مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

07‏/12‏/2010

كارل ماركس و الصراعية

المقدمة: 
رغم تشابه المنابع التي أثرت في علم الاجتماع و تشكيله، و أثرت في أفكار العلماء من ثورة فرنسية و صناعية ، إلا أن تأثيراتها كانت مختلفة بحيث أوجدت العديد من الأفكار و التي أحيانا تكون متناقضة و كلا منها يعارض الأخرى، و لعل أشهر نظريتين متعارضتين هما: النظرية البنائية الوظيفية و النظرية الصراعية ، فهناك فروقات عديدة ما بين هاتين النظريتين ، في نظرة كلا منهما للمجتمع و ما يجري فيه من ظواهر و تغير، و قبل أن نستعرض ما جاء في فكر النظرية الصراعية ، سنتعرف بداية على ماذا يعني نظرية الصراع : 
نظرية الصراع Conflict Theory
نظرية من نظريات المجتمع تنظر إلى الظواهر الاجتماعية في الماضي و الحاضر و المستقبل على أنها نتيجة للصراع ، كما تنظر إلى العملية الاجتماعية أساسا ً في ضوء الميل العدواني للإنسان، لا على أساس تعاون الجماعات، و ينصب بالتأكيد على الصراع كظاهرة محورية، أو كحقيقة خلاقة، أو على الأقل كشيء لا غنى عنه في الحياة الاجتماعية، أكثر من كونه انحرافا ً هداما ً أو غير مقبول. ( غيث، 1997م، ص 83 ) 
و ينظر نموذج الصراع إلى المجتمع على اعتبار أنه حالة مستمرة من الصراع بين الجماعات و الطبقات ، و يتجه نحو التوتر و التغير الاجتماعي، و تبدو عملية الصراع في الحياة الاجتماعية نتيجة لاختلاف الأهداف، و يمكن تحقيق النظام الاجتماعي العام من خلال استخدام القهر أو القوة . 
كما يعرض منظور الصراع صورة للمجتمع تختلف بشكل واضح عن تلك الصور التي يعرضها المنظور الوظيفي، فبينما يؤكد الوظيفيون على ثبات المجتمع، نجد أن أصحاب منظور الصراع يصورون المجتمع على اعتبار أنه حالة دائمة من التغير، و يتسم بالصراع، و يميل الوظيفيون إلى التركيز على أن النظام الاجتماعي العام يعتمد إلى حد كبير على التعاون الإداري بين أعضاء المجتمع، بالإضافة إلى أن الوظيفيين يدافعون بشكل ضمني عن النظام الاجتماعي القائم في المجتمع. 
وعلى عكس الوظيفيين، نجد أن المؤيدين لمنظور الصراع يميلون إلى التركيز على الصراع الاجتماعي، و رؤية التغير الاجتماعي على اعتبار أنه يؤدي إلى تحقيق الفوائد للمجتمع، كما يميلون إلى افتراض أن النظام الاجتماعي العام يتم فرضه بالقوة على الضعفاء عن طريق من يمتلكون القوة في المجتمع، و من ثم نجد أن أصحاب منظور الصراع يميلون إلى انتقاد النظام الاجتماعي القائم في المجتمع. 
و يرى أصحاب منظور الصراع أن الجماعات المختلفة داخل المجتمع لها مصالح و قيم متصارعة، و يؤدي التنافس بين هذه الجماعات إلى استمرار عملية التغير الاجتماعي، و يثير أصحاب هذا المنظور بعض التساؤلات الهامة مثل: ما هي الجماعات التي تعد أكثر قوة داخل المجتمع، و ما هي الجماعات التي تعد أكثر ضعفا ً ؟ و كيف تستفيد الجماعات الأقوى من النظام الاجتماعي القائم ؟ و كيف يتحقق الضرر للجماعات الضعيفة ؟ (لطفي و الزيات، 1999م، ص94 ـ95)
و تشير العرابي إلى أن هناك نتائج فكرية قد ترتبت على ما استندت إليه هذه النظرية حين جعلت مفهوم الصراع مفتاحاً رئيساً لتفسير الظواهر الاجتماعية بدلا ً من فكرة التضامن العضوي و أهم هذه النتائج ما يلي:
ــ لم يعد النظام العام في المجتمع هو الحقيقة الأولية الأساسية بل أصبح نتيجة نهائية لبعض العمليات الاجتماعية. 
ــ اختفت من قاموس المصطلحات المستخدمة في نظرية الصراع بعض المفهومات مثل : الإنسانية و المجتمع، و ظهرت مفهومات أخرى مثل الجماعات الخاصة التي تواجه بالحرب والصراع الجماعات المعادية لها، و لتقوم هذه الجماعات بالدفاع عن مصالحها، أو لتعيش هذه الجماعات في حالة من التوتر الإيجابي مع الجماعات الأخرى.
ــ لم يعد تفسير النظام العام في المجتمع مستنداً إلى الاتفاق المشترك على المعايير والقيم، بل أصبح هذا النظام في ضوء نظرية الصراع نتيجة لعملية القهر التي تفرضها الجماعات التي تملك القوة السياسية أو الاقتصادية أو القانونية أو الدينية على الجماعات الأخرى و إخضاع هذه الجماعات المغلوبة على أمرها لمعايير و قيم الجماعات المسيطرة. 
ــ فرقت نظرية الصراع بين شكلين من القواعد المنظمة للسلوك الاجتماعي هما :
أ ــ القواعد الأخلاقية . 
ب ــ القانون . 
ذلك أن مصدرها مختلف لأن قواعد الأخلاق نظام اجتماعي تلقائي يظهر في الجماعة الداخلية، أما القانون فهو تنظيم للمعايير تفرضه جماعة خارجية استطاعت أن تصل إلى وضع قوي يتيح لها أن تفرض هذه المعايير على بقية الجماعات الأخرى في المجتمع.(العرابي،1991م،138)
الفكر الماركسي كنموذج للصراعية :
رغم تعدد من كتبوا في النظرية الصراعية، إلا أن كارل ماركس يبقى أشهرهم و صاحب النظريات و الأفكار الأكثر إثارة للجدل طوال هذه السنوات ، منذ كتاباته الأولى حتى تاريخنا الحالي، و سنتعرض لأهم ما جاء حول هذه النظريات في الصفحات القادمة.
" إن تاريخ كل المجتمعات هو تاريخ الصراع الطبقي "
هذا هو ما سجله كارل ماركس في أول جملة له فيما يعرف بالبيان الشيوعي ، و لعل ذكر الصراع الطبقي هو أهم ما يميز فكر ماركس ، بل إن هذا التميز و التأثير قد استمر حتى وقتنا المعاصر، رغم سقوط الاشتراكية قبيل نهاية القرن العشرين . 
ترجمة حياة كارل ماركس :
ربما لا يمكن لنا فهم نظرية و أفكار ماركس دون النظر في ترجمه حياته ، و قراءة ما جاء فيها من مؤثرات قراءة سوسيولوجية متمعنة ، فقد كانت ولادة ماركس في العام 1818م عقب سنوات قليلة من رحيل المنظر الأول للرأسمالية آدم سميث ، و ذلك في مدينة تريف الألمانية حاليا ، و التابعة لدولة بروسيا ذلك الزمان ، وقد ترعرع ماركس في أسرة يهودية اضطرت إلى اعتناق المذهب البروتستانتي بسبب الاضطهاد الذي تعرض اليهود له آنذاك. ومنع والده حينها من الاستمرار في السلك القضائي. التحق الصبي كارل بالمدرسة الثانوية في سن الثانية عشر وحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية بتقدير امتياز في سن السابعة عشر. عاش كارل ماركس حياة تنقل فيها كثيرا باحثاً عن مكان آمن وهرباً من المطاردة.. وبعد حصوله على شهادة الدكتوراة في الفلسفة سنة 1841م التحق كأستاذ بجامعة بون. كانت فترة إقامة ماركس في برلين فرصة للتعرف على عدد من المدارس الفكرية مع العلم أن فلسفة هيغل كانت هي الرائجة في تلك الحقبة. وبعد انتقاله إلى مدينة بون بدأ شغب ماركس الفكري ينتقل إلى السياسة حيث أنشأ صحيفة تنتقد أسس الحكم في بروسيا، مما أدى إلى مصادرة الصحيفة وتجريده من الجنسية البروسية، فهاجر ماركس إلى باريس بصحبة زوجته. وهناك بدأ فكره ينضج ويتجه نحو رفض الهيغلية. وخلال فترة إقامته في باريس توطدت علاقته برفيق العمر والإيديولوجيا فريدريك انغيلس. وفيها نشرا سوياً الكتيب الشهير "بيان الحزب الشيوعي".
تعتبر الفترة من عام 1842 حتى عام 1849 مرحلة هامة جداً من حياة ماركس، فهي فترة المنفى، التي قضاها في بريطانيا بعد أن طرد من فرنسا وبلجيكا، بسبب كتاباته ونشاطاته الصحفية التي اعتبرت تحريضا للطبقة العاملة والفقراء على التمرد ضد سطوة السلطة وقهر الاقتصاد. عانى ماركس في تلك الفترة من حياته من ضنك العيش، ولولا وجود رفيقه انغيلس الذي كان ينحدر من أسرة غنية لكان مسار حياته تغير على الأرجح. وفي منفاه الاختياري لندن ألّف ماركس كتبه التي مهدت الطريق للاتجاه الفلسفي والفكري، الذي يحمل اليوم اسم الماركسية. من بين مؤلفاته الهامة: "الصراعات الطبقية في فرنسا من سنة 1848 حتى 1850" و"نقد الاقتصاد السياسي" الذي قام بنشره عام 1859. وفي سنة 1867 ظهر الجزء الأول من مؤلفه الضخم "رأس الـمال" كمنظر للشيوعية ، و ذلك بعد تسعين عاما من صدور كتاب " ثروة الأمم " لآدم سميث المنظر الرأسمالي ، أما الجزء الثاني فنشره انغيلس بعد وفاة ماركس. وبجانب الكتابة حاول الاثنان تنظيم الحركة العمالية، حيث أسسا "الجمعية الدولية للعمال"، التي كان لها شعبية في عدد من دول العالم كأمريكا وألمانيا. وشكلت هذه الجمعية الانطلاقة الأولى لتأسيس عدد من الأحزاب اليسارية منها الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني. وفي عام 1883 توفى كارل ماركس في بندن عن عمر يناهز الخامسة والستين.( http://www.mojz.com/inf)
حين نتأمل ما جاء في هذه السيرة ، نستطيع أن نلمس بوضوح كيف أنها تعكس المكونات الأساسية التي تدخلت في صياغة نسقه الفكري، فلقد تأثر أولا ً بالفلسفة الألمانية أثناء دراسته الأولى في الجامعة ، و إقامته في ألمانيا و بخاصة فلسفة هيجل و فيورباخ، و عندما انتقل إلى باريس عاش فترة في رحاب الأفكار الاشتراكية التي اهتم بها عموما و خاصة أفكار سان سيمون و برودون ، ثم ما لبث أن عكف على دراسة الاقتصاد السياسي فدرس موضوعات هذا العلم لدى أكثر من عالم و منهم آدم سميث(محمد علي،1997م،105) ، هذه الأفكار المتنوعة و التي قد تكون متضاربة أيضاً كان لها عميق الأثر بالإضافة إلى حياة ماركس الشخصية ، مما ولد عدة نظريات و أفكار طرحها ماركس و تأتي الصراعية على رأسها و أشهر ما نقل عنه حتى أنها عرفت باسمه ( الماركسية ).
المسلمات الأساسية للنظرية الماركسية : 
1 ــ أن أساس الواقع الاجتماعي والحياة الاجتماعية مادي وليس فكري، و بالتالي فإن نقطة البدء في تحليل المجتمع يجب أن تكون الأفراد الحقيقيين بلحمهم و دمهم.و لهؤلاء الأفراد احتياجاتهم الفيزيقية الحقيقة و لكي يتم إشباع هذه الحاجات لا بد أن يتفاعل الأفراد مع الطبيعة 
2 ــ أن الإنسان كائن قابل للتطور دائماً و قادر على تغيير عالمه الطبيعي والاجتماعي.
3 ــ أن التطور الاجتماعي يحدث نتيجة للصراع الدائم بين الإنسان و الطبيعة من جهة و بين المجموعات الاجتماعية المتصارعة في المجتمعات الطبقية من جهة أخرى.
4 ــ أن المجتمع يكون فقط في حالة ثبات نسبي، ذلك أنه ما أن يظهر تكوين اجتماعي ــ اقتصادي جديد على أنقاض تكوين سابق حتى تظهر فيه أيضاً بذور فنائه ، و على الرغم من ثباته النسبي إلا أنه تحدث فيه تغيرات كمية يؤدي تراكمها إلى حدوث تغير كيفي فيه.
5 ــ أن وظيفة العالم ليست فقط دراسة الظاهرات الاجتماعية من أجل فهمها و لكنها أيضاً تشمل الممارسة أو العمل من أجل تغييرها وفقاً للقوانين الاجتماعية التي يكتشفها.
6 ــ إن وحدة التحليل الأساسية ليست هي الفرد و لكن التكوين الاجتماعي الاقتصادي الذي يكون تاريخياً .
7 ــ إن النظرية الاجتماعية يجب أن تضم القوانين العامة التي تحكم المجتمع الإنساني في تطوره و القوانين النوعية التي تحكم كل نمط من أنماط المجتمعات في مرحلة تاريخية محددة و التي تحكم الظاهرات النوعية. 
8 ــ المتغيرات التي يتم على أساسها تفسير الظاهرات الاجتماعية هي المتغيرات الاقتصادية ــ الاجتماعية ذات الطبيعة التاريخية. (أحمد،1977م، 195 ــ 196)
و هكذا نرى بأن هذه المسلمات انطوت على العديد من المفاهيم و الأفكار التي ناقشها ماركس في أطروحاته و مؤلفاته و بياناته ، و يمكن الإشارة إليها باختصار و هي :
* ــ المادية التاريخية . 
* ــ الأساس الاقتصادي و البناء الفوقي للمجتمع.
* ــ التكوين الاقتصادي الاجتماعي . 
* ــ التقسيم الطبقي و الصراع الطبقي. 
* ــ ظاهرة الاغتراب كأحد المتغيرات المرتبطة بالتغير الاقتصادي ــ الاجتماعي.
* ــ الوعي الاجتماعي كأحد سبل تغيير المجتمع من خلال الثورة لدى ماركس.
و سوف نتناول هذه المسلمات أو المفاهيم بشيء من التفصيل في الصفحات القادمة . 
أولاً : علم الاجتماع الماركسي أو المادية التاريخية : 
تتكون الماركسية من شقين متكاملين هما المادية الجدلية و المادية التاريخية،و تسلم الأخيرة بأن القوانين العامة التي تحكم تطور المجتمع قوانين موضوعية ، أي أنها مستقلة عن وعي الإنسان تماماً مثل قوانين الطبيعة و هي أيضاً قابلة للمعرفة و يمكن للإنسان أن يستفيد منها في نشاطه العملي، و قد رفض ماركس النظر إلى المجتمع على أنه مجرد تجمع آلي للأفراد و على أنه يظهر و يتغير بطريقة عرضية ، و رأى أن التطور الاجتماعي إنما هو عملية تحكمها قوانين معينة و أن مهمة العلم الاجتماعي الكشف عن القوانين الأساسية للتاريخ الاجتماعي.
و المادية التاريخية أو علم الاجتماع الماركسي يهدف إلى تحقيق فهم علمي للمجتمع على الأسس المنهجية التالية: 
1 ــ عدم الاقتصار على وصف الظاهرات الاجتماعية و تجاوز ذلك إلى تقديم تحليل علمي لها.
2 ــ استخلاص الخصائص المشتركة في مختلف المجتمعات التي تنتمي إلى نفس المرحلة من التطور التاريخي.
3 ــ التمييز بين القوانين الاجتماعية العامة التي تحكم عدداً من التكوينات الاجتماعية ــ الاقتصادية و بين القوانين النوعية التي تحكم كل تكوين اقتصادي اجتماعي على حدة، و التي تحكم ظاهرات اجتماعية معينة مثل اللغة . (أحمد ،1977م، 155 ــ 156)
و رغم كتابات ماركس العديدة في علم الاجتماع إلا أنه لم يستخدم هذا المصطلح في أي من كتاباته ، و ربما يرجع ذلك إلى كراهية ماركس الشديدة للفلسفة الوضعية و التي تبناها كونت الذي صك مصطلح " علم الاجتماع" حيث يقول في خطاب له : " إني أتخذ موقفاً عدائياً من الألف إلى الياء ضد المذهب الكونتي، و فكرتي عن كونت كرجل علم لا تنطوي على تقدير يذكر " 
فعلى الرغم من معارضة كونت للتفكير اللاهوتي وجد ماركس أن الفلسفة الوضعية تضرب بجذور عميقة في الروح الكاثوليكية، و من ثم رفض كلية مذهب كونت في علم الاجتماع و أدان على وجه الخصوص روحه اللاهوتية الطائفية و جنونه التنبؤي ، و الحقيقة أن هجوم ماركس على علم الاجتماع الكونتي له ما يبرره ، فتصور ماركس لعلم المجتمع يستند إلى مسلمات مختلفة عن تلك التي وضعها كونت ،يقول رايت ميلز : " إذا كان علماء الاجتماع يدرسون تفاصيل اجتماعية صغرى ، فإن ماركس يدرس نفس هذه التفاصيل على مستوى بناء المجتمع في كليته ... و يأخذ الحقبة بأكملها باعتبارها وحدة الدراسة مستخدماً في ذلك المواد التاريخية ...و قد دفعت قيم ماركس أن يدين المجتمع في جذوره و فروعه .. و نظر إلى مشاكل المجتمع بوصفها متناقضات فطر عليها البناء القائم لهذا المجتمع .. و أخيرا يرى ماركس في مستقبل المجتمع انهياراً كيفياً أي صورة جديدة للمجتمع ، أو حقبة جديدة تستمر على طريق الثورة (محمد علي ،1997م،106 ــ107)
هذه الأمور التي تميز فيها ماركس عن سواه من معاصريه أو ممن سبقوه من منظرين اجتماعيين ، جعلت علم الاجتماع أو علم المجتمع لديه يزخر بالعديد من الأفكار و النظريات التي فاقت مساهمات أوجست كونت و هو مؤسس هذا العلم و تركت أثرها العميق، حتى وقتنا المعاصر رغم فشل فكرته الرئيسية في الصراع ما بين البرجوازية و البروليتاريا ، إلا أننا نجد أن تأثير بعض أفكاره لا زال موجوداً و تستخدم في تفسير بعض الوقائع الاجتماعية . 
ثانياً : الأساس الاقتصادي و البناء الفوقي للمجتمع:
يعتبر الأساس الاقتصادي حجر الزاوية في الفهم الماركسي للمجتمع ، و هذا الأساس شرط لابد منه لظهور ما يسمى بالبناء العلوي، أي البناء السياسي و التشريعي و الفلسفي و الأخلاقي والجمالي والديني للمجتمع، و ما يترتب على ذلك من علاقات و مؤسسات و منظمات ، و البناء العلوي هنا يعتمد على الأساس (الاقتصادي) فيظهر بتنوع هذا الأساس، و لو أخذنا المجتمع البدائي على سبيل المثال لوجدنا أن انعدام الملكية الخاصة و الطبقات فيه، كان هو السبب في أنه لم يكن في هذا المجتمع دولة أو مؤسسات سياسية أو تشريعية، و مع ظهور الملكية الخاصة إلى الوجود و ظهور الطبقات (سادة و عبيد) ظهر بناء علوي من نوع مخالف ، فظهرت أفكار تبرر حكم صاحب العبيد للعبيد و ظهرت مؤسسات (مثل الدولة) لتحمي هذا الحكم ، ويرى ماركس بأن أفكار و مؤسسات الطبقة المسيطرة هي التي تسود ، فالطبقة التي تمثل القوة المادية الحاكمة في المجتمع هي الطبقة الفكرية الحاكمة ، و في ظل الرأسمالية يكون للبورجوازية السيطرة الاقتصادية و بهذا فإن لأفكارها و مؤسساتها السيادة في المجتمع ، و تستخدم هذه الأفكار لمحاربة الطبقات الكادحة (البروليتاريا) و هذه الطبقة تكون أفكارها و مؤسساتها التي تتصارع مع البورجوازية (مثل النقابات العمالية و الأحزاب السياسية). (أحمد ،1977م، 165ــ 166)
ثالثاً : التكوين الاقتصادي الاجتماعي:
تتمثل أهمية مفهوم التكوين الاقتصادي ــ الاجتماعي في أنه يوضح الوحدة العضوية بين مختلف الظاهرات الاجتماعية و الترابط بينها، كما أنه يبين لنا أنه لا يمكن الحديث بشكل مجرد عن المجتمع بوجه عام، و لكن يجب دائماً الحديث عن مجتمع ذي طابع خاص مميز، فلكل تكوين اقتصادي اجتماعي قواه الإنتاجية الخاصة به و نمط محدد من علاقات الإنتاج و حياة روحية تميزه، و هكذا فإن كل تكوين يخضع لقوانين تاريخية عامة.
و يرى ماركس أنه لا يمكن فهم العلاقات الاجتماعية بدون إرجاعها إلى علاقات الإنتاج و ربط علاقات الإنتاج بالقوى الإنتاجية . 
و على أساس فهم التكوين الاقتصادي ــ الاجتماعي أمكن لماركس تقسيم تطور المجتمعات إلى المراحل الست التالية :
1ــ المرحلة الجماعية البدائية و لا طبقية فيها حيث لا ملكية . 
2 ــ مرحلة العبودية و يسيطر فيها السادة ضد العبيد . 
3ــ مرحلة الإقطاع و يسيطر فيها الإقطاعيون ضد الفلاحين . 
4 ــ مرحلة الرأسمالية ، تسيطر فيها طبقة البورجوازية ضد مصالح طبقة البروليتاريا .
5 ــ المرحلة الاشتراكية و يؤخذ فيها من كل حسب جهده . 
6 ــ المرحلة الشيوعية و يؤخذ فيها من كل حسب جهده إلى كل حسب حاجته .
و التطور أو التغير الكيفي من تكوين اجتماعي اقتصادي لآخر لا يتم فجأة و إنما يحدث نتيجة تغيرات كمية تدريجية داخل كل تكوين تتراكم حتى يحدث التغير الكيفي . (أحمد ،1977م، 168ــ 169)
و يدعو ماركس من خلال نظريته إلى التحول إلى الاشتراكية و التي هي مرحلة سابقة للشيوعية الهدف الأسمى لدى ماركس و الذي من خلاله يتم القضاء على مشاكل الطبقية ، و يرى أن الرأسمالية في سبيلها للتحول إلى اشتراكية حيث تحمل بذور فنائها في فكرها .
رابعاً : التقسيم الطبقي و الصراع الطبقي:
يعرف ماركس الطبقة الاجتماعية بأنها " تجمع من الأشخاص يؤدون نفس الوظيفة في عملية تنظيم الإنتاج " 
و تتميز هذه الطبقات إحداها عن الأخرى باختلاف الوضع الذي تشغله تاريخيا في عملية الإنتاج الاجتماعي، و تعتبر الطريقة التي يتعاون بها الأفراد مع الآخرين في إشباع حاجاتهم الأساسية من طعام و ملبس و مأوى هي المحدد الأساسي للطبقة و قد قرر ماركس أنه لا يمكن التعرف على الطبقة على أساس مصدر الدخل أو على أساس الوضع الوظيفي للأفراد في عملية تقسيم العمل ، فهذه المحكات سوف تؤدي إلى تقسيم الناس إلى عدد هائل من الطبقات مثل الأطباء والفلاحين و غيرهم ممن لا يرتبطون في إنتاجهم الاقتصادي بطبقة البرجوازيين. كما يرى ماركس أن الفلاحين و الحرفيين ليسوا ثوريين حتى النهاية ، لأنهم لا يحتلون طبقة مستقلة في المجتمع و أنه مع تطور الرأسمالية فسينضم هؤلاء إلى طبقة البروليتاريا و نسبة قليلة منهم يمكن أن تنضم إلى الطبقة الرأسمالية (أحمد ،1977م،ص172 و محمد علي، 1997م،ص 127ــ128)
و يناقش ماركس تطور البورجوازية و البروليتاريا و يوضح الوسيلة التي تصور بها ظهور الطبقة الاجتماعية، حيث يرى بأن هناك ظروفاً عديدة تعتبر ظروفاً جوهرية لظهور الطبقة الاجتماعية هي: الصراع على الامتيازات الاقتصادية ، و التركز الطبيعي لجماهير الناس، و الاتصال السهل بينهم و وجود تنظيم يعبر عن تضامنهم من أجل تحقيق أهدافهم المشتركة ، و يضيف ماركس إلى هذه الظروف عاملاً يتمثل في الآثار الإنسانية المترتبة على الإنتاج الآلي في ظل الرأسمالية ، فالعلاقات الاجتماعية التي تفرضها الصناعة الرأسمالية تحرم الطبقة العاملة من فرص إشباع حاجاتهم النفسية في العمل و قد أطلق ماركس على ذلك " اغتراب العمل الإنساني " .( محمد علي ، 1997م ، ص129 ) 
خامساً: ظاهرة الاغتراب كأحد المتغيرات المرتبطة بالتغير الاقتصادي ــ الاجتماعي.
يستمد ماركس من هيغل مفهوم الاغتراب لكنه يمده بمعنى خاص به.الاغتراب عند ماركس حالة سلبيّة مطلوب نقضها والقضاء عليها لأن الإنسان يفقد ذاته فيها. وموقف ماركس منه عملي وأخلاقي: إنه وضع شاذ يجب إنقاذ الإنسان منه. ؛ جوهر الإنسان عند ماركس سابق على الاغتراب ومستقل عنه. فالجوهر الإنساني هو مجموع كل العلاقات الاجتماعية التي هي في نهاية المطاف من صنع الإنسان نفسه في مسيرة التاريخ العالمي.
وقد ربط ماركس الاغتراب بالعمل المأجور. فالإنسان ينتج عملاً لكنه يصير عبدًا له، بمعنى أنه يشعر بالغربة عما تنتجه يداه. وتتفاقم هذه الغربة إذا علمنا أن في العمل إمكاناتٍ حقيقيةً لتفتِّح طاقات الفرد وتطوُّره. وهكذا حوَّل ماركس الاغتراب من ظاهرة فلسفية ميتافيزيقية، كما كان عند هيغل، إلى ظاهرة تاريخية لها أصولها التي تنسحب على المجتمع والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والنتاجات النظرية. وبهذا استعمل ماركس مفهوم الاغتراب لوصف «اللاأنسنة» dehumanization التي تنجم عن تطور علاقات الإنتاج في المجتمع الرأسمالي.
والإنسان مغترب عند ماركس في كلّ مستويات الحياة: في الدين، في الفلسفة، في السياسة، في الحياة الاقتصادية،وهو يرجع مختلف أشكال الاغتراب التي يلاحظها في المجتمع إلى استلاب أساسي: هو استلاب الطبقة العاملة في نمط الإنتاج الرأسمالي،وذلك لا يعني أنه يهمل وجود الأشكال الأخرى للاغتراب ، ولكنه يربط ذلك الوجود بظاهرة اقتصادية شاملة هي منبع تصدع الإنسان والعلاقات الإنسانية وإفقارهما.(مقالات اشتراكية http://elhanafim.maktoobblog.com)
و يحدد كارل ماركس أساس الاستغلال في المجتمع الطبقي الرأسمالي الحديث ، فيرى أن الرأسمالية كطبقة يستحيل عليها أن تقوم بتراكم لرأس المال و أن تتملك باستمرار مزيداً من الثروة ما لم تحصل دائماً على فائض قيمة عمل العمال .
فالعامل يضطر دائماً إلى بيع قوة عمله لأصحاب الأعمال في سوق العمل الذي يحددون هم قواعده و باستمرار، و معنى ذلك أن العمال لا يحصلون إطلاقاً على القيمة الحقيقية لما يبذلونه من قوة عمل في العملية الإنتاجية بل تذهب هذه القيمة دائماً إلى أصحاب الأعمال . 
إن هذا الاستغلال هو أساس الصراع الدائم بين طبقة البرجوازية و طبقة البروليتاريا ، و تلجأ الطبقة البروليتارية في صراعها ضد الاستغلال الذي تتزعمه الرأسمالية إلى عدة أنواع من أساليب الكفاح منها الكفاح الاقتصادي من أجل تحسين ظروفها و حصولها على أجور أفضل و ساعات عمل أقل ، و الصراع السياسي من أجل تقليل السيطرة السياسية للدولة الرأسمالية و تحكمها في المجتمع ، و الصراع الأيديولوجي الذي تهدف من ورائه إلى كشف زيف دعاوي البورجوازية و أيدلوجيتها و تشجيع الطبقة العاملة على الثورة و على تنظيم نفسها ضد العدو البورجوازي.( أحمد ،1977م، ص177ــ182) 
سادساً : الوعي الاجتماعي كأحد سبل تغيير المجتمع من خلال الثورة لدى ماركس:
" ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم الاجتماعي، بل وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم"
هذا هو ما يقوله ماركس و ذلك للتعبير عن أهمية الموقع الاجتماعي و الطبقة التي ينتمي إليها الفرد في تشكل وعيه الاجتماعي ، فتبعاً لهذا الموقع و هذه الطبقة يتحدد الوعي الاجتماعي ، و يرى ماركس أن المسيطر على تشكيل الوعي الاجتماعي هم الفئة المسيطرة على القدرات الاقتصادية و التي تساهم في تشكيل وعي الأفراد بصورة تحمي مصالحهم، هذا الوعي المتشكل هو وعي زائف كما يرى ماركس، حيث لا يلحظ البروليتاري أن الوضع ليس في صالحه، و إنما يفكر بطريقة يشارك من خلالها في استمرار سيطرة الطبقة البرجوازية .
و يرى ماركس أن الدين كايدولوجية نتجت عن الوجود الاقتصادي هو "أفيون الشعوب" إذ يعبر عن وعي زائف يعكس العلاقات الاجتماعية المؤسسة على التفاوت الطبقي حيث تكرّس الطبقة المهيمنة اجتماعيا واقتصاديا الوعي الديني بما هو وعي يخدم مصالحها من جهة كونه ينظر إلى الوضعية التعيسة التي عليها الطبقة الكادحة كامتحان لصبر هذه الطبقة على الشقاء الأرضي لتنعم في السماء بجنان فردوس لذلك يعتبر "ماركس" أن هذه الرؤية الدينية لا تكرّس إلا خنوع الطبقة الكادحة وقبولها بأوضاعها المزرية مما يحمي مصالح الطبقة البرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج، فالدين هو مخدّر، أفيون يمنع هذه الطبقة من الثورة على أوضاعها المزرية.http://minerve.org/
و الحقيقة أن الأمثال الشعبية تكشف عن هذه الحقيقة و تعبر عنها ببساطة حين تقول : الناس على دين ملوكهم ، فالملوك أو من لديهم السلطة السياسية من واقع أنهم الفئة المسيطرة على الوجود الاجتماعي، هم من يوجهون الشعب إلى دين أو مذهب لا يشترط أن يكون ديناً يحمل الطقوس العبادية و إنما قد يكون هذا الدين هو فكر سياسي أو اقتصادي ، هذا التشكيل قد يؤدي إلى ما أسماه ماركس بالوعي الزائف ، فالحقائق لا تعرض كما هي و إنما نجدها مغيبة عن كثير من الأذهان، و يحسب معها أفراد المجتمع أنهم قد فهموا الواقع بينما هم لا يدركون حقيقة ما هو عليه .
و يشير القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة الاجتماعية ، حيث يقول تعالى في سورة الكهف : قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا {الكهف/103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {الكهف/104}، فهنا نجد الضلالة و في نفس الوقت هذا الضال يحسب أنه يحسن صنعاً من خلال ما هو عليه من فكر أو توجه أو سلوك، و ما لم يكن هناك من محرك مضاد لهذا الفكر فإنه قد يستمر لأجيال و أجيال، يرى ماركس أن نهاية هذا الوعي الزائف هو بتشكل الوعي الحقيقي المدرك للوقائع المترتبة عن سيطرة طبقة على طبقة و بالتالي نصل إلى الثورة الاقتصادية ــ الاجتماعية و تحل البروليتاريا محل البورجوازية ، بينما نجد الحلول الإلهية أحياناً كثيرة ما تتمثل في إرسال هاد ٍ للبشرية يخرجها من هذه الظلمات و هذا الوعي الزائف المتمثل في عبادة الأصنام و سواها من السلوكيات و بالتالي يظهر وعي جديد للمجتمع ، يهدم ما كان في المجتمع و يتم بناء فكر جديد يحل محله.
سابعاً : طرق البحث الاجتماعي لدى ماركس :
لم تستبعد الماركسية أهمية الطرائق البحثية، فقد استخدم ماركس كل الطرائق البحثية التي كانت تستخدم في زمانه حتى أنَّه أسهم في تطبيق صحيفة استبيان حول أوضاع العمال. وقد ساعد المنهج التاريخي ماركس علي كشف القوانين العامة والنوعية للمتطور الاجتماعي كما ساعد المنهج الجدلي علي التمييز في الحياة الاجتماعية بين الموضوعي والذاتي والعام والخاص والضروري وغير الضروري والاجتماعي وغير الاجتماعي وقد ساعد هذا على اكتساب علم الاجتماع طابعاً علمياً وطابعاً نوعياً في الوقت نفسه.
وقد نشأ علم الاجتماع الماركسي كعلم نتيجة طبيعية لدراسات محددة منظمة للواقع فلا تكفي صياغة قوانين عامة تحكم الطور الاجتماعي ولا تكفي مجرد الدراية بها. فالمعرفة بهذه القوانين لا تساوي فهم شئونها الدينامية وكيفية تفاعلها وما تفصح عنه والشكل العياني الذي تحقق به وميكانيزمات عملها. وهذا تماماً هو السبب في أن ماركس وانجلز قد ارتكنوا على قاعدة من البحث الاجتماعي المحدد واستخدموا النتائج كأداة لفهم الواقع. وقد شملت تحليلاتهم الإحصائية العالم والأمم الفردية والمجموعات الصغيرة بما في ذلك ميزانيات أسر الفلاحين والعمال واستخدموا استمارات الاستبيان والمصادر الرسمية والوثائق وملاحظاتهم الشخصية.
وقد أجرى ماركس وانجلز باستخدام المنهج الجدلي دراسات واسعة للعلاقات الاجتماعية وكتب ماركس وانجلز (حالة الطبقة العاملة في إنجلترا) و(نمو الرأسمالية في روسيا)، هذه الكتب تقدم أمثلة على كيف أن تطور النظرية العامة لابد أن يرتبط ببحوث اجتماعية عيانية لعدد كبير من العمليات الاجتماعية شديدة التنوع. http://faculty.ksu.edu.sa
النقد الذي قدم حول أفكار كارل ماركس: 
منذ البدايات الأولى للفكر الماركسي و هو يتعرض للنقد والتحليل و ذلك لما ترتب عن هذه الأفكار من تأثيرات عميقة أدت إلى قيام دول أسست على المبادئ الماركسية ، و قد تم تناول هذه الأفكار سواء ما يتعلق بالجانب الاقتصادي الحتمي أو الجانب الاجتماعي و ما حمله من مفاهيم تفسر كثيراً من الوقائع الاجتماعية و على الأخص ظاهرة الصراع ( الطبقي ) . 
فمن العلماء الذين وجهوا أصابع النقد للفكر الماركسي نجد ماكس فيبر حيث يرى عدم كفاية العامل الاقتصادي في تفسير حاجات الإنسان لأنه يملك حاجات أخرى مثل العاطفية و الإبداعية و الإدراكية التي أهملها ماركس في تفسيره لحاجات الإنسان ، فالحب و التفكير و الإبداع و الفهم مفاهيم مفقودة في نظرية ماركس المادية . 
بينما يرى بارسونز أن النظرية المادية لا تستطيع تحليل الأفكار لأنها تضع التكنولوجيا في البنية الفوقية ، و تضع الأفكار في البنية التحتية ، كما يتهم النظرية الماركسية بأنها نظرية مصلحية ، تؤكد على المصالح فقط لأنها أهملت المعايير الاجتماعية ، و تؤكد على القوى المادية المصلحية فقط . (معن، 1994م، ص 136)
وقد أشار بعض الباحثين الماركسيين من رجال الاجتماع في البلاد العربية إلى ما يتضمنه الفكر الماركسي من خلل من حيث ما يلي :
أولاً : فشل علم الاجتماع الماركسي في تفسير التغيرات التي طرأت على البناء الاجتماعي في البلاد الرأسمالية، حيث تطور النظام الرأسمالي في غير الاتجاه الذي تنبأ به ماركس .
ثانياً : عجز علم الاجتماع الماركسي عن فهم التغيرات التي حدثت في المجتمعات الاشتراكية ذاتها ، و التي يخضع الاقتصاد و الصناعة فيهما لسيطرة الدولة، فأدى هذا إلى الشك في الأهمية التي أعطاها ماركس للملكية الخاصة.
ثالثاً : عجز علم الاجتماع الماركسي عن فهم قضية استغلال الدول المتقدمة للدول المتخلفة، فبالرغم من أن شعوب العالم الثالث تمثل بروليتاريا عالمية ، و أن الطبقة العاملة في الدول المتقدمة تشكل طليعة النضال عند ماركس، فإن الأخيرة تشارك في عملية استغلال قرينتها في هذه الدول المتخلفة.( خضر،2000م،ص23ــ24)
و الحقيقة أن النهايات التي يريد ماركس أن يحمل المجتمع إليها هي نهايات فوضوية ، حيث يرى أنه في نهاية الصراع بين البورجوازية و البروليتاريا سوف تفقد السلطة العامة صبغتها السياسية ، إذ أن السلطة السياسية بالمعنى الصحيح هي السلطة المنظمة لطبقة من أجل اضطهاد طبقة أخرى، و مع وصول طبقة البروليتاريا للسلطة فإنها بهدمها علاقات الإنتاج القديمة تهدم في الوقت نفسه ظروف وجود التناقض و التناحر بين الطبقات بصورة عامة ، و بذلك تهدم أيضاً سيادتها ذاتها من حيث هي طبقة. (حجازي ، 1988م، 120)
هذا التصور لعالم يخلو من السلطة السياسية الموجهة للمجتمع هو تصور خيالي ، يقود العالم إلى فوضوية لا يمكن تصورها ، حيث لا نظام بلا قانون و لا قانون بلا سلطة عامة . 
نماذج من الصراعات في عالم اليوم : 
لا تكاد تخلو فترة من فترات التاريخ من صراع لأي سبب كان و بين أي كان ، فالصراع نجده في أكثر من موقع و زمان وبين أكثر من فئة قد لا يكون الرابط بينها هو رابط اقتصادي محض ، فإذا ما تأملنا عالم اليوم لوجدناه يعج بأنواع هذه الصراعات ، خاصة في ظل التطورات التكنولوجية و الاجتماعية و سواها ، و لهذا الصراع أسبابه المتعددة و التي بتعددها تتعدد الصراعات و تتنوع من مجتمع لآخر. 
سنطرح بعض الأمثلة حول هذه الصراعات و العامل المشترك بينها : 
* ــ يأتي الصراع العربي ــ الإسرائيلي كأشهر هذه الصراعات المنطوية على العديد من الأسباب و العوامل ، إن كانت كأسباب سياسية أو عقدية أو اقتصادية . 
* ــ الصراع على السلطة و نراه متمثلا فيما يجري حاليا على أرض الصومال و التي ما عرفت دولة و سلطة موحدة منذ العام 1991م ، بل نجد الصراع على السلطة بين قبائل المنطقة هو السائد بها حتى الآن . 
* ــ الصراع بسبب الاختلافات العقدية أو المذهبية ، و لعل أبرز أمثلته ما نراه في العراق اليوم من صراع بين سنة و شيعة ، و ما نراه في بريطانيا أحياناً بين البروستانت و الكاثوليك ، و ما يجري أحياناً كثيرة في الهند من صراعات دامية بين المسلمين و السيخ ، هذه الصراعات تتفاوت في حدتها من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر، و قد نجدها كامنة لسنين طويلة ثم فجأة تستثار خاصة إن وجد من يثيرها لمصالح تعود إليه . 
* ــ الصراع لاختلاف المصالح السياسية أو التجارية ، كما كان سابقاً بين أمريكا و الاتحاد السوفيتي فيما عرف بالحرب الباردة ، و كما نراه حاليا ً بين أمريكا و إيران و كما يحدث أحيانا ً كثيرة بين الشركات التجارية، حتى أصبح من المتعارف عليه وجود جواسيس يختصون بالشركات كما غيرهم يختصون بالدول . 
* ــ الصراع لوجود اختلافات عرقية ، مثل الصراع الأزلي كما يبدو بين البدو و الحضر و الذي أشار إليه ابن خلدون في كتاباته، و رغم نهي الإسلام عن هذه العنصرية إلا أنها لا زالت تضرب و بقوة في مجتمعاتنا العربية، و تسبب العديد من المشاكل الاجتماعية و التي تطفو على السطح ما بين يوم و آخر كما رأينا في مسألة عدم تكافؤ النسب و التي يتم على أساسها الفصل بين الزوجين و إن أرادا هما البقاء و الاستمرار في حياتهما الزوجية !
* ــ الصراع بين الذكر و الأنثى ، و لربما لم يكن هذا من المعروف سابقاً بل يمكن القول أن الوعي الزائف الذي عاشته المرأة سابقاً جعلها تنظر للرجل على أنه (دائماً) أرقى منها مرتبة اجتماعية و هذا ما جعلها سابقاً تقبل بكل ما يأتي به الرجل من أحكام ، و حاليا ً في ظل التغيرات الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية نجد هذا الصراع في أوجه ، خاصة مع بروز الحركات المنادية و المطالبة بحق المساواة كما يقولون . 
* ــ الصراع داخل الأسرة ، و الذي يعبر عنه أحياناً بالصراع بين الأجيال،بين الأبناء و الآباء و خاصة في مرحلة المراهقة أو يكون أحيانا ً بين الزوج و زوجته، هذه الصراعات تختلف في حدتها ما بين مواقف يومية طبيعية معتادة في كل أسرة ، و ما بين مواقف تصل بالصراع إلى النهاية المتوقعة ( التفكك الأسري ) . 
* ــ لا يفوتنا بالتأكيد أن نشير إلى الصراع الأزلي بين الإنسان و الشيطان و الذي هو العدو الحقيقي الذي أمرنا سبحانه بأن نتخذه عدوا حيث يقول تعالى : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) فاطر : 6 ( وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) الزخرف : 62
و لهذه الصراعات نتائجها المؤثرة على المجتمع بما يتضمنه من أفراد بل و لا ينصب تأثيرات هذه الصراعات على بني الإنسان فقط و إنما تمتد لتهلك الحرث والزرع وتترك آثارها البيئية الخطيرة كما هو حاصل في مخلفات اليورانيوم و الألغام المزروعة و غيرها من الآثار ، هذا سوى التسبب في دمار الدول و انهيارها و تفكك الأسر و ارتفاع معدلات الجريمة بأنواعها من غسيل أموال و تهريب أسلحة و انتهاكات بشرية . 
أخيراً ، كان للنظرية الصراعية أهميتها في الإشارة إلى أن المجتمعات لا تسير دائماً وفق ما هو مخطط له من نظام متكامل و تكافل و ترابط ، بل إن الصراع أحياناً كثيرة يكون حالة طبيعية و إن كانت مرضية و يوجد في أكثر من مجتمع و فئة كما سبق الإشارة ، و من المهم دراسة أسبابه و تأثيراته حتى يمكن العمل على الحد من هذه التأثيرات السلبية . 
المراجع : 
1 ــ القرآن الكريم 
2 ــ أحمد ، سمير نعيم ، النظرية في علم الاجتماع، القاهرة، مكتبة سعيد رأفت، 1977 م
3 ــ العرابي، حكمت ، النظريات المعاصرة في علم الاجتماع، الرياض، مكتبة الخريجي،1991 م 
4 ــ حجازي، محمد فؤاد، النظريات الاجتماعية، القاهرة، مكتبة وهبة، 1988م
5 ــ خضر، أحمد ، اعترافات علماء الاجتماع، لندن، المنتدى الإسلامي،2000م 
6 ــ عمر، خليل معن، انشطار المصطلح الاجتماعي،الأردن، دار الأمل،1994 م
7 ــ غيث، محمد عاطف، قاموس علم الاجتماع، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1997 م
8 ــ لطفي، طلعت إبراهيم و كمال الزيات،النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، القاهرة،دار غريب،1999م
9 ــ محمد، علي محمد، تاريخ التفكر الاجتماعي، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1997 م 
الروابط الالكترونية :
10 ــ http://ar.wikipedia.org
11 ــ http://www.mojz.com/inf
12 ــ http://faculty.ksu.edu.sa 
13 ــ http://minerve.org
14 ــ http://elhanafim.maktoobblog.com
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق