د.صبري محمد خليل/ استاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم
بداية يجب التمييز بين أمريكا كشعب،وأمريكا كنظام امبريالى اى كقائده للنظام الراسمالى الذي نشا في أوربا و أصبحت أمريكا قائدته في مرحله لاحقه، و امتد إلى كل أطراف الأرض، فارضا إرادته على اراده الشعوب والأمم بالسيطرة العسكرية و والاقتصادية والثقافية.
فقد مضت فترة من الزمان كان الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية حليفان موضوعيا في قهر الشعوب. غير أن تنافسهما على الاستبداد بالأمم والشعوب والدول كان يتيح للمستضعفين الذين هم كل البشر ثغرة لكسب قدر من الحرية في مقابل أن يكونوا تابعين لأحدهما. ولقد استفادت دول كثيرة من التناقض بين الدولتين العظميين إلى أن انسحب الاتحاد السوفيتي من حلبة المنافسة، فشل الذراع الأيسر لقهر الأمم والشعوب.
فلما شل الذراع الأيسر ضعف الذراع الأيمن الولايات المتحدة الأمريكية ومؤشرات ذلك:
المشكلة القومية : أمريكا ليست دولة قومية، بل دولة متعددة الاثنيات. فكل نفر من سكانها ينتمي إلى أمة أو شعب خارجها. فهي معرضه دائما إلى خطر التمزق كدولة إلى عدد من دول كل منها قومية، و قد قامت على أساس أن يتولى البيض الأنجلو سكسون البروتستانت (الواسب) صهر بقية القوميات فيهم لغة و حضارة و مصيرا. ولكن هذا الأساس لقي معارضه متكررة من هذه الجماعات الاثنيه، فظهرت حركه الحقوق المدنية التي يعد مارتن لوثر كنج المغتال احد ابرز زعمائها، كما قامت عام 1968 ثورة أسميت "الزهرة الطفلة" ، و اضطرت الدولة الفيدرالية الى التراجع الجزئي برد حق كل جماعة اثنية في أن تتكلم لغتها القومية، و تستعملها في مدارسها، و في كنائسها، و أن تكون لها صحفها، و أعيادها، و مجتمعاتها، و أزيائها.
وعلى هذا المستوى ظهرت أول مؤشرات ضعف الولايات المتحدة الامريكيه كذراع ايمن لقهر الأمم والشعوب باندلاع العنف بين القوميات في الولايات المتحدة الأمريكية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي مباشره،ذلك العنف الذي قاده السود و البيض وأبناء الشوارع و أباطرة الجريمة المنظمة...
وجاء فوز اوباما في انتخابات الرئاسة الامريكيه ليصبح أول رئيس للولايات المتحدة الامريكيه من أصول افريقية اى من خارج اثنيه الواسب( البيض الأنجلو سكسون البروتستانت) وان سبقه جون كيندي المغتال والذي كان كاثوليكيا. ففوزه من جهة هو انتصار رمزى للجماعة الاثنيه الافريقيه والجماعات الاثنيه الأخرى المقهورة ودليل على ضعف قبضه الواسب على المجتمع الامريكى دون أن يعنى زوال سيطرتها على هذا المجتمع تماما. ومن جهة أخرى هو مؤشر أخر لضعف الولايات المتحدة لذراع ايمن لقهر الشعوب على المستوى الاجتماعي.
الإرهاب الحرب العالمية الثالثة: كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي التي بدأت وأعلنت الحرب العالمية الثالثة ممثله في يمكن تسميته بحرب الإرهاب عام 1984. ففي هذا العام اصدرالرئيس الامريكى رونالد ريجان تعليمات بشن غارات انتقامية ضد الجماعات الإرهابية في خارج الولايات المتحدة الأمريكية وتوجيه ضربات وقائية إليها باستخدام القوة قبل أن تقع أية أحداث. وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر رد فعل على هذه السياسة .وجاءت سياسة بوش في الحرب الاستباقيه استمرارا لهذه الحرب. غير أنه في هذه الحرب كانت الولايات المتحد ه هي الخاسر الأول لأنها عاجزة فيها عن استخدام أسلحتها المتطورة وفى ذات الوقت تتيح لخصمها امكانيه الانتصار باستخدام أبسط أدوات التدمير. وجاء إنهاك القوه العسكرية والامنيه لأمريكا في حرب الإرهاب مؤشر أخر على ضعف الولايات المتحده كذراع ايمن لقهر الشعوب على المستوى العسكري والامنى.
الازمه الاقتصادية: ترجع جذور الازمه المالية العالمية الاخيره إلى صميم النظام الاقتصادي الرأسمالي المستند إلى الليبرالية كمنهج والقائلة بان مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة،اى النظام الاقتصادي القائم على عدم تدخل الدولة كممثل للمجتمع ،وهو ما اثبت واقع المجتمعات الاوربيه ذاته خطاه ،إذ قبل أن ينتهي القرن التاسع عشر حتى كانت ضرورة تدخل الدولة مسلمه في كل المجتمعات الاوربيه، وان اختلفت في مدى هذا التدخل. إلا انه بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من حلبه المنافسة العالمية ظهرت الدعوات التي تشكك في ضرورة تدخل الدولة وهذه الدعوات شكلت الأساس الايدولوجى للازمه الاقتصادية الاخيره. ولتصبح الازمه الاقتصادية الاخيره مؤشر آخر على ضعف الولايات المتحده كذراع ايمن لقهر الشعوب على المستوى الاقتصادي.
أما التعطيل النهائي لقدره هذا الذراع على قهر الشعوب فمرهون بسعي هذه الشعوب إلى استرداد حريتها، وإلغاء القهر الممارس عليها، بالتدريج، وحسب الإمكانيات المتاحة لها، وبمزيد من التضامن بين هذه الشعوب،.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق