البنـائـيـة الـوظـيـفيـــة :
لم يظهر علم الاجتماع السياسي كنتيجة لظهور موضوعات جديدة تحتاج إلى علم جديد فقط و لكن مبررات ظهور تعود أيضا إلى المنهج أو الأسلوب الجديد في دراسة الموضوعات و هو المنهج البنيوي الوظيفي الذي يعكس توجها عاما لدى علماء الاجتماع السياسي و يقوم على فكرة أساسية هي انه دراسة لظاهرة أو سلوك اجتماعي سياسي لا تكون علمية إلا إذا انطلقت من التعامل مع المجتمع باعتباره يشكل وحدة كلية و كلا متكاملا أو مجموعة من العناصر المتداخلة فالدين و السياسة و الثقافة و الاقتصاد كلها مظاهر متنوعة لنفس المجتمع و بينها علاقة اعتمادية متبادلة ( تبادل ) بحيث يصعب أن نفهم أو نفسر ظاهرة سياسية ما دون الرجوع إلى البناء الاجتماعي الذي ظهرت فيه الظاهرة و في هذا المجال يقول كبلن " ليس في وسعنا تحليل معظم القرارات السياسية إلا أن تدرس العلاقات بين القرارات الفردية و الأنظمة الاجتماعية و الأنظمة الفرعية التي تعمل في إطارها و ظروف البيئة التي تتحكم بالاختيار و من هنا يلاحظ تزامن ظهور علم الاجتماع السياسي مع ظهور المناهج البنيوية الوظيفية و التنسيقية و هي مناهج لها مبدأ و احد و هو أن المجتمع يشغل و حدة كلية و له بنية بداخلها تتوزع الوظائف و الأدوار و تتفاعل صراعا(-) أو تعاونا (+) أي الدور و هو الوظيفية .
في إطار بنية الكلية و أنه لا يمكن فهم أي جانب من جوانب المجتمع دون ربطه بالبنية الاجتماعية ككل هذه النزعة البنيوية الوظيفية التنسيقية في الحقل السياسي بدأت في البروز بوضوح في الثلاثينيات من هذا القرن تم بدأت تبرز في الدراسات الاجتماعية تم بدأت تبرز في الدراسات السياسية منذ 1945 و ما نتج عن الحر العالمية الثانية من مشاكل اقتصادية و ثقافية و ظهور دول العالم الثالث التي أظهرت خصوصية السياسي و ارتباطه بثقافة المجتمعات و أوضاعها الاقتصادية و الاجتماعية ، حيث في سنة 1968 في فرنسا (أحداث شغب و عنف ضد السلطة في فرنسا ) قامت بها حركات متطرفة و عنصرية و حركات نسوية و طلابية ضد النظام السياسي أدت إلى أحداث تحولات اجتماعية فرضت تحديا غير محمود على النظام ( النسق ) السياسي .
تعتبر البنائية الوظيفية من النظريات الاجتماعية أو الأطر المنهجية للنظرية الحديثة بنائيا التي تسعى لتحليل الوقائع الاجتماعية أو الفعل الاجتماعي باعتباره البنية التي يتفاعل داخلها أو الوظيفة أو الدور الذي يقوم به داخل البنية .
وعموما هناك تداخل و التباس بين المفاهيم يكتنف المقولات لهذا المنهج مثال : البنية (Structure) ، الوظيفة (Fonction) ، النسق (System) ، فهناك بعض الكتابات تتعامل مع البنيوية كمنهج كفلسفة كما يتحدث آخرون عن النسق أو المنهج النسقي كمنهج في حين في مجال البحث العلمي الاجتماعي يصعب الفعل بينهم كليا فالبنيوية تستدعي الوظيفية و هذه الأخيرة الوظيفية لا تدرك إلا من بوجود بنية مجتمعة و كذلك الحال بالنسبة للنسق أو المنظومة فهو مصاحب دائما للتحليل البنيوي الوظيفي و منه هذه المفاهيم الثلاث تشكل عناصر رئيسية لمنهج تحليلي واحد المنهج التحليلي البنيوي الوظيفي و المعادلة الرابطة بين هذه المفاهيم هي : البنية + الوظيفة = النسق ( المنظومة ) فالنسق ما هو إلا وظائف تؤديها البنيات ( البني ) و قائل هذه المعادلة هو ألفن غولدنر حيث يقول أن الأساس الفكري للتحليل الوظيفي فهو مفهوم المنظومة التي تعني مجموعة متناسقة تساهم سائر عناصرها بأشكال مختلفة للوصول إلى هدف واحد ( أي كل منظومة لها هدف ) و يتوقف بعضها على البعض الأخر و تتألف المنظومة من مجموعات فرعية صغرى .
بالإضافة إلى تداخل هذه المفاهيم فإن أنصار هذا التحليل أي البنيوي الوظيفي يستعينون بالنماذج و بشكل عام لمنهج التحليل الوظيفي يقوم على افتراض مفاده أن المجتمع عبارة عن نسق مؤلف من مجموعة نظم اجتماعية و أنماط محددة و هذه النظم تخضع لتنظيم محدد و أنماط محددة و مصالح إنسانية تمثل تجسيدا للقيم الاجتماعية و الثقافية لذا لا يمكن الحديث عن وظيفة و لا عن نسق دون وجود بنية تستوعب هذه الوظائف و الأنساق لذا لا بد من تعريف البنيوية .
البنيوية (Structure Alisme):الأصل الانشقاقي للكلمة يأتي من كلمة Structure بمعنى ركب و أنشأ أما اصطلاحا فالبنيوية تتعامل مع شيء باعتبار أن له بنية غير عديم أو غير عليم الشكل و يشكل منظومة أو نسق خاصة من حيث تركيبة و وحدة انسجامه الداخلي و هناك عدة تعريف للبنية من أبرزها :
البنية هي نسق من التحولات له قوانين الخاصة باعتباره نسقا في مقابل الخصائص المميزة للعناصر " تعريف جان بياجيه " و في نفس السياق يعرف ليفي ستروس البنية كما يلي : البنية تحمل أولا و قبل كل شيء طابع النسق أو النظام و البنية تتألف من عناصر يكون من شأن أي تحول يعرض للواحد منها أن يحدث تحولا في باقي العناصر الأخرى و منه نستنتج أن للبنية ثلاث خصائص و هي :
الكلية : العناصر الجزئية لا تكتسب معنا في حد ذاتها و هي منفردة بل عند ارتباطها ارتباطا بنسق كلي ( المنظومة ) .
التحول : الإنسان ، المجتمع ، الثقافة ، بينهما علاقات ثابتة مثلا : الجامعة لها ثقافتها و المعاهد لها ثقافتها بشرط أن لا تحل هذه الثقافات بالنظام الكلي .
التنظيم الذاتي : كل بنية لها تنظيم خاص بها .
فكرة البنيوية : أخذت من العلوم البيولوجية ( الكائن يشكل بنية لها مجموعة من الوظائف ، أخذت و طبعت في العلوم الاجتماعية تم في العلوم السياسية ) .
البنية ليفي ستروس :يعد من البنيويون الذين أعطوا للبنيوية موقعها كتيار يزعم العلمية ، ليفي ستروس هو مفكر تقليدي لكنه يتوافق مع البنيوية الحديثة .
و هي تقوم على أنساق القرابة و الأساطير و هدفها فهم الظواهر من خلال النظر إلى الواقع كبنية فكل شيء له شكل و له بنية و حتى تكون هناك بنية بأي طريقة يجب توفر أربع شروط :
ش1- أن تكون عناصر هذه الظاهرة مترابطة فيما بينها و تشكل نسقا .
ش2- التأثير المتبادل بين عناصر الظاهرة و أي تغيير يؤثر على بقية العناصر الأخرى .
ش3- القدرة على التنبؤ بما يسيطر على البنية .
ش4- شمولية البنية لأخذ الوقائع الملاحظة المتعلقة بالظاهرة ، و قد توصل ليفي ستروس على أن العلاقات الاجتماعية هي المادة الأولى المستعملة في صياغة النماذج لتوضيح البنية الاجتماعية.
القرابة : من خلال الأسرة تتكون بني أخرى
الأساطير : يركز على المجتمعات البدائية .
مثال : العنف هو دراسات تستلزم التنبأ و هو مرتبط بمتغيرات و تكون تدريجية على المدى القريب و يمكن أن تختفي على المدى البعيد .
مثال : ظاهرة الفقر هي شاملة بكافة الدول و ذلك بارتباطها بأسباب اقتصادية و اجتماعية .
كما يرى أن البنية هي مفهوم مركزي في المنهج البنيوي و لا تكمن فقط في الواقع التجريبي بل أيضا في النماذج المنشأة من هذا الواقع ، وهناك النماذج للاواعية ، غير المشخصة للأفراد التي تفصح عن نفسها من خلال سلوك الأفراد و المؤسسات الاجتماعية التي يقيمونها و العلاقات التي يدخلون فيها دون إرادتهم ، و حسبهم البنية تمثل الواقع التجريبي الملاحظ أما الواقع العلمي الغير الملاحظ أي ما وراء الواقع لا بد من الكشف عنه فيما وراء العلاقات العينية أو المعطيات المباشرة و لا يمكن الوصول إليها إلا بفضل عملية البناء استنباطي لبعض النماذج المجردة وهكذا فإن الأداة المنهجية التي يستعملها ستروس لدراسة البنية هي النماذج فالمعرفة العلمية للواقع الاجتماعي ، لا يتم إلا عن طريق دراسة البني الاجتماعية من خلال النماذج و البنية لا تنكشف إلا على مستوى النموذج باعتباره منظومة قضايا أي قوانين تشكل العلاقات الاجتماعية داخلها على نحو معين و أن الباحث في تركيبة للنماذج بغية اكتشاف البنية يمر بمرحلتين منهجيتين :
1- الإثنوغرافيا ( علم الإثنيات أو الأعراق ): يتم فيها الوصف الحيادي للوقائع و تجميعها دون تصور موضوع البحث .
2- الإثنولوجيا : و هنا ينتمي الباحث الوقائع لتركيب نماذج تتصف بالسير و الملائمة و الشمولية و كلما كان الباحث بارعا كلما كانت النتائج النماذج الأملح ( علم الأعراف و السكان ).
المنهج البنيوي يقوم على أسس :
جمع المعلومات المتفرقة تم تحليلها تم ترتيبها في قائمة شاملة .
يعين الروابط المتبادلة مع الوقائع و يصنفها مع تحديد ارتباطاتها الداخلية .
أن يركب الأجزاء في كيان واحد أي العناصر المعينة في نسق واحد كموضوع للبحث الكامل .
و عموما رغم أن للبنية العديد من الالتماسات و الغموض إلا أنها ساهمت في إضفاء طابع خاص في مجالات البحث في العلوم الاجتماعية و ذلك من خلال تركيزها على عنصر التواصل و الاعتماد المتبادل بين أجزاء الظاهرة كما أنها تصنف ضمن التيارات المحافظة إلا أنها ساهمت في تحليل الواقع بأسلوب كان ليحل وسط بين هيمنة الأيديولوجية أو التنظير من جانب و النزعة التجريبية من جهة أخرى فهي نظرية لا تكتفي بالظاهر بل تسعى إلى التغلغل في أعماق الظاهرة و معرفة بنيتها الداخلية و علاقة باطنها و داخلها .
الوظيفة النسقية في علم الاجتماع السياسي :
يمكن إرجاع بداية ظهور الاتجاه الوظيفي في الدراسات الاجتماعية إلى أعمال الرواد الأوائل لعلم الاجتماع السياسي و خاصة دوركايم الذي أكد على ضرورة تحليل وظائف المؤسسات الاجتماعية و الاتجاه الوظيفي في الثلاثينات من القرن 19 أمثال مالي توفيسكي و رادكليفد براون ثم انتقل إلى بنية العلوم الأخرى .
يعرف براون الوظيفية على أنها دور كل فرد في الحياة الاجتماعية و في مساهمته في ضمان استمرارية البني الاجتماعية و يمكن إرجاع سبب هذا المصطلح إلى التأثير الذي مارسته البيولوجيا على علم الاجتماع من خلال تشبيه المجتمع بالكائن الحي الذي ينمو و يتطور و يبحث عن التوازن فالكائن العضوي يمثل نسقا متآلف من أجزاء و هذا ما ذهب إليه سبنسر و هي الأجزاء ترتبط ارتباطا وظيفيا في إطار الاعتماد المتبادل و قد طبق علماء الاجتماع و السياسية على الفئات و الجماعات و كلاهما اعتبر أن النظم الاجتماعية و الاقتصادية لها وظائف خاصة بها و هذه الوظائف تحتاج إلى آلية يمكن للمجتمع بواسطتها تأدية وظائفه و هذه الآلية هي التبادلية (Multilisme) أي الاعتماد المتبادل موائمة و توافق و مشاركة في القيم و المعاني و حتى يستطيع أفراد المجتمع تحقيق التكيف و الملائمة فإنهم يجدون أنفسهم في مواقف اجتماعية متبادلة .
و الوظيفية تعتمد كثيرا على البنيوية و تأخذ ببعض مقولاتها و لكنها لا تتطابق معها كليا فالوظيفية أكثر واقعية لأنها تهتم بالوظيفة في حين أن المدرسة البنيوية تهتم بما وراء البنية أو غير الظاهرة .
و يرى ريمون بودون أن أنجع السبل لتفسير الظواهر و المؤسسات الاجتماعية هي الانتباه للوظائف التي يقوم بها المجتمع فهو يصنف الوظائفية ( الوظيفية ) إلى ثلاث تيارات :
التيار الأول : الوظائفية المطلقة ( ملينوفسكي ) : لا توجد بنية و النظام السياسي مقيد في كل المجالات و على الإطلاق .
التيار الثاني : الوظائفية النفسية و الاجتماعية ( ميرثون ) .
التيار الثالث : البنيوية الوظائفية ( سبنسر ) .
و هناك ستة أفكار رئيسية يقوم عليها الاتجاه الوظيفي :
1- يتعامل مع الشيء علما انه نسق أو نظام لنسق يتألف من عديد من الأجزاء المترابطة .
2- لكل نسق احتياجاته ( الأهداف ) الأساسية التي عليه تلبيتها أي الاعتماد المتبادل من خلال الوظائف .
3- النسق في حالة التوازن أو الذي يتحقق بتلبية أجزائه ( الأنساق ) لاحتياجاته .
4- أجزاء النسق قد تكون وظيفية ( معناه أن لها وظائف ) تساهم في توازن النسق أو تكون ضارة بالنسق و تضعف توازنه و قد تكون غير وظيفية ( لا تؤدي وظيفة ليست لها أي أهمية ).
5- تتحقق حاجات النسق بواسطة تغيرات أو بدائل ( من الحزب الواحد إلى التعديدية ).
6- و حدة التحليل بالنسبة للوظيفة ( كيف نعرف أن هذا يعمل أو غير يعمل ) و هي الأنشطة أو النماذج المتكررة و التحليل الوظيفي يسعى إلى الكشف عن كيفية إسهام أجزاء النسق في تحقيق النسق ككل بهدف الاستمرار .
( علم البيولوجيا : السيبرنتيكا )
أ- الوظيفية المطلقة (ملينوفسكي ) : لقد ساهم ملينوفسكي في تطوير الوظيفية من خلال دراساته للمجتمعات البنائية و هو أول من طالب بوجود مدرسة وظيفية تقف في وجه النزعة التطويرية التي كانت سائدة آنذاك له كتاب " النظرية العلمية " سنة 1944 يؤكد فيه على الترابط الحاصل داخل كل مجتمع بين ثقافته و المحيط المادي و هو الربط الذي يعد من أسمى التحليل الوظيفي لمعنى أن كل ثقافة يجب أن تشبع الخاصيات البيولوجية للإنسان كالتغذية و التناسل و هي من خلال إشباع هذه الحاجات التي تهيئ فرص الاستمرار و يعمل على تنظيم النمو و التقدم و أنه من الممكن أن نربط وظيفيا بين الاستجابات الثقافية المختلفة مثل الاستجابات الثقافية القانونية و العلمية و التعليمية و الدينية من ناحية و الحاجات البيولوجية من ناحية أخرى فالفن و الترويج أو المراسيم العامة يمكن أن تربط شكل مباشر بردود الجسم الكائن العضوي للإيقاع أو الصوت أو اللون و ارتباطاتها و قد اهتم ملينوفسكي بعامل الثقافة كتعبير عن حاجته للإشباع الرغبات البيولوجية للإنسان و أن الثقافة قد تنشأ عن تلك الأنشطة الموجهة أساسا نحو إشباع الحاجات البيولوجية الأساسية ، و عندما يحلل ملينوفسكي الثقافة من خلال الوظيفة التي تقوم بها في المجتمع أي من المبدأ القائل بأن " سائر النماذج الثقافة أو كل عادة أو هدف مادي لها وظيفة حيوية و لها مهمة تؤديها و هي جزء لازم لكل منظومة أي نسق " و هذه الوظيفة معممة أو مطلقة فكل عنصر في المنظومة يؤدي وظيفة ( مثلا حتى الأمور الغير محسوسة ) اتجاه المنظومة بأكملها و كل منظومة هي وحدة اتفاقية وظيفة 1 و هكذا استخدم ملينوفسكي التحليل الوظيفي في التحليل النمط الثقافي فالثقافة حسب ملينوفسكي هي كل ما يشمل على أجزاء بينها استقلال ذاتي من جهة و تألف نظما متعاونة من جهة أخرى ، و هي تتكامل وفقا لمجموعة من المبادئ مثل إنتاج النوع و التناسل و المكان الذي يوجد فيه التعاون ( الرقعة الجغرافية ) و منه الثقافة تحقق تكاملها و اكتفائها الذاتي في ضوء قدرتها على إشباع المجموع الكلي للحاجات الأساسية و الوسيلية و التكاملية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق