التنظيم الدولي يمّر- حالياً - بأزمة كبيرة تهدد كيانه ، وتوشك أن تقضي عليه كما فعلت به من قبل ، وذلك في فترة ما بين الحربين العالميتين عندما أودت هذه الأزمة بعصبة الأمم ، وقد ازدادت حدة هذه الأزمة بعد انهيار نظام القطبين عام 1989، بانهيار الاتحاد السوفييتي .إن جذور هذه الأمة تمتد إلى فترة ظهور المجتمع الدولي لأول مرة في القرن السابع عشر ، وعظمت أهميتها بتطور هذا المجتمع ، وتعقد العلاقات الدولية . ما هو التنظيم الدولي ؟ وكيف تأسس ؟ وما عناصر هذه الأمة؟ وملامحها ؟ وما سبل علاجها ؟يقصد بالتنظيم الدولي مجموعة المؤسسات ، والمنظمات الدولية ، والقواعد الأساسية التي تدير ، وتنظم علاقات أعضاء المجتمع الدولي .
1- نشأة وتكوين التنظيم الدولي ( الأزمة التاريخية ) إن أساس نشأة التنظيم الدولي ترجع إلى تشابك علاقات المجتمع الدولي الحديث الذي نشأ على أثر الهدنة التي وقعتها الإمارات الأوروبية المتحاربة التي أنهكتها ويلات الحروب طويلاً ، ولقد تجسّد هذا السلام في توقيع اتفاقيات "وستفالسا" سنة 1648التي بموجبها تمّ الإعلان عن قيام الدول ذات السيادة التي تعتبر الحجر الأساس في قيام المجتمع الدولي الحديث ، وقد نصّت هذه الاتفاقيات على إقامة نظام يقوم على التوازن بين هذه الدول يضمن هذا السلام الجديد ، كما تم تقنين بعض العلاقات القائمة بين هذه الدول ، إذاً فالنواة الأولى لهذا التنظيم هو الدولة السيدة ، وميكنته هو التوازن بين هذه الدول المتساوية بفعل السيادة . دعم هذا الوفاق الأوروبي بتوقيع اتفاقية (فينا) لسنة 1815التي أقامت نظاماً يقوم على توازن القوى بين خمس دول أوروبية كبرى ، فأبقت على أوروبا موحدة وخالية نسبياً من الحروب ، وحصرت النظام الدولي في أوروبا ، فكان القانون الدولي أوروبياً ، والتنظيم الدولي -أيضاً -أوروبياً .
اتضحت أهداف هذا التنظيم جليةً عند إعلان الدول الأوروبية مجتمعة في مؤتمر الوفاق في (فينا ) سنة 1815مسيحي ، حيث أعلنوا الحلف المقدس قاصدين إيقاف المدّ الإسلامي المتمثل في الدولة العثمانية ، والدول العربية القوية في البحر المتوسط ، فانطلقت الأساطيل الأوروبية للالتفاف على القوة الاسلامية من الجنوب والشمال والشرق والغرب ، فتكون التنظيم الدولي على أساس السيطرة والاستعمار والعنصرية ، فلم يتم الاعتراف بالدولة العثمانية ، والدول الآسيوية إلا في نهاية القرن التاسع عشر . نظراً لصحوة الشعوب في أمريكا اللاتينية ، وشرق أوروبا ، وبعض مناطق آسيا ، وظهور كيان الدولة الأمة على إثر هذه الصحوة ، فإن هذا التنظيم بدأ يتوسع، ليشمل دولاً جديدة فظهرت منظمات حكومية لتنظيم العلاقات التي قامت بين هذه الدول، ولكن بسبب التزايد في أعضاء المجتمع الدولي ، وتشابك المصالح بين هذه الدول ، وبفعل التسابق حول المستعمرات ، فقد حدث اختلال في ميزان القوى بين الدول المستعمرة ما أدى إلى قيام الحرب العالمية الأولى التي أدخلت التنظيم الدولي في عصر جديد حاملاً معه تأزمه الممقوت .بإنتهاء الحرب العالمية الأولى أدركت الدول العظمى خطورة الموقف ، وحاولت تجاوز الأزمة ، وذلك بإنشاء منظمة دولية هي "عصبة الأمم" ، تعمل على حفظ السلم والأمن الدوليين ، وتصون مصالح الدول العظمى ، وهي وإن كانت محدودة النطاق ،فإنها أدخلت في عضويتها دولاً عدة من القارات الأخرى ، ووضع لضمان عملها آلية تضمن الأمن الدولي وهو "مجلس العصبة" الذي أوكلت إليه مهمة حماية الأمن عن طريق تطبيق نظام الأمن الاجتماعي ، وقد فشلت هذه المنظمة في إقرار الأمن والسلم الدوليين ، وذلك لأنها قامت- أصلا-ً على حماية المصالح الأساسية للدول الكبرى ، وتكريس عدم المساواة بين الدول ، وإضفاء الشرعية على الاستعمار والتوسع ، لقد كان تطور التنظيم الدولي واسعاً من الناحية الشكلية ، ولكن من الناحية المعيارية والموضوعية ضيقاً ومركزياً .
وبهذه المفارقات التي أدت إلى زعزعة الاستقرار والأمن انهار التنظيم الدولي من جديد، ودخل العالم في حرب عالمية جديدة أشعلت فتيلها القوى العظمى راعية الأمن والسلم الدوليين . أدت الحرب العالمية الثانية إلى سيطرة مجموعة من القوى العظمى مجدداً على الوضع الدولي ، فأنشأت الدول المنتصرة "الأمم المتحدة" على حساب الدول المهزومة ، وفي هذه المرحلة بدأ التنظيم الدولي يأخذ شكله النهائي، فتأسست كثير من المنظمات التخصصية التابعة لهذه المنظمة ومنظمات أخرى إقليمية وهدفها تطوير سبل التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وتفعيلها والحفاظ على الزمن والسلم الدوليين . بفعل القانون الموروث والمتأزم تاريخياً من أساسه الذي يحكم هذا التنظيم الدولي فقد دبَّ الخلاف بين الدول المنتصرة فانقسم الشمال أيديولوجيا وسياسيا إلى معسكرين ، فنشأ نظام التوارن بين القطبين . ظهرت الحرب الباردة التي منعت من اصطدام القطبين ، فأوجد هذا النظام مناطق نفوذ ، ومناطق صراع مّا أدى إلى شلَّ حركة الأمم المتحدة ، ومنعهامن تحقيق العدالة والشرعية الد ولية في الكثير من القضايا المطروحة ، وأبرزها قضية الشعب العربي الفلسطيني ، وفي هذه الفترة وإن كانت الأمم المتحدة قد ساعدت على تحقيق إستقرار نسبي في العلاقات الدولية ، وساعدت على إشراك عدد كبير من الدول في صياغة القواعد الدولية وغر بلتها من شوائب القواعد القانونية التي وضعها الاستعمار ، فإن تطبيق هذه القواعد بواسطة هذه المنظمة وغيرها كان نسبيّاً إلى حد بعيد . ما زاد الطين بلّة هو انهيار نظام القطبين ، ودخول العالم في وضع جديد تتسم ملامحه بالهيمنة والسيطرة من دولة كبيرة ، هي الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت تضرب بالشرعية الدولية عرض الحائط ، وتضع التنظيم الدولي أمام أزمة ادة لايعرف كيف يخرج منها ، وهذه الأزمة تتمثل في هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على الأمم المتحدة وجعلها أداة طيعة في يدها لتحقيق مصالحها السياسية ، الاقتصادية والإستراتيجية .
إن أسباب هذه الأزمة التي يعيشها التنظيم الدولي- اليوم- ، وعاشها من قبل ليست بالجديدة ، لأن أصولها ترجع إلى بداية نشأة هذه التنظيم ، وذلك في مرحلة القانون الد ولي الاستعماري الذي طبعه بقواعد اللامشروعية ،وهي التي تتكرر- اليوم - من جديد متمثلة في الآتي :-
02تنظيم متناقض مع طبيعة أعضائه ( الأزمة العضوية )
إن المجتمع الدولي هو مجتمع إرادي ، والقانون الذي يحكمه هو قانون تنسيق ، فالعلاقات التي تتم بين أعضائه هي علاقات تعاون ، والقواعد الدولية التي تنشأ هي قواعد تعبر على الإرادة الحرة التي تنبع من السيادة، فالقاعدة الدولية من نشوئها مروراً بتطبيقها إلى تفسيرها إلى إنهائهار هي قاعدة إرادية . عكس ما هو عليه الحال بالنسبة للقانون الداخلي الذي هو قانون خضوع في أغلب مراحله . فلا يملك المواطن السلطة في مناقشة تطبيقة عليه بل إنه في كثير من الدول المواطن لا يشارك في وضع القانون . طبيعة القانون الدولي تفترض أن يكون تنظيمه الدولي منسجماً مع طبيعة أعضائه . إلا أن الأمر غير ذلك، فالقرار في هذا التنظيم احتكرته بعض الدول الكبرى ، ومؤسساته تدار على أساس الهيمنة والتمييز . احتكارحقّ النقض في مجلس الأمن - مثلاً - والعلاقات والخلافات بين أعضائه تدار عن طريق القوة والخضوع . والقواعد التي تنظمه تفرض على الدول . نحن إذا أمام قانون خضوع وليس قانون تنسيق ، وأمام تنظيم فوقي وليس إراديا . ومن هنا أتت أزمة التنظيم الدولي الرئيسة التي انعكست على مؤسساته الهيكلية والقانونية .
3 - تنظيم يحكم علاقته وتفاعلاته قانون غير عادل الأزمة المعيارية ).
عرفنا من خلال عرضنا لتطور النظام الدولي من أنه نشأ، لكي يجنب القارّة الأوروبية ويلات الحروب التي عانت منها الكثير، وقد وضع هذا النظام من أجل تحقيق الاستقرار للدول الأوروبية ، ونقل الحرب خارج أراضيها ، فأباحت الاستعمار بقوانين واتفاقيات استعمارية .
عكس هذا التنظيم قواعد العرف الدولي التي تجسد مصالح الدول الغربية وأهدافها ثم أضفت عليه الشرعية الد ولية فيما بعد بتوسيع دائرة المجتمع الدولي ، وذلك بانضمام دول عديدة من القارات الأخرى المستقلة حديثاً إلى هذا التنظيم .
وجدت هذه الدول الحديثة نفسها أمام تنظيم يكرس اللامساواة والاستغلال والاستبداد في تطبيق القانون الدولي ، فنادت بالثورة على هذه القواعد، وهذا التنظيم .
نظراً لسيطرة الدول الكبرى على مؤسسات هذا النظام فإن هذه الدول ، وإن كانت قد حقّقت نجاحات لا باس بها فإن شبح اللامساواة واللامشروعية لقواعد هذا التنظيم مازال ماثلا.
4 - تنظيم يحكمه توازن مصالح الدول القوية والمستعمرة كان بالأحرى لإيجاد أي توازن ، إن كان ضروريا أن يضم مجلس الأمن سواء في عصبةالأمم أو في إطار الأمم المتحدة دولاً من جميع القارات ، لكي لا يحدث خلل في حماية مصالح المجتمع الدولي . أو أن تكون قضايا الأمن الجماعي، وقضايا السلم والعدالة هي من اختصاص الجمعية العامة ،لا من اختصاص مجلس أمن هذه المنظمة إن فكرة الأمن الجماعي القائمة على نظام التوازن في السابق أو على حقّ النقض حاليّاً هي آلية غير عادلة ، ذلك أن الذي يؤخذ في الاعتبار- دائماً - هو مصالح الدول الكبرى . ساعد وجود توازن القطبين على استقرار نسبي في المجتمع الدولي، وعلى تطبيق نسبي للقانون الدولي ولكن بصورة غير متكافئة .هذا واضح في معالجة القضية الفلسطينية التي انحازت فيها أمريكيا - صاحبة حق النقض - بالكامل إلى (إسرائيل) على الرغم من اللامشروعية التي يمثلها هذا الكيان ... ما يدل على أن نظام الأمن الجماعي المقرر في وثيقة الأمم المتحدة هو نظام غير فاعل وغير شرعي ، إنه عندما انهار نظام القطبين ، أصبح الأمن الجماعي والشرعية الدولية في وضع غير قانوني وغير منسجم مع أهداف التنظيم الدولي ، فسيطرت أكبر الدول العظمى على النظام واستخدمته منفردة . ظهر هذا واضحا في معالجة مجلس الأمن لقضية لوكوربي)، وقضية العراق، وقضية محاربة الإرهاب .
فيما يتعلق بقضية لوكوربي ) ، لقد برهنت الإجراءات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضدّ الجماهيرية على استخدام المنظمة الدولية في تفسير القانون الدولي بما يتوافق ومصالحها . فقد تمّ تسييس القضية التي هي في الأصل قضية قانونية بحتة، واستخدام مجلس الأمن وحق النقض كأداةٍ لتحقيق سياسات هاتين الدولتين وأهدافهما أما فيما يتعلق بقضية العراق ، فإن الأمر كان أ كثر خطورة فعندما تصادمت مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مع نظام الأمن الجماعي ، ومع الشرعية الدولية ومع المجتمع الدولي ، ذهبت إلى الحرب متحدية إرادة الأمم المتحدة والقانون الدولي
أما فيما يتعلق بقضية الإرهاب فقد استخدمت الأمم المتحدة أداة لتحقيق مآرب أمريكا الاستراتيجية في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، ووظفت كل الآليات القانونية من خلال هذه المنظمة للسيطرة على العالم . لقد صار التنظيم الدولي تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تمارسها أمريكا بشركاتها المتعددة الجنسية وبأحلافها العسكرية وأساطيلها البحرية .
بالإضافة إلى تأزمة سياسياً ، فقد تأزم هذا التنظيم هيكياً ووظيفياً ، وتمثّل هذا التأزم في غياب الديمقراطية عن هذا التنظيم الذي أصبحت هيئاته يديرها من البيت الأبيض، وبواسطة الشركات الأمريكية العالمية وجماعات الضغط الصهيونية .
5 - تنظيم يُفتقر إلى الديمقراطية
إن ديمقرطة التنظيم الدولي قد أعلن صراحة في ميثاق الأمم المتحدة، وفي إعلاناتها المتعددة، حيث أكدت على الديمقراطية، وحماية الحريات العامة، والمشاركة والمساواة بين الشعوب . إن هذا التوجه لم يجد من هذه المنظمة ، أو من المنظمات التابعة لها ، أو المنظمات الاقتصادية الأخرى أيّ تطبيق . ذلك أن هذه المنظمة قد تبنت في ميثاقها ، وفي تطبيقاتها نظام التصويت غير المتكافئ .مجلس الأمن يعمل بآلية حق النقض الذي يعطي سلطة القرار للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، ولا يشرك بقية دول العالم من أجل حقهم في إصدار قرارات تتعلق بمستقبل البشرية وأمنها واستقرارها ،أضف إلى ذلك ، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم جميع أعضاء المجتمع الدولي قد سلبت منها سلطات كثيرة ، ولم يخول لها إلا إصدار توصيات غير ملزمة . كما أن طريقة التصويت تعتمد نظام الأغلبية في اتخاذ القرارات من أجل المسائل المهمة ، بالإضافة إلى ذلك فإن المنظمات الاقتصادية الدولية ،مثل: منظمة صندوق النقد الدولي المصرف الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة صندوق التنمية الزراعية الدولي قد اعتمدت في آلية صناعة القرار نظام التصويت غير المتوازن الذي يخضع عدد الأصوات الممنوحة للدولة إلى عدد الأسهم والإمكانيات الاقتصادية التي تملكها،كما أن عدد الأعضاء في المجلس التنفيذي ، أو الجمعية العمومية للمنظمة يخضع هو نفسه إلى ما تملكه الدولة من أنصبة مالية في صندوق المنظمة . إن الديمقراطية التي تُسيَّر النظام الدولي هي الديمقراطية النيابية التي لا تسمح للجماهير أن تشارك في صنع القرار الدولي عن طريق من تختارهم مباشرة أو من يكتسبون الشرعية الديموقراطية،وقد ظهر هذا واضحاً في منظمة العمل الدولي التي تعتمد نظام التمثيل النيابي من أرباب عمل وممثلي ، حكومات، وممثلي النقابات ،، والكفة الراجحة دائماً هي في صالح أرباب العمل وممثلي الحكومات الذين يمثلون تكتلا ضد النقابات . إن غياب الديمقراطية الحقيقية عن التنظيم الدولي جعل الدول العظمى تقرر نيابة عن غالبية الدول ما يزيد في تأزم التنظيم الدولي وعدم فاعليتة ، وتحقيق برامج التنمية والعدالة والأمن والسلام . إن تأزم التنظيم الدولي قد سبب للبشرية كوارث كبيرة ،وساهم في زيادة الفرقة بين الشعوب بدل أن يقرب يوم الخلاص للشعوب من ويلات الحروب والفقر والتخلف ، لذا فقد قامت عدة محاولات لإصلاح هذا التنظيم التي كان من بينها محاولات الجماهيرية العظمى وجهودها في إصلاح الأمم المتحدة .رؤية الجماهيرية العظمى ودورها في إصلاح الأمم المتحدة. منذ قيامها نبهت ثورة الفاتح رؤية الجماهيرية العظمى ، ودورها في إصلاح الأمم المتحدةإلى ما هو عليه الأمم المتحدة من حالة الّلاشرعية والّلامساواة بين الدول ، فطالبت بتعديل ميثاق الأمم المتحدة بما يتناسب مع العدالة والمساوة بين الدول .تركزت هذه المطالبة في ضرورة إحدات تغييرات في عمل نظام الأمم المتحدة ، وذلك بإلغاء حق النقض ، وبتعديل دور الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعطاء قراراتها طبيعة قانونية ملزمة .هذه المطالب بدأت منذ قيام ثورة الفاتح من سبتمبر، فنجدها على سبيل المثال في الرسالة التي بعث الأخ قائد الثورة بها سنة 1975 إلى رؤساء الدول أعضاء منظمة الأمم المتحدة بمناسبة إصدار الجمعية العامة قرار إدانة الصهيونية واعتبارها ظاهرة عنصرية .في كلمته ، في الدورة التاسعة لقمة عدم الانحياز المنعقدة في 05/09/1989مسيحي أكّد القائد قائلاً :-
( إن حق النقض أصبح شرّاً وليس خيراً وبدلا من أن يقوي مجلس الأمن الأمم المتحدة بدأ يضعف مجلس الأمن الأمم المتحدة ويتحول العالم كله إلى رأي دولة واحدة، وموقف دولة واحد صاحبة حق النقض، إذا ليس أمامنا إلا تعديل حق النقض ، يمكن أن تتمتع 15 دولة من أعضاء مجلس الأمن كلها بحق النفض ، وهذا لا يمس الخمس الكبار في مجلس الأمن ، الخمس الكبار يستمرون في التمتع بالعضوية الدائمة ، وبحق النقض ، ولكن إلى جانبهم عشرة دول تتمتع بهذا الحق لمدة سنتين وهذا يعطي فرصة لكل دول العالم أن تتمتع بهذا الحق لمدة سنتين ، وإن كل دول العالم ستمر على عضوية مجلس الأمن ثم لا بد من من إعطاء السلطة العليا حسب ميثاق الأمم المتحدة للجمعية العامة عندما يصبح استخدام أو عندما يصبح موقف مجلس الأمن مضراً بالسلام الدولي، عندئذ يجب أن تتدخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويجب أن تكون هي السلطة العليا وليس مجلس الأمن).
يستمر القائد قائلاً :
( لقد قدم وفد الجماهيرية في قمة عدم الانحياز الخامسة عام 1986 في مدينة (كولومبو) مشروع قرار يتعلق بحق النقض ، وصدر عن المؤتمر قرار احتوت ديباجته التأكيد على دعم ميثاق الأمم المتحدة ، والإعلان العالمي للحقوق الإنسان ، وإبداء حقّ تقرير المصير، إن المعطيات الراهنة تستوجب إعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة وإن مسؤولية السلم والأمن الدوليين تقع على جميع الأعضاء بالأمم المتحدة الجمعية العامة اعترفت بأن حق النقض عطل الأمم المتحدة كما أن حركة عدم الانحياز اعترفت في( كولومبو) بأن استعمال حق النقض عطّل استقلال الشعوب ، يعني أن كل المجموعة الدولية قرّرت هذا ، وبالتالي فإنه من الناحية القانونية الدولية الشرعية سقط حق النقض، ومنذ ذلك الوقت أصبح غير شرعي ، لأن القانون الدولي ما تصنعه شعوب الأرض ، وهذا هو القانون المقدس ). يستطرد القائد : ( إن محكمة العدل الدولية تحكم لمصلحة (نيكاراغوا)، ثم ترفض أميريكا الحكم ، معنى هذا أن المحكمة الدولية معطلة . يجب أن يعود إلى المحكمة - مجلس الأمن - الجمعية العامة والقانون الدولي والعرف الدولي اعتبارهم ، وذلك برفع الهيمنة والطغيان ، وأن تتساوى كل الأمم كبيرهم وصغيرها في الحقـــوق ). في هذا الإطار أصدرت المؤتمرات الشعبية مجموعة من القرارات تؤكد فيها على هذه القواعد الجديدة التي طالبت بها الجماهيرية ، وتوجهت إلى الأمم المتحدة تطالبها بضرورة اعتماد هذه التوجهات .
في دورة انعقادها لسنة 1982ف ، أوصت المؤتمرات الشعبية بأن تقوم الدول العربية والإفريقية ودول عدم الإنحياز بالعمل معاً من أجل إقناع الدول الأخرى المطالبة بتعديل الميثاق . تنفيذاً لذلك بعثت اللجنة الشعبية للاتصال الخارج والتعاون الدولي بالجماهيرية رسالة إلى مجلس الأمن ييطالبها فيها بتعديل الميثاق ، وبإصلاح نظام الأمم المتحدة ، وذلك لأن مساهمة كل الشعوب في المحافظة على السلم والأمن الدوليين لاتتأتى إلا في إعطاء الجمعية العامة صلاحيات واسعة من أجل حماية الأمن والسلم الدوليين . تقدمت الجماهيرية -أيضاً- بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يتضمن نقاطاً عملية لتحقيق المساواة بين الدول، وذلك كالآتي :ـ
1.يجب ألاَّ يلجأ إلى نظام الاجتماع في التصويب في حالة إصدار قرارات تتعلق بحق المصير، ويمنع الممارسات العنصرية والعدوان .
2.تحقيق الأمن الدولي هو مسؤولية جماعية ، وتهم كل أعضاء المجتمع الدولي تحت إطار الديمقراطية والمساواة .
3. ضرورة إعطاء قرارات الجمعية العامة صفة إلزامية .
كل هذه الجهود التي قامت بها الجماهيرية من أجل إصلاح الأمم المتحدة ، وتغيير هيكلية التنظيم الدولي أعطت ثمارها، وذلك أن هذه الحلول التي طرحتها الجماهيرية قد وجدت صداها في المحافل الدولية ، ووعت كل الدول أزمة التنظيم الدولي المتمثلة في الهيمنة والّلامساواة واللامشروعية ، وطالبت هذه الدول بتعديل الميثاق
جاء ذلك في البلاغات البيانات المشتركة التي وقعتها الجماهيرية مع كثير من الدول، واعتمدت الجماهيرية كثيراً من المنظمات والتجمعات الإقليمية والدولية في قراراتها وتواصياتها مطالب الجماهيرية في هذا المجال .
على سبيل المثال ، لقد نجحت الجماهيرية في إقناع منظمة الوحدة الإفريقية بأن تتبنى هذه المطالب فأصدرت قرارها في الدورة السابعة والعشرين لسنة 1986مسيحي مطالبة الأمم المتحدة بضرورة إلغاء حق النقض، كذلك هو ماأكد عليه قرار منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثامنة لسنة 1977مسيحي ، المنعقدة في الجماهيرية . وبدورها قامت منظمة عدم الانحياز بإصدار قرار في مؤتمرها الخامس و السادس يؤيد موقف الجماهيرية بضرورة إصلاح الأمم المتحدة .
أضف إلى ذلك ، فحتى على صعيد جمعية مجلس الأمن والجمعية العامة فإن بعض الدول قد تقدمت باقتراح يتعلق بتوسيع دائرة حق النقض بإدخال ألمانيا والبرازيل ونيجيريا والهند إلى جانب الدول الخمس التي لها حق النقض وذلك حتى تستطيع كل قارة أن تساهم في وضع القرار الدولي .
د. عبدالسلام الطيف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق