يُعرّفُ البحث النوعي عموماً على أنه الدراسة التي يمكن القيام بها أو إجراءها في السياق او الموقف الطبيعي، حيث يقوم الباحث بجمع البيانات، أو الكلمات، أو الصور،ثم يحللها بطريقة استقرائية مع التركيز على المعاني التي يذكرها المشاركون، وتصف العملية بلغة مقنعة ومعبرة. ويعرّف كريسويل (1998) البحث النوعي بأنه:
"عمليةُ تحقيق للفهم، مستندة على التقاليد المُتميّزة لمنهج البحث العلمي التي تقوم بالكشف عن مشكلة اجتماعية أو إنسانية. ويقوم الباحث ببناء صورة معقدة وشمولية ويُحلّلُ الكلمات، ويضع تقريرا يفصّل فيه وجهات نظر المرشدين ثميقوم بإجراء الدراسة في الموقف الطبيعي."
ويجبُ أن لاينظر إلى البحث النوعي على أنه بديل سهل للبحث "الإحصائي" أو الكمّي، فهو يتطلبُ التزاما واسعا بالوقت في مجال الدراسة، والمشاركة في شكل من أشكال البحث الاجتماعي والإنساني والعلمي الذي لايمتلك أدلة ثابتة أو إجراءات محددة.
وذكرهوفتل (1997) نقلا عن كامبل (1996) ووستروس وكورين (1990) أن هناك عدد من النقاطيجب أخذها في الحسبان ومراعاتها عند تبني مثل هذا النوع من مناهج البحث، ومن أهم هذه النقاط:
1- أن طرق البحث النوعي يمكن استخدامها لزيادة فهمنا لأي ظاهرة أو مشكلة لا نعرف عنها إلا النزر اليسير.
2- يمكن أيضا استخدامه للحصول على وجهات نظر وآراء مختلفة لأشياء نعرف عنها الكثير أو للحصول على معلومات معمقة من الصعب التعبير عنها بطريقة كمية أو إحصائية
ويهتم هذا النوع من البحوث بوضع شرح مفصل عن تفسير وشرح واضح للظاهرات الاجتماعية. فهو يساعدنا على فهم العالم الذي نعيش فيه، ولماذا كانت الأشياء كما هي عليه ؟، فاهتمامه يتركز على الجوانب الاجتماعية في عالمنا ويسعى للإجابة على الأسئلة حول الموضوعات التالية(Hancock 1998):
- لماذا يتصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها؟
- كيف تتشكل الآراء والاتجاهات عند الناس؟
- كيف يتأثر الناس بالأحداث والأشياء من حولهم؟
- كيف ولماذا تطورت الثقافات بالطريقة التي تطورتبها؟
- الفروق بين المجموعات الاجتماعية.
فالمنهج النوعي يهتم بالبحث في الإجابة عن الأسئلة التي تبدأ بـ: لماذا؟ وكيف؟ وبأي طريقة؟ بينماالمنهج الكمي يهتم بصورة أكبر بالأسئلة حول: كم الثمن؟ كم العدد؟ كم في الغالب؟ وإلى أي مدى؟ فهناك فروق جوهرية بين المنهجيين تتلخص في النقاط التالية:
· المنهج النوعي يهتم بالآراء، ووجهات النظر، والتجارب والخبرات الإنسانية، وأحاسيس وشعور الأفراد، فهو يقدم لنا بيانات ذاتية وليست موضوعية.
· المنهج النوعي يصف لنا الظاهرة الاجتماعية كما تحدث طبيعيا: فليس هناك محاولة للتأثير واستغلالا لوضع تحت الدراسة كما هو الحال في المنهج التجريبي الكمي.
· في المنهج النوعي يتم فهم الوضع من خلال المنظور الكلي والشامل للموضوع، بينما يعتمد المنهجالكمي على تحديد عدد من المتغيرات.
· في المنهج النوعي يتم استخدام البيانات والمعلومات لبناء وتطوير مفاهيم ونظريات تساعدنا على فهم العالم الاجتماعي، فهوأسلوب استقرائي للبناء وتطوير النظريات، بينما المنهج الكمي يقوم باختيار نظريات موجودة وتم اقتراحها، فهو أسلوب استنباطي.
· يتم جمع البيانات والمعلومات في المنهج النوعي من خلال مواجهة مباشرة مع الأفراد والمجموعات ومن خلال المقابلات الفردية أو الجماعية أو الملاحظات، فجمع المعلومات يستهلك وقتا طويلا.
· طبيعة جمع البيانات والمعلومات في المنهج النوعي والوقت الطويل الذي تستغرقه تتطلب منا أن نستخدم عينات صغيرة.
· في المنهج النوعي نستخدم تقنيات مختلفة عنداختيار العينات، فالعينة سعيٌ للحصول على المعلومات من مجموعات محددة أو مجموعات فرعية من مجتمع الدراسة، بينما في المنهج الكمي تسعى العينات لعرض نتائج ممثلة من خلال الاختيار العشوائي للموضوعات.
· المعايير المستخدمة في المنهج النوعي للتحقق من الصدق والثبات تختلف عن تلك المعايير المستخدمة في المنهج الكمي.
· أن استعراض كثير من نصوص الكتب توحي لنا بسمات ومصطلحات متعددة ومختلفة تستخدم لوصف كلا المنهجين
البحث النوعي
البحث النوعي منهج واسع ومعقد ويحتاج إلى عدد من الكتب لتغطيته . الغرض من هذا الفصل هو تعريف القارئ بالبحث النوعي وطرقه ومناهجه وبياناته .
الاتجاه النوعي هو طريقة تفكير عامة لإجراء البحوث النوعية . وهو يصف لنا الهدف من البحث النوعي ، دور الباحث ، مراحل البحث وطرق تحليل البيانات .
فيما يلي نستعرض أربعة أنواع أساسية من الاتجاهات النوعية [1] .
1 - الاثنوغرافيا :
تطور الاتجاه الاثنوغرافي للبحوث النوعية ضمن علم الانثروبولوجيا . والتركيز في الاثنوغرافيا يكون على دراسة ثقافة بكاملها، مفهوم الثقافة كان يرتبط بمفاهيم عرقية وجغرافية لكنه توسع أخيراً ليشمل كل جماعة أو منظمة . وعلى ذلك يمكننا أن ندرس ثقافة قطاع الأعمال أو مجموعة معينة مثل الاندية الرياضية .
الاثنوغرافيا مجال عريض يوجد به العديد من المتخصصين والمناهج . إلا أن أكثر الاتجاهات الاثنوغرافية شهرة هو الملاحظة بالمشاركة كجزء من البحوث الميدانية . ينغمس الاثنوغرافي في الثقافة كمشارك نشط ثم يسجل ملاحظات ميدانية مكثفة . وليس للاثنوغرافي حدود لما يجب ملاحظته او نقطة نهاية لعمله .
2 - الظاهراتية :
تعتبر الظاهراتية أحياناً اتجاهاً فلسفياً كما أنها منهجاً نوعياً . وللظاهراتية تاريخ طويل في العديد من فروع البحث الاجتماعي مثل علم النفس ، علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية . الظاهراتية مدرسة فكرية تركز الانتباه على التجارب الذاتية للبشر وتصوراتهم عن العالم، وذلك أن الظاهراتي يود أن يفهم كيف يبدو العالم للآخرين .
3 - البحث الميداني :
البحث الميداني يمكن أن يعتبر اتجاهاً ضمن البحث النوعي أو طريقة لجمع بيانات نوعية . والفكرة الأساسية هي أن الباحث يذهب إلى الميدان لملاحظة الظاهرة في حالتها الطبيعية . ثم يقوم بتدوين بيانات كثيفة ترَّمز وتحلَّل في طرق مختلفة .
4 - النظرية التجذيرية :
النظرية التحذيرية اتجاه نوعي طوره كل من قلاسر وستراوس في الستينيات من القرن الماضي. الهدف المحدد لهذه النظرية هو تطوير نظرية عن الظاهرة موضوع الدراسة . لكنه ليست تنظيراً مجرداً وإنما يجب تجذر النظرية في الملاحظة ومن هنا جاء الاسم . النظرية التجذيرية عملية تكرارية معقدة حيث يبدأ الباحث بإثارة الأسئلة التي تقود إلى أخرى وهذه الأسئلة يجب ألا تكون جامدة أو قاصرة . وعندما يبدأ الباحث في جمع البيانات يبدأ تحديد المفاهيم النظرية الأساسية، ثم تطور ارتباطات مبدئية بين المفاهيم النظرية والبيانات . هذه المرحلة الأولية من البحث تكون مفتوحة جداً وقد تستغرق شهوراً . لاحقاً ينشغل الباحث بالتمحيص والتلخيص، ثم تتجه جهوده نحو مفهوم مركزي يخلص في نهايته إلى توضيح مدروس بعناية كافية للظاهرة موضوع الدراسة .
البيانات النوعية :
تتباين البيانات النوعية في طبيعتها، وتشمل كل أنواع البيانات غير العددية . و فيما يلي أهم أنواعها :
1 - المقابلات العميقة :
تشمل المقابلات العميقة الأفراد والجماعات . ويمكننا تدوين البيانات بطرق مختلفة مثل الاختزال ، تسجيلات الصوت ، أشرطة الفيديو والمذكرات المكتوبة . وتختلف المقابلات العميقة عن الملاحظة في طبيعتها ونوع التفاعل، ففي المقابلات هنالك شخص واحد يسأل وعدد من الذين تتم مقابلتهم . والهدف من هذا النوع من المقابلات هو سبر آراء الذين تتم مقابلتهم حول الظاهرة موضوع الاهتمام .
2 - الملاحظة المباشرة :
لدينا فهماً عريضاً جداً للملاحظة المباشرة هنا . فهى تختلف عن المقابلة لأن الملاحظ لا يسال المستجيب مباشرة . إنها الملاحظة يمكن أن تشمل كل شيء من البحث الميداني والإقامة لفترة من الزمن في مجتمع آخر إلى الصورة الفوتوغرافية التي توضح بعض جوانب الظاهرة كما أن البيانات يمكن أن تدون بعدة طرق كما في حالة تدوين بيانات المقابلة .
3 - الوثائق المكتوبة :
نعنى بالوثائق المكتوبة عادة الوثائق الموجودة أصلاً وليست تلك التي يكتبها الباحث، وهذه تشمل الصحف ، المجلات ، الكتب ، مواقع الإنترنت ، المذكرات وما إلى ذلك. ويتم تحليل الوثائق المكتوبة بطريقة دراسة المحتوى .
طرق البحث النوعي :
هنالك العديد من الطرق المستخدمة في البحوث النوعية ولا يحد عدد ونوعية الطرق المستخدمة في بحث ما إلا خيال الباحث نفسه . فيما يلي نستعرض بعض أكثر الطرق استخداماً .
1 - الملاحظة بالمشاركة :
الملاحظة بالمشاركة واحدة من أشهر طرق جمع البيانات النوعية، كما أنها أكثر الطرق استهلاكاً للوقت والجهد . فهى تتطلب أن يصبح الباحث مشاركاً في الثقافة أو الإطار الذي يلاحظه. وتتطلب الملاحظة بالمشاركة شهوراً وسنوات من العمل المكثف لأن الباحث يحتاج إلى أن يكون جزءاً طبيعياً من الثقافة حتى يضمن أن تكون ملاحظاته طبيعية .
2 - الملاحظة المباشرة :
تختلف الملاحظة المباشرة عن الملاحظة بالمشاركة في عدة جوانب . أولاً الملاحظ المباشر لا يحاول أن يكون جزءاً مشاركاً في إطار البحث . ويجاهد الملاحظ المباشر من أجل أن يكون غير فضولي حتى لا ينحاز في ملاحظاته . ثانياً ، الملاحظة المباشرة تشير إلى اتجاه انفصالي . الباحث يلاحظ ولا يشارك، ونتيجة لذلك يمكن استخدام مختلف أنواع التقنيات لتدوين الملاحظات. ثالثاً ، الملاحظة المباشرة تكون عادة أكثر تركيزاً من الملاحظة بالمشاركة . الباحث يلاحظ مواقف أو أناساً محددين ولا يغرق في كل الإطار . أخيراً الملاحظة المباشرة لا تستغرق وقتاً طويلاً مثل الملاحظة بالمشاركة فقد تلاحظ مباشرة موقفاً يستمر عدة دقائق فقط .
3 - المقابلة غير المعدة :
تقتضي المقابلة غير المعدة التفاعل المباشر بين الباحث والمبحوثين . وتختلف عن المقابلة المعدة في عدة جوانب . أولاً على الرغم من أن الباحث قد يكون لديه بعض الأسئلة الدالة أو المفاهيم المعينة ليسال عنها نجده لايحمل أسئلة مكتوبة مسبقاً . ثانياً المقابل حر في قيادة المحادثة في الاتجاه الذي يريده . لكن من سلبيات هذه الطريقة ، أن الأسئلة غير محددة والإجابات تكون كذلك فمن الصعوبة تحليل البيانات التي تجمع عن طريق المقابلة غير المعدة .
4 - دراسة الحالة :
دراسة الحالة هي دراسة مكثفة لافراد أو مواقف معينة .إذ ليست هناك طريقة واحدة لإجراء دراسة الحالة ويمكن استخدام حزمة من وسائل جمع البيانات كالتي سبق ذكرها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق