-الكتاب: مؤشر الفساد في الأقطار العربية (إشكالية القياس والمنهجية)
-المؤلف: مجموعة باحثين
-عدد الصفحات: 224
-الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت
-الطبعة: الأولى/2010
يهدف هذا الكتاب إلى تطوير مؤشر فساد موضوعي يستند إلى ما توصل إليه خبراء ونشطاء مكافحة الفساد في العالم، آخذين بعين الاعتبار خصوصية وطبيعة الفساد في المنطقة، ودرجة تطور المجتمع بما يسهل مكافحته ويساعد على وضع الخطط القابلة للتطبيق.
ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام، يبحث القسم الأول قياس ودراسة الفساد في الدول العربية، في حين يتناول القسم الثاني مؤشرات منظمة الشفافية الدولية والبنك الدولي، ويبحث القسمان الثالث والرابع المبادرات العربية والإقليمية.
قياس ودراسات الفساد في الدول العربية
يرى المؤلفون أن الفساد هو استخدام السلطة المخولة مؤسسيا في تحقيق منافع خاصة خارج النطاق الذي رسمت له.
يحتوي الفساد على أشكال وأنماط عديدة، تعكس المجالات التي يجري فيها الانحراف بالسلطة المؤسسية، ولهذا السبب توجد صعوبة في قياس الفساد وتحليل عوامله وتقييم آثاره، وأهم هذه الصعوبات هو أن الفساد ظاهرة مستترة، يحرص أطرافها على إخفاء معالمها.
لكن مع ذلك، يرى المؤلفون أنه يمكن رصد وقياس الفساد نظريا من خلال بعض الأقيسة، مثل مقياس الموضوعية الذي يعكس ما تم كشفه وليس ما حدث فعلا، إلا أن ميزة المؤشرات الموضوعية في أنها تقدم بيانات يمكن إخضاعها للتحليل والخروج منها باستنتاجات.
فإحصاءات عمل أجهزة لرقابة ومؤشرات أجهزة النيابة/الادعاء، معدلات الإدانة القضائية واسترداد مدفوعات الفساد والثروات غير المشروعة تمثل صورة من صور المؤشرات الموضوعية.
وبالإضافة إلى الأقيسة الموضوعية هناك الأقيسة الإدراكية التي تحاول رصد الانطباعات عن الفساد من خلال مقاييس للرأي العام يهتم بها خبراء، وأغلب هذه الأقيسة هي التي تصدرها المؤسسات الدولية، والمؤسسات الوطنية المعنية بالفساد والشفافية.
وهناك بعض الدراسات القطرية القليلة التي تمت في عدد من الدول العربية:
- الكويت، حيث أجرت جمعية الشفافية الكويتية مسحين بين عامي 2007 و2009 لقياس مدركات الإصلاح في الجهات الحكومية بهدف التعرف إلى رأي وتقييم الأطراف الرئيسية من المتعاملين مع خدمات هذه الجهات وكذلك العاملين فيها.
واشتمل المسح على ستة معايير: الشفافية، النزاهة، المساءلة، احترام القانون، الفاعلية، العدالة، تكافؤ الفرص، التنافسية، ويمكن المؤشر من مقارنة متوسط الدرجات التي حصلت عليها الجهات المتضمنة فيه، كما يمكن رصد التغيير الذي تم في وضعية كل جهة بالنسبة لكل معيار.
ـ الأردن، حيث قام مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية عام 2006 بمسح لاستطلاع الرأي حول الفساد طبق على عينة من المواطنين ومن قادة الرأي، للتعرف على درجة وجود الفساد في القطاعين الحكومي والخاص.
واشتمل المسح على تقييم لدور بعض الجهات الحكومية في مكافحة الفساد، وقد اعتمد المسح على عينة لا تتوافر فيها بالضرورة متطلبات الخبرة المباشرة بتعاملات الفساد، إذ يقيس انطباعات عامة قد لا تتطابق بالضرورة مع خريطة ممارسات الفساد.
ـ فلسطين، قام الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" وهو منظمة غير حكومية بمجموعة من استطلاعات الرأي عام 2003 حول الفساد وأنماطه.
وتحتوي هذه الاستطلاعات على محاولة لقياس الخبرات المباشرة للمستجوبين بشأن ممارسات الفساد ونوعيته وجهات التعامل الخاصة به، واعتمدت هذه المسوح على عينات حاولت تغطية مواقع مختلفة من الأراضي الفلسطينية، واشتملت على محاولة التعرف إلى رأي أفراد العينة في مدى تأثير الفساد في جوانب حياة المجتمع الفلسطيني.
ـ المغرب، تعتبر مسوح الفساد والنزاهة التي تمت في المغرب من أقدم المسوح في المنطقة العربية، وتمت هذه المسوح على قطاعات مختلفة من المؤسسات الحكومية والخاصة، واعتمدت العينة على أفراد يمثلون قطاعات مختلفة في المجتمع، فضلا عن قادة الرأي.
وحاولت هذه المسوح التعرف على مدركات أفراد العينة بشأن الفساد ودرجة انتشاره، وأنواعه فضلا عن آثاره السلبية، ومدى فعالية آليات وبرامج مكافحته.
ويرى المؤلفون أن مكافحة الفساد في الدول العربية تحتاج إلى جهود بحثية نظامية متعددة الجوانب، تبنى على خبرات دولية في قياس وتحليل وتشخيص الفساد والنزاهة.
ويؤكد المؤلفون أن تحفيز جهود مكافحة الفساد تتطلب:
-سلسلة من الدراسات التي تحلل وتبلور المفهوم والأساس النظري للفساد.
-تجميع وفحص وتقييم الأدبيات العالمية التي تناولت قياس الفساد والنزاهة.
-تحديد الغرض من قياس الفساد والجهات المستفيدة منه، وتكوين مجموعة من المؤشرات لعدد مختار من المتغيرات المتعلقة بمنظومة الفساد والنزاهة.
-عقد ندوات للخبراء والناشطين ومؤسسة المكافحة، وإصدار تقرير عن حالة الفساد والنزاهة في الدول العربية.
المؤشرات والمبادرات العالمية
يبحث هذا القسم من الكتاب في المؤشرات والمبادرات الخاصة بمنظمة الشفافية الدولية، والمؤشر المعتمد عليها، وهو مؤشر إدراك الفساد الذي يسلط الضوء على الذين يقدمون الرشوة من القطاع الخاص.
وقد استطاعت الشفافية الدولية من خلال هذا المؤشر أن تضع قضية الفساد على الأجندة الدولية.
وتطرق المؤلفون إلى مؤشر آخر يصدر عن الشفافية الدولية هو الباروميتر العالمي للفساد، الذي يختلف عن مؤشر إدراك الفساد وعن مؤشر دفع الرشوة من حيث اعتماده على المسوحات الأسرية واستطلاع رأي الناس دون الخبراء ورجال الأعمال.
ويبحث هذا القسم أيضا في المؤشرات التي يعتمدها البنك الدولي من خلال عرض مؤشر إدارة الحكم للبنك الدولي، الذي يبحث في مستويات السيطرة على الفساد ومستويات إدارة الحكم، كالمساءلة، فاعلية الحكومة، حكم القانون، الاستقرار السياسي، النوعية التنظيمية صعودا وهبوطا بالنسبة لدول العالم، ويتضمن ستة أبعاد مرتبة أفقيا لقياس الحكم كمنطلق لتحديد مدى تماهي وإتباع الدول لأسس مثلث الحكم الرشيد في إدارة نظمها السياسية.
وتطرق المؤلفون إلى مؤشرات ومبادرات دولية أخرى في مجال مكافحة الفساد، أو إشاعة الشفافية والنزاهة، وكيفية استخدام هذه المؤشرات ومدى فعالية نظام النزاهة الوطني في جميع أعمدة المجتمع، وخصوصا في أعمدته الثلاثة الرئيسية: الحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص، وبحث جدوى هذه المؤشرات في تحديد كفاءة بيئة كل عمود وفعاليتها ومناعتها.
الدراسات والمبادرات العربية
خصص هذا القسم للبحث في المبادرات والدراسات العربية في حقل الفساد وطرق قياس مؤشراته:
-الكويت، حيث تم إعداد مشروع باسم مؤشر مدركات الإصلاح في الجهات العامة.
جاء هذا المشروع بعد تراجع ترتيب الكويت في مؤشر مدركات الفساد عاما بعد عام، وتتمثل أهمية هذا المشروع في أنه حدد معايير الإصلاح في كافة الوزارات على الرغم من حجمها المتفاوت.
واستطاع المشروع أن يخلق منافسة بين الوزارات، حيث يتم إعلان النتائج في حفل كبير بحضور كل الوزارات، وكانت الوزارات التي تأتي في المراتب الأخيرة تسأل عما يمكن فعله لتحسين موقعها في مؤشر الفساد للعام المقبل.
-فلسطين، حيث قامت منظمة أمان بإجراء استطلاعات للرأي كمؤشرات عامة، وكان الهدف الأساسي من هذه الاستطلاعات تحريك الرأي العام ووضع الموضوع على أجندة المجتمع، وإثارة الجدل حول الفساد، وزيادة الإدراك بمخاطره.
وتم بعد ذلك تطوير هذه المبادرة عن طريق طرحها لبعض البرامج والاستبيانات التي سعت إلى قياس مدى تفاعل الناس مع هذه الطروحات، ومن خلال ذلك قياس التأثير الذي أحدثته هذه المبادرة في المجتمع.
وأجرت منظمة أمان استطلاعين للرأي لدى طلبة المدارس: استطلاعا لمعرفة مستواهم قبل بدء النشاطات، واستطلاعا في نهاية البرنامج لقياس مدى التأثير والتغيير الذي حصل.
-مصر، حيث قام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مجلس الوزراء بإجراء دراسة تحت عنوان "منهجية ونتائج مؤشر الفساد الإداري على مستوى المحليات".
وكان الهدف من هذه الدراسة إعداد وتنفيذ مؤشر لقياس الفساد الإداري على مستوى 27 محافظة، وقامت الدراسة بقياس توجهات الرأي العام والثقة في دور الحكومة خلال تصديها لظاهرة الفساد.
وشملت العينة المستهدفة أربعمائة مشاهدة من كل محافظة، وركز المقياس على أربعة مؤشرات: تقديم الرشوة والهدايا والإكراميات، وكون الموظف يتصرف بالمال العام ويملك الأقارب، والاعتماد على المعارف، وسرقة المال العام.
ويؤكد الباحثون أن المؤشر العام لإدراك ظاهرة الفساد في مصر 66 نقطة، وتشير هذه القيمة إلى ارتفاع ظاهرة الفساد الإداري.
-الأردن، يحدث التقرير أيضا على استطلاع رأي عام حول بعض موضوعات الفساد في القطاعين العام والخاص التي نفذته وحدة استطلاع الرأي في مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية.
وكان الهدف من الدراسة التعرف على توجهات المواطنين وقادة الرأي حول مدى القبول الاجتماعي لبعض أنواع الفساد، وتوجهات الرأي العام الأردني وقادة الرأي حول بعض القضايا التي حولتها الحكومة إلى الجهات القضائية.
وشملت العينة 1148 مواطنا، وعينة قادة الرأي 626 وتركزت الأسئلة على بعض الموضوعات التي لها علاقة بالفساد، وهي التي كانت هدف محاور الفساد التي تم قياسها: انتشار الفساد وأسبابه، والفئات الأكثر فسادا وأنواعه، وقبوله اجتماعيا، ومعرفة الرأي العام الأردني ببعض الإجراءات الحالية في محاربة الفساد.
الحاجة إلى مبادرة إقليمية
يؤكد المؤلفون في هذا الفصل على أهمية استخلاص برنامج بحثي لقياس وتشخيص الفساد وتقييم جهود مكافحته، على أن يكون البرنامج مبادرة كلية على مستوى الدول العربية، ذلك أن الدراسات العربية حول الفساد لا تفحص وتستخلص الدلالات والاتجاهات والمعاني، ولا تصل إلى التشخيص.
ويؤكد المؤلفون هنا أن البرنامج المقترح يجب أن يستفيد من الدراسات العالمية، كما ينبغي على البرنامج المقترح الاستفادة من قواعد البيانات الموجودة في الدول العربية، بحيث يسلط الضوء على مجالات ومتطلبات الإصلاح، وعلى طبيعة وآليات الإصلاح والمكافحة والمساءلة والرقابة.
ويدرك المؤلفون مدى الصعوبة التي تواجه مجتمعاتنا في الدفع باتجاه الوصول إلى قيام مؤشر للفساد، أو إنشاء مؤشر لقياس النزاهة والرقابة، ومع ذلك يطالب الباحثون بضرورة تحفيز المجتمعات المدنية في الدول العربية لتمكينها من ممارسة دورها الريادي في دفع عجلة الإصلاح.
ومن أبرز متطلبات نجاح الإصلاح وتحديد أولوياته هو التوصل إلى إنشاء مؤشر محلي لقياس الفساد، مؤشر لا يعتمد على الحس الإدراكي في تحديد أبعاده وتأثيره في المجتمع، بل يتجاوز ذلك إلى إدخال عناصر موضوعية في القياس هدفها أن يحتوي الناتج المركب لمؤشر الفساد إلى جانب كمي في قياسه، بالإضافة إلى فحصه مدى مناعة البيئة التي تتم فيها إدارة الشأن العام للفساد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق