د. أسد محمد
السلطة داء ، وحالة طارئة على المجتمع البشري ، هي طفرة طرأت على جين المجتمع ، وبدل أن يتحكم هذا المجتمع بعلاقة سليمة مع الطبيعة ومع ذاته ، ينتج ويستهلك ويجدد قدراته، دون الحاجة إلى تراكم ما ينتجه لأنه يكفيه ، فحدثت الطفرة في لحظة من : تراكم الثروة ، فأصبح للثروة مالكاً ، ومع هذا التراكم احتاج المالك إلى قوة للدفاع عنها ، ومع هذه الحاجة مباشرة وُلد : المالك والمملوك ، السيد والعبد ، الذي يدفع الأجر والعمل المأجور ، أي السلطة ( صاحب الملك ، وهو يملك إنتاج غيره ، ينهب غيره ، يتطفل على الآخر ) ، والسلطة أهم شيء قامت به هم منع التواصل المباشر بين المجتمع والمجتمع وبين المجتمع وبين الطبيعة إلا من خلالها من أجل القدرة على التحكم والسيطرة والعبور بذاتها نحو المستقبل ، و أصبح المجتمع لا يأخذ حاجته مباشرة من الطبيعة بل عن طريق وسيط ( السلطة )، هذا الوسيط يتحكم بأمرين : الدفاع ، والثروة ، وهما أمران لم يكونا عندما كانت العلاقة مباشرة مع الطبيعة ، ولا داعي لحماية الثروة ، ولا لإعادة توزيعها كأجر (ولادة العمل المأجور) وبدل أن ينتج المجتمع ما يكفيه ، أصبح ينتج ما يزيد عن حاجته ، وهذه الزيادة هي بفعل أمر من السلطة التي تأمره وتتحكم به ، فبدل أن ينتج لصالحه أصبح ينتج لصالحها ، تحت تأثير قوتين :
- القوة والضغط .
- التحكم والسيطرة.
ولاحقا يتمثل ذلك في عصرنا الحاضر عبر قبول للسلطة تحت مسمى عقد اجتماعي معها اسمه الوطنية ، أو الهوية ، والدفاع عنها ، وهو يقدم لها الضرائب ويسمح لها بنهب ثروات الأرض وتدمير البيئة تحت مسمى هذا المسمى .
وأشبه السلطة بفيروس التهاب كبدي ، فخلايا الكبد السليمة تفرز الصفراء لصالح الجسم ، وعندما يتم غزوها من قبل الفيروس ، تستمر في عملها لكن الفيروس يقول لها ، استمري في العمل ، لكن لصالحي ، وتستمر ، ويستمر الفيروس بالتطفل على الخلية التي تعمل لصالحه وليس لصالح الجسم ، وتظهر الأعراض المرضية من يرقان وغيره وتنهي بموت الخلايا ، لأنها غير قادرة على تجديد نفسها وغير قادرة على تلبية احتياج الفيروس إلى الأبد ..
وهكذا حال المجتمع ، مثله مثل الخلية المصابة بفيروس ، السلطة لا تسمح له بالعمل لصالحه ، وبالتالي تبدأ مرحلة انهياره منذ اللحظة التي تغزوه السلطة ، كلما كانت السلطة قوية ، بلغ المجتمع حد الانهيار ( سلطة واشنطن الآن ) الإصابة بفيروس السلطة في حالة نشطة وعلى أشده والتطفل بلغ ذروته ، وقدرة المجتمع على الاستمرار وعلى تجديد ذاته أصبحت أضعف فلجأت إلى الخارج ( حرب العراق ) من أجل التعويض ، لكن الخارج أيضا يقاوم ، والنتيجة واحدة هو سقوط السلطة .
وكلما كانت السلطة ضعيفة حافظ المجتمع على توازنه ، وكان المجتمع أقوى ( مجتمع منظمة أطباء بلا حدود – لا سلطة قوية فيه ، لكنه مجتمع يقوم بوظائف عظيمة ومستمر وغير مهدد من قبل أحد ) .لا مستقبل لأي سلطة في العالم ، والدليل سقوط الإمبراطوريات الكبرى في العالم ، وهو سقوط للسلطة ، وميزة المجتمع هو إعادة تجديد نفسه ، ولكن مع استمرار العامل الجيني للسلطة الذي تشكل في لحظة من خطأ بنيوي اجتماعي ولا يزال قائما إلى حدٍ ما ،
هل هذه الطفرة ( السلطة) قدر وأبدية ؟
الجواب لا ،
المجتمع يقوم بعملية إعادة ترتيب بنيته من جديد بفعل ثلاثة عوامل :
1- خلق بديل عبقري للتراكم والانتقال من تراكم مادي إلى تراكم معرفي ( ثورة معرفية ) ، يتميز بـ:
- لا يحتاج إلى حماية .
- متاح للجميع .
- مملوك من قبل الجميع .
- سلمي – اجتماعي ، غير قابل للتمركز بيد أحد .
- غير ممركز والسلطة غير قادرة على التطفل عليه
2- قوى اجتماعية أهلية كونية ، تتميز بـ:
- ليس لديها سلطة عسكرية أو مالية .
- ليس لديها هوية وطنية وإنما إنسانية ( حركات مناهضة العولمة ، ومن أجل البيئة ).
- لامركزية في العمل وهذه سمة إنسانية تحسب لها .
- سلمية – أهلية – خلاقة .
3- يعتمد المجتمع في هجومه على السلطة وتقويضها ، ونقل القوى التي تنهبها منه إليه بـ:
- تفكيك القوى الممركزة عالميا ، وتحويلها إلى قوى بأيدي المجتمع شيئا فشيئا ( الشركات العابرة للحدود ، الاقتصاد العائلي ونموذجه الناجح في إيطاليا ودول شرق آسيا ..)
- ضعف السلطة ذاتها ، وعجزها عن السيطرة على القوى الاجتماعية الصاعدة .
- مقاومة الطبيعة للسلطة ( وعدم تلبية احتياجاتها ) مثال : مصنع للورق يعتمد على أشجار الغابات ، يقطع كل أشجار الغابة ، فيقف المصنع .
هذه المعادلة حتمية أيضا بالنسبة للصناعة النفطية .
إذن نحن أمام مرحلة جديدة ، يصوغها المجتمع وفق معادلة بديلة ، معادلة على النحو التالي : لا سلطة قوة تتحكم بالآخر ، ولا سلطة بديلة كما كان يحدث في تناوب الإمبراطوريات صعودا وسقوطا ، بل مجتمع سلمي أهلي حر يتحكم بقواه ، مثال القوى الاجتماعية : منظمة أطباء بلا حدود ، صحفيون بلا حدود ، منظمة الشفافية العالمية ، كلها قوى اجتماعية ليس لديها جيش من أجل الصراع ، بل هي منظمات تعمل للتنمية الاجتماعية ، ومثل هذه المنظمات أو هذا البديل الاجتماعي سيقوض بالتأكيد مركزية السلطة وقواها لتكون الصيغة على النحو التالي : مجتمع يتحكم بقواه المادية والروحية ، كبديل عن مجتمع تتحكم بقواه سلطة تنهبه .
نشهد الآن انهيار لمركزية القوى الإمبراطورية لصالح تحول في السلطة لتكون مجتمع يفرز سلطته ، لا سلطة تتحكم بالمجتمع ، كما حال اللعبة الليبرالية التي استمرت مئتي عام في أمريكا والغرب ، ولم تتمخض إلا عن استعمار قديم بفعل السلطة ، وعن استعمار جديد ، هويتهما واحدة ( النهب والاستحواذ على قوى الداخل والخارج ) .
ولا يمكن أن يستمر ذلك إلى الأبد ، فنحن أمام مشروع إمبراطوري أمريكي يتهاوى ، لصالح مجتمع كوني سلمي أهلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق