثيراً من مؤسسات التنمية في هذه الدول في وضع صعب. . 
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق