مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

07‏/12‏/2010

دور النظرية في الحياة العامة و العلم

تمتزج النظريات بحياتنا العامة بشكل كبير حتى أننا لا نكاد نلاحظها ، لأننا نطلق عليها مسميات أخرى مثل المعتقدات أو التصورات ، بل إن هناك من يطلق عليها مسمى النظرية مثل الأخوة في المجتمع المصري ، حيث نجد أحدهم يقول مستفسرا : هي ايه النظرية ؟ عند رغبته في التعرف على سبب حدث ما . 
كما أن الأمثلة الشعبية التي نتداولها في حياتنا اليومية ما هي في الواقع إلا نظريات نؤمن بها .فالمثل القائل : ( العلم في الصغر كالنقش على الحجر ) هو نظرية تختزل الكثير من التجارب الإنسانية التي تراكمت عبر السنين . 
بل الأكثر من ذلك أننا نستخدم نظريات علمية فيزيائية في تفسير وقائع حياتنا الاجتماعية و نأخذ بها كمسلمة من المسلمات مثل نظرية ( الضغط يولد الانفجار ) فرغم أنها نظرية فيزيائية بحتة إلا أننا نأخذ بها عند تفسيرنا لواقعة ما من الوقائع الاجتماعية . 
و هذا ما يؤدي بنا إلى القول أن للنظرية دور هام و أساسي في حياتنا العامة حيث ترجع أهميتها إلى أنها تعطينا مجالا أوسع لفهم الظواهر الاجتماعية التي نعايشها يوميا ، و كذلك تعطينا القدرة على التنبؤ بسير هذه الظاهرة و ما ستصير إليه ،و أيضا ً للنظرية دور هام في العلم أيضا حيث تؤدي عدة وظائف هامة ، يعددها دكتور عادل الهواري بالنقاط الآتية :
وظائف النظرية و دورها في العلم :
1 ــ الوظيفة العملية للنظرية : حيث تستخدم الأفكار لتمكين الناس من الاستمرار في العمل في بحث ما أو بذل جهد تكنولوجي أو مهني .
2 ــ وظيفة الإيحاء للبحث و النقض و إرشادهما حيث هي نافعة في خلق الأبحاث أو تقديم النماذج التي ترشدها ، و يمكن تسمية هذه الوظيفة بالوظيفة الاكتشافية .
3 ــ الوظيفة الموجهة الشاملة و هي تنظيم ما يبدو بدونها معلومات لا صلة بينها . 
و بينما اختزل الدكتور الهواري وظائف النظريات في ثلاث نقاط نجد الدكتور عدلي أبو طاحون يفصل أكثر و يبين دور النظرية في العلم عن طريق النقاط الآتية :
1 ــ أنها تحدد للباحث مجالا للتوجيه يستطيع في ضوئه أن يختار من المعلومات و البيانات ما يصلح للتجريد و هذا ما أسماه د . الهواري بالوظيفة الاكتشافية .
2 ــ أنها تقدم الإطار التصوري الذي ينظم و يصنف الظواهر و يعين العلاقات المتبادلة بينها و هذا ما أسماه د . الهواري الوظيفة الموجهة الشاملة .
ثم يضيف د . عدلي أبو طاحون وظائف أخرى و هي :
3 ــ أنها تلخص الوقائع في صورة تعميمات تجريبية من جهة و في نسق منطقي يضم طائفة من هذه التعميمات من جهة أخرى .
4 ــ أنها أداة التنبؤ بالظواهر في الظروف التي لم تلمسها من قبل .
5 ــ أنها تحدد الثغرات و مواضع النقص في المعرفة . 
أما دكتور محمد سعيد فرح فيحدد لنا الوظائف التي تقوم بها النظرية بشكل مبسط ومختصر حيث يقول في مقدمة ترجمته لكتاب تمهيد في النظرية الاجتماعية لجراهام كينلوتش :
و قد ترتب على اهتمام هؤلاء المنظرين بأمور مجتمعاتهم صياغة نماذج فكرية متعددة ( نظريات ) كلها تسعى إلى :
1 ــ تفسير السلوك الإنساني والمساعدة على التنبؤ به .
2 ــ المساعدة على فهم المواقف الإنسانية و السيطرة عليها .
3 ــ المساعدة على إجراء التصنيفات العلمية بين المجتمعات .
4 ــ المساعدة على اتخاذ مواقف و إصدار قرارات استنادا على المعلومات المتاحة عن السلوك . 
و يبدو من خلال استعراضنا لهذه الآراء حول الوظائف التي تقوم بها النظرية أن هناك وظائف عامة تتفق مع وظائف العلم عموما و هي:
1 ــ الفهم ( فهم الظاهرة )
2 ــ التنبؤ ( لمستقبل الظاهرة أو ظواهر جديدة تحمل نفس السمات )
وظائف خاصة بالبحث و هي :
1 ــ تحديد مجال البحث .
2 ــ تفسير العلاقات المتبادلة بين القضايا المصاغة في النظرية .
3 ــ و أخيرا تلخيص الوقائع في صورة تعميمات تجريبية من جهة وفي نسق منطقي يضم طائفة من هذه التعميمات من جهة أخرى .
تعريف النظرية : 
بعد أن تبين لنا مدى أهمية النظرية على المستويين العملي و العلمي سنحاول أن نلقي الضوء على تعريف العلماء و ما المقصود منها .
حيث يرى دكتور عدلي أبو طاحون أن النظرية هي مجموعة قضايا واقعية تفسر الظواهر و تمكننا من التنبؤ بها و هذه القضايا تتخذ لها ترتيبا معينا بحيث تجئ القضايا العامة كمقدمات نستنتج منها باقي القضايا و هي ما يعرف بالنسق الاستنباطي و هو جوهر النظريات العلمية . 
و استعراضا لما ذكره جراهام كينلوتش من تعريفات لبعض العلماء للنظرية نوردها كالآتي : 
يقول هـ . م بلالوك " أنه قد لوحظ أن بعض النظريات لا تشتمل على أنماط و خطط تصورية و لكن ينبغي أن تحتوي على قضايا أشبه بقوانين تربط بين مفهومين أو متغيرين اثنين أو أكثر في الوقت نفسه . 
و يرى ج . جيب : " أن النظرية تتكون من مجموعة من الأحكام المترابطة ترابطا منهجيا في شكل تأكيدات امبريقية عن خصائص و فئات غير محددة من الأحداث أو الأشياء " 
و يقدم م . ج . هيج تعريفا ثالثا و يقول : " إن هناك اتفاقا عاما على أن نظرية ما هي مجموعة من القضايا أو الأحكام النظرية . 
أما د . ب . رينولدز : فيرى أن استخدام مصطلح النظرية سوف يشير إلى أحكام مجردة تعتبر جزءً من المعرفة العلمية سواء كانت مجموعة من القوانين أو البديهيات أو صيغ عمليات علمية . 
و يرى د . ديلز أن النظرية هي مجموعة متكاملة من العلاقات على مستوى معين من الصدق . 
و يبدو من خلال هذه التعريفات المتنوعة التي قدمها لنا جراهام كينلوتش في كتابه النظرية الاجتماعية تطورها و نماذجها الكبرى يبدو الاختلاف بين هؤلاء العلماء المنظرين حيث أن كلا منهم قد تناول النظرية من زاوية معينة و قد يغفل باقي الجوانب التي تعطي تعريفا واضحا لها . 
أما جراهام كينلوتش فيرى أنها تتكون من مجموعة تقارير تجريدية نسبية وعامة تهدف إلى تفسير مظاهر العالم الامبيريقي وأنها مجموعة من العلاقات تستخدم لشرح و تفسير كيفية عمل و تفاعل مجموعة من الظواهر الخاصة . 
و يبدو في تعريف كينلوتش إشارة مهمة إلى ارتباط النظرية بالإمبيريقية و ذلك عندما قال أنها تهدف إلى تفسير مظاهر العالم الامبيريقي ( التجريبي ) مما يشير إلى عدم انفصال النظرية عن الواقع و عن البحث بصفة خاصة . 
أما تيماشيف فيعطينا تعريفا وافيا للنظرية بل و يشير من خلاله إلى شروط صياغة النظرية حيث يقول : 
" النظرية هي مجموعة من القضايا التي تتوافر فيها الشروط التالية : 
أولا ً : ينبغي أن تكون المفهومات التي تعبر عن القضايا محددة بدقة . 
ثانيا ًً : يجب أن تتسق القضايا الواحدة مع الأخرى . 
ثالثا ً : أن توضع في شكل يجعل من الممكن اشتقاق التعميمات القائمة اشتقاقا ً استنباطيا ً . 
رابعا ً : أن تكون هذه القضايا خصيبة و مثمرة تستكشف الطريق لملاحظات أبعد مدى و تعميمات تنمي مجال المعرفة . 
و لو قارنا تعريف تيماشيف بالتعريفات السابقة لوجدنا الفارق الكبير بينها و لوجدناه يقترب أكثر من تعريف دكتور عدلي أبو طاحون و بلالوك حيث أشارا إلى القضايا التي تحتويها النظرية و المفاهيم و هي الأساس الذي تستند إليه أي نظرية إضافة إلى الشكل أو النموذج و كذلك المتغيرات و التي تربط بين ظاهرتين في سياق النظرية . 
و يرى روبرت ميرتون أن كلمة النظرية الاجتماعية مهددة بأن تفقد معناها بل أن تصبح خلوا ً من أي معنى ذلك أن المعاني الكثيرة التي تنطبق عليها الكلمة تعيق المعنى أكثر مما تيسره ، غير أنه نفسه يطرح تعريفا ً يذكر فيه أن مصطلح النظرية الاجتماعية : يشير إلى أنها مجموعة من قضايا مترابطة منطقيا ً يمكن أن نستخلص منها طائفة من الاتساقات الواقعية التي تشير إلى انتظام العلاقة بين ظواهر المجتمع . 
ويبدو أن عدم الاتفاق على معنى النظرية الاجتماعية تعكسه الخلافات الفكرية بين الباحثين حول الموضوع الأساسي للنظرية . حيث أن هناك عوامل كثيرة تؤثر في المنظر عند تعريفه للنظرية منها الأيدولوجية التي يؤمن بها و المرحلة التاريخية التي يعيشها و نظرته للوظيفة التي تقوم بها النظرية و غيرها من العوامل . 
و إذا ما قمنا بمراجعة هذه التعريفات لوجدنا بعض المصطلحات قد تكررت مثل مصطلحات قضايا و مفاهيم و متغيرات و هذا ما يأخذ بأيدينا لمعرفة عناصر النظرية : 
عناصر النظرية : 
عناصر النظرية عند جراهام كينلوتش : 
يرى جراهام كينلوتش أن بناء النظرية يتكون من عناصر أساسية ثمانية : 
1 ــ الشكل الأساسي 2 ــ مجموعة من التصورات 
3 ــ مجموعة من الأحكام ( البديهيات و القضايا و الفروض ) تتعلق بالعلاقة المنطقية بين هذه المفهومات.
4 ــ التعريفات الإجرائية ابتداء ً من الفروض و المتغيرات و المؤشرات . 
5 ــ المنهج المستخدم لاختبار العلاقات بين الفروض .
6 ــ تحليل البيانات 7 ــ تفسير النتائج 
8 ــ تقييم البناء المنطقي المنهجي التجريبي للنظرية في ضوء تحليل البيانات و تفسيرها . 
من الواضح أن جراهام كينلوتش قد جزء َ عناصر النظرية أجزاء ً كثيرة حيث يمكن دمج تحليل البيانات و تقييم البناء المنطقي تحت مسمى المنهج المستخدم . 
و لكن معظم علماء الاجتماع يختلفون في عدد و نوع العناصر المتضمنة في بناء النظرية . 
و بما أن عناصر النظرية هي ما يستخدم لصياغة هذه النظرية لذا فمن خلال شرح كيفية صياغة النظرية سيتضح لنا معنى عناصر بناء النظرية . 
صياغة النظرية : 
و للتعرف على كيفية صياغة النظرية يجب النظر في وحداتها البنائية حيث يقدم لنا جوناثان تيرنر هذه الوحدات كالتالي : 
1 ــ المفهومات 2 ــ المتغيرات 3 ــ القضايا أو الأحكام 4 ــ الصيغ أوالأشكال 
1 ــ المفهومات : من المهم بمكان عند صياغة النظرية وجود المفهومات المجردة التي لا ترتبط بأوضاع مكان محدد أو زمان معين ، بيد أنه من الضروري أن تحدد مثل هذه المفهومات و إجراءات تطبيقها على أحداث محسوسة في هذا العالم من خلال التعريفات الإجرائية . 
و هكذا فالمفاهيم التي تعتبر في بناء النظرية يجب أن يكون لها خاصية مهمة و هو : 
أ ) أن تحمل معنى واحد لكل من يستخدمها و لكن من الصعب تفادي وجود بعض الكلمات التي لها معان مختلفة و بالتالي سوف تشير إلى ظواهر مختلفة لمختلف العلماء . 
و المفاهيم المستخدمة في النظرية يجب أن يكون لها خاصية هامة و هي ب ) التجريدية . 
2 ـــ المتغيرات : 
يمكن أن نفرق بين نمطين عامين من المفهومات عندما نريد صياغة نظرية ما : 
أ ) تلك المفهومات التي تصف الظواهر و تصنفها . 
ب ) المفهومات التي تشير إلى ظواهر مختلف فيما بينها في الدرجة . 
و من خلال هذه المفاهيم يتضح كيف أن التباين في ظاهرة معينة يرتبط بالتباين في ظاهرة أخرى بمعنى أن هناك متغيرين متغير مستقل و متغير متابع و هذا القول للمفاهيم يتطلب إدماجها في عبارات نظرية . 
3 ــ القضايا النظرية : 
يجب أن يتعدى العلم مرحلة الإشارة إلى ما هو موجود أو وصف التغير في شيء موجود فالهدف النهائي هو فهم كيفية حدوث ظواهر أو أحداث متصلة ببعضها و للوصول إلى هذا الهدف علينا أن نوجد مؤشرا لكل مفهوم ( تعريف إجرائي ) بحيث يمكن اختبار هذه العلاقة في العبارة النظرية و كمثال على ذلك فإننا عندما نفترض أنه :
كلما ضعفت العلاقات الأسرية كلما ازداد انحراف الأبناء .
فإننا في الواقع نضع مؤشرا لمفهوم العلاقات الأسرية و مفهوم انحراف الأبناء يمكن من خلاله اختبار قياس هذه العلاقة . 
و بإيجاز شديد كما يقول جوناثان تيرنر فالمفهومات المفيدة في صياغة النظرية تدمج في قضايا تصف العلاقات بين الظواهر في عالم حقيقي ، قد تكون هذه القضايا وجودية و إما قضايا تتعلق بالعلاقات . 
و كلا النوعين من القضايا ضروري لصياغة النظرية و يرجع السبب في كون القضايا المتعلقة بالعلاقات العلمية ذات أهمية خاصة في النظرية إلى كونها تشير إلى أن التغير في مفهوم معين قد يفسر التغير في مفهوم آخر . 
4 ــ أشكال النظرية : 
يمكن تنظيم العبارات التنظيرية في عدد مختلف من الأشكال وفقا ً لقواعد منطقية معينة حتى يمكن اختبارها بكفاءة فهناك ثلاثة أشكال أساسية لترتيب العبارات النظرية في العلوم الاجتماعية : 
الشكل البديهي الشكل السببي الشكل التصنيفي 
أ ــ الشكل البديهي : 
و يراعى في اختيار البديهيات أن تتفق مع بعضها و ليس بالضرورة أن تكون مرتبطة ببعضها و أن تكون ذات مستوى تجريدي عالي كذلك أن تكون مؤيدة بالبحوث التجريدية و أن يكون صدقها يبدو واضحا ً جليا ً . 
ب ــ الشكل السببي : 
بخلاف الشكل البديهي فإن الشكل السببي يقدم مجموعة من العبارات السببية التي تصف تأثير متغير معين على متغير آخر ، بدون تكوين ترتيب طبقي لهذه العبارات و يعتبر هذا الشكل السببي أكثر تفضيلا ً في علم الاجتماع ربما لأنه يخضع نفسه بسهولة لأسباب التحليل الإحصائي . 
و من ناحية أخرى يبدو أن العلوم الأكثر تقدما ً تستخدم الشكل البديهي حيث يبدو أنه أكثر تجريدا ً من الشكل السببي و بالتالي يساعد أكثر على شرح ظواهر عديدة . 
3 ــ الشكل العام التصنيفي : 
و هنا نجد أن الاهتمام المبدئي لا يتناول تطوير النظريات بل أنه ينظر إلى الظاهرة كعنصر داخل مجموعة الظواهر ، كما أن الأبعاد الأساسية أو المعايير التي يمكن بها تصنيف الظواهر يجري ذكرها نظريا ً و تمكن هذه المعايير الباحثين من التمييز بين الأحداث حتى يضعونها داخل الفئة الصحيحة في نظام الفئات الأكبر فعندما نتحدث مثلا ً عن انحراف المراهقين فإننا نصنف هذه الظاهرة نظريا ً تحت الفئة الأكبر وهي الإجرام بصفة عامة . 
ملخص للوحدات البنائية النظرية عند جوناثان تيرنر
الأشكال القضايا أو الأحكام المتغيرات المفاهيم
تنظيم العبارات النظرية في عدد من الأشكال منها : 
1ــ الشكل البديهي .
2 ــ الشكل السببي .
3 ــ الشكل العام التصنيفي . اختبار العلاقة بين متغيرين . تحتوي على مفاهيم توضح الترابط بين ظاهرتين . يشترط لها : 
1 ) أن تحمل معنى واحد لكل من يستخدمها . 
2 ) أن تتحلى بخاصية التجريد .
أما جراهام كينلوتش فيقدم لنا العناصر المتضمنة في صياغة النظرية بشكل يتفق إلى حد ٍ ما مع الوحدات البنائية لدى جوناثان تيرنر حيث حدد هذه العناصر كالآتي : النموذج النظري ، المفاهميم ، القضايا ، الفروض 
و هنا نجد الاتفاق بين ما يطرحه جوناثان تيرنر و بين ما يطرحه كينلوتش ، و لكن يتميز النموذج النظري أوالبرادايم ، و نجد أن د . نوره السعد قد شرحت ماذا يعني البرادايم أو الأشكال التي تنظم بها العبارات النظرية حيث تقول شارحة النموذج النظري : 
مهما يكن تعرف النظرية أو أسلوب صياغتها فإنها على أي حال نتاج ذهن الإنسان و كأي إنتاج ذهني فإنها لا تأتي من فراغ بل تكون مبنية بصورة واعية أم بدونها على تصورات أو مسلمات يأخذها المنظر كأمر مفروغ منه ، و هذه التصورات و الرؤى إن لم تكن تدخل في منطوق النظرية و بنائها الخارجي ، إلا أن لها دورا ً مهما ً في تكوين النظرية ــ هذا ما يعطينا إشارة واضحة إلى عدم انفصال المنظر عن الأيديولوجية التي يؤمن بها ــ و مهما يكن التعريف فإن المصطلح يستخدم بشكل عام للإشارة إلى المخطط التصوري الضمني و الكامن الذي يحدد النظرية أو البحث ، أما جون ريتز فيعرف النموذج النظري أنه تصور أساسي لموضوع علم معين ، و هو يقوم بتحديد ما ينبغي دراسته في هذا العلم و ما هية الأسئلة التي تطرح في إطاره و القواعد التي ينبغي استخدامها لتفسير النتائج التي يمكن الحصول عليها ، و التموذج التحليلي يكون الوحدة الأكثر اتساعا للإجماع العام في العلم و يستخدم للتفرقة بين الفروع العلمية و أيضا يصنف و يعرف و يقيم العلاقات المتداخلة بين الأمثلة و النظريات و المناهج و الأدوات التي تتوفر في نطاقه . 
و بعد أن تقديم كيفية صياغة النظرية يتضح لنا بشكل جلي مدى التداخل بين عناصر النظرية و صياغة النظرية ، لأن صياغة النظرية ما هو إلا معرفة كيفية تشكيل العناصر التي تتركب منها نظرية ما ، و لكن على الرغم من نشوء العديد من النظريات إلا أنه ليس من السهولة صياغة النظريات الاجتماعية فهناك عدة عوامل تقف حائلا أمام صياغة النظريات الاجتماعية ، يعددها هومانز كالآتي : 
الصعوبات التي تواجه صياغة النظريات الاجتماعية : 
1 ــ تتسم غالبية العبارات العلاقية بطولها النسبي ، و بدرجة عالية من التعقيد .
2 ــ أدت صياغة النظرية باللغة العادية أو اللغة الدارجة في كثير من الأحيان إلى طمس معالم النسق الاستنباطي ، و لقد كان من الممكن التغلب على بعض هذه الصعوبات لو عرضت النظريات في صيغ رياضية .
3 ــ تكشف مناقشة علماء الاجتماع لمفهوم النظرية عن عدم قدرتهم على إدراك المعنى الدقيق لهذا المفهوم حتى بات أن أغلب ما نطلق عليه مصطلح النظرية السوسيولوجية يتكون في الواقع من مجموعة من المفاهيم و التعريفات على نحو مماثل لقاموس اللغة الذي يخلو تماما من القضايا أو العبارات العلاقية . 
4 ــ أن النظرية السوسيولوجية عندما تحاول الكشف عن العلاقة بين الظواهر لا تفعل ذلك على نحو صحيح فهي لا تذهب إلى أبعد من الإشارة إلى أن ثمة علاقة قائمة و لكن حينما نقول أن أ هي وظيفة ب و نقف عند هذا المستوى دون تحديد الوظيفة فإن هذا الارتباط لا يسمح بإتمام عملية استنتاج أو استنباط القضايا . 
5 ــ ثمة مشكلة أخرى بالغة الأهمية تتصل بالقضايا السوسيولوجية و بخاصة تلك القضايا التي يتوقف صدقها على ثبات مجموعة من العوامل ذلك أننا عادة ما نجهل تلك العوامل بل و نجهل كذلك السبب الذي يدعو للاحتفاظ بها ثابتة . 
و من أجل صياغة النظرية بشكل جيد فإن هناك عدة شروط ينبغي إتباعها : 
شروط النظرية : 
1 ــ الإيجاز : يجب أن تكون النظرية موجزة في التعبير عن الحقائق التي تشتمل عليها و في بيان الغرض الذي وضعت من أجله . 
2 ــ الشمول : يجب أن تشتمل النظرية على جميع الحقائق التي تنطوي عليها و أن تفسر أكبر عدد من الظواهر . 
3 ــ الانفراد : يجب أن تنفرد النظرية بتفسير الحقائق التي تشتمل عليها ، فوجود نظرية أخرى تفسر نفس الحقائق التي تفسرها النظرية الأولى يضعف الأهمية العلمية للنظريتين . 
4 ــ القدرة على التنبؤ : يجب أن تساعد النظرية على التنبؤ بما يحدث للظواهر المختلفة قبل 
حدوثها ، و إذا ظهر أن هذه التنبؤات صحيحة ازدادت قوة ويقينا . 
ومن خلال ما تقدم من عرض لتعريف النظرية و عناصرها و شروطها وأشكالها ، يمكن لنا أن نضع أيدينا على خصائص النظرية و ما يميز النظرية الاجتماعية عن غيرها من بقية النظريات العلمية طبيعية أو سواها ، و هنا نرى بأن الدكتور مصلح الصالح يستعرض تعريفات النظرية المتنوعة و المتعددة ليضع أيدينا بعد ذلك على أهم خصائص النظرية الاجتماعية و نجد منها : 
1 ــ القابلية للاختبار : و إمكانية التفسير و التنبؤ بواسطتها ، فالنظرية التي لا يتوفر بها هذا الشرط لا تعتبر نظرية علمية أو ملائمة لتحقيق أهداف العلم .
2 ــ التجريد : حيث نجد صفة التجريد في النظرية و التي هي إما تفكير أو تأمل و نشاط مختلف عن التطبيق أو الفعل أو حتى مجرد فكرة أو اقتراحات لم يتم اختبارها أو هي صيغ مجردة تتضمن تصورات و أوصافا ً غامضة ( و هذا ما يراه الدكتور الصالح بأنه أحد خصائص النظرية و أحد عيوبها كذلك في مسألة الغموض و اللبس ) . 
3 ــ العلاقات و الاتساق المنطقي بين الأجزاء : حيث أن أهم خصائص النظرية التي يجب مراعاتها في الصياغة هي نمط العلاقات و الاتساق المنطقي بين مكونات النظرية . 
4 ــ المدى أو النطاق : و ذلك يعني مدى الظواهر الاجتماعية التي تتضمنها النظرية ، حيث يمكن بعد ذلك تصنيف النظريات الاجتماعية وفق هذه الخاصية التي تميز كل نظرية عن الأخرى ، مثل النظريات الكبرى أو واسعة المدى و النظريات المحدودة أو متوسطة المدى . 
و أخيرا يشير الدكتور الصالح كذلك إلى عيبين يعتبران من أهم خصائص النظرية هما اللبس و الغموض فضلا عن التشرذم و الانقسام . 
* يبدو أن هذا التشرذم أو الانقسام الذي يعتبره الصالح أحد العيوب هو كذلك أحد محاسن النظرية ، حيث تنقسم النظرية الأم بعد ذلك إلى عدة فروع تساهم في تعزيز النظريات الرئيسة وبالتالي فهم الواقع بشكل أدق توافقا مع الزمن المعاصر . 
معايير لتقييم النظريات : 
من خلال تعريف النظرية و إبراز العناصر التي تقوم عليها و شروطها يمكن لنا إيجاد المقاييس التي نقيس بها أجزاء النظرية ، و بالتالي إيجاد المعايير الملائمة لتقييم النظريات ، وهناك معايير عامة متعددة يمكن أن نطبقها لتقييم أي نظرية ، و هذه المعايير تزودنا بمعايير أخرى تستخدم ضمنيا في الحكم على النظرية ، و يمكن لنا من خلال تناول بعض النظريات مثل النظرية التبادلية عند هومانز و نظرية التوازن عند هيدر أن نجد هناك معايير أربعة أساسية للاختبار بين هاتين النظريتين و هذه المعايير الأساسية هي :
المجال The Scope 
الخاصية البارسونية أو التركيز Parsimany 
دقة التنبؤ Precision of prediction 
1 ــ المجال : 
إن إحدى طرق قياس مجال النظرية و بدقة هو ملاحظة عدد المصطلحات المشتقة و مدى ارتباطها بعدد المصطلحات الأولية ، فإذا ارتفعت نسبة المصطلحات المشتقة إلى المصطلحات الأولية يكون مجال النظرية واسعا ً حيث يعني المجال طبقا لذلك مدى عمومية النظرية , و لو عدنا لنظرية دور كايم حول الانتحار لوجدنا أنها تحقق سعة مجالها و ذلك لارتفاع نسبة المصطلحات المشتقة نسبة إلى المصطلحات الأولية . 
2 ــ الخاصية البارسونية : 
تعكس الخاصية البارسونية قوة النظرية ، فالنظرية القوية هي التي تحتوي على افتراضات قليلة و هذه الخاصية ترتبط إلى حد ٍ كبير بفكرة المجال و التركيز ، يمكن أن يختلفا فهناك نظرية ذات مجال واسع مثلا ً و لكنهاقد لا تتصف بالخاصية البارسونية . 
3 ــ دقة التنبؤ : 
و يقصد بهذا المعيار ، شرح كيفية حدوث الأشياء في المستقبل ، و يمكن أن يرفض البعض هذا المعيار و ذلك من منطلق أنه ليس هناك معادلة واحدة تستطيع أن تزودنا بتنبؤ دقيق ، خاصة إذا لم نتأكد من الترابطات الإجرائية بين كل المتغيرات . 
4 ــ التفسير الدقيق : 
فنحن عندما نقبل بنظرية معينة فليس فقط لأن للنظرية مجال واسع ، و تتصف بالتركيز و لأن مقدرتها التنبؤية معقولة نسبيا ، و لكن يجب أن يكون التفسير مضبوطا و دقيقا و أقرب ما يكون إلى الواقع . 
و يضيف والس للعوامل الأربعة السابقة لتقييم النظرية أو لبيان أوجه الاختلاف بين النظريات عاملين آخرين هما : 
اللغة 
حيث أن فائدة أي لغة في صياغة النظرية يتوقف على رموز تلك اللغة كذلك و على قوانينها التي تحدد استخدامها ، و هي مفردات اللغة و قواعدها ..و اللغة التي تستخدم في صياغة النظريات تؤثر على المفترضات و الملاحظات التجريدية و التعميمات و الاختبارات المزمع إجرائها ، و هناك عدة عوامل تحدد اختيار اللغة هي : 
أ ) توضح اللغة مدى الاختلاف و التناقض بين المفترضات و الملاحظات ، و بين الملاحظات و التعميمات و بين التعميمات و النظريات و بين الآراء و النظريات . 
ب ) أن تكون اللغة دولية و هذا يعني قلة الحاجة إلى الترجمة من لغة لأخرى و من ثقافة لأخرى و بذلك يسهل نشر العبارات . 
ج ) أن تكون اللغة مرنة . 
د ) أن تعمل اللغة على زيادة و توسيع النظريات و تطويرها . 
مستوى التجرد 
يستخدم مستوى التجرد لقياس مدى تقارب مفاهيم النظرية مع الملاحظات الحقيقية فالنظرية ذات مستوى التجرد المنخفض تكاد تكون مجموعة من المفترضات المختبرة ، في حين أن النظرية ذات المستوى العالي تتصف بشمولها على مصطلحات خيالية بعيدة عن الملاحظات الحقيقية و تفسيرها غامض . 
العلاقة بين البحث و النظرية 
عندما نسترجع الوظائف التي تقوم بها النظريات ، نجد أنها تحدد للباحث مجالا للتوجيه ، مما يعني أن هناك ارتباطا كبيرا بين البحث و النظرية ، ولكن بداية سنعرف البحث و ماذا نعني به . 
و الحقيقة أنه كما تعددت تعريفات النظرية ، فكذلك نجد أن الباحثون لم يتفقوا على تعريف محدد للبحث ، ولعل ذلك يرجع إلى تعدد أساليب البحث ، ويمكن عرض بعض التعريفات فيما يلي : 
1 ــ يعرف فان دالين البحث العلمي بأنه محاولة دقيقة و منظمة و ناقدة للتوصل إلى حلول لمختلف المشكلات التي تواجهها الإنسانية ، و تثير قلق و حيرة الإنسان . 
2 ــ يعرفه ويتني بأنه استقصاء دقيق يهدف إلى اكتشاف حقائق و قواعد عامة يمكن التأكد من صحتها . 
3 ــ يعرفه فاخر عاقل بأنه " البحث النظامي و المضبوط و التجريبي عن العلاقات المتبادلة بين الحوادث المختلفة . 
4 ــ يعرفه بعض الباحثين بأنه جهد علمي يهدف إلى اكتشاف الحقائق الجديدة و التأكد من صحتها و تحليل العلاقات بين الحقائق المختلفة. 
والحقيقة أن البحث العلمي لا ينطلق من فراغ ، بل هناك قاعدة إما أن ينطلق منها أو يعود إليها ألا و هي النظرية . 
و يرى ديرك لايدر أن التنظير عنصر مستمر في عملية البحث ، فهو لا يكون حاضرا في أول البحث فحسب ـ و لا في نهاية البحث فقط، فلا يقتصر استخدام التنظير على مرحلة دون أخرى من مراحل البحث . 
ويبدو أن هناك ثلاثة أسباب رئيسة توجه الباحث عند استخدامه للنظرية ، فالباحث الاجتماعي يرغب في الاعتماد في بحثه على نظرية معينة إما : 
1 ــ كموجه للبحث 
2 ــ أو من خلال محاولة التوصل إلى صياغة نظرية بناء ً على البيانات التي يحصل عليها من البحث . 
3 ــ كما يرغب بعض الباحثين في ترسيخ أفكارهم من خلال تأصيلها بدقة في ضوء البيانات و الشواهد الإمبريقية . 
و لأن النظرية لا تنشأ أيضا من فراغ بل تنبثق من مستخلصات و نتائج عدة بحوث ، إذا فلا يمكن أن توجد نظرية بدون أبحاث خرجت كمستخلص لها ، أو أن نجد بحثا لم يعتمد في توجهاته على نظرية معينة يرتكز عليها . 
خلاصة حول النظرية : 
1 ــ أن نظرية علم الاجتماع يجب أن يكون موضوعها الأساسي الإنسان و المجتمع مركزة في هذا على ما هو ضروري ، و على ما يميز الإنسان عما عداه من المخلوقات . وعلى ما هو عام تاريخيا و في الزمن المعاصر و إن العلاقات داخل الجماعات و بينها ـ أيا كان حجم هذه الجماعات و منشؤها و مسمياتها ــ حد أدنى ضروري في التحليل و أن البناء الاجتماعي إطار و وعاء للتفسير . 
2 ــ و نظرية علم الاجتماع من الضروري أن تسهم في قيادة البحث السوسيولوجي ، و توجيهه و تنظيمه ، على أن تفيد من البحث في تعديل نفسها و تصحيح مسارها . 
3 ــ و نظرية علم الاجتماع يجب أن تمكن علم الاجتماع من أداء وظائفه الاجتماعية و إلا فما يستحق أن يعيش من تفرغ لعمل كل وظائفه تعود فقط بالفائدة الشخصية ، المؤقتة ، على صاحبها الذي لا تعد حياته إلا جملة قصيرة في حياة مجتمع مستمر عبر السنين ، و مع التاريخ . 
4 ــ و نظرا لحساسية مساعي علم الاجتماع ، و تأثره بظروف كثيرة و بمصالح كثيرين فقد وقعت على بعض المشتغلين بعض الضغوط ، حتى ينصرفوا إلى دراسات جزئية و يهتموا بوقائع آنية ، أو يخاف بعضهم و يلوذ بقضايا تعزيز المصالح الفردية و على الاجتماعية و الخاصة على العامة ... لكن يظل له دوره النقدي العلمي للمجتمع و للإنسان و هو أكثر الأدوار تألقا ً في الظروف المعاصرة التي تحيط بالباحثين . 
قائمة المراجع : 
1 ــ بيرسي كوهين ، النظرية الاجتماعية الحديثة ، القاهرة ، مكتبة نهضة الشرق ، 1980 م
2 ــ جراهام كونلتش ، تمهيد في النظرية الاجتماعية ، ترجمة محمد سعيد فرح ، الاسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، 1998 م
3 ــ جوناثان تيرنر ، بناء نظرية علم الاجتماع ،الاسكندرية ، منشأة المعارف ، 1999 م 
4 ــ حكمت العرابي ، النظريات المعاصرة في علم الاجتماع ، الرياض ، مكتبة الخريجي ، 1991 م 
5 ــ ديرك لايدر ، قضايا التنظير في البحث الاجتماعي ، ترجمة عدلي السمري ، القاهرة ، 1997 م 
6ــ عبد الباسط محمد حسن ، أصول البحث الاجتماعي ، القاهرة ، مكتبة وهبة ، 1985 م 
7 ــ ،عبد الباسط عبد المعطي ، اتجاهات نظرية في علم الاجتماع ، عالم المعرفة ، الكويت ، 1998 م 
8 ــ عدلي أبو طاحون ، النظريات الاجتماعية المعاصرة ، الاسكندرية ، المكتب الجامعي الحديث ، 1990 م 
9 ــ ذوقان عبيدات و آخرون ، البحث العلمي مفهومه و أدواته وأساليبه ، الأردن ، دار الفكر ، 1998 م 
10 ــ مصلح الصالح ، النظرية الاجتماعية ، الرياض ، دار الفيصل ، 2000 م
11 ــ نوره خالد السعد ، التغيير الاجتماعي في فكر مالك بن نبي ، جده ، الدار السعودية للنشر و التوزيع ، 1418 هــ 
12 ــ نيقولا تيماشيف ، نظرية علم الاجتماع طبيعتها و تطورها ، الاسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، 1993 م
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق