إن تدخل مجلس الأمن في حالة عدم توصل الأطراف إلى حل ، أو في حالة اتفاق الطرفين إلى رفع النزاع أمام مجلس الأمن أو رفعه من قبل طرف واحد أو من قبل دولة أخرى أو هيئة من هيئات الأمم المتحدة « الأمين العام » م «38+37» إن تدخله لايترتب عليه إلا إصدار توصية غير ملزمة للأطراف ، ومع ذلك يستطيع المجلس أن يصدرقراراً ملزماً« أي أنه مخير في ذلك» حسبما يراه مناسباً ، هذا التخيير مكن مجلس الأمن من أن يقيم سياسته على ازدواجية المعايير ، فإذ رأى أن الأمر يهدد مصالح الدول العظمى أو حلفاءها فإنه يلجأ إلى اتخاذ قرار ملزم ، أما إذا رأى غير ذلك فإنه يتخذ توصية ، إن المجلس بفعل الميثاق وبفعل السلطات الواسعة وغير المحددة وبفعل المصالح الأنانية كثيراً ما يلجأ إلى استغلال هذه الثغرات (13) ، هكذا انعكس على طبيعة القرارات التي يتخذها المجلس وإمكانية تفسيره لهذه القرارات ، فليس في الميثاق ما يحدد ما إذا كانت هذه القرارات هي القرارات التي تنتمي إلى الفصل السادس أو إلى الفصل السابع ، هذا الغموض يجعل شرعية هذه القرارات أمرا مطعوناً فيه ..
وهذه اللامشروعية تطال أيضاً القرارات الصادرة في إطار الفصل السابع (14)
الأمر الرابع : إن المجلس سلب من الجمعية العامة اختصاصها في حل النزاعات ودورها في حفظ السلام ، وهو ما سنبينه عند التعرض إلى دور الجمعية العامة (15):
الأمر الخامس إنه رغم كل ما ذكر في الميثاق من جعل عملية تسوية المنازعات عملية ثانوية وليست أساسية فإن المجلس لم يتقيد في تطبيقاته بكل هذه القواعد ، فمثلا فيما يتعلق باختيار الدول للطرق المناسبة لحل النزاع ، فإن المجلس قد أصدر عدداً من القرارات يلزم فيها الدول المتنازعة باللجوء إلى وسيلة معينة يحددها هو .
مثلاً في النزاع الأندونيسي الهولندي فإنه دعا الطرفين إلى قبول الوساطة ، أما في النزاع الألباني البريطاني فقد دعا المجلس الطرفين إلى رفع النزاع أمام محكمة العدل الدولية ، إنه بهذا يطبق المادة 36 ف « بدلاً من المادة 33». كذلك نلاحظ أن المجلس أصدر قرارات ملزمة تندرج في الفصل السادس مثل قراره رقم 1946/15 الخاص بإنشاء لجنة تحقيق لفحص النزاع في الحدود اليونانية ، كذلك إنشاء لجنة تحقيق بخصوص أحداث خليج (كورفو) قرار رقم "1949/19" هذه القرارات تم فيها استخدام حق الاعتراض مما حولها إلى قرارات ملزمة عكس ما عليه القرارات الأخرى ، فهي مجرد مسائل إجرائية تتخذ بالأغلبية ولا ترقى إلى أن تكون قرارات ملزمة. السؤال المطروح : هو لماذا جعل الميثاق سلطة تدخل مجلس الأمن في تسوية المنازعات بالطرق السلمية سلطة اختيارية ؟
هل بسبب تعزيز مبدأ سيادة الدول في حل المنازعات أم أن الدور الرئيس للمجلس هو التدخل القوي في حالة حفظ الأمن والسلم الدوليين ؟
في الحقيقة إن المجلس عد نفسه كسلطة قمعية وليس سلطة وقائية . الميثاق يؤكد على أن دور المنظمة الأساسى هو منع انفراط الأمن والسلم الدوليين ، ومنع كل ما من شأنه أن يؤدي إلى توتر العلاقات الدولية سواء في إطار الحرب أو في إطار السلم ، لكن المجلس وواضعي الميثاق اصروا على الصفة القمعية للمجلس ، وهو ما أكده الفصل السابع من الميثاق وما أكدته تطبيقات المجلس لهذا الميثاق ..
الإخفاق الثالث .. مشكلة الرقابة إن عملية مراقبة شرعية قرارات مجلس الأمن تكمن في الطبيعة الخاصة للرقابة في إطار التنظيم الدولي .
في الحقيقة إنه في إطار التنظيم الدولي هناك ما يسمى بالرقابة الذاتية ، إنها تختلف عن الرقابة في القانون الداخلي باعتبار أن المجتمع الدولي هو مجتمع تنسيق ، وقانونه قانون تنسيق فإن وجود جهة رقابية عليا هو من الأمر شبه المستحيل ، إنه لايمكن أن تمارس جهة ما على الدول رقابة على الالتزام بقواعد القانون الدولي إلا إذا قبلت هذه الدولة ذلك وتم إنشاء نظام يقوم على الاندماج ، وهنا فإن الأمم المتحدة وحتى وإن كان الفصل السابع يلزم الدول بالخضوع لقرارات مجلس الأمن فإن للدولة حق الاعتراض لأن المنظمة هي منظمة تعاون وليست منظمة اندماج. في منظمات الاندماج القرارات والقواعد والاتفاقيات مطبقة مباشرة في القانون الداخلي وذلك لسببين :
1- إن الدول اتجهت ارادتها للالتزام بذلك.
2- إن الدول أحالت تغيير نظامها الأساسي إلى جهة تعتبر قراراتها ملزمة ومطبقة مباشرة.
في نظام ميثاق الأمم المتحدة الدول التزمت فقط في إطار الرقابة الوظيفية ، أما الرقابة التنازعية فإن الدول لها الإرادة في أن تقوم بتفسير الميثاق والقرارات حسب سلطاتها ، السبب أن الميثاق جاء خالياً من إعطاء حق تفسير الميثاق والقرارات إلى أية جهة بحيث يكون تفسيرها ملزماً ، وبموجب القانون الدولي وقانون المعاهدات فإن الدول الأطراف في المعاهدة تحتفظ بحقها في تفسير الاتفاقية وما ينتج عن تطبيق هذه الاتفاقية ، حتى تفسير محكمة العدل الدولية لا يكون ملزماً إلا إذا قبلت الدولة الولاية الجبرية للمحكمة والمادة 95 تؤكد ذلك ، إذن هنا تكمن المشكلة.
ما يقوم به مجلس الأمن ليس تفسيراً للميثاق ، إنما هو تكييف للأوضاع « بمعنى أنه يمارس اختصاصاته» أما إذا كان هناك نزاع لأحد الأعضاء الخمسة مع دولة فإنما يصدر هو تفسير وليس تكييفا ، وهناك فرق بين التفسير والتكييف ، لقد خالف المجلس هذه القاعدة وهي قاعدة تساهم في تأزم التنظيم الدولي والتي تنبع من طبيعته ، إذن لا يمكن أن يكون هناك ضبط لشرعية قرارات مجلس الأمن إلا بتغيير الطبيعة الهيكلية للتنظيم الدولي .
أنواع الرقابة:-
رقابة يقوم بها مجلس الأمن على التزامات الدول الأعضاء وهي رقابة متأزمة.
ـ رقابة في إطار العلاقة بين أجهزة المنظمة ، هناك رقابة سابقة على أعمال المجلس تتمثل في التزامه بمجموعة من القواعد الموضوعية والإجرائية التي نص عليها الميثاق . لاتوجد رقابة سابقة تمارس من قبل الجمعية أو المحكمة ، هناك رقابة لاحقة تمارسها محكمة العدل الدولية،
أمثلة :
ـ قضية مصروفات المنظمة والمتعلقة بقضية قوات حفظ السلام ، أكدت المحكمة في رأيها الاستشاري أن قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط لا تعد من قبيل الأعمال القمعية التي يخص الميثاق مجلس الأمن بسلطة تقريرها ، ويضيف هذا الرأي الاستشاري بأن لو كان لهذه القوات هذا الوصف « أي عمل قمعي» لتعين اعتبار قرارات الجمعية العامة الصادرة بشأن تشكيل هذه القوات قرارات غير مشروعة « الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ، مجموعة أحكام المحكمة 1962، ص171. كذلك هو الحال بالنسبة لرأيها الاستشاري الخاص بقبول عضو جديد في المنظمة ، أكدت المحكمة ضرورة صدور توصية من مجلس الأمن لكي يصبح قرار الجمعية العامة في هذا المجال مشروعاً ، كما تتطلب المادة «2ر 4من الميثاق » إذن هناك رقابة لاحقة من المحكمة على أجهزة المنظمة
الإخفاق الرابع : الامتيازات المتعددة
لقد وضع الميثاق بطريقة تجعل مجلس الأمن الهيئة الأقوى والأكثر سيطرة على المنظمة رغم عدم وجود تبعية للهيئات لهذا المجلس ، إن هذه الهيمنة أكدها العدد الكثير من الامتيازات الممنوحة للمجلس ولأعضائه الدائمين .
الأمتياز الأول : العضوية الدائمة
إن أهم الامتيازات الممنوحة لأعضاء المجلس هي بالطبع العضوية الدائمة المحددة لبعض الدول المذكورة بالاسم .
إن معيار العضوية الدائمة في المجلس ليس معياراً موضوعياً وإنما هو معيار شخصي فالعضوية الدائمة مكفولة للدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية ، رغم ذلك فإن قوة بعض هذه الدول مثل فرنسا والصين أقل من قوة دول ليست لها حق العضوية الدائمة كالمانيا وايطاليا والبرازيل وإسبانيا .
إن معيار القوة لم يحدد في الميثاق ، إذن كيف تم تحديد ذلك ؟ هل هو معيار القوة النووية ؟، إن هذا لم يطبق بخصوص الهند وباكستان .
هل المعيار هو القوة الاقتصادية ؟إذا كان كذلك فإن هذا لم يطبق بحق اليابان وكندا إن النص بالاسم على الدول الأعضاء م"23" منع من دخول أعضاء جدد تكتسب نفس الأهمية في المجتمع الدولي إذن إن المعيار المعتمد هو قوة الدولة وحجم مسؤولياتها على المستوى الدولي، كأن هناك دولا تتبنى الدفاع عن المجتمع الدولي وأخرى لا تتبنى ذلك. أما فيما يتعلق بالدول الأعضاء غير الدائمة في مجلس الأمن فقد تم اعتماده وذلك لترضية بعض الدول التي أنكرت واحتجت على العضوية الدائمة لهؤلاء الخمس مثل كندا وهولندا والبرازيل ، لقد روعي في ذلك التوزيع الجغرافي وروعي انتخابهم لمدة سنتين. أما فيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي فقد كان في البداية سنة 1945 يتم على النحو الآتي :
مقعد لأوروبا الشرقية ، مقعد لأوروبا الغربية ، مقعد للشرق الأدنى ، مقعد لمجموعة الكومنولث البريطانية، واثنان لامريكا اللاتينية ، إذن لقد عكس التوزيع النظرة الاستعمارية للعالم ، أوروبا الشرقية تعني الدول التي تقع في نفوذ الاتحاد السوفيتي ، الشرق الأدنى يعني الدول الواقعة في نطاق الصين ، ثم الكومنولث البريطاني يعكس نفوذ بريطانيا ، لم يكن هناك تقسيم قاري وإنما إيديولوجي « انعكاس الأزمة المعيارية».
إن النص على الأعضاء الدائمين بالاسم ووضع عدد معين من الدول غير دائمي العضوية دل على أن واضعي الميثاق فضلوا استقرار هذا الوضع وعدم خضوعه لتغيير الأوضاع من صعود دول وهبوط دول أخرى ، كما أن تحديد الدول الأعضاء بالعدد لابنسبته إلى عدد أعضاء المنظمة المتزايد كشف عن إحكام المركزية وثبات وضع المجلس لصالح الدول الكبرى . أما تحديد مدة عضوية الدول غير دائمة العضوية بسنتين غير قابلتين للتجديد فإن ذلك لكي لاتبقى أية دولة أخرى تنافس الدول الخمس . إن تشكيل مجلس الأمن عكس إذا مركزية القواعد الدولية وتسييس هذه العضوية في مقابل انتهاك مبدأ المساواة بين الدول حسبما ينص عليها القانوني الدولي .
رغم هذا التشكيل الذي هدف إلى إنشاء جهاز فعال وسريع الحركة ، فإننا لاحظنا أن النتائج تأتي عكس ذلك ، فقد لوحظ تحركه بسرعة عندما يكون هناك تهديد لأمن الدول الكبرى أو لحلفائها مثل (إسرائيل) ، أما إذا تعلق الأمر بأعضاء آخرين غير مهمين فإن الأمر يختلف ، فلا يتحرك المجلس بالسرعة المطلوبة لحماية السلم والأمن الدوليين الامتياز الثاني .
إن المتفحص لنظام الوصايا الذي وضعه الميثاق يؤكد له أن الميثاق بدل أن يدين فترة الاستعمار البغيض فإنه كرس هذا الوضع وقننه ، وكأنه يعترف به.
إن المادة 76 من الميثاق رغم أنها تقر في فقرتها «ب» على أن هذا النظام (يهدف إلى ترقية أهالي الأقاليم المشمولة بالوصايا في أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم واطراد تقدمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال حسبما يلائم الظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه ويتفق مع رغبات الشعوب التي تعرب عنها بملء حريتها وطبقاً لما قد ينص عليه في شروط كل اتفاق من اتفاقات الوصايا) رغم ذلك فإننا نلاحظ أن واضعي الميثاق اسسوا نظاماً محكماً يخدم مصالح الدول الكبرى التي تستحوذ على مستعمرات وضعتها تحت الانتداب أو تحت الوصايا مما يسمح لها إبقاء قبضتهم عليها بصورة غير مباشرة وهو بالطبع مكسب اقتصادي لهذه الدول .
إن الذي دل على ذلك الآتي :ـ
الأول : إن الميثاق وضع نظاماً للوصايا على الأقاليم وليس على الكيانات الموجودة فيه ، كأنه بذلك يبرر وجود فراغ يجب أن تملأه هذه الدول المستعمرة .
الثاني: إنه فرق بين الأقاليم العادية والأقاليم الاستراتيجية ، فالأقاليم العادية توضع تحت وصاية الدول المستعمرة باتفاقات فردية ، أما الأقاليم الاستراتيجية فتوضع تحت وصاية مجلس الأمن ، ويباشر عليها جميع وظائف الأمم المتحدة ويوافق على شروط اتفاقات الوصايا وتغييرها وتعديلها .
إذن الهدف هو وضع يد الدول العظمى على المواقع الإستراييجية « الاقتصادية والمداخل والممرات البحرية المهمة» .
أما الأقاليم غير الإستراتيجية فهي من نصيب الجمعية العامة ، فهي التي تباشر عليها وظائف الأمم المتحدة .
الثالث: تكوين مجلس الوصايا يجعل من أعضاء مجلس الأمن الدائمين أعضاء أساسيين في المجلس وذلك في حالتين :
ـ الأعضاء الذين لهم مستعمرات ويمارسون الوصايا على أقاليم . - الأعضاء الذين ليس لهم مستعمرات يعتبرون أعضاء في المجلس . إن جعل المجلس يتكون من فريقين متساويين ، فريق يمثل الأعضاء الذين يقومون بإدارة الأقاليم المشمولة بالوصايا ومن بينهم بعض الدول الخمس » والفريق الآخر أعضاء لايقومون بإدارة الأقاليم المذكورة ، هؤلاء ينتخبون من الجمعية العامة ، أما الأعضاء الدائمون والذين لايديرون أقاليم تحت الوصايا فإنهم لا ينتخبون ولكنهم أعضاء في المجلس بفعل عضويتهم في مجلس الأمن. النتيجة : الدول المستعمرة لا تنتخب مهما كان وضعها ، عضو في مجلس الأمن أو غير عضو ، وهو تكريس للاستعمار ، لقد اكتسبوا حق العضوية في المجلس بفعل احتلالهم لهذه الأقاليم وهو انعكاس واضح للأزمة المعيارية على الميثاق . الامتياز الثالث : اختصاصه بانتخاب الأمين العام للمنظمة وقبول عضو جديد في المنظمة أو فصله بناء على توصية يقدمها إلى الجمعية العامة التي تصدر فيهم قرارا بأغلبية الثلثين. إن هذه الاختصاصات التي يمارسها المجلس بالاشتراك مع الجمعية عن طريق التوصية السلبية أو الإيجابية تؤكد هيمنة المجلس على المنظمة. إن الدليل على هذه الهيمنة أن المجلس إذا أصدر توصية سلبية فإن قرارالجمعية يعتبر ملغى، وهذا ما أكدت عليه محكمة العدل الدولية سنة 1950 في رأيها الاستشاري الذي يتعلق بانضمام دولة جديدة إلى المنظمة . كذلك فإن مجلس الأمن يمارس سلطة في اختيار قضاة محكمة العدل بالاشتراك مع الجمعية العامة. إنه بهذا الاختصاص فهو بالإضافة إلى سيطرته على الجمعية العامة يضع يده أيضاً على النظام القضائي الدولي ، وذلك في إطار ثلاث آليات بالإضافة إلى ما سبق ذكره .
بقلم د. عبد السلام اللطيف عماره
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق