مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

08‏/12‏/2010

اطلالة أولية على السامية كمفهوم وتطور عبر التاريخ

مقاربة أولية لبعض المصطلحات الشائعة
في مستهل هذا التناول، نود التداول مع بعض مفاهيم - المصطلحات ذات الصلة بهذه المسألة. 
قبيل ذلك نشير في أن الكثير من هذه المصطلحات والمفردات اللغوية السائدة في عصرنا التي ما لبثت تحمل إيحاءات لفواصل وحدود قطعية قائمة بينها، لم تكن تتمتع بذات المضمون في تلك العصور القديمة. ينطبق ذلك على أسماء الأقوام و القبائل والأديان. إذ لم تكن تلك الأسماء المتداولة في عصرنا مثل الآشوريين البابليين والكلدانيين الفينيقيين الآراميين العرب تحمل سمات أقوام منفصل، بل تمثل بطبيعتها أسماء عهود وأطوار ومناطق وقبائل تربطها وشائج وصلات عضوية. أما ما قد لصق بهذه المفردات من إيحاءات وما قد حملته من تحديدات مشبعة بأبعاد فصل وقطع، فقد حدث في العصور الحديثة كتكريس ونتيجة للتجزئة، وانعكاس لهيمنة أفكار ونزعات مستحدثة تلقي على الماضي ثقلها ورؤيتها بما ليس لها فيه من صلة.. ونظراً لكوننا على اضطرار في استعمال ذات المصطلحات، سنحاول بقدر ما نستطيع، تخليصها مما قد علق بها من إيحاءات زائفة…
لا يختلف الأمر كثيراً عن ما هو شائع في عصرنا من مسميات في مناطقنا العربية..
العرب كمصطلح 
لقد كان هذا المصطلح في مدلوله - القديم - يعكس نمطاً حياتياُ محدداً، متمثلاً في حياة النقل والرعي والبداوة - ( ومثل هذه التسمية لها حضور في بعض المناطق). وكان هذا النمط قد عبرت به - عملياً - كل أقوام المنطقة السابقة. لهذا لا نجد تمييزاً حقيقياً - مثلاً - بين الآراميين والعرب، من حيث قد عبر كل منهما في ذات المرحلة، وأنتقل بدوره من حياة الرعي والتنقل إلى مرحلة الاستقرار والتوطن.. ينطبق الأمر كذلك على الأقوام الأخرى… بيد أن تسمية العرب قد التصقت بآخر الأقوام التي عبرت من ربوع شبه الجزيرة إلى شمالها وشمالها الشرقي، وهي التي توافق الطور الأخير في سلسلة التطور اللغوي في المحيط الحضاري الموافق.. 
على هذا الأساس تمثل العروبة الحالية كهوية، التكثيف النهائي للعملية التاريخية التي قد صهرت أقوام وقبائل المنطقة في مسارها.. وبهذا يمكن اعتبار تلك الأقوام القديمة - السابقة لما يسمى بعرب - هم عرب ما قبل العرب.. أو أجداد كل العرب.. 
في السامية كمفهوم 
في البداية نعلن رفضنا للمفهوم العرقي للسامية، ذلك المفهوم المستمد بحقيقته من النظرية العرقية التوراتية، الذي لا يعبر إلا عن رؤية أسطورية لا صلة لها بالواقع والتاريخ. إذ أن علم التاريخ والآثار وعلم الحياة والإناسة ينفي نفياً قطعياً كل ما قد جاء في الرواية التوراتية عن العروق والأجناس وتطور التاريخ وعمر الأرض. 
في واقع الحال، إن رفضنا للمنظور التوراتي الخاص بالعروق والأجناس، ينطلق بحد ذاته من موقف عام، أي أننا نرفض جعل المنظومة الأسطورية القديمة - التي مثلت المصدر الأكبر بل الأوحد للمرويات الأسطورية التوراتية - مصدراً لحقائق علمية، على الرغم من كوننا نقر أن هذه المنظومة الأسطورية قد مثلت عهدئذ محاولة أولية-عبقرية لتفسير الكون، وتكون إذ ذاك قد مثلت أولى الخطوات التي مهدت لبروز النظر العقلي – التجريدي.. غير أن التطور المعرفي والعلم التاريخي قد قلب صفحة هذه المفاهيم.. بلا ريب..
من جانب آخر نرى، أنه في هذه المسألة ثمة مفارقة، إذ أن الأقوام التي ابتدعت تلك الأساطير قد تخلت عنها كحقائق موضوعية ووضعتها في أرشيف التراث، في حين قد جعلت الصهيونية العصرية من الأسطورة مصدراً للتاريخ. وعلى غرار ذلك يتعامل بعض الدارسين للتاريخ من الأوربيين، مع مصطلحات لها صلة بتلك الأساطير، على الرغم من إقرارهم بعدم مطابقتها لمعطيات الواقع، كما لو كانوا قد رغبوا عبر التداول مع هذه المصطلحات، زرع الوهم في قلب الحقيقة بهدف التواطؤ المبطن على التاريخ..! 
في منظورنا، إن مفهوم السامية يتعلق بجملة من القبائل والأقوام القديمة التي قد ضمتها بوتقة حضارية واحدة ناتجة عن شروط فرضتها قوانين المكان والزمان ( الجغرافية والتاريخ ) مما جعلها تتفاعل بما يخص شؤون الثقافة واللغة والمصير.. بذا يمثل عرب عصرنا – من حيث النتيجة - الورثة التاريخيين والفعليين لكل الأقوام التي يعبر عنها بمصطلح الساميين.. 
أما اليهودية التي قد قُلّدت - تاريخياً - سمة السامية، فالمسألة ذات إيقاع مختلف، يختفي فيه شبح من المناورة على الواقع والتاريخ.. 
وللتداول مع هذه المسألة، نستمد من المؤرخ الإنكليزي - فيليب حتي - الآتي : " في أوربا كما هو الحال في أمريكا، أضحت كلمة "سامي" تعني قبل كل شيء يهودي، بيد أن سمات - علم الفراسة - المحددة - تقليدياً - للساميين ( اليهود) ومن بينها الأنف المعقوف، لا صلة لها البتة في الحقيقة بالساميين، إذ أنها تميز بدرجة عالية اليهودي عن النمط السامي الحقيقي، وهي - هذه السمات - حصيلة مكتسبة من اتحاد قديم جداً بين العبرانيين وشعوب أخرى مثل الحوريين والحتيين والمتانيين - وهي أقوام من أصل آري لا سامي " .
بيد - وإن كنا نثمن القيمة التاريخية لرأي هذا المؤرخ - إلا أن هذه الأحكام قد تنطبق على العبرانيين فيما قد مضى، أما يهود هذه العصر فإن شأنهم آخر، بعضهم أو قليل منهم فقط يتمتع بتلك السمات، أما الغالبية منهم فلهم خصائص مغايرة تضم شتات من سمات هنا وهناك. كما أن المسألة ليست مسألة سمات وخاصيات جسدية، إذ أن البشرية قد تمازجت إلى درجة لم يعد معها ممكناً من التحدث عن خصائص وسمات مميزة ثابتة.. 
في حقيقة الأمر لا صلة واقعية ثابتة لليهودية المحدثة على نحوٍ قطعي بهؤلاء الأقوام، ذلك لأن اليهودية كدين ينطبق عليها ذات القوانين التي تنطبق عليها أديان البشرية، أما الرؤية المعاكسة التي تسبغ على اليهودية مفهوم القومية والصلة بالسامية فأنها تنضح من ذات النظرية العرقية التوراتية التي قد انبثق منها مقولة ما يسمى بشعب الله المختار.
بطبيعة الحال، لا يسمح المجال - هنا ، لتناول هذه النظرية التوراتية - العرقية ووليدها المتمثل بالشعب المصطفى من قبل يهوه الإله القبلي - العبري، إنما لا بد من التنويه في كون اليهود - وإن كان للبعض منهم أصول عبرية - قد فقدوا خصائص الصلة بالسامية ( كهوية - ثقافية منبثقة من محيط حضاري ) وذلك بسبب توزعهم المديد عبر أصقاع المعمورة. و يمكن دعم هذه الحقيقة من طبيعة الاختلافات الشديدة البادية بين الجماعات اليهودية على صعيد الثقافة 
واللغة والهيئة. 
(بصدد اللغة، ثمة محاولة عبرنة لغوية قصرية أو تعسفية تجري في الأرض المحتلة، إلا أنه في الحقيقة تبقى الانتماءات اللغوية لليهود متعددة، وتكون اللغة العبرية الحديثة - التي انبثقت من العبرية القديمة - قد تباعدت كثيراً عنها - وهي هذه الأخيرة، بطبيعة الحال، لغة مفروضة فرضاً..)
أما بما يخص اليهود من ذوي الأصل العبري، فإن إقامتهم الطويلة الممتدة عبر آلاف السنين خارج المجال الحضاري السامي قد أفقدتهم هذه الخاصية - السامية المفترضة، لأن المسألة بحد ذاتها - في جوهرها الأصلي - مسألة محيط حضارة و ثقافة، لا مسألة عرق وجنس وسلالة.. وهذه الحقيقة ذاتها التي تنطبق عليهم، تنطبق تماماً على غيرهم. 
إن الدراسات الغربية- بما فيها تلك الدراسات المحابية لليهودية - تؤكد هذه الحقيقة. نذكر من تلك الدراسات مصدراً منافحاً عن اليهودية من خلال وضعهم في قانون الاستثناء عن العام البشري، إذ يؤكد هذا المصدر: عبر تجربة ميدانية تم التوصل إلى حقيقة مؤكدة تبين أنه لا يمكن التحدث عن خصائص عرقية يهودية، بل إن معظم اليهود لا يعودون إلى أصول فلسطينية، فاليهودي المغربي له قسمات مغربية، والألماني له قسمات ألمانية، وكذلك الإنكليزي والهندي والفرنسي..الخ. كما على صعيد تحليل الأشكال ( المورفولوجيا) تم التوصل إلى نمطين من اليهود : الأشكناز - يهود أوربا الذي تعود أصولهم الأولى إلى يهود بحر الخزر الذين قد امتزجوا بشعوب أوربا الشرقية والوسطى، والسفارديم الذين لهم أصول آسيوية وإفريقية.. ( المصدر 
)JEAN - PIERRE ALEM, JUIFS ET ARABES 3000 ANS D`HISTOIRE, Ed BERNARD GRASSET PARIS 1968, P = 34-35 (
ويؤكد البرفوسور جوزفيتيش ( الجامعة العبرية) " أنه قد أجرى تجارب بيولوجية على المهاجرين اليهود وسجل النتائج ووصل إلى نتيجة بأن اليهود هم طائفة دينية تضم جماعات مختلفة من الناس اعتنقوا ديناً واحداً ، بيد أن نسبة ضئيلة من يهود الأقطار العربية يمكن أن 
تعود أصولها، للعبرانيين القدامى" (أحمد سوسة، العرب واليهود في التاريخ، ص 703). 
نشير هنا، إن استثناء اليهود من القوانين العامة للتاريخ والمجتمعات البشرية يشكل مناورة خفية لوضع القانون التوراتي المتمثل بالشعب المختار في صبغة عصرية. الأمر الذي يشكل بحد ذاته مؤامرة مركبة، على اليهود ذاتهم وعلى باقي الشعوب. .. ألا نرى في اعتبار اليهودية قومية يجعل اليهود المقيمين في شتى بلدان العالم في ورطة حقيقية..! إذ إلى أي قومية يمكن أن ينتمي اليهودي في فرنسا وألمانيا وأمريكا...الخ ! كما نعلم، لا يمكن أن يقبل العقل والعلم والتاريخ قومية عائمة فوق الحضارات والتاريخ والقارات واللغات..!
ألا نجد عبر هذا الاستثناء نمطاً من الاقتباس الخفي للمقولة التوراتية المغرقة في العنصرية، المتمثلة في " وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة " ( في خروج 19/6)، وفي " إياك اختار الرب لتكون شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض.. من محبة الرب إياكم وحفظه القسم الذي اقسم لآبائكم (تثنية 7/6). 
أما بصدد علاقة العرب بالساميين القدامى، يذكر فيليب حتي: بأن عرب الجزيرة خاصة - البدو منهم، يمثلون خير تمثيل الجنس السامي، وذلك على كافة المستويات، البيولوجية، والسيكولوجية واللغوية، وذلك بسبب عزلتهم الجغرافية، إذ لم يذكر التاريخ أن الغزاة قد اخترقوا هذا الحاجر الطبيعي المكون من رمال الصحراء… بل " من هناك كما يبدو قد جاء الأجداد القدامى لكل الشعوب السامية: البابليون، الآشوريون، الكلدانيون الآموريون، الفينيقيون، العبرانيون، العرب، والأحباش: أنهم بالأحرى قد شكلّوا في عصر ما قد مضى، شعباً واحداً " ( ص 13).
كتعليق على مقولة فيليب حتى بصدد العرب: نلتقي جزئياً في هذه المسألة مع هذا المؤرخ، وبالتحديد في كون تلك الأقوام - السابقة الذكر ( أو أغلبها ) - قد جاءت إلى ربوع الهلال الخصيب من موطنها القديم - الجزيرة العربية -، بيد أننا لا نقبل أن هذه الأقوام تمثل عرقاً بالمعنى السلالي، بل نتبناه بالمعنى المجازي.. أي أنها لأسباب تتعلق بالمناخ والجغرافية والتفاعل والصلات تشكل أرومة ذات سمات ثقافية مشتركة يمكن أن نطلق عليها جوزاً ومجازاً بالسامية. فالنظرية التوراتية في مسألة العروق وعمر الكون لا صلة لها بالواقع أنها وليدة أسطورة أسقطها العلم.
في منظورنا، أنه لا يمكن حذف الصلة التاريخية - والبشرية بين المجال الإفريقي والهندي 
والجزيرة العربية، كما لا بد أن تكون الجزيرة العربية قد تمتعت في عهودها القديمة بخصائص مناخية مختلفة، مما قد جعلها موطن لاستقبال هجرات بشرية قادمة من مناطق أخرى قريبة أو بعيدة. فوجود البترول والوديان الطويلة دلالة على وجود حياة نباتية وعضوية وغزارة مائية كثيفة.
في هذا الصدد، نرى، أنه على الرغم من كون شبه جزيرة العرب تتمتع بنمط من الحدود الطبيعية التي تجعل منها وحدة جغرافية متميزة بحد ذاتها، إلا أنها لم تكن قط بمعزل عن التواصل مع محيطها، إذ أن هذه الحدود الطبيعية كانت على الدوام سهلة الاختراق والنفوذ، فالبحر الأحمر لم يمنع أبرهة الأشرم من أن يأتي اليمن من الحبشة، وكذلك قد سمح بيسر كبير - على الرغم من تواضع الإمكانيات - للجوء رفاق النبي إلى نجاشي الحبشة. ولم يكن أمر الخليج العربي أكثر صعوبة من هذا بل وحين يعصى أمره - له شماله. أما سيناء فأنها قد كانت المعبر السهل للأنباط ومن قبلها للهكسوس والمصريين والآشوريين وكل أبناء صحراء العرب، ولم يحتاجوا لعبوره لا لتدخل إله ولا لعصا نبي..
لذا ليس من المستحيل، أن تكون جزيرة العرب هذه قد عرفت بالتوالي - خلال العصور السحيقة فيما قبل التاريخ المعروف - الكثير من الهجرات إليها ومنها- وذلك لأسباب تتعلق بالتحولات الطبيعية الدراماتيكية. بل من الممكن جداً، أن يكون العصر الجليدي القديم قد جعل البشر يندفعون باتجاه المناطق الاستوائية الدافئة، ولهذا يكون قد توفر لجزيرة العرب حصة الأسد من أوائل البشر، وتضاريسها الظاهرة تفصح عن باعها الكبير في هذا المضمار، الأمر الذي قد حملته صدى الذاكرة الجمعية المتوارثة عبر أساطير الخلق والتكوين الأول التي تشكّل الحمولة الأولى للأدب الأسطوري القديم. 
على غرار ذلك وفي زمن لاحق ولنفس الأسباب الجيو- مناخية المتغيرة، تكون ظاهرة التصحر التدريجي قد دفعت هؤلاء الأوائل باتجاه بقاع الماء المتمثلة بالأنهار الكبرى وسهول السواحل، وهكذا كان الرافدين والنيل وسواحل البحر الأحمر والخليج والبحر الأبيض المتوسط القريبة ( الشرقية والجنوبية) ( والجزر المتاخمة في هذه البحار ) هي مناطق اللجوء أمام هذا الزحف الصحراوي المتتالي.
إن هذه الحقائق بكليتها يمكن أن تبدوا لنا من خلال استقراء التاريخ الماضي بل ومن فحص معطيات الحاضر وعكسها على الماضي، إذ ليس الحاضر فقط وليد تاريخي للماضي، بل ويمكن فهم هذا الماضي من خلال قراءة الحاضر، أنه الجدل الذي يبدو كقانون شامل في الحوادث والأشياء.. 
في واقع الحال وعلى هامش تلك المطالعة الجيو- مناخية ونتائجها البشرية، ليس من الأهمية بمكان، أن تكون تلك الأقوام متحدرة من أرومة واحدة " السامية أو غيرها " ، كما لا يعنينا أن يكون أصل جميع هؤلاء الأقوام من بقاع شبه جزيرة العرب، أو يكون هؤلاء الذين قدموا من هذه البقاع هم من أرومتها ذاتها أو قد قدموا إليها من مجاوارتها القريبة أو البعيدة، وإنما الذي نتبناه - وهو الأهم في منظورنا - هو أن هذه الأقوام قد تفاعلت وشكلت عبر عملية تاريخية طويلة متعددة المراحل والأطوار هوية ذات سمات مشتركة يمكن وصفها - حالياً - باسم العروبة. 
والجدير بالذكر، أن الدراسات التاريخية المنطلقة من منظور المركزية الأوربية، في الوقت الذي قد تتبنى فيه الأصل السامي الموحد لهذه الأقوام، واتفاق معظمها بكون هذه الأقوام قد قدمت من بقاع جزيرة العرب، تعلن بذات الوقت انقراض معظمها من قائمة التاريخ وتبقي فقط على العرب ( عرب الإسلام ) واليهود ( يهود التلمود )، كما تعمل على دمج مأثورات تلك الأقوام بالتراث العبري، وتحرص على الدوام على بعثرت العرب وتوزيعهم على أمم وقوميات و ضم اليهود الموزعون في العالم في هوية - عبرية موحدة مستندة على تراث الأقوام السامية القديمة.. ؟
والمفارقة في الأمر، أن هؤلاء عندما يتناولون تاريخ المجتمعات الأوربية يعملون بدأب على ضم جميع القبائل والأقوام القديمة وصهرها في عملية التكوّن القومي الخاص بها. كأن للعالم عدة مقاييس، مقياس للأوربي، ومقياس للعبري، ومقياس للعربي.. 
والأمر المثير في هذا المنظور، أنه يعمل بدأب على تطبيق منهجية مقلوبة معتمدة على المناورة والمؤامرة على التاريخ، إذ تجهد ذاتها في دراساتها على فصل المتصل ووصل المنفصل: ففي تناولها لتاريخ العرب وشؤونهم تضع هذا وذاك في سياق الفصل والتمزيق لوحدة المجال والسير الحضاري، بينما ينعكس الأمر فيما يخص اليهود واليهودية إذ تضمهم في وحدة تاريخية عضوية متجاوزةً التباعد في المسافات والقارات وتباين الانتماء للأزمنة والثقافات والحضارات.. 
يبدو لي، أن هذا المنهج المعتمد من قبل أصحاب منظور المركزية الغربية، يتوافق إلى درجة مطلقة مع السياسة المعتمدة لنظام السيطرة - الرأسمالي الغربي، إذ أن شطب تلك الأقوام ( السامية القديمة) من قائمة التاريخ وفصلهم عن العروبة، يخدم إستراتيجيتها السياسية الذاهبة لتمزيق المنطقة، حيث تجعل من تزوير التاريخ مستنداً شرعياً لها، لذا فهي حين تروج لموضوعة اختفاء تلك الأقوام وبقاء اليهود والعرب (عرب موجة الإسلام )، يصبح معها الأمر سهلاً لوضع مخططها في انسجام مع هذا التاريخ الرث. 
ونرى إن هذا المخطط الذي يستند على ركيزتين، قاعدة لإسرائيل، وتمزيق وبعثرت العرب، يسهل وضع اليد على ثروات وبشر ناهيكم عن المصير والمسير التاريخي لمستقبل المنطقة.. 
كخلاصة - بعد هذه المقاربة الأولية - نستبدل السامية كمفهوم عرقي بالسامية كمفهوم ممثل لمحيط حضاري.. وسيان إن تنينا هذا المصطلح أو بديل عنه..
ولمزيد من الوضوح نشير، أن هذا المحيط الحضاري قد نجم منذ البداية عن جدل العلاقة بين مناطق الماء، الزراعية الخصبة، مع الصحراء المترامية الأطرف الرابضة على تخومها، مما قد أسهم على الدوام في دفع سكان الصحراء، واحاتها، وديانها، وبواديها، إلى التوطن في هذه المناطق الخصبة. وينضم إلى ذالك طبيعة الموقع الجغرافي الإستراتيجي لهذه المنطقة في قلب العالم القديم الذي جعل منها مركز العبور للتجارة الدولية.
والجدير بالملاحظة، على هامش هذه المسألة: إن تلك العلاقة الجدلية القديمة العميقة بين شبه الجزيرة العربية ومحيطها التي بدت حيناً بكونها مركزاً لاستقبال موجات بشرية، ومن ثم تحولها لتكون بدورها بؤرة إرسال لهجرات بشرية، وتحوّل المنطقة لتصبح أخيرا الدائرة المركزية وعقدة المواصلات للتجارة الدولية، قد رسخ في نهاية المطاف السمات الكونية لذلك الميراث الثقافي - الحضاري العظيم المنبثق من ذات المنطقة، إذ لم يكن - هذا التراث - يوماً حصراً لها وحدها، ينطبق ذلك كليةً على الميزات الكونية لأساطيرها ولاهوتها القديم، وكذلك على الخصائص الأممية للديانة الكونية المتمثلة في المسيحية والإسلام، وعلى ما قدمه العرب في حضارتهم - خلال أحقاب تاريخهم القديم والوسيط - من عطاءات جليلة لعموم البشرية..
العروبة كوريثة تاريخية لأقوام متعايشة في ذات المحيط الحضاري ( الساميين القدامى)
إن الهوية القومية لا يمكن اختزالها لتصبح مسألة أجناس وعروق، بل أنها نتاج تكون حضاري وثقافات، ذلك أن الأجناس والسلالات العرقية لم تعد واقعية في عالم الواقع والممارسة، أنها قد تصلح فقط لعصر القبائل المغلقة، التي لم يتح لها التاريخ إلا حيزاً جد قصير..
ما يؤكد هذه الحقيقة بالنسبة للعروبة: وقائع التواصل الجغرافي والمجال الحيوي ذاته، ومن ثم تواصل التاريخ واللغة والثقافة. 
التواصل الجغرافي- يتمثل بتواصل التوطن في أرض المكان الممتد عبر آلاف السنين، هذا المكان الذي يتمتع بخصائص جغرافية مناخية على درجة كبيرة من التماثل. وكما نعلم، أن العامل الجغرافي يكون الوعاء الضروري لتحقيق التواصل والتفاعل والاندماج. فهؤلاء الناس - الذين قد كونوا العرب - قد تناسلوا وتواصلوا وتوارثوا - مع من قد ضمته منطقتهم من وافدين - في أرض المكان من قديم الزمان.
الموقع الجغرافي والتبادل الاقتصادي- إن هذا الموقع الجغرافي من حيث كونه قد توسط العالم القديم، ومثل بذات الوقت مركز الثقل في حوض البحر المتوسط، مما جعل منه، قلب التبادل الاقتصادي، ونقطة تقاطع طرق العبور.. مما حوله إلى سوق اقتصادية متماثلة المعالم، متفاعلة بين المكونات، مما فتح المجال لتبادل الصلات بين مراكزه وأطرافه.. وهذا ما يظهر جلياً في كل المراحل.. ومتى انعزلت مصر القديمة عن بلاد الشام وغربها وجنوبها.. ومتى انعزلت أنظمة بين الرافدين عن الشام والجزيرة.. وحتى مصر..- (تواصل سلمي وحتى حربي – والحرب جزء من التواصل = إذ قد مثلت تنظيم أوضاع وتحقيق مدى اقتصادي ) – 
على نفس الخطى استكمل الفينيقيون ربط الأجزاء بمراكبهم وقواعدهم بين ضفاف شرق المتوسط وضفاف جنوبه.. وبموازاتهم عملت قوافل الأنباط والتدمريين على قهر الصحراء وربط الإطراف بالأطراف.. وقامت قريش مكة بذات الدور (قبل الإسلام).. 
اللغة كمؤشر- إن اللغة العربية ليست فقط مشتقة من اللغات السامية، وإنما أيضا قد ورثتها، وهذا هو مصدر الغنى والحيوية في اللغة العربية، وهذا ما قد جعلها تصمد إزاء محاولات القضاء عليها، لأنها متأصلة في المحيط الحضاري. 
إن التطورات في مجال اللغة يبدي على نحوٍ ما، في كون اللغة العربية نتاج سياق تطور موضوعي قد حدث على أرضية اللغات السامية، وهي على صلة خاصة باللغة الآرامية، بحيث تكون بذات الوقت شقيقة لها ومشتقة منها ووارثة لها. كما أنه ليس من المستبعد أن تكون هذه اللغات - السامية - مشتقة من لغة أم واحدة، مما قد شرّط مسيرة تطورها..
لقد كان على الدوام في تلك المنطقة، ثمة وجود للغة مسيطرة على كامل المنطقة، والتحوّل - الذي يبدو لنا - من لغة إلى أخرى لم يكن تحوّلاً بالمعنى الحرفي للكلمة بل كان عبر عملية تطور موضوعي في معالم الثقافة واللغة السائدة، الأمر الذي قد بدا خاصةً في اللغة الآرامية حيث قد عمت المنطقة عبر قرون عديدة، وأصبحت اللغة المسيطرة في المرحلة الفارسية، إذ قد امتد تداولها من حدود الهند حتى النيل.
على ذات القياس ظهر شأن انبثاق وسيادة الأبجدية الفينيقية التي كانت بمثابة حصيلة تطور طبيعي فرض ذاته بشكل طوعي على جميع المنطقة، إن هذه الحقيقة لم تمنع الفينيقيين بكامل جموعهم من تبني اللغة الآرامية في طور سيادة هذه اللغة.
ويعلن لنا التاريخ، أن الآشوريين عندما سيطروا على المناطق الآرامية تبنوا هذه اللغة، الأمر الذي يعني أن هذه اللغات والثقافات كانت متآخية، إذ لم يدر قط بخلد الآشوريين - وهم المسيطرون - أنهم يتبنون لغة وثقافة ليست لهم بها من صلة.. كذلك كان موقف العرب - الأنباط - والتدمريين - وحواضر شمال شبه الجزيرة - والفينيقيين - الكنعانيين وبقية الأقوام..
وعلى غرار ذلك يمكن إدراك التحوّل الطوعي الشامل لتلك الأقوام إلى اللغة العربية، بدون أية مشقة.. 
على هذا القياس، عندما حضرت اللغة العربية إلى المنطقة، قبل الإسلام وبعده، احتلت تدريجياً وطوعاً موقع اللغة الآرامية، حيث لم يكن هناك في ذلك الزمن وسائل اتصال وإعلام مسيطر، ولم يكن ثمة قدرة على إجراء قسر لغوي وثقافي، بل أن العملية كانت بكليتها طوعيه.. وهكذا نرى عند وصول الإسلام - الذي قد دفع عملية التعريب إلى أقصاها - لم يتحقق التعريب خارج المحيط الحضاري الذي قد ضم الأقوام المسماة بالسامية مع الأقوام التي لها صلة تاريخية - صميمية بها.
بالإجمال، كان في المجال على الدوام لغة مسيطرة على كل بقاع المنطقة، وكان التحوّل من لغة إلى أخرى يتم شمولياً في عموم المنطقة وبعفوية مطلقة.. وتتقوى هذه الحقيقة عندما ندرك وجود نمط من العلاقة الوثيقة بين تلك اللغات التي لا يمكن معها إلا أن نعتبر في أن هذا التحوّل قد جرى في ذات النطاق بين لغات أخوات مشتقة من لغة أم واحد أو تجمعها دائرة لغوية واحدة - (أو حتى لهجات لها سمات متمايزة ترسخت بها لأسباب ذات صلة بالتباعد الجغرافي وصعوبة التواصل اليومي بين هذه الأقوام أو المجموعات القبلية) - وبهذا تغدو تلك الظاهرة كما لو كانت معبرة عن حدوث تطور واشتقاق أدى إلى تمايز تدريجي في هذه اللغات.. بحيث قد بنت لغة ما ذاتها على ما قد سبقها.. - 
( يذكر جواد علي في الجزء الأول من كتابه، تاريخ العرب قبل الإسلام، أن المعنيين بلغات الشرق الأولى قد لاحظوا وجود تماثل واضح بين البابلية والآشورية والكنعانية والعبرية والآرامية والعربية، واللهجات العربية الجنوبية والحبشية والنبطية وأمثالها، من حيث اشتراكها، أو تقاربها في جذور الأفعال، وتصاريفها، وزمني الفعل الرئيسيين التام والناقص، أو الماضي والمستقبل، وفي أصول المفردات والضمائر والأسماء الدالة على القرابة الدموية والأعداد، وبعض أعضاء الجسم، وفي تغير الحركات في وسط الكلمات، الذي يحدث تغيراً في المعنى وفي التعابير التي تدل على منظمات الدولة والمجتمع والدين، فقالوا بوجود وحدة مشتركة تجمع شمل الأقوام التي تتكلم بها.. - هذا النص مستمد من مختارات قومية لمحمد دروزة، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت 1988، ص 606. كما يوجد صلة وطيدة في اللغة المصرية القديمة مع هذه اللغات..) -
إن هذه الحقيقة ذاتها تؤكد بدورها مقولة المحيط الحضاري وتهافت المنظور العرقي التوراتي ( السامي).
الثقافة كمؤشر: كما نعلم ثمة علاقة جدلية بين الثقافة واللغة، إلا أننا سنتناول مسألة الرموز الدينية كممثل عن الفعالية الثقافية: 
لقد عرف هذا المحيط الحضاري في أغلب أطواره التاريخية وجود رموز دينية مشتركة، قد تختلف أسماء الآلهة غير أن وظائفها متماثلة.. 
إن دراسة تاريخ أديان المنطقة تظهر تماثلاً فذاً بين الوظيفة التاريخية للرموز الدينية لدى المصريين القدامى والبابليين والفينيقيين والآراميين والعرب الأنباط. كما أن سياق تطور المفاهيم الدينية كانت متماثلاً إلى درجة كبيرة. إذ تبدي الدراسة المقارنة للأديان السائدة آنذاك، عن حقيقة وجود دائرة ألوهية واحدة تتصف - بسمات مشتركة لها يمكن وصفها " بالتعدد في ظل التوحيد "، وذلك في محاولة منها لتفسير ظواهر الكون المتعددة من خلال تعدد مظاهر الألوهية، لأن الألوهية قد تمتعت بوظائف إدارية لشؤون الطبيعة والناس وبهذا قد تحلت بسمات كونية... 
بطبيعة الحال، لم يكن أمام الناس ومستوى وعيهم في عصرهم، إلا مثل هذا التصور المعرفي لتفسير لغز الكون وأسرار الطبيعة المبهمة لديهم..
وتكاد تتفق معظم الدراسات في اعتبار أن لاهوت التوحيد عميق الجذور لدى أقوام المحيط السامي، ولذا يكون التعدد في الأسماء يعكس التعدد في الوظائف، الأمر يمكن أن يكون قد أدى - في مرحلة تالية ما - إلى حدوث اشتقاقات لاهوتية من الإله الأعلى الكلي القدرة، أي انبثاق منظومة ألوهية يسيرها إله أعلى، حيث يقوم مجموعة من الآلهة الصغار المساعدين له في أعمال إدارة وتسيير وتنظيم شؤون الكون، ربما قد أدى تطور هذا المفهوم لوجود إله خاص لكل قبيلة يستمد صلاحياته من الإله الأعلى..
يمكن العثور على صدى هذه الحقيقة من ما قد ذكره هيرودوت - (المؤرخ الإغريقي- في القرن الخامس ق م، في التاريخ 3/8.)- ، ومن ما يتفق عليه الجميع في تحديد سمات لاهوت العرب قبل الإسلام، المتمثل بالإشراك، أو بتعبير أدق بوجود الآلهة المساعدة للإله الأعلى.. 
ليس من الغرابة بمكان والحالة هذه: أنه حتى في حال وجود آلهة ممثلة لقبائل أو أقوام، فإن هذه الآلهة كانت تترابط فيما بينها بصلات ودية، بحيث تقدسها مجمل القبائل المنتمية لذات المحيط الحضاري.
والجدير بالنظر، أن الظاهرة الدينية المتمثلة في ال " SYNCRETISM‎E - إي التآلف والتوفيق بين الآلهة المتعددة وقبولها - التي يكثر تداولها بين دارسي التاريخ الغربيين - تعبر بحد ذاتها عن العديد من المظاهر، إذ يمكن أن تعكس نمط من اللاهوت المشترك في واقعه ومصدره وتطوره ومآله، كما يعبر - من جهة ثانية - عن نزعة أولية للتوجه نحو التوحد، إذ أن قبول قبيلة ما مقدسات قبيلة الأخرى وتبنيه لها ينم بحد ذاته عن تفاعل ثقافي وتواصل صميمي يؤدي في مآله الأخير للاندماج في بوتقة ثقافية واحدة..
وليس من المستبعد أن يكون مصدر هذه الظاهرة، وجود نمط من الاعتقاد بمصدر إلهي موحد ( بإله كلي التوحيد )، قد تجلّى - طوراً - عبر العديد من المظاهر الوظيفية التي يرمز لها بأسماء آلهة - وطوراً آخر- في أسماء متعددة - كرموز - للقبائل أو الأقوام المتعددة.. ونظراً لإدراك تلك الجماعات لوظيفة الألوهية ومصدرها وتنوع رموزها ومسمياتها، تم القبول الجماعي بها..
على سبيل التأكد من هذه الظاهرة بكليتها، يمكن أن نستمد من التاريخ الخاص بالمنطقة واقعتين هامتين : 
الأولى - عدم وجود حروب ذات صبغة دينية في تلك المرحلة من التاريخ، إذ لو كان ثمة 
وجود للاهوت مختلف الوظائف والسمات لعكس ذاته على كافة أشكال الحروب والنزاعات ( كما قد حدث في أوربا). وبوسعنا اعتبار أن تلك الحروب - التي قد حدثت - لم تكن- آنذاك - حروب بين أقوام مختلفة بل هي نزاعات في ذات المحيط بين حالات سياسية مستندة على قاعدة قبلية، أي نمط موسع من الصراع السياسي على السلطة.
الثانية - تتحدد في التحوّل السهل والفوري إلى دين التوحيد الكوني الذي قد حققته تلك الأقوام، مما يعبر عن قرابة وطيدة بين هذه الأقوام فيما قد كانت عليه وفيما قد تحوّلت إليه. وبهذا يكون الدين الكوني المتمثل بالمسيحية والإسلام يمثل بحد ذاته حصيلة مركبة لتطور طبيعي وتحول نوعي في مجمل المفاهيم الدينية السائدة.. من حيث كون اللاهوت القديم قد تجاوزه الوعي المعرفي المتقدم من جهة، كما أنه بذات الوقت لم يعد يفي بغرض التوحيد.. 
والجدير بالذكر، وحدهم العبرانيون قد شذوا - في المرحلة اليهودية - عن هذه القاعدة، إذ تمتع يهوه التوراتي بسمة قبلية مغلقة، ودخل على الدوام في حالة حرب وصدام مع آلهة الجوار.. بيد أننا نعتبر أن اليهودية قد تشكلت في مرحلة متأخرة، يمكن تحديدها في المرحلة الفارسية، و لم تتكامل على صعيد فعلي إلا بعيد القرن الأول الميلادي، أي في بداية الطور التلمودي.. وتتأكد هذه الحقيقة، من ما أعلنته الأسفار التاريخية للعهد القديم، في كون سليمان وورثته من ملوك الشمال والجنوب قد مارسوا عبادات المحيط الحضاري..
وهكذا يمكن لنا إدراك مغزى تلك الظاهرة التاريخية المتمثلة بوجود لاهوت جماعي شامل لعموم - حيث يتم تقديس كل آلهة الأقوام والقبائل من قبل الجميع - مما يشكل تعبيراً رمزياً عن وحدة مصدره اللاهوتي التوحيدي القديم من جهة، وترجمة فعلية لمحتوى الصلات العميقة والتفاعل الوثيق القائم بين المكونات - الديموغرافية ( أقوام وقبائل ) المتعايشة في المنطقة…. وهل غير اللاهوت - في ذلك الزمن العتيق - يستطيع جمع الشمل في البوتقة الموحدة..؟
بهذا تكون ظاهرة الدائرة اللاهوتية الكلية المشتركة، قد ساهمت - على نحوٍ ما - في دفع المسار التاريخي الذي قد أدى إلى دمج تلك الأقوام في هوية ثقافية - حضارية موحدة...
بصدد تواصل المسار التاريخي ووحدة المجال الحيوي: نستمد - لتكثيف هذه المسألة - نصاً مجتزءاً من مراسلات أنجلز لماركس - ( 26 أيار 1853 - في المراسلات مع ماركس الطبعة الفرنسية الجزء الثالث, 26 / 5 / 1853، ص 374 )- إذ يذكر: " إن الإمبراطورية الآشورية، وكذلك البابلية، قد تم أشادتها من قبل القبائل البدوية في ذات المكان الذي قد تم فيه في عصر تالٍ تأسيس خلافة بغداد. إن الكلدانيين المؤسسين للإمبراطورية البابلية مازالوا يعيشون في نفس الموضع بذات الاسم بني خالد ". 
بطبيعة الحال، إن مسألة هذه المراحل التاريخية المتعددة قد تم دراستها بصورة كافية، وكما نرى حتى في أحوال التنوع والتناقض والتجزئة والبعثرة نجد سمات قاهرة مشتركة.
قرائن تاريخية إضافية: في قرائن تاريخية إضافية تدعم قدم المسار التاريخي الفاعل في تحديد دائرة الهوية العربية - ذلك القدم السابق جداً للإسلام - هو الحدود التي توقفت عندها انتشار اللغة والثقافة العربية، إذ أن هذا الانتشار لم يتوافق في حدوده مع حدود الإسلام. وأن سرعة الانتشار ذاته، تدعم كون المخاض التاريخي الذي انبثقت منه هوية المنطقة يعود بقدمه إلى عصور سحيقة.. 
كما أن طبيعة هذا الانتشار تعلن عن واقعتين متمايزتين: إذ أن اللغة العربية في مداها الإسلامي تتمثل في كونها لغة الخاصة، لغة علماء الدين والفقهاء، وفي أقصى مداها، لغة الشعائر والصلوات، بينما تكون في مداها العربي، لغة العامة والخاصة، لغة الثقافة وممارسات الحياة.. 
وتظهر الوقائع الحية، أن تمسك المسيحيين العرب بهذه اللغة ودورهم بتطويرها - حتى في أرض المهجر - ليس بأقل من تمسك المسلمين العرب بها.. 
ومما يدعم ما سبق، تلك الظاهرة التاريخية المتمثلة في الانتقال السريع للمراكز بل العواصم السياسية والثقافية العربية، من مكة والمدينة إلى دمشق وبغداد والقاهرة وغيرها.. إذ يعبر هذا الانتقال بطبيعة الحال، عن كونه قد جرى في ذات المجال..
ولم يتوقف الواقع وأحداث التاريخ القديم والحديث، من الإعلان بين الحين والحين عن ظهور مرجعية ما - حتى لو كانت مستترة - تضغط بذاتها على الواقع السياسي والثقافي العربي على الرغم من كل ما فيه من تشلل وبعثرة.. مما يشكل مؤشرات ساطعة تعلن عن حقيقة وجود هذه الهوية.. إذ كما ذكرنا، ليس الحاضر فقط وليداً شرعياً لتاريخ الماضي، بل ويمكن فهم هذا الماضي من خلال قراءة لقرائن يبديها الحاضر..
كخلاصة تمثل العروبة المعاصرة التكثيف التاريخي لسيرورة التفاعل المتبادل بين مجمل الأقوام القديمة في المنطقة، وما تواصل معهم من قبائل وأقوام.. على مدى المجال العربي.. 
لا يفوتنا الإعلان هنا، عن أن الموجة العربية الإسلامية بما قد حملته من أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وقيمية قد شكّلت الحلقة الأخيرة والحاسمة في مسيرة صياغة الهوية القومية العربية..
ونرى، إن النظرات الأخرى التي تحاول فصل تاريخ المنطقة – وقطع مجمل التاريخ السابق عن مجمل التاريخ اللاحق.. تصب في نهاية المطاف في مطب منهج التجزئة المعتمد من قبل سدنة سايكس – بيكو.. ومن لف على ذات الملف..
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق