محمد أحمد الزعبي
2008 / 12 / 17
مدخل :
يتفق غالبية علماء الإجتماع على أن هذا العلم ما يزال في طور التكون والنمو ، وأنه رغم تجاوزه القرن من الزمان ما يزال لم يأخذ صورته النهائية بعد .
فحسب روبرت ميرتون فإنه " يوجد في الولايات المتحدة خمسة آلاف عالم اجتماع، وإن لكل منهم علم الإجتماع الخاص به " (1 / 64)[ يشير الرقم الأول على طول هذه الدراسة إلى المرجع بينما يشير الثاني إلى رقم الصفحة في ذلك المرجع ] وبنفس الإتجاه يقول ريمون آرون" يتميز علم الاجتماع في الواقع بالبحث الدائم عن نفسه ، ويتفق علماء الاجتماع كلهم ربما ، على نقطة واحدة فقط ،هي صعوبة تحديد علم الإجتماع " (2 / 9) ويقرأ المرؤ في كتاب " مبادئ السوسيولوجيا الماركسية ـ اللينينية لـ ج. أسمان ور. شتللبرغ ، أن "النقاش حول موضوع السوسيولوجيا الماركسية ـ اللينينية لم ينته بعد "(2/ 12 ) ، وفي كتابه مبادئ علم الإجتماع يقرر هنري مندراس أنه " مازال هناك حتى اليوم عدد من الناس يحكم على أن تدريس علم الإجتماع هو أمر سابق لأوانه، علم هو موضع جدل ، علم في طريق التكوين( 4 /7)
إن ماتشير إليه هذه المقتبسات ، وما نرغب أن نشير إليه نحن أيضا هو أن علم الإجتماع يعاني من عدد من الإشكالات النظرية والتطبيقية والمنهجية التي ينبغي التوقف عندها وإلقاء الضوء عليها ، انطلاقا من أن تشخيص المرض تشخيصا علميا دقيقا إنما يمثل الشرط المسبق لأي علاج سليم ، وهوما تهدف إليه هذه المحاولة المتواضعة والمختصرة.
1. إشكالية التسمية :
بداية ينبغي الإشارة إلى أن الترجمة العربية الدارجة والمعتمدة لمصطلح Soziologie ( علم إجتماع ) إنما تنطوي على نوع من الإلتباس المفاهيمي واللغوي ، وهو التباس ناجم من جهة عن طبيعة الظواهر الإجتماعية نفسها من حيث انطواؤها في آن واحد على بعدين اثنين : بعد عام يشير إلى مفهوم " إجتماعي " بالمعنى الواسع الذي يشمل البعد السياسي والثقافي والإقتصادي والإجتماعي ، وبعد خاص (سوسيولوجي ) يشيرإلى المضمون الضيق للمفهوم الذي ينحصر في العلاقات الإجتماعية بين الأفراد والمجموعات والجماعات بكل مسبباتها ونتائجها ، ومن جهة ثانية فإن تعبير علم الإجتماع إنما يمثل المفرد الذي جمعه العلوم الإجتماعية ، الأمر الذي معه يمكن أن يطلق إسم علم اجتماع على كل من علم التاريخ ، وعلم السياسة ، وعلم الإقتصاد ...الخ . ولكي نتجاوز هذا الإلتباس اللغوي ، والذي هو موجود أيضا في اللغة الألمانية بين مفهوم علم الإجتماع ( المفرد ) Gesellschaftswissenschaft ومفهوم العلوم الإجتماعية Gesellschaftswissenschaften ( الجمع )، فإننا نقترح إما أن يتم استخدام المصطلح الأجنبي سوسيولوجيا بحيث يشير إلى اسم العلم ( بكسر العين ) ومضمونه المحدد في آن واحد ، وبحيث يصبح بمقدورنا أن نستخدم مصطلح " ظاهرة سوسيولوجية " ( على غرار قولنا ظاهرة بسيكولوجية وظاهرة بيولوجية ) لنشير به إلى الجانب الإجتماعي الخاص الذي يميزه عن الجانب الإجتماعي العام ، وذلك في إطار العلاقة الجدلية بين العام ( العلوم الإجتماعية ) والخاص ( السوسيولوجيا )، وإما أن يستخدم المصطلح الخلدوني المعروف بـ علم العمران . هذا مع العلم أن الكاتب سوف يستخدم في هذه الدراسة المصطلحات الثلاثة الدارجة دونما تمييز .
2. إشكالية " العلمية " في دراسة الظواهر الإجتماعية :
ينطوي مفهوم العلم على معنى مزدوج ، فهو يشير من جهة إلى المفاهيم والمقولات والقوانين والنظريات التي تعكس الترابطات الضرورية والجوهرية والثابتة ( نسبيا ) في / أو بين عناصر الواقع المختلفة ( الطبيعة ، المجتمع ، الفكر ) ، ويشير من جهة أخرى إلى مجموعة القواعد المنهجية التي انتهجها الفكر في التوصل إلى هذه النتيجة ( المعرفة العلمية ) . وكما هو باد للعيان فإن كلا من موضوع العلم ، ومنهج العلم ، هما وجهان متكاملان لعملة واحدة ، وبالتالي فإن أي خلل أو عيب في أحدهما , لابد أن يجد انعكاسه في الوجه الآخر.
إنه على الرغم من أن الموضوع الذي نحن بصدده يتعلق بالعلم ، فإن الخلاف حوله قائم ، ولا سيما في مجال العلوم الإجتماعية . فالإختلافات في الرؤى كما يقول أوسكار لانجة "طبيعية تماما في تطور العلم ، ذلك أنها تنبثق عن الطبيعة الجدلية للمعرفة ، حيث يتكون الفكر الإنساني من خلال التعارض بين نتائج المشاهدات والتجارب الجديدة ، والأفكار والنظريات العلمية القائمة من قبل ... بيد أن هذه العملية الجدلية لاتسير بيسر ، إذ يختلف نطاق الحقائق المكتشفة ، وليس من اليسير تقييم أهميتها بادئ الأمر ، فقد يبقى التمسك بالأفكار والنظريات القديمة على درجات متفاوتة من العناد ، وهذا كله يؤدي إلى آراء وتفاسير مختلفة في العلم ."( 5 / 287 ـ 288) . ومن جهته، فإن جان بياجه يرى أن الميل الطبيعي للفكر " هو حدس الواقع وليس التجريب "( 6 / 88) الأمر الذي ترتب عليه ، أن الفكر عادة مايجنح إلى المسارات الأسهل والأقل مقاومة ، والوقوع بالتالي في مطبات التضخيم والتغليب والتوفيقية ، والتبرير ، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى اختلاف في النظرة العلمية ذاتها إلى هذا الواقع .
ومن بين العوامل التي تبرر الاختلاف في العلم أيضا هو، أن الإنسان وهو يكتشف ويغير واقعه ، يكتشف ويغير نفسه أيضا ، أي أن وعيه الفردي سوف يكون ويظل محكوما بالواقع الاجتماعي ، وبالتالي بالوعي الاجتماعي ، ولما كان كل من الواقع الإجتماعي والوعي الإجتماعي يتغيران زمانا ومكانا ، فإن العملية المعرفية برمتها ، بما في ذلك المعرفة العلمية (العلم ) سوف تكون وتظل بدورها محكومة بالنسبية الزمانية والمكانية وإلى ما لا نهاية .
ومن جهة أخرى فإن قصور أدواتنا المعرفية المتاحة ، البيولوجية منها والتكنولوجية قد جعل ويجعل على الدوام جزءا من الواقع (الظاهرة الطبيعية أو الإجتماعية ) بعيدا عن متناول اليد ، بل والعقل أيضا ، وهو ما سمح للفيلسوف الألماني عمانويل كانت ( ت1804) بتقسيم الواقع إلى قسمين : القسم الممكن معرفته Ding für sich والقسم غير الممكن الوصول إليه وبالتالي معرفته Ding an sich ورأى بالتالي ضرورة أن ينحصر الجهد المعرفي في القسم الممكن معرفته (27 / 449 ــ 459). ولقد كانت هذه الفتوى الكانتية منطلق المذهب الوضعي في العلوم الإجتماعية ( سان سيمون ، أوغست كونت ، دوركهايم ...الخ ) ، ولكن أيضا منطلق فتح الأبواب المغلقة بين المعلوم والمجهول ، حيث بات الاختلاف حول العلم ( الطبيعي منه والإجتماعي ) أمرا مشروعا، طالما أن العلم وما ندعوه حقائق علمية لاتزيد عن كونها مخاطرات ومجازفات تدور في فلك الأمور النسبية القابلة للتعديل والتبديل مع كل اكتشاف جديد ، ومع كل خطوة معرفية نحو الأمام . ولهذا السبب يجب ألاّ يتملكنا الخوف عند مشاهدتنا لفروضنا ونظرياتنا العلمية وهي تقضي نحبها في ساحة الشرف ، كما يستشهد الجندي في سبيل وطنه. ( أنظر : 59 / 97 ــ 114 )
إن الإنتقال من معلوم محدود إلى معلوم جديد أوسع ، إنما يعني عمليا توسيع المعرفة الكانتية المتاحة( Ding für sich ) على حساب المعرفة غير المتاحة (Ding an sich ) بعد أن حولتها الإكتشافات العلمية الجديدة إلى معرفة متاحة وممكنة . ويقول إنجلز في هذا الصدد " لقد ظلت المواد الكيميائية التي تستخرج من العضويات النباتية والحيوانية ك ( أشياء في ذاتها ) إلى أن أخذت الكيمياء العضوية بتحضيرها وإنتاجها الواحدة تلو الأخرى ، وبذلك أصبح ( الشيء في ذاته ) شيئا لنا .( 51 / 51 )
ونحن نتفق هنا مع المنظور الإبستمولوجي لجان بياجه في أنه لايمكن الأخذ بأي تمييز جوهري بين مايدعى في كثير من الأحيان بـ "العلوم الإجتماعية" و" العلوم الإنسانية" ، ذلك لأن الظواهر الإجتماعية تتوقف على صفات الإنسان كلها ، بما في ذلك العمليات السيكو ـ فيزيولوجية ، وبالمقابل ، فإن العلوم الإنسانية هي اجتماعية بكل مظهر من مظاهرها . ويؤكد بياجة أن العلماء باتوا ينزعون إلى رفض فكرة إقامة التعارض بين ماهو فطري وما هو مكتسب في الإنسان ، حيث تتألف الفطرية في جوهرها من إمكانات العمل ، وتخلو بالتالي من البنيات الجاهزة تماما ، وهذا خلاف لحالة الغرائز التي يكون جزء هام منها مبرمجا وراثيا . وأكثر من هذا فإن بياجة يذهب إلى أنه من الصعوبة بمكان ، أن نفصل حتى بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية ، ولاسيما بعد أن أثبت علم الحياة Biologie الراهن بطلان الفصل بين الذات والموضوع ، وبالتالي بين الروح والطبيعة , وبعد أن تأكد أن صفة مضبوطة و دقيقة التي توصف عادة بها العلوم الطبيعية ، ماهي إلاّ مسأ لة نسبية ، على اعتبار أنه بات من المسلم به الآن ، أن كل علم تجريبي هو علم تقريبي ، بما في ذلك الفيزياء النظرية .
ويمكننا ( الكاتب ) أن نضيف إلى ماورد أعلاه ، أن إطلاقنا صفة الطبيعية مرة والإجتماعية مرة أخرى على مفهوم العلوم ، لايعني أن هذا المفهوم ( العلم ) هو عينه هنا وهناك ، فاختلاف الموضوع لابد أن يؤدي من الناحيتين المنطقية والعملية إلى اختلاف المنهج ، واختلاف الموضوع والمنهج لابد أن يؤدي بدوره إلى اختلاف في طبيعة المعرفة العلمية الموصوفة بها هذه العلوم ، وخاصة مايتعلق بمرونة ونسبية ودينامية المفاهيم الإجتماعية ، وبالتالي المقولات والقوانين والنظريات الإجتماعية قياسا على المفاهيم والمقولات والقوانين والنظريات الخاصة بالظواهر الطبيعية. إن توليفة منهجية مكونة من مثلث المنهج التجريبي ( الكمي ) ومنهج الفهم ( الكيفي ) ووضعهما في إطار جدلي خلاّق ، لكفيلة ( التوليفة ) ــ برأينا ــ بتحقيق قدر كبير من الموضوعية في مجال العلوم الإجتماعية، الأمر الذي يجعلها جديرة بحق بهذه التسمية ( العلوم الإجتماعية ) .
3. إشكالية العلاقة بين الوعي والواقع في الظواهر الاجتماعية :
إن إنكارالبعض على العلوم الإجتماعية عامة والسوسيولوجيا خاصة صفة العلم ، إنما يستند إلى الفروق الموضوعية الموجودة بين كل من الظواهر الإجتماعية والظواهر الطبيعية ، من حيث أن عنصر الوعي موجود في الأولى ، وغائب في الثانية ، وبالتالي فإن الظاهرة الإجتماعية تجمع بين الذات ( الوعي البشري ) والموضوع ، في حين تقتصر الظاهرة الطبيعية على كونها موضوعا يفتقر إلى الذات . فذرتان من الهيدروجين وذرة من الأوكسجين يشكلا نفس ذرة الماء في كل زمان ومكان على هذه الأرض دون زيادة أو نقصان ، بينما يمكن ان ينتج ـ بل غالبا ماينتج ـ التضايف والتلازم بين الإستغلال والظلم ، أو بين الإحتلال والظلم ثورة إجتماعية ، بيد أن هذه الثورة سوف تختلف باختلاف الزمان والمكان .
ترتبط المعرفة عموما ، بكون الإنسان قد فطر على أنه كائن محتاج . محتاج إلى أن يظل في كنف والديه أو أحدهما (المجتمع عموما ) مدة طويلة ، قياسا على الفقريات الأخرى ، محتاج إلى الماء والغذاء والكساء والمأوى وإلى المدافعة والأمن ، وكما هو واضح فإن قدرةالواحد من البشر يستحيل أن توفي بذلك أو ببعضه ــ كما يقول كل من الفارابي وابن خلدون وابن رشد ــ( أنظر 48 / 117 ، 7 / 69 ، 60 / الفصل الثاني ) فكان لابد من اجتماع القُدر وتعاونها لكي تفي بهذه الاحتياجات . ومن جهة ثانية ، فإن الإنسان يتميز عن غيره من الكائنات الحيّة بالفكر وشكل اليد ( إنجلز )، وهي ميزة بشرية ترتب عليها ، أن الإنسان يحصل على حاجاته بالعمل والإنتاج وليس فقط بالإلتقاط. ولما كانت الطبيعة هي موئل الحاجة ، فقد انصب جهده العقلي بداية على الطبيعة والظواهر الطبيعية ، وتحولت بذلك خبرته العفوية البسيطة مع مرور الزمان وكثرة التجارب الناجحة والفاشلة إلى معرفة نظرية مركبة ( لغة ، مفاهيم ، قوانين ، مقولات ،: نظريات ) قوامها الإستقراء Induktion و الإستنتاج Deduktion ، وصولا إلى المعرفة العلمية المستندة إلى الإحساس والملاحظة والتجريب والقياس وإمكانية التحقق(المنهج الكمي ) وأيضا إلى الفهم das Verstehen (المنهج الكيفي ) والإحتكام أخيرا إلى الممارسة التي هي محك الحقيقة ، والتي ينعتها أبو نصر الفارابي بـ التجارب، ويماهيها مع العقل نفسه"إذ العقل ليس شيئا غير التجارب ، ومهما كانت التجارب أكثر كانت النفس أتم عقلاً " ( 49 / ص 523 )
إن المعرفة العلمية تعني وتهدف ـ عمليا ومنطقيا ـ إلى اكتشاف العلاقات السببية / العلّيّة الموجودة في و بين الظواهر . بيد أن هذه العملية لابد و أن تؤدي إلى تطوير الوعي نفسه ـ كما سبق ان أشرنا ـ أي إلى إثراء خبرات وملكات الإنسان . إننا ـ واقع الحال ـ هنا أمام عملية معرفية دائروية ، ثنائية الأقطاب ـ إلى حد بعيد ـ ، قطباها الأساسيان هما الوعي والواقع ، وعناصرها الأخرى ذات الصلة هي المقولات الجدلية المتمثلة بـصورة أساسية بـ : الفرد ـ المجتمع ، الحاجة ـ إرواء الحاجة ، العمل ـ الإنتاج ، الفكر ـ التقانة ، الملكات ـ الصناعة ، العلم ـ المنهج العلمي ، النظرية ــ الممارسة ،...الخ إنها عملية جدلية دائروية خلاّقة يقوم فيها النظر والعمل كل بتطوير الآخر وتطوير نفسه معه وبه. ويجمل ابن خلدون هذه العملية الحلزونية بقوله : " كل صناعة مرتبة ، يرجع منها إلى النفس أثر يكسبها عقلا جديدا ، تستعد به لقبول صناعة أخرى ، ويتهيأ بها العقل بسرعة الإدراك للمعارف " ( 7 / 776 ) أي ان ابن خلدون هنا اعتبر الأسبقية للواقع على الوعي ، متقدما بذلك على كارل ماركس بحوالي خمسة قرون .
إن الإشكالية التي تطرحها العلاقة بين الوعي والواقع ، هي مايعرف في الفلسفة بمسالة الأولوية أو نظرية الإنعكاس أي : أيهما يحدد الآخر ؟ الوعي أم الواقع ؟. وقد أجاب فريدريك إنجلز على هذا التساؤل في كلمته التي القاها على قبر كارل ماركس ، بقوله : لقد اكتشف ماركس " تلك الحقيقة البسيطة التي كانت ماتزال حتى الفترة الأخيرة محجوبة تحت
الرواسب الأيديولوجية والتي تقول في أن الناس يجب بالدرجة الأولى أن يأكلوا ويشربوا ويملكوا مسكنا ويلبسوا قبل أن يتمكنوا من الإهتمام بالسيا سة والعلم والفن والدين وما إلى ذلك ، وأن إنتاج الوسائل المادية المباشرة للحياة ، وكل درجة معينة من التطور الإقتصادي للشعب ... يشكلان إذن الأساس الذي تنشأ فوقه مؤسسات الدولة والنظرات الحقوقية والفن وحتى التصورات الدينية للناس المعنيين ، والذي ينبغي لهذا السبب ، أن تفسر هذه الأخيرة انطلاقا منه وليس العكس كما كان الأمر لحد الآن "( 40/ 31 ) ، أي أن الوعي وفق هذا التصور هو انعكاس للواقع وهو ما عبر عنه ك. ماركس نفسه في أطروحته الحادية عشرة حول فويرباخ بقوله : " ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم ولكن وجودهم الإجتماعي هو الذي يحدد وعيهم" ( 41/ 7 ) ، وهو ماأكده لينين بقوله " إن الوعي من حيث النشوء والمحتوى والدور ، هو أكمل انعكاس للعالم الخارجي " ( 50/ 160 ). ومن المعروف أن الإتجاه المثالي سواء في الفلسفة أو في العلوم الإجتماعي ، لايقبل بهذه النظرية ( أولوية الواقع على الوعي ) ، وإنما يرى الأمر بصورة معكوسة تماما ( أولوية الوعي على الواقع ) ، كما هي نظرية الفكرة المطلقة عند هيجل ونظرية الحالات الثلاث عند سان سيمون و أوغست كومت وهذا على سبيل المثال لاالحصر .
4. إشكالية الحتمية والسببية في العلوم عامة وفي العلوم الإجتماعية خاصة :
يعتبر مفهوم الحتمية من أكثر المفاهيم إشكالا، ولا سيما في مجال العلوم الإجتماعية، ذلك أنه يرتبط بالإشكالية الخاصة بنظرية الإنعكاس( العلاقة بين الوعي والواقع ) التي تقع في أساس نظرية المعرفة وكذلك بالعلاقة الجدلية بين السبب والنتيجة ، حيث ان لكل ظاهرة طبيعية أو إجتماعية أسبابها ، وأن نفس الأسباب يتحتم أن تؤدي إلى نفس النتائج في حال تساوي الظروف المحيطة بهذه الظاهرة ، وتكون مهمة العلم والبحث العلمي هو الكشف عن هذه الأسباب ( أنظر 48 / 185 ــ 196 )
لامراء في أن العلم يختلف عن كل من الفلسفة واللاهوت ، من حيث اعتماده على الإستقراء بصورة أساسية ، مقابل اعتماد الفلسفة على الإستنتاج العقلي ، واعتماد اللاهوت على الحدس والإلهام ، دون أن يعني ذلك وجود سور صيني بين عمليتي الإستقراء والإستنباط / الإستنتاج ، بل إنهما غالبا مايمثلان مقولة جدلية مترابطة واحدة ، وآية ذلك أن الإستقراء التام يكاد يكون مستحيلا ، ولهذا فإن الإستقراء الناقص هو قوام العلم ، وهو يجد تمامه بالإستنباط العقلي
( قد تعوج بالماء العصا ، ولكن عقلي يقوّمها) . ولقد سمح هذا التلازم بين الإستقراء والإستنتاج في العلم لبعض
الفلاسفة والعلماء، أن يضعوا الفيتو على مفهوم الحتمية والسببية معا والتصريح العلني بأنه " لاوجود في الطبيعة مكان لاللسبب ولا للنتيجة " ( آرنست ماخ ) وأن الواقع ليس سوى مجرد مجرى من الإنطباعات ، أسبابها مجهولة وغير قابلة للمعرفة ( دافيد هيوم ) ، بل إن التنكر لمفهوم الحتمية بلغ عند بعض اللا حتميين حد المناداة بالاستعاضة عن مفهوم الحتمية ـ السببية بمفهوم العلاقة الشرطية أو بـ " المتغير المستقل والمتغيرات التابعة والرابطة " ( أنظر حول هذه الرؤية : 50 / 185 ــ 197 ) وانظر أيضا : ( 54 / 267ـ 270 ) .
ولكننا بالمقابل وجدنا من يرفض هذه العدمية العلمية ، ويؤكد على أن وجود السببية والبحث عنها واكتشافها هو شرط المعرفة العلمية ، سواء تعلق الأمر بالظواهر الطبيعية أو الظواهر الإجتماعية . فهذا أينشتين يرى أنه " بدون الإعتقاد بأن هناك انسجاما داخليا في عالمنا هذا لايمكن أن يقوم العلم " ، وهذا إرمان كوفلييه يؤكد " إن الشعور بوجود سنن طبيعية هو العامل الموجب للفكر العلمي" ويشدد روبرت ماكيفر بدوره على أنه "إذا انعدمت القوانين تلاشى الوجود الفعلي، وانعدمت الدنيا ، وإذا ماانعدمت المعرفة بالقوانين تلاشت التجربة ، وتلاشى فهم العالم . إن العالم خلو من الفوضى ، لأن أشكال القانون تتغلغل في كل مكان " ( لمزيد من المعلومات أنظر : المرجعين السابقين ) .
وإذا ماتابعنا هذه الإشكالية عند المفكرين الإسلاميين ، القدماء منهم والمحدثين ، فإننا نقع على محاولة جادة للبرهنة على ان الإيمان بوجود خالق لهذا الكون ( التوحيد ) ، لاينفي وجود الأسباب الفاعلة في الأشياء ( الطبائع ) ، لأن
" من رفع أعمالها ( الطبائع ) رفع أعيانها ، وإذا كانت الأعيان هي الدّالة على الله ، فرفعت الدليل ، فقد أبطلت المدلول عليه "( الجاحظ ) ( أنظر: 28 / 47 ) . و " إن مانشاهده من التقارن بين السبب والمسبب لايجوز أن نقطع بكونه سبب الظواهر طالما أن وراء علمنا اسرارا خفية قد تكون هي السبب الأصح في ظهور الظاهرة " ، " فالأعمى الذي يصبح بصيرا ، حتى إذا ذهب النهار وجاء الظلام أدرك أن وراء العين المبصرة سببا آخر يسمح للعين بالإبصار ويمنعها منه وهو النور " ( الغزالي ) (29 / 99 ) . ويؤكد ابن خلدون هذه الثنائية ( التوحيد + الطبائع ) بقوله " وهكذا كانت حال الأنبياء في دعوتهم إلى الله بالعشائر والعصائب ، وهم المؤيدون من الله بالكون كله لو شاء ، لكنه إنما أجرى الأمور على مستقر العادة ، والله حكيم عليم " ( 7 / 281 ) ، ولقد انصبت جهود ابن رشد الدينية والفلسفية في كتابه " فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال " على هذه الإشكالية حيث يقول " فإنا معشر المسلمين نعلم ، على القطع ، انه لايؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ماورد به الشرع، فإن الحق لايضاد الحق ، بل يوافقه ويشهد له "( 31 /31ـ 32 ) ، وفي رده على فرح أنطون حول موقف ابن رشد من مسألة السببية ، يقول الإمام محمد عبده " وليس من الممكن لمسلم أن يذهب إلى ارتفاع مابين حوادث الكون من الترتيب في السببية والمسببية إلاّ إذا كفر بدينه قبل أن يكفر بعقله " ويقول أيضا في نفس الصفحة " فلا يمكن لأهل هذا الدين وهو هو أن يقطعوا كل علاقة بين الأسباب في هذا العالم والمسببات" ( أنظر : 58 / 101 ) . ولا يخرج عن هذا الخط الإسلامي محمد عمارة ، حين كتب " لقد خلق الله هذا العالم لحكمة وعلّة ، وعلى نحو ماقدر وأراد ، وعلّمنا وأعلمنا أن السنن والقوانين حاكمة لهذا العالم في الخلق والإبتداء ، وقد ميز عمارة بين مااسماه السنن الخارقة ( المعجزات م. ز ) والسنن الجارية ( الحقائق العلمية الملموسة ) ( أنظر : 28/ 50 ) .
أمّا بصدد مدى خضوع الظواهر الاجتماعية بالذات لهذه الحتمية ، فإنه لابد من الإقرار مبدئيا، بالإختلاف النوعي بين
الظواهر الطبيعية والظواهر الاجتماعية " ففي الظواهر الطبيعية ــ بقدر مانضع جانبا رد فعل الإنسان فيها ــ لايؤثر بعضها ببعض سوى قوى عمياء لاواعية ، وفي تأثيرها المتبادل هذا تظهر القوانين العامة ، وليس هنا أي هدف منشود ... أما في تاريخ المجتمع ، فالأمر على العكس ، فهنا يفعل الناس الذين لهم موهبة الوعي ، ويعملون بتفكير أو بعاطفة وينشدون أهدافا معينة ، ولا يصنع هنا شيء دون نية واعية ، أو هدف منشود " ( 51 / 86 ). والسؤال هنا : هل من الضروري أن ينتقل هذا الإختلاف بين الظواهر إلى مجالات العلوم ومناهج البحث العلمي ؟ . واقع الحال أن بعض العلماء قال نعم ، وبعضهم الآخر قال لا ، والبعض الثالث قال لا ونعم في آن واحد ( لعم)
ففي رسالة له إلى الملكة إليزابيث عام 1634 كتب رينيه ديكارت : " إنه لابد من التمييز بين أفكار ثلاثة رئيسية تملكها النفس بطبيعتها فالنفس لديها فكرة عن ذاتها ، أو عن الجوهر المفكر ، ولديها فكرة عن الأجسام أو عن الإمتداد ولديها
أخيرا فكرة عن الإتحاد بين الجوهرين . وتتمايز ميادين الوجود والمعرفة بحسب اندراج كل منها تحت فكرة من هذه الأفكار الثلاث . فميدان الله مثلا يندرج تحت فكرة الجوهر المفكر ، وميدان العلوم الرياضية والطبيعية يرتبط بفكرة الإمتداد ، ويبقى أن يكون الميدان الإنساني مندرجا تحت فكرة الإتحاد " ( 10 / 329) . ويرى هـ . بيرغسون ( ت 1941 ) أن غاية العلم هي معرفة المادة ، وغاية الفلسفة معرفة الروح ، وتقع العلوم الإنسانية بين الفلسفة والعلم(10 / 354 ) . وبنفس الإتجاه يقول برتراند رسل " كل معرفة محدودة تنتمي إلى العلم ، وكل معتقد يتجاوز المعرفة المحدودة ينتمي إلى اللاهوت ، وتنتمي المنطقة المشاع بين العلم واللاهوت إلى الفلسفة "(12/ ص 18) . وقريبا من هذه الرؤية حدد إمانويل كانط بدوره مجالات الفكر في : عالم العلم الطبيعي والرياضي ، وهو عالم يمكن إخضاعه للحواس ، وعالم الأخلاق ، وهو عالم ذاتي يجعلنا نسلم بوجود الله وخلود النفس ، وهما مسلمتان يقبلهما العقل العملي ، وأخيرا، عالم الدين وهو علاقة ذاتية جوهرها الإيمان بالله بواسطة القلب والوجدان (10/ 331) . ويأخذ هذا التمييز بين العلوم الطبيعية والعلوم الإجتماعية مداه عند ديلثي الذي يرى أن الفكر الإنساني يتخذ في كل من المجالين شكلا متميزا ، ومنهجا مختلفا ، فالعلوم الطبيعية تعالج الوقائع Fakten بينما تعالج العلوم الثقافية المعانيMeaninges . وبينما يتخذ الفكر في الأولى صورة التفسيرExplanation يتخذ في الثانية صورة الفهمUnderstanding . وبينما يعتمد التفسير على العلاقات السببية والقوانين ، ويقترب من موضوعه من الخارج ، يحاول الفهم ، أن يربط المعنى بالمعنى ، ويدرك موضوعه عن طريق الحدس . إن منهج التفسير هو منهج التجربة في العلوم الطبيعية ، في حين أن منهج الفهم في العلوم الثقافية يرتكز إلى" نماذج مثالية" وصور للمعاني ( 14 / 15 ـ 16) . وفي مقابل انفصالية ديلثي ، وقف ريكرت ليقول إن العلم يهدف إلى تفسير الظواهر ولا يهتم فيما إذا كانت هذه الظواهر تتعلق بالفرد أم بالعالم (بفتح اللام) الفيزيقي ، فالظواهر هي الظواهر ، والعلم هو العلم .
إن السبب الأساسي الكامن وراء هذه الإشكالية ، هو ـ برأينا ـ غياب البعد الجدلي ، بهذه الدرجة أو تلك ، عند اللاحتميين ولا سيما عند المتطرفين منهم . فلو أنه تم النظر إلى مقولة الحتمية ـ السببية في إطار العلاقة الديالكتيكية القائمة بين وضمن المقولات الجدلية / الثنائيات الجدلية لتضاءل الخلاف حول هذا الموضوع بين وجهات النظر الثلاث اللواتي اوردناها أعلاه ( الحتميين ، اللاحتميين ، الدينيين ) إلى الحد الأدنى ، أكان ذلك في مجال العلوم الطبيعية أو العلوم الإجتماعية. وأيا كان أمر هذا الخلاف حول مفهوم الحتمية وبالتالي العلم ، فإن الذي لاخلاف عليه هو أن الظاهرة الملموسة أغنى من المفهوم ومن القانون ومن النظرية ، فالنظرية رمادية اللون بالقياس إلى شجرة الحياة الخضراء، كما يقول ي. ف. غوته . (أنظر : 50 / 66 ) .
5. إشكالية الموضوعية في العلوم الإجتماعية :
إن التسليم بعلمية العلوم الإجتماعية ، لايلغي عمليا الإشكالية التي تنتصب أمام الباحث مثل إبي الهول ، قائلة له "إكشف عن سرّي وإلاّ التهمت مذهبك " على حد تعبير بليخانوف ( 17 / 108 ) ، ألا وهي إشكالية الموضوعية Objektivismus في العلوم الإجتماعية والناجمة عن كون الباحث هو نفسه جزء من المشهد الإجتماعي الذي يقوم بدراسته ، وبالتالي فإنه من الصعوبة بمكان ، أن يكون المرء باحثا محايدا، لأنه يمثل هنا كلا من الخصم والحكم في آن واحد وهو ماترتب عليه: 1) انطباع العلوم الإجتماعية بالطابع الأيديولوجي ، 2) تباين انعكاس الوا قع في الوعي تبعا لتبدل الزمان والمكان ، 3) التداخل البنيوي بين الذات والموضوع في الظاهرة الإجتماعية ، 4) الحاجة إلى إجراءات منهجية معينة لمعالجة هذه الإشكالية ، والإقتراب ـ ماأمكن ـ من النتيجة العلمية المطلوبة . هذا وقد انصبّ قسم أساسي
من اجتهادات العديد من الفلاسفة والعلماء على معالجة هذه الإشكالية :
فقد أحال افلاطون عدم مطابقة الوعي للواقع ( غياب الموضوعية ) ، إلى خلل يتمثل بـ : إمّا باضطراب في الحواس ، أو اضطراب في العقل ، وبينما يجد الخلل الأول علاجه عند الطبيب ، يجد الخلل الثاني علاجه باتباع قواعد المنطق (30 / 20 ـ 21 ) . ورأى الإمام الغزالي أن الأمر لايتعلق بخلل منطقي ، ولكن بدوافع نفسية سابقة على كل تدبير ، كالحقد والطموح وحب التميز والميل إلى العيش الرغد ، وبخواص عقلية كالبله والتكاسل ، وأخيرا بغواية الشيطان ( أنظر نفس المرجع السابق ). ويعيد ابن رشد إمكانية الغواية والزلل عند الإنسان إلى" إما من قبل نقص في فطرته ، وإما من قبل سوء ترتيب نظره فيها ، أو من قبل غلبة شهواته عليه ، أو أنه لم يجد معلّما يرشده
إلى فهم مافيها ( الحكمة ) ، أو من قبل اجتماع هذه الأسباب فيه ، أو أكثرمن واحدة منها "(31 / 29)
أما ابن خلدون فقد كان أكثر شمولية في رؤيته لما أسماه أسباب تطرق الكذب إلى الخبرالتاريخي (وهو مايعادل غياب الموضوعية ) ، وقد حدد هذه الأسباب بـ : 1) التشيع للآراء والمذاهب ، 2) الذهول عن المقاصد ، 3) توهم الصدق ، 4) الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع ، 5 ) تقرب الناس لصاحب التجلّة بالثناء والمدح ، 6) الجهل بطبائع الأحوال في العمران . ( 7 / 57 ــ 58 ).
وبدوره فإن فرنسيس بيكون قد سلّم بإمكانية المرء الوصول إلى المعرفة الصحيحة ، ولكن بشرط تطهير العقل من المفاهيم المسبقة والأحكام المبتسرة التي تهدده بشكل مستمر، والتي أطلق عليها تسمية الأوثان وحددها بـ : 1) عادات العقل التي تميز الجنس البشري ، 2) عادات العقل التي تميز شخصا بعينه ، أو جماعة بعينها،
3) النقص وعدم الدقة في اللغة ، وأخيرا ، 4) القبول الأعمى للآراء . ( أنظر 52 / 44 ــ 50 ) .
أما كارل ماركس فقد أعاد عدم توصل من سبقه من الفلاسفة والعلماء الألمان إلى المعرفة العلمية إلى أنه " لم يخطر على بال أحد من هؤلاء الفلاسفة ، أن يبحث في علاقة الفلسفة الألمانية بالواقع الألماني . " ومن هنا انطبعت كتاباتهم بالطابع الأيديولوجي ذي الوعي الزائف ، وذلك بحكم ارتباط ذلك الوعي بالطبقة الحاكمة ومصالحها السائدة .." . وقد عكست أطروحته الحادية عشر حول فويرباخ والتي تنص على أن الفلاسفة الألمان " لم يقوموا سوى بتفسير العالم بأشكال مختلفة ، في حين أن المطلوب هو تغييره " ( أنظر : 51 / 110 )
ووجد ماكس فيبر العلة في غياب الموضوعية ، بخضوع الباحثين لمنظومة القيم السائدة ، ولذلك رفع شعار " التحرر من القيم " Wertfrei . ومن الواضح هنا تأثر ماكس فيبر بنظرية الأوثان عند فرانسس بيكون التي سبق ذكرها .
( أنظر : 35 / 280 ــ 285 ) . وقسم كارل مانهايم الأيديولوجيا إلى عامة وخاصة معتبرا أن كل شخص مسكون بجرثومة الأيديولوجيا ، وبالتالي فهو ــ أي الشخص ــ يرى الظواهر من الزاوية التي يتيحها له موقعه الاجتماعي والطبقي . ورأى أن حل إشكالية الموضوعية في البحث السوسيولوجي يكمن في البحث عمّا أسماه " المثقف الحر " المتحرر من الإنتماء الطبقي وبالتالي الأيديولوجي ، والذي يمكنه أن يتحرك بكل حرية وفي مختلف الإتجاهات (32 / 75 ـ 78) وعلى العكس من كارل مانهايم فإن انطوان غرامشي علّق آماله في الموضوعية على المثقف العضوي الغارق في هموم وقضايا مجتمعه ، والملتزم أساسا بقضية الطبقات والفئات المظلومة والمضطهدة .
وإذا كانت إشكالية الموضوعية في العلوم الإجتماعية على هذا النحو المعقد ، فما هو سبيل الباحث إذن للوصول إلى المعرفة العلمية ؟ .
لابد هنا من التوقف أيضاً أمام الإشكالية المتعلقة بمدى قدرة وعي فردي تكوّن في ظل معادلة اجتماعية وثقافية معينة (على حد تعبير مالك بن نبي )على الوصول إلى حقائق علمية وموضوعية عن الظواهر والعمليات الإجتماعية التي تنتمي إلى ثقافة مغايرة ، أو بتعبير آخر : هل صحيح أن أهل مكة أدرى بشعابها ؟ ، أم أن أهل واشنطون وباريس ولندن هم أعرف من أهل مكة بهذه الشعاب ؟ وبالنظر للطابع الأيديولوجي لهذه المسألة ، والذي يضع الكاتب بوصفه واحدا من أهل مكة في موقف حرج علميا فقد ترك الكاتب بعض علماء الإجتماع الغربيين ، يقولون ماعندهم حول هذا الموضوع، وذلك على قاعدة " وشهد شاهد من أهلها على نفسه " :
ــ يقرأ المرؤ بداية حول هذه الإشكالية المنهجية تساؤلات دونالد ماكري : هل يستطيع المؤرخ أو السوسيولوجي أن يتجنب تداخل قيمه الخاصة مع عمله ؟ أعليه أن يفعل ذلك ؟ حتى إذا كان عليه أن يفعل ذلك أو كان بإمكانه ذلك في عمله الخاص المحدد ، ألا يتطلب مجرد اختيار المرء مسألة بالذات ليبحث قيها نوعا من التفضيل لهذه المسالة على المسائل الأخرى ؟.هذه القضايا قد تبدو ، وحتى بعد إدراكها ، خطيرة ولكن إهمالها يجعل الأمر أكثر خطورة( 39 / 55 )
ــ ويرى إفانز بريتشارد : أنه " لايمكن تأ ويل النظم البدائية في حدود عقلية البا حث المتمدين الذي يقوم بدراستها ، لأن عقليته ثمرة نوع مختلف من النظم والأوضاع، وإن القول بغير ذلك ، يؤدي إلى الوقوع فيما يسمى ، بأغلوطة السوسيولوجيين ، التي رفضها دوركهايم وليفي بروهل ، بل وغيرهما من علماء الإج الفرنسيين .( 21 / ص 54 ).
ــ وحسب Jillani ( وهو شاهد أورده بول لازارسفيلد) فإن " النظريات التي قال بها كومت ، وسان سيمون ، ودوركهايم في فرنسا ، أو تلك التي قال بها وستر مارك ، وهوبهوس في إنجلترا قد لاتكون ممكنة التطبيق تماما هنا (باكستان : م ز) فكأن الأمر يتعلق بمعنى ما، بتوجيه علم نما فوق أراض أجنبية وداخل ثقافات أجنبية "(23 / 279 )
ــ ويشير غونار ميردال ، إلى أن المصدر الأساسي للتحيز الكامن في البحوث الإقتصادية التي تتناول الدول الفقيرة يتمثل في ... السعي نحو معالجة مشكلاتها الداخلية من وجهة نظر المصالح السياسية والعسكرية الغربية ، وغالبا مانجد هذه البحوث تتسم بالطابع الإعتذاري عن تخلف هذه الدول ، في الوقت الذي تهتم فيه بالحبكة المنهجية (24 / ص )
ــ وبدوره فإن غوندر فرانك يرى " ورغم أن العلم والحقيقة لايعرفان حدودا قومية ، إلا أن الحاجة الملحة، تدعو الأجيال الجديدة من علماء البلدان المتخلفة إلى تكريس جهودهم لهذه المشاكل ، ولتوضيح آليات التخلف والنمو ، وهم بالطبع أقدر من غيرهم على ذلك " ( 25 / ص ) .
ومن جهتنا ، فإننا نرى أنه فقط في حالة تساوي كافة الظروف والشروط الميثودولوجية بين باحثين ينتميان إلى ثقافتين مختلفتين ، يمكن أن يكون ابن البلد أقرب إلى الموضوعية من زميله الباحث الآخر( الغريب ) ، وذلك بحكم معرفته المسبقة بجملة الظروف الذاتية والموضوعية ، الداخلية والخارجية التي تحيط بمجتمع البحث . أما فيما عدا ذلك ، فإن العلم لاوطن له ولا قومية ولادين ولا قبيلة ولا منطقة ، وما على باحثينا المعنيين إلاّ أن يتبصروا في مسلكهم العلمي بقول الإمام الغزالي : خذ ماتراه ودع شيئا سمعت به في طلعة الشمس مايغنيك عن زحل .
6. إشكالية المنهج الجدلي في البحث السوسيولوجي :
يمثل المنهج الجدلي والمنطق الجدلي ــ حسب رؤية الكاتب ــ نقلة نوعية في تاريخ نظرية المعرفة عامة والمعرفة العلمية خاصة ، ذلك أنه منهج عام في الفهم والتحليل والتفسير والبحث . وهو عام بمعنيين : الأول أنه صالح لمجالات الوجود الثلاثة (الطبيعة والمجتمع والفكر) ، والتي يظل ــ مع ذلك ــ لكل منها منهجه النوعي الخاص ( جدلية العام والخاص ) ، والثاني كونه يتعلق بالجانب الجوهري والمشترك بين مختلف الظواهر . إنه ينظر إلى الظواهر من خلال حركتها (النفي ونفي النفي ) وتداخلها ( وحدة وصراع المتضادات )، وتغيرها المتواصل ( تحول التراكمات الكمية في لحظة معينة إلى نوعية جديدة ) . إن العالم والفيلسوف والباحث ماعاد ملزما أن يضع الجسد في جيب والروح في جيب أخرى ، على حد وصف بليخانوف لعلماء الاجتماع الذاتيين في القرن التا سع عشر ، ولا أن يتحررمن القيم كما يقترح ماكس فيبر، أو أن ينظر إلى الظواهر الإجتماعية كما لو كانت أشياء حسب رؤية دوركهايم ومن ورائه كل الوضعيين من علماء الإجتماع، ولا أن يفتش في المريخ عن فئة من المثقفين اللامنتمين المتحررين من ربقة الأيديولوجياً كما يطالب كارل مانهايم . إن مايحتاج إليه الباحث ، وفق المنهج الجدلي ـ حسب فهمنا له ـ هو أن يترك الظاهرة المبحوثة تتكلم عن نفسها بحرية، وألاّ يزيد دوره عن دور القابلة التي تسهل خروج المولود( هنا الحقيقة ) إلى النور .
إن الإشكالية المعنية في عنوان هذه الفقرة ، هو أن المنهج الجدلي ينطوي على طابع أيديولوجي ، كونه ارتبط بداية باسم الفيلسوف المثالي الألماني ج. ف. هيغل ، ثم بعد ذلك باسم الفيلسوف المادي كارل ماركس ، وأيضا لأنه جاء بعد حقبة تاريخية مديدة من هيمنة منطق ارسطو الستاتيكي على المسرح الفكري والفلسفي العالمي ( مبدأ الهويّة ، مبدأ عدم التناقض ، مبدا الثالث المرفوع ) .
إن قوانين الديالكتيك الثلاثة( قانون وحدة وصراع المتضادات، وقانون تحول الكم إلى كيف، وقانون النفي ونفي النفي) إضافة إلى الثنائيات الجدلية المنبثقة عن هذه القوانين ولا سيما ( الحتمية ـ الحرية ، الذات ـ الموضوع ، السبب ـ النتيجة ، الضرورة ـ الصدفة ، الوعي الفردي ـ الوعي الإجتماعي ، البناء التحتي ـ البناء الفوقي ...الخ ) هي منطلقات تقع في صميم المنهج العلمي في عملية البحث ولا سيما في محال العلوم الإجتماعية . إن معرفة الباحث توظيف هذه القوانين والمقولات الجدلية توظيفا معرفيا خلاّقا في مختلف مراحل البحث لكفيل بجعل النتا ئج التي سيصل إليها هذا الباحث قاب قوسين من الحقيقة العلمية أو أدنى ، دون أن ننسى بطبيعة الحال ، الطابع النسبي المرتبط بالزمان والمكان لتلك الحقيقة ، سواء تعلق الأمر بالعلوم الطبيعية أو العلوم الإجتماعية ( حول المنهج الجدلي أنظر : 50 / الفصول 6 ،7 ، 8 ، 9 ، ) وانظر أيضا : 59 / 97 ــ 114 ).
7. إشكالية العلاقة بين السوسيولوجيا والمادية التاريخية في الفكر الماركلينيني :
يخيل للكاتب أن بعض السوسيولوجيين يعتقدون ان هذه الإشكالية قد انتهت بانتهاء الاتحاد السوفييتي في تسعينات القرن الماضي . واقع الحال أن للنظريات وللمفاهيم منطقها وتاريخها ومسيرتها الخاصة التي يمكن ان تتقاطع مع المسيرة السياسية لهذه الجماعة او تلك ، ولكنها لايمكن أن تتماهى معها ، وجودا وعدما ، بأية حال من الحوال . الأمر الي معه لايمكن أن يترتب على سقوط الاتحاد السوفياتي سقوط النظرية الماركسية والفكر الماركسي .
إن السبب الأساسي الكامن وراء وجود واستمرار هذه الإشكالية النظرية والتطبيقية في السوسيولوجيا الماركلينينية إنما يعود من جهة ، إلى حداثة هذا العلم قياسا على كل من العلوم الطبيعية والإجتماعية الأخرى ، ومن جهة أخرى لأن مهام ومضمون السوسيولوجيا ، تتداخل وتتشابك نظريا وعمليا مع كافة العلوم الاخرى ، ولا سيما الإجتماعية والفلسفية منها والتي ياتي في طليعتها المادية التاريخية ، الأمر الذي جاءت معه ولادة السوسيولوجيا في البلدان الإشتراكية السابقة والحالية ، كعلم مستقل ولادة قيصرية ومتأخرة في آن واحد . هذا مع العلم أن بوخارين قد نشر منذ عام 1921 كتابه الموسوم " نظرية المادية التاريخية : كتاب شعبي في علم الإجتماع الماركسي " والذي ربط فيه بين العلوم الإجتماعية وبين الطبقات الإجتماعية ربطا وثيقا ، حيث أن لكل طبقة إجتماعية رؤيتها الخاصة للعالم ومن ثم لابد أن يكون العلم الإجتماعي للبرجوازية مختلفا اختلافا جذريا عن العلم الإجتماعي للطبقة العاملة . ( أنظر : السيد يسن ، الإتجاهات الحديثة في علم الإجتماع الماركسي ، في : مجلة الفكر المعاصر ، العدد 59 ، القاهرة ،يناير 1970 ، ص 70 ــ 79 ) . وتجسد الشواهد الماركسية التالية طبيعة وأبعاد تلك الإشكالية :
ـــ لقد أحدث المفهوم المادي للتاريخ ــ حسب إنجلز ــ " كشفا ثوريا لابالنسبة للإقتصاد فحسب ، ولكن بالنسبة لكل العلوم التاريخية (....) ، وهذا الكشف هو أن أسلوب الحياة المادية يحدد عملية الحياة الإجتماعية والسياسية والعقلية بوجه عام " (1 / 262 ) .
ـــ ويوضح لينين علاقة هذا الإكتشاف بالسوسيولوجيا بقوله : " بوضع ماركس حدا لتلك التصورات التي رأت أن المجتمع عبارة عن تجمع ميكانيكي من الأفراد فقد وضع لأول مرة علم الإجتماع على اسس علمية . ( 3 / ص12 ) وقوله " يعتبر اكتشاف ماركس لقانون تطور التاريخ البشري [ الماديتين الجدلية والتاريخية م.ز.] كاكتشاف دارون لقانون تطور الطبيعة " ( 45 / 49 ـ 50 )، وقوله ، إن العيب الرئيسي في النظريات السوسيولوجية قبل ماركس هو أنها " كانت تبحث فقط في البواعث الفكرية لنشاط الأفراد التاريخي ، دون أن تدرس مسببات هذه البواعث ، ودون أن تدرك القوانين الموضوعية لتطور نظام العلاقات الإجتماعية ، ودون الإعتبار بأن جذور هذه العلاقات تكمن في درجة تطور الإنتاج المادي " (33 / 152 ) ، وقوله إن مارفع السوسيولوجيا ، ولأول مرة إلى مصاف العلوم هو " أولا : الإستنتاج الذي جاء ت به المادية والذي يقول، إن مجرى الأفكار رهن بمجرى الأمور الواقعية ،" (45 / 46 ـ 47 )
ـــ ويؤكد بليخانوف هذه الأفكار اللينينية حول علاقة السوسيولوجيا بالمادية التاريخية بقوله : " يجب أن نقر بأن العلم الإجتماعي قبل ماركس لم يكن وما كان في استطاعته أن يكون علما دقيقا " (17 / ص 16 ) .
ـــ وبنفس الإتجاه يرى مؤلفا كتاب أسس علم الإجتماع الماركلينيني ، " أن ماركس وإنجلز بإدخالهما المادية إلى المنظور التاريخي قد أسسا سوسيولوجيا علمية بصورة عامة " ( نفس المرجع السابق ، ص 12 ).
ـــ وقد اعتبر كوتسنسكي في كتابه " دراسات في تاريخ العلوم الإجتماعية " أن قول كارل ماركس " ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، ولكن وجودهم الإجتماعي هو الذي يحدد وعيهم" ، والذي هو القانون الأساسي في المفهموم المادي للتاريخ ، وبالتالي المادية التاريخية بمثابة القانون السوسيولوجي الأساسي العام ، ( 56 / ص225 ) .
ـــ وبدوره فإن أوسكار لانجة ، قد أطلق على قانون العلاقة بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج الماركسي إسم القانون السوسيولوجي الأول ، وعلى قانون العلاقة بين البناء التحتي والبناء الفوقي القانون السوسيولوجي الثاني . ( أنظر : 5 / 70 ،98 ، 99 ) .
ـــ وفي محولتهما التقريب بين المادية التاريخية وعلم الإجتماع ، يقول ج. إسمان ، و ر. شتللبرغ في كتابهما " اسس السوسيولوجيا الماكلينينية " إن المادية التاريخية هي الأساس النظري الميثودولوجي للسوسيولوجيا ... وبوصفها النظرية السوسيولوجية العامة ، فإن المادية التاريخية لايمكن أن تقف خارج السوسيولوجيا ، إن معارفها هي جزء لايتجزأ من البناء العام للسوسيولوجيا الما ركلينينية " ( 3 / 14 ، 15 ) ) .
ـــ ويلخص س. ي. بوبوف موقف الماركسيين المعاصرين من هذه الإشكالية( العلاقة بين السوسيولوجيا والمادية التاريخية) على النحو التالي :
" وحتى الآن لم يجمع الماركسيون المعاصرون على رأي واحد حول مادة علم الإجتماع الماركسي ، حيث يعتقد القسم الأكبر من الفلاسفة السوفييت أن السوسيولوجيا الماركسية هي نفسها المادية التاريخية ، وتتحول المادية التاريخية بدونها إلى نظام جامد من المقولات النظرية المنفصلة عن الحياة . ويرى بعض الماركسيين من السوفييت وغير السوفييت أن المادية التاريخية ليست سوى أساس نظري للسوسيولوجيا الماركسية التي هي علم مستقل مختلف عن المادية التاريخية . ورأينا نحن أن وجهة النظر الأخيرة ضعيفة الأساس ، فهي ، شئنا أم أبينا تتطابق وتتوافق مع
مطامح المنظرين الغربيين البرجوازيين في فصل علم الإجتماع عن الفلسفة ، وفي تحويل السوسيولوجيا إلى علم خاص كليا ، أقرب إلى العلوم التقنية و الهندسة الإجتماعية "( 57 / 42 ـ 43 ) . ويقول أوسوبوف في كتابه " قضايا علم الإجتماع " وتذهب المادية التاريخية ، على عكس علم الإجتماع الغربي ، إلى أن العلاقات الأساسية بين الناس ، هي تلك التي تنشأ خلال عملية إنتاج الثروة المادية . ولمّا كان علماء الإجتماع الغربيون يمثلون مصالح ملا ك وسائل الإنتاج فإنهم لايستطيعون تقبل وجهة النظر هذه " ( 1 / 91 ) .
ـــ ويرى بروفسور فولف " إن عملية الفصل بين الفلسفة والسوسيولوجيا ، وبالتالي تأسيس دوائر سوسيولوجية مستقلة لمادة علم الإجتماع ، إن هو إلاّ دليل على أن السوسيولوجيا الماركلينينية العامة قد انفصلت عن المادية التاريخية للتتحول إلى تخصص علمي مستقل ، علما أن هذا قد تطلب أيضا التغلب على الراي الذي يطابق بين المادية التاريخية وعلم الإجتماع العام " (8 / 89 ) .
ـــ ووصل التطرف الأيديولوجي عند واحد مثل كارل كورش حد القول : " إن النظرية الماركسية لاعلاقة لها في شيء مع سوسيولوجيا القرنين 19 و20 التي أسسها كومت ونشرها مل وسبنسر ، ذلك أن السوسيولوجيا ( من يومها ) كانت ردة فعل ضد نظرية الإشتراكية الحديثة ، وبالتالي ضد تطبيقها أيضا … " ( 34 / 21 ) .
ــــ ويقول إرماند كوفلييه في كتابه مبادئ علم الإجتماع " لقد أعلنت الماركسية وحدها بصراحة هذا التضامن الصميم بين كل نظري وكل عملي ، حتى أن جورج سوريل خلال البحث الذي جرى سنة 1902 في الجمعية الفرنسية للفلسفة ، اعتقد أن بإمكانه تحديد المادية التاريخية بهذا التضامن " ( 44 / 114 ) . إن ماتفصح عنه جملة هذه الشواهد هو :
> إن إشكالية العلاقة بين السوسيولوجيا الماركلينينية والمادية التاريخية ماتزال قائمة حتى اليوم .
> إن لهذه الإشكالية أسبابها الموضوعية ، التي تجعلها جزءًا أساسيًا من النظرية السوسيولوجية بشقيها البرجوازي والإشتراكي ، وهو ماعبر عنه إرفنج زايتلن ، في أنه على الرغم من أن مؤلفات سوسيولوجيي المرحلة التمهيدية تقر بأن أوغست كومت هو المؤسس الفعلي للسوسيولوجيا الحديثة ، إلا أن معظم هذه المؤلفات كانت تحارب شبح ماركس وتتجادل مع المفهوم المادي للتاريخ في كل صفحة من صفحاتها ، وسطر من سطورها . ولعل هذه الأسباب الموضوعية هي التي دفعت زايتلن إلى طرح نظرية تكاملية تجمع بين ماركس وماكس فيبر ( 35 / 208 ـ231 ) .
8. علم الاجتماع في الوطن العربي ـ :
8. 1 ـ إشكالية النشأة :
تعتبر السوسيولوجيا علماً أيديولوجياً لايمكن فصل نشأته وتطوره عن المناخ الأيديوـ سياسي العام المرتبط بمجمل التطور الإجتماعي في أي مجتمع من المجتمعات .
وبالنسبة للوطن العربي ، فإن هذاالمناخ ( الأيديو ــ سياسي )قد شهد منذ نهاية الحرب العالمية الأولى بصورة عامة والحرب العالمية الثانية بصورة خاصة ،وكنتيجة لخروج الوطن العربي من تحت العباءة العثمانية النازلة ، ودخوله تحت عباءة الدول الأوروبية الصاعدة (الرأسمالية منها والإشتراكية) ، وما ترتب على هذا التغير من التجزئة القومية ( سايكس ــ بيكو )، ومن زرع الكيان الصهيوني في فلسطين بعد اقتلاع وطرد سكانه الأصليين ، ومن انطباع الموقف العربي من هذه الدول المتطورة بالإزدواجية ، من حيث رفضها كدول إستعمارية ، وقبولها كدول متطوره صناعيا وثقافيا ، ظهور أربعة تيارات أساسية هي : التيار الديني ( الإسلامي خاصة ) ، التيارى القومي ( العربي خاصة ) ، التيار الماركسي ، التيار الليبرالي .
وبعد نكسة عام 1967 العسكرية أمام إسرائيل ، وما أعقبها من مصادرة الحريات الديموقراطية للجماهير من قبل الأنظمة العربية المهزومة، ومن التخلي المختلف الأشكال والدرجات عن الشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية ، وبروز الدول النفطية كقوة مؤثرة وفاعلة وتوظيفها جزءا كبيرا من عائدات النفط الضخمةلترسيخ التجزئة و لشراء ورشوة العناصر والقوى والأنظمة الموسومة بـ" التقدمية " ، فإن هذه التيارات الأربعة شرعت تنقسم على نفسها إلى أجنحة وتيارات فرعية ، بعضها موال للسلطات القائمة وبعضها معارض لها ، كما أن هذه الأجنحة والفروع بدات تتداخل مع بعضها ، بحيث بات من الصعب التحدث عن تيار ذي لون أيديولوجي أو سياسي نقي ومحدد المعالم والمواقف .
في إطار هذا المناخ الأيديولوجي العام ، الذي اتصف بالتبعية السياسية والإقتصادية والثقافية للدول المتطورة بشقيها ، نشات وترعرعت المدارس والجامعات الحديثة في الوطن العربي ، ونشأت بالتالي السوسيولوجيا كعلم اجتماعي ذي رأسين ( رأس رأسمالي وراس إشتراكي ) وبدأت تأخذ طريقها إلى التبلور والتمايز والتميز سواء على المستوى النظري أو التطبيقي .
هذا وتختلف نشأة السوسيولوجيا في الوطن العربي ، من جهة بين المشرق العربي والمغرب العربي ، ومن جهة ثانية بين قطر عربي وآخر . ففي المشرق العربي كما يقول علي أومليل نقل هذا الدرس Disziplin أساسا طلاب ذهبوا لتحضير رسائل في الجامعات الأوروبية والفرنسية خاصة ، ثم فيما بعد في الجامعات الأمريكية ، وعاد هؤلاء ليذيعوا ماتعلموه انطلاقا من الجامعة المصرية ... أما في بلدان المغرب فإن دخول الأبحاث قد بدأ كاستكشافات للتعرف على البلاد تمهيدا للغزو الإستعماري لها ... وهكذا تكوّن ركام ضخم من تقارير استكشافات ومونوغرافات .. وكذلك العديد من الأبحاث عن القبائل والمدن والزوايا ... وكل ذلك ملتزم أغلبه بإنجاح عملية استتباع البلاد وإ دماجها بالنظام الإستعماري هذا وقد دخلت السوسيولوجيا الجامعات العربية بداية كمادة في إطار المواد الأساسية لقسم الفلسفة ، ثم أخذت تتحول تدريجيا إلى أقسام خاصة تمنح إجازات علمية في مادة " علم الإجتماع / السوسيولوجيا " . وتعتبر جامعة القاهرة أول جامعة عربية تحولت فيها السوسيولوجيا إلى دائرة مستقلة (/ Lehrstuhl Departement )عام 1947 ، بينما تأخرت جامعة دمشق إلى عام 1976 ، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى 1978 ، وما تزال السوسيولوجيا في العديد من الجامعات العربية تدرس في إطار الفلسفة و/ أو العلوم الإجتماعية الأخرى .
إن التبعية الثقافية للدول الصناعية المتطورة تنطبق بصورة أساسية على السوسيولوجيا التي تبلورت في أحضان الثورة الصناعية في أوروبا وامريكا ، ولم يكن الرواد الأوائل من السوسيولوجيين العرب سوى ممثلين أمناء لهذه المدرسة السوسيولوجية الغربية أو تلك .
فقد كتب نقولا حداد عام 1924 أول كتاب عربي يحمل إسم " علم الإجتماع " ، وكان واقعا بصورة خاصة تحت تاثير هربرت سبنسر ونظرية التطور الداروينية . وحاول كل من علي عبد الواحد وافي وعبد العزيز عزّت وحسن سعفان شحاته إلباس ابن خلدون قبعة أوغست كونت ، ولم يكن عبد الكريم اليافي أكثر من ناقل لنظريات دوركهايم السوسيولوجية إلى اللغة العربية ... وبصورة عامة فإن مؤلفات وترجمات خريجي جامعات أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تهيمن على المناخ الأكاديمي العربي ، قد جعلت السوسيولوجيا في الوطن العربي ، وحتى فترة قصيرة جدا أسيرة الوضعية والإمبيريقية والإتجاه البنائي ـ الوظيفي ، بما عناه ويعنيه ذلك من التصاق بالأفكار المثالية والإبتعادمن جهة عن عبد الرحمن بن خلدون الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لعلم الإجتماع ( 8 / 19 ــ 32 )، ومن جهة ثانية عن المنهج الجدلي بوصفه ـ من وجهة نظر الكاتب ـ المنهج العلمي الأساسي في فهم وتحليل وتفسير كافة العلاقات والظواهر الإجتماعية . ( أنظر : 17 / الفصل الرابع ص 74 ــ 122 ) .
8. 2 ـ إشكالية العملية التنموية في الوطن العربي من منظور سوسيولوجي :
تعني وتتطلب العملية التنموية في البلدان النامية عامة تنمية مثلث : الإنتاج ، الديموقراطية ، الوعي . ويمثل قاعدة هذا
المثلث المتساوي الأضلاع ، عنصر تنمية الوعي الإجتماعي والسياسي بوصفه الشرط المسبق لتنمية كل من الإنتاج والديموقراطية ، الأمر الذي يطرح على النظرية السوسيولوجية عامة وعلى سوسيولوجيا البلدان النامية خاصة إشكالية نظرية وتطبيقية تتعلق بـأجنحة المجتمع الثلاث : أ. الفئة / الفئات الحاكمة ، ب. الفئة / الفئات المعارضة ، ج. مؤسسات المجتمع المدني ( الثلث الضامن للديموقراطية ) ألا وهي إشكالية : من سينمي ماذا ؟ وكيف ؟ .
إننا كسوسيولوجي عربي ، ومن موقع الإلتزام العلمي والمسؤولية الوطنية والقومية نرغب أن نشير إلى بعض الظواهر والموضوعات التي يمكن أن تساهم في الإجابة الموضوعية علىهذا السؤال المطروح أعلاه وتحدد الجهة المسؤولة عن تعثر العملية التنموية في كافة أقطار الوطن العربي :
ــ إن تغييب الدور السياسي للجماهير العربية من قبل السلطات القابضة على الحكم في الوطن العربي ، كان وما يزال السبب والنتيجة معا لتخلف الوعي الإجتماعي والسياسي لدى هذه الجماهير ، وإذن تخلف وتعثر كل من العملية الإنتاجية والعملية الديموقراطية ، من حيث أن تغييب الوعي السياسي للجماهير هو شرط إبقائها بعيدة عن الممارسة السياسية،
ــ إنه بالإضافة إلى السلطات الحاكمة المرتبط معظمها ــ إن لم يكن كلها ــ بالنظام الإمبريالي العالمي المعروف الأهداف والنوايا المشبوهة ، ولا سيما في عصر العولمة هذا الذي نحياه اليوم ، فإن شرائح كثيرة وكبيرة من المثقفين غير
العضويين ( اللامنتمين ) ومن بينهم قسم من السوسيولوجيين قد تأهلوا ثقافيا وعلميا في الجامعات الغربية الملتزمة بالنظام الراسمالي وعادوا إلى بلدانهم وهم يحملون قيمها وأيديولوجيتها وأساليب عيشها وتفكيرها ، الأمر الذي انعكس بصورة سلبية على التزاماتههم العلمية والقومية والوطنية . إن كثيرا ممن عرفت من هؤلاء أصبحوا من أصدقاء الدولار
واليورو ، ومن المهرولين نحو محميات الخليج العربي ، وبات من الصعب أن يفرق المرء فيهم بين اليمين واليسار !!
وفي تفسيره لهذا الدور السلبي لهؤلاء المثقفين يقول الدكتور محمد عزت حجازي في دراسة له بعنوان( الأزمة الراهنة في علم الإجتماع في الوطن العربي ): " يبدو لنا أن قليلين فقط من المشتغلين بعلم الإجتماع في الوطن العربي ـ من عهد الرواد الأوائل حتى الآن ـ يأتون من أصول طبقية فقيرة ، في حين تأتي النسبة الغالبة منهم من الشرائح الوسطى أو البرجوازية وأغلبهم ... ينتمون بتطلعاتهم وفكرهم إلى البرجوازية الكبيرة " ولهذا فقد " تحول معظمهم إلى ،، مفكرين بأجر،، يبحثون ويدرسون ويكتبون في حدود مايطلب منهم ويؤجرون عليه".(أنظر: 36 / 16/17 ) .
8. 3 ـ إشكالية الأقليات في الوطن العربي :
ــ يتميز التركيب الإجتماعي في الوطن العربي بالتداخل والتشابك بين الإنقسامين : العمودي( الإثني ، الديني ، الطائفي ، القبلي ، الفئوي ، الجغرافي / الجهوي ) والأفقي (المصالح الطبقية ) . ونحن نفترض هنا أنه كلما كان الإنقسام الأفقي في بلد ما أرجح وأوضح ( كما هي حال المجتمعات الصناعية المتطورة ) كلما كان الوعي الإجتماعي والسياسي أنضج وأكبر . هذا مع العلم أن هذين الإنقسامين متشابكان ومتداخلان ، بحيث يصعب التكلم عن طبقات إجتماعية واضحة أو صراع طبقي في البدان النامية التي يعتبر الوطن العربي جزءا منها . هذا وقد زاد وجود الثروة النفطية الخليجية ، وكذلك قيام الكيان الصهيوني في فلسطين ، وأخيرا ماجرى ويجري الآن في العراق ولبنان والسودان والصومال ، من شدة وكثافة هذا التداخل والتشابك ، والذي تقوم الدول الإستعمارية المعروفة بتغذيته وتوظيفه لخدمة مشاريعها المشبوهة في منطقة " الشرق الوسط الجديد" !!.
يندرج في إطار الإنقسام العمودي ، مسألة الدور الذي لعبته وتلعبه الأقليات في عملية التغير الإجتماعي في الوطن العربي . ونحن نعني بالأقليات هنا : الأقليات الدينية والقومية والطائفية والقبلية والجهوية . وإننا استنادا إلى مشاهدتنا ومعايشتنا وتحليلنا لهذه الظاهرة في العديد من الأقطار العربية ، فقد توصلنا إلى الفرضية السوسيولوجية التالية حول هذا الموضوع :
( إن الأقليات عامة ، إذا ماكانت مضطهدة من الأكثرية التي تنتمي وإياها إلى نفس الأمة و/ أو الوطن ، فإنها يمكن أن تلعب دورا إيجابيا عندما تكون في المعارضة ــ معارضة النظام السياسي والإجتماعي القائم ــ ،أما إذا ماوصلت هي ذاتها إلى سدة الحكم بما هي أقلية ، أي بطرق غير ديموقراطية وغير شرعية ، فإن هذا الدور لابد وان ينقلب إلى ضده
بالضرورة ، ذلك أنها لاتستطيع أن تحافظ على بقائها في السلطة إلاّ عبر اضهادها للأكثرية وتغييبها إيّاها عن الساحة السياسية ، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ) .
إن الصورة المأساوية التي نراها الآن في معظم الأقطار العربية ، إنما تعود إلى هذا الخلل الإجتماعي ، المتمثل بسيطرة
الأقليات والطغم القبلية والقومية والطائفية على مقاليد الحكم في هذه الأقطار، وهي صورة تعكس وتنعكس وتتماهى مع غياب الديموقراطية الإجتماعية والسياسية غيابا شبه مطلق في كافة أنظمة الأقليات ، ذلك أن حجمها المحدود يفرض
عليهاأن يكون حضورها في السلطة مرهونا بغياب الديموقراطية الحقيقية وصندوق الإقتراع الشفاف والنزيه ، أي عمليا بممارسة هذا الشكل أو ذاك من اشكال الديكتاتورية عبر التغلغل في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والسيطرة عليهما
8. 4 ـ إشكالية العلمانية والمواطنة :
قال تعالى: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) - الحجرات 13.. وقال أيضا: ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)) - البقرة 251.. إن ما تشير إليه هاتان الآيتان الكريمتان إنما هو ما نطلق عليه في علم الاجتماع جدلية الوحدة والتمايز في وبين الظواهر الاجتماعية، حيث أن كلا من طرفي هذه الجدلية يشير إل التواجد والتزامن والتعايش بين ظاهرتي التعاون والتدافع في المجتمعات البشرية، وأن كلا منهما متضمن موضوعيا في الأخرى، الأمر الذي يعني أن دور الإنسان فيما يخص ظاهرة التدافع يتمثل في ضبطها وتوظيفها في خدمة وحدة وسلامة وتنمية المجتمع وهذا لا يتأتى إلاّ إذا كانت الوحدة هي العنصر الأساسي والثابت في هذا المجتمع بما هو أفراد وبما هو جماعات، وكانت بالتالي قيم الحريةوالعدالة والمساواة هي السائدة بين كافة أبناء الوطن الواحد . إن خاصية الوحدة والتمايز التي تطبع كافة المجتمعات البشرية، والتي تنطوي على التعاون والتدافع إنما تعني على المستويين النظري والتطبيقي، وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وجود مبادئ عامة، تمثل القاسم المشترك لمعظم - إن لم يكن لكل - الأديان، والأيديولوجيات، ومنظومات القيم الاجتماعية التي تحكم سلوك الأفراد والجماعات البشرية . بيد ان وجود مثل هذه المبادئ العامة في مجتمع ما لا يلغي وجود مبادئ خاصة لكل من هذه الأديان والأيديولوجيات ومنظومات القيم الاجتماعية. ومن الطبيعي والمنطقي ألاّ يتعارض هذا الخاص مع العام، وإنما ينبغي أن يكون مثبتا ومؤكدا (بكسر الباء والكاف) له، وبذات الاتجاه فإن العام لا يمكن الإمساك به إلاّ في إطار الخاص والملموس، وهكذا تتحول تلك العلاقة الجدلية بين العام والخاص إلى علاقة اجتماعية روحية - مادية تتمثل في القواسم المشتركة بين أبناء الوطن الواحد والشعب الواحد، تلك القواسم التي تجد تجسيدها العملي في القضايا المبدئية التالية: المواطنة، العلمانية، والديمقراطية، وسيادة القانون:
> المواطنة، من حيث أن أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة متساوون في الحقوق والواجبات، لا فضل لمواطن على آخر ولا لجماعة على أخرى إلا بالإلتزام بالحق والقانون والقواسم المشتركة للمواطنين . هذا مع العلم إن مفهوم المواطنة في الوطن العربي يكتسي طابعا خاصا من حيث انطوائه على التداخل والتساند والتقاطع بين ما هو قومي (عام) وما هو قطري (خاص) حيث يمثل ويجسد جانبا المواطنة (القومي والقطري) هنا وجه الميدالية وظهرها وبالتالي فإنه لا يمكن أن ينظر إلى أحدهما بمعزل عن الآخر، ومن جهة أخرى، فإن مفهوم المواطنة في الوطن العربي، بشقيه: القومي والقطري، لا يمكن فصله عن ا لدور التاريخي الذي لعبه وما يزال الدين الإسلامي، سواء في إعلاء مفهوم ودور الانتماء الديني على كافة الانتماءات الأضيق الأخرى، بما في ذلك الانتماء القومي، أو في توحيد الأمة العربية، وإحلال الرابطة الدينية والقومية محل الروابط القبلية والعشائرية والجهوية التي كانت سائدة في
المنطقة العربية قبل الإسلام.
> العلمانية: إن العلمانية التي ندعو إليها هنا لا تعني أكثر من حياد الدولة تجاه الدين، انطلاقا من مبادئ العدالة والمساواة والديموقراطية والتي تمثل قاسما مشتركا بين الدين والدنيا. إنها بكلمات هنري بيناـ رويث " التأكيد على المصدر الشعبي لوحدة أناس أحرار متساويين " وبالتالي فإن المجتمع العلماني " هو المجتمع السياسي الذي يستطيع
الجميع فيه ان يعترفوا بعضهم ببعض ، والذي يبقى الخيار الروحي فيه شأنا خاصا . ويمكن أن يأخذ هذا الشان الخاص بعدين: الأول شخصي تماما ، والثاني جماعي . وفي هذه الحالة فإن الجماعة التي تشكلت بحريتها لاتستطيع الإدعاء بأنها تتحدث باسم المجتمع كله " ( 47 / 20 ) ، سواء أكانت هذه الجماعة أكثرية أم أقلية .
إن مفهوم العلمانية يتقاطع - من وجهة نظرنا - مع مفهوم حقوق الإنسان، ذلك أن الناس مختلفون في مستوى فهمهم، وفي مصالحهم، وفي أهوائهم، وفي عقائدهم الدينية والدنيوية، والتي هي اختلافات موضوعية لا يمكن إلغاؤها أو القفز من فوقها، وإلاّ وقعنا - سواء عن حسن أو عن سوء نية - في فخ الديكتاتورية، التي يمكن أن تتجسد في حكم وتحكم حزب واحد، أو طائفة واحدة، أو أسرة واحدة، أو دين واحد، أو طغمة عسكرية أو مالية واحدة، وهو ما يتعارض مع كل من قوانين الأرض وقوانين السماء، ولاسيما المبادئ الأساسية المتمثلة، بالمواطنة والعدالة والمساواة بوصفها الأ ثافي الرئيسية الثلاث التي يرتكز عليها قدر ( بكسر القاف ) الديمقراطية والعلمانية .
المراجع :
1) أنظر : أوسيبوف ، قضايا علم الإجتماع ـ دراسة سوفييتية نقدية لعلم الإجتماع الراسمالي ، دار المعارف بمصر ،
1970 .
2) ريمون آرون ، المجتمع الصناعي ، بيروت ـ باريس ط2 1980.
3) ج. أسمان و شتلبرغ ، أسس السوسيولوجيا الماركسية ـ اللينينية ، برلين 1970 ، ( باللغة الألمانية ) .
4) هنري مندراس ، مبادئ علم الإجتماع ، الجزائر ، بلا تاريخ .
5) أوسكار لانجة ، الإقتصاد السياسي ، الجزء الأول ، بيروت 1973 ط2 ، ص .
6) أنظر :: اليونيسكو ، الاتجاهات الرئيسية للبحث في العلوم الإجتماعية ، المجلد الأول ، دمشق 1976 .
7 ) ابن خلدون أ المقدمة ، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني ...، بيروت 1961 .
8) أنظر : محمد الزعبي ، علم الإجتماع العام والبلدان النامية ، بيروت 1991 ط2 ص 119 ــ 125 .
10) أنظر : علي عبد المعطي محمد، رؤية معاصرة في علم المناهج ، الإسكندرية 1984 .
12) أنظر : مجموعة مؤلفين ، المادية الديالكتيكية ، دمشق 1978 ط4 .
14) هـ. ب. ريكمان ، منهج جديد للدراسات الإنسانية ، بيروت 1979 .
15) نفس المرجع السابق .
16) أنظر : جان بياجه ، في المرجع 6 ، ص 65 .
17) بيتلوف بليخانوف ، في تطور النظرة الواحدية إلى التاريخ ، موسكو 1981 .
18) أنظر : محمد الزعبي ، مرجع السابق .
19) برتراند رسل ، أثر العلم في المجتمع ، سلسلة حياة المجتمعات رقم 3 .
20) أنظر : بول لازارسفيلد ، علم الإجتماع ، في : اليونيسكو ، مرجع سابق ( رقم6) ، ص 280
21) إيفانز بريتشارد ، الأنثروبولوجيا الإجتماعية ، الإسكندرية 1975 ط5 ، ص 54
22) كولسون وريدل ، مقدمة نقدية في علم الإجتماع ، الإسكندرية 1972 ، ص 117 / 118
23 ) بول لازارسفيلد ، المرجع السابق ( رقم 20 ) ، ص 279
24 ) أنظر : السيد محمد الحسيني وآخرون ،دراسات في التنمية الإجتماعية ،القاهرة 1979 ط4 ، ص
25( أنظر : بول سويزي وآخرون ، الإمبريالية وقضايا التطور الإقتصادي في البلدان المتخلفة ، دار
ابن خلدون ط2 1974
26 ) رمزي زكي ، الأزمة الراهنة في الفكر التنموي ، في : مجلة العلوم الإجتماعية ، جامعة الكويت
، يوليو 1980 , ص 7 .
27 ) أنظر : معجم الفلاسفة ، برلين 1982 ، ( ألمانية ) .
28 ) محمد عمارة ، معالم المنهج الإسلامي ، القاهرة 1991 ، ص 47 .
29 ) نديم الجسر ، قصة الإيمان ، بيروت 1969 ط3 ، ص 99 .
30 ) أنظر : عبد الله العروي ، الأيديلوجيا ، بيروت 1983 ، ص 20 ــ 21 .
31 ) ابن رشد ، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال ، دار المعارف بمصر ،ص 31 ــ32 .
32 ) كارل مانهايم ، الأيديولوجية والطوباوية ، فرانكفورت 1985 ، ص 75 ــ 78 ( ألمانية ) .
33 ) ي. ببوبوف ، نقد علم الإجتماع البرجوازي المعاصر ، دمشق 1974 ط2 ، ص 152 .
34 ) كارل كورش ، التصور المادي للنظرية الماركسية ، بيروت 1973 ، ص 21 .
35 ) إرفنج زايتلن ، النظرية المعاصرة في علم الإجتماع ، الكويت 1989 ، ص 208 ـ 231 .
36 ) مجموعة ، نحو علم اجتماع عربي ــ علم الإجتماع والمشكلات العربية الراهنة ، مركز دراسات الوحدة العربية ،
بيرةت 1986 .
37 ) أحمد زايد ،غلم الإجتماع بين الإتجاهات الكلاسيكية والنقدية ، دار المعارف ، القاهرة 1981
38 ) نيقولا تيماشيف ، نظرية علم الإجتماع ، طبيعتها وتطورها ط2 ، القاهرة 1972
39 ) دونالد ماكري ، ماكس فيبر ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1973
40 ) إنجلز ، جنازة كارل ماركس ، في: الأعمال الكاملة لماركس/ إنجلز المجلد 19 ، برلين 1978 / ألماني
41 ) كارل ماركس ، نقد للإقتصاد السياسي ،دار النهضة العربية ، القاهرة 1968 ، ص 7
42 ) ب. كيلله ، م. كوفالزون ، المادية التاريخية ــ دراسة في نظرية المجتمع الماركسية ، دار التقدم ، موسكو ،
بلا تاريخ .
43 ) W Friedrich/ W Hennig ، عملية البحث اللسوسيولوجي ، برلين 1980 ( ألمانية )
44 ) إرماند كوفلييه ، مدخل إلى علم الإجتماع ، بيروت 1960
45 ) ف. أ. لينين ، منهم أصدقاء الشعب ، المجلد 1 ( من 10 مجلدات ) ،دار التقدم ، موسكو ، بلا تاريخ .
46 ) محمد عابد الجابري ، فكر ابن خلدون ــ العصبية والدولة ــ ... ، ط3 ، الدار البيضاء 1982
47 ) هنري بينا ـ رويث ، ماهي العلمانية ؟ دار الأهالي ، دمشق 2005 .
48 ) الفارابي ، كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة ، دار الشروق ،بيروت ط 5 ، 1986 .
49 ) حسين مروّة ، النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية ، الجزء 2 ، دار الفارابي ، بيروت 1979
50 جماعة من الأساتذة السوفييت ، المادية الديالكتيكية ،دار الجماهير ، دمشق بلا تاريخ
51 ) ف. إنجلز ، لودفيج فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ، دار دمشق ، دمشق ، بلا تاريخ .
52 ) يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الحديثة ، دار القلم ، بيروت ، بلا تاريخ .
53 ) رايت ميلز ، الخيال العلمي الإجتماعي ، دار المعارف الجامعية ، الإسكندرية 1987 .
54 ) محمد محمد قاسم ، كارل بوبر ــ نظرية المعرفة في ضوء المنهج العلمي ، الإسكندرية 1986
55 ) برتراند رسل ، أثر العلم في المجتمع ،سلسلة حياة المجتمعات رقم 3
56 ) كوتسنسكي ، دراسات في تاريخ العلوم الإجتماعية ، الكتاب 10 ، برلين 1978 ( بالألمانية ) .
57 ) س. ي. بوبوف ، نقد علم الإجتماع البرجوازي المعاصر ، دمشق 1974 ط2 .
58 ) فرح أنطون ، ابن رشد وفلسفته ..... ، دار الطليعة ، بيروت ، 1981
59 ) كارل بوبر ، بؤس الأيديولوجيا ، نقد مبدأ الآنماط في التطور التاريخي ن دار الساقي ، 1992 .
60 ) خديجة الحريري حداد ، الفكر الإجتماعي في فلسفة ابن رشد ... ، موقع الحوار الديمقراطي .
61 ) عبد الرحمن بدوي ، دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي ، الكويت و بيروت ، 1979 ط 3 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق