مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

09‏/12‏/2010

دور المعرفة في تشكيل الذات


أ. د. يحيى جبر 
أستاذ علم اللغة بجامعة النجاح الوطنية 
مدخل 
تختلف الذات البشرية في تكوينها عن كل الكائنات الحية؛ ذلك لما تمتاز به من آفاق يحار العقل في أبعادها، ويكلُّ عن سبر أغوارها، ونظراً لما تنطوي عليه من أسرار، وما جُبلت عليه من خصائص؛ ومن هنا كان التحكم في تشكيلها وتوجيهها غاية في الصعوبة، ويتطلب جهوداً مكثّفة، ويسلك مناحي شتى، وتتضافر فيه عناصر أكثر من أن يُحاط بها؛ نظراً لتنوّعها وتباين آثارها في النفس، ما كان منها آنيّاً، أو تظهر نتائجه بعد حين. 
وللذات البشرية في هذه المقالة بعدان: ذات المفرد، وذات الجماعة أو المجتمع، على اختلاف في تحديده، وهذا من شأنه أن يزيد في تعقيد المسألة، إذ يختلف الأفراد في المدخلات التي تقوم بإنتاج ذواتهم، كما تختلف استعداداتهم الفطرية والمكتسبة في استجابتها للعوامل المشتركة، وفي ذلك ما فيه من تعقيد يجعل نتيجة التفاعلات الناجمة عن عملية التأثر والتأثير خارج إطار السيطرة المطلقة، ويحصرها في حدود الاحتمالات. 
والذات، ببعديها السابقين، تنمو بشكل مطّرد، لاسيما أنها لا تكون بمعزل عن البيئة التي تكتنفها؛ تستوي في ذلك البيئة الطبيعية والاجتماعية، بما ينضوي تحتهما من عوامل الحراك، وما تؤدّيان إليه من نتائج؛ ذلك أنهما أخطر العوامل وأبلغها أثراً في تربية الإنسان وتوجيهه. 
الإنسان والبيئة الطبيعية 
خضع الإنسان قديماً لبيئته، ولكنه لم يلبث حتى أخذ يتفاعل معها بشكل تصاعدي، فأمكنته من كثير من أمورها التي لطالما استعصت على آبائه الأولين، ولكن ذلك لم يكن دفعة واحدة، "فقد بدأ الإنسان البدائي (في صراعه مع الطبيعة) يرجع إلى نفسه، إلى ذاته، وهي الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يخبره خبرة مباشرة، يرجع إلى نفسه، إلى خبرته الذاتية كمصدر للمعرفة علّه يجد عندها مصدراً للتفسير"،1 ما أدّى بادئ الأمر إلى شيوع التفسير الخرافي للظواهر الطبيعية. 
كما أن التفاعل بين أبناء المجتمع البشريّ لم يكن من قبلُ على غراره اليوم، نظراً لطابع الاستقلالية الذي ساد المجتمعات البدائية، حين كان الإنسان يقتات بما تجود به البيئة، ولم يشهد تعاوناً تراكمياً إلا بعد أن أحس بحاجته إلى أخيه الإنسان؛ لاسيما حين تزايدت أعداد الناس، وتداخلت المصالح، وكثرت المخاطر، فنحن "نولد جميعاً وبنا نزعة إلى التركيز على الذات، غير أن كل إنسان يكتشف منذ نعومة أظفاره أن عليه أن يتعايش مع غيره من أجل البقاء، وتتسبب الضغوط الناجمة عن هذه النزعة الذاتية الأساسية في كثير من الصعوبات والصراعات ... بيد أن الحقيقة الثابتة هي أن على كل فرد أن يتعلم كيف يعيش مع الآخرين، وهي حقيقة تشهد عليها بوضوح مراقبتنا لمجتمع الحيوانات".2 
وانطلاقاً مما تقدّم، فقد صح أن نقول: "كان الإنسان المحرّكُ للتاريخ لعبةً بيد التاريخ أيضا".3 بعبارة أخرى؛ فإن الحضارة البشرية، في أوضح تعريف لها، هي محصّلة التفاعل بين الإنسان في علاقته بأخيه الإنسان، وعلاقته بالبيئة الطبيعية التي تحتضنه، وقد يكون لنا هنا أن نفرّق بين موقفين من الطبيعة: موقف الإنسان العربي قديماً، حين وقف أمامها مستسلماً، وبين موقف الأوروبيين؛ فقد "كان العلميون الغربيون ينـزعون إلى التعامل مع الطبيعة وكأنها أرض يتعيّن غزوها بفضل الذكاء البشري والكفاءات البشرية، وتمخّض هذا المسعى بالفعل عن اكتشافات كبرى واختراعات باهرة، ومن ثم أفضى إلى حضارات متقدّمة".4 
وفي تراثنا ما يجسّد الحقائق السابقة، ويعرضها عرضاً ينمّ عن خبرة عميقة، ودراية واسعة، ولعل في الآيات والأحاديث التي تحض على الاعتبار بما تقع عليه العينان من آيات الله ومخلوقاته - ما يقوم دليلاً قاطعاً على ذلك، كقوله تعالى (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار...)، ناهيك عما ترتب عليه في الأدب العربي من دعوات إلى طلب العلم، وما تحفل به أمثال العوام من حض على المعرفة وتكريم العلماء ورفع شأنهم فوق غيرهم؛ لأن ذلك من شأنه أن يؤدّي، في آخر المطاف، إلى تذليل العقبات التي تعترض سبيل الإنسان في سعيه للسيطرة على الطبيعة، وتنظيم العلاقات بينه وبين مكونات المجتمع الأخرى. 
إن الإنسان في ضوء ما تقدّم مطالب، باضطرار، بأن يواكب في سعيه متطلبات الحياة من حوله، وأن يكون قادراً على التكيّف معها، وإلا فإنه سيجد نفسه مُخَلَّفا على قارعة الطريق؛ يندب حظه، فرداً كان أو مجتمعاً، إذ لا فرق بينهما إلا في الكم، وحجم الجرعة، أما من حيث التفاعل والعوامل المؤثرة فهما سواء، ومن هنا كان المنظور القيمي للتعليم ينبع "من خلال استبطان المتعلم لما يتعرض له من خبرة وما يتفاعل معه من مواقف".5 وما يكتسبه من معارف، ومن هنا أيضاً استحق الإنسان وصفه بالإنسان العارف (homo sapiens)، لما للمعرفة من دور في تشكيله، وتنميط سلوكه.6 
ولذلك؛ فإن المعرفة بالنسبة للإنسان سر وجود، وعامل رئيس في تشكيل ذاته، ورسم معالم واقعه، والتنبؤ بمستقبله، ولما كانت الحياة في تطور مستمر، فقد بات لزاماً على الأمم "إحلال التعلم مدى الحياة مكانة القلب في المجتمع"،7 ذلك أن الإنسان إنما يتعلّم ليكون.8 
ما المعرفة؟ 
للمعرفة أبعاد وتعريفات متفاوتة، ولكنها تكاد تُجمع على أنها "مُعطى خارجي من المعلومات عن الأشياء أو قوانينها أو أسمائها وصفاتها اللغوية، وهي: 
1. المعرفة الحسية، وهي معارف بسيطة تتعلق بظواهر الأشياء الخارجية. 
2. المعرفة العقلية، وهي معارف عميقة متعلقة بقوانين الأشياء وخواصّها. 
3. المعرفة الكلامية، وهي معارف بيانية متعلقة بأسماء الأشياء وأسماء الأفعال (المصادر) التي تقع من الأشياء وعليها".9 
ويخلط بعض الدارسين بين العلم والمعرفة، لاسيما أن مادتهما واحدة، ولا فرق بينهما إلا في التنظيم، إذ أن العلم معارف منظمة، وقد فرقت العربية بين معنييهما، إذ تأتي المعرفة بمعنى الخبرة بالأشياء، والعلم إنما يقوم على تحري العلاقات التي تنظم تلك الأشياء، وفي اصطلاحات الصوفية إشارات إلى التفريق بينهما، فالعلم مرتبط بالحقائق واليقين، بينما المعرفة قد تأتي عن طريق الحدس والفراسة والإلهام والإدراك الحسي. غير أنه من الخطأ بمكان، "من وجهة نظر سسيولوجية المعرفة، أن نميّز بين الإنسان باعتباره ذاتاً مدركة، من ناحية، وعقلاً مفسّراً للعالم الخارجي من ناحية أخرى، ومن الظلم إهمال البعد الاجتماعيّ الكامن في الفكر والوعي الإنسانيّ.10 
وربما جُعل أحدهما مقدمة للآخر، فالعلم من وجهة نظر جوليان هكسلي عبارة عن "ذلك النشاط الذي نحصل به على قدر كبير من المعرفة بحقائق الطبيعة وعلى السيطرة عليها".11 
فالمعرفة مقدمة للعلم، ونعتقد أن فرويد أراد ذلك بقوله: "إن التفكير التأمّلي يسبق التفكير المنتج، ويضمن له، لأجل مسيرات أخرى من حالات تداعي الأفكار".12 ذاك أن الإنسان يتحسّس الأشياء من حوله، عفو الخاطر أو عن قصد، ويعاود النظر فيها حتى يألفها، ثم تتشكل لديه دراية بخصائصها ومواصفاتها، فالخطوة الأولى تعرّف معرفة، والتالية علماً ينتج عن تحليل المعرفة، الأولى من باب" التحصيل الذاتي"، وهو "أن يبدأ المتعلم بنفسه في التقاط المعارف من المحيط الذي يعيش فيه"،13 بينما الثانية توظيف لتلك المعارف الملتقطة. 
وتختلف مصادر المعرفة وتتنوّع، لاسيما إذا خرجنا بها من إطار الفطرة، فمع تقدّم الزمن صارت المعرفة "صناعة" توجهها المذاهب والمدارس الفكرية والفلسفية، وقد حدد سوروكين (sorrokin) مصادر المعرفة بأربعة أنواع، استناداً إلى المدارس التالية، وهي: 
1. التجريبية، وهي ترى أن منبع المعرفة هو الإدراك الحسيّ، وأن مبادئ العقل والمنطق ليست سوى مجرد ترابط بين التجارب المتكررة. 
2. الدينية المثالية، وهي ترى أن أصل الحقيقة الوحي، ومن ثم يصبح دور العقل ثانوياً. 
3. العقلانية الذهنية، وهي ترى أن أصل الحقيقة متمثل في العقل والفكر ومقولاته، وأنه يقبل بصورة ثانوية المعرفة عن طريق الحواس وعن طريق الوحي. 
4. الصوفية، وهي لا تعترف إلا بالحقيقة التي تأتي عن طريق الإيمان.14 
وتعرُّف الشيء يعني التحقق منه، أهو ما سبق للإنسان أن اتصل به وعرفه؟ أم هو شيء آخر مختلف، ولو كان الاختلاف طفيفاً؟ وبالتأمل في قول الشاعر العربي قديماً: 
قالوا تعرّفها المنازل من مِنىً قلتُ: ما كل من وافى منى أنا عارف 
فقوله: تعرّفها يعني انظر إليها أهي الآن كما عهدتها من قبل؟ أم أنها تغيرت؟ وهذا يعني أن المعرفة أصلاً تعني الإلمام بالشيء مما هو قابل للاستعادة من بعد؛ ليكون سلاحاً يستعين به الإنسان على ما يستجدّ في حياته. ولعل هذا هو ما أراده إدموند هوسرل عندما نظر إلى كل "المدركات المعرفية باعتبارها انعكاساً للعامل الذاتي في المعرفة".15 
الإنسان والبيئة الاجتماعية 
ليس هناك من يعيش على الأرض وحده، وقد سبق إلى تقرير ذلك ابن خَلدون في مقولته الذهبية "الإنسان مدني بالطبع"، ما يعني أن الإنسان يعيش في وسط اجتماعي باستمرار، ولا بد له من أن يتأثر به، ويؤثر فيه بشكل أو بآخر، ما يفضي إلى اكتساب معارف شتى، وفي مقدمة العوامل المؤثرة في الإنسان دائرة الأسرة، بل الوالدين على وجه الخصوص، استناداً إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم "يولد الإنسان على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه"، ونحو ذلك مما يشهد به قول الشاعر المأثور: 
إذا كان رب البيت للطبل ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص 
وقول الآخر: 
وينشأ وارد الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه 
وتتناسب العوامل الأخرى في ما تتركه في الإنسان من أثر تناسباً طردياً مع بعدها عنه، هذا البعد الذي يختلف مع الزمن، وتختلف تبعاً لذلك قوة تأثيره، ومن هنا جاءت الحاجة إلى علم اجتماع المعرفة الذي "يهتم بدراسة العلاقة بين الفكر والمجتمع، ويهتم أيضا بدراسة الظروف الاجتماعية أو الوجودية للمعرفة.16 
ويتصرّف الإنسان في الوسط الذي يعيش فيه انطلاقاً من رصيده المعرفيّ، ويتحدد سلوكه، إلى حد كبير، بما اختزن فيه، مما جاء انعكاساً لخبرته بعناصر البيئتين: الطبيعية والاجتماعية، فالطريق الوحيد "لإقامة علم السلوك هو البحث عن أسبابه في البيئة بمعناها الواسع؛ أي باعتبارها أحداثاً طبيعية، بل أيضاً الظواهر البيولوجية، سواء أكانت هذه الظواهر عمليات فسيولوجية داخلية أم مكوّنات عضوية".17 والسلوك إذن هو عبارة عن "ذلك النشاط الذي يصدر من الكائن الحيّ نتيجة لعلاقته بظروف بيئة معيّنة، والذي يمثّل، بالتالي، في محاولاته المتكررة للتعديل والتغيير في الظروف حتى يتناسب مع مقتضيات حياته، وحتى يتحقق له البقاء، ولجنسه الاستمرار".18 
نخلص مما تقدّم إلى أن السلوك الإنساني يحتكم في مجمل أحواله إلى المعرفة الكامنة في عقل الإنسان، مما استمدّه من الطبيعة، ومن تفاعله مع الآخر من أبناء جنسه، على تفاوت في مداه، لاسيما أن المعارف الخارجية لا تلبث حتى تصير مولِّداً داخلياً لمعارف أخرى، مما لا يدركه أحد سواه، ويصعب التنبؤ به، "ذلك أن الذي يحدد السلوك هو المجال الفينومينولوجي للفرد، وهو ليس قابلاُ للملاحظة المباشرة من ناحية أيّ فرد خارجيّ".19 وانطلاقاً من هذه الحقيقة، فقد جعلت الفلسفة الواقعية "محتوى المنهج هو الظواهر الطبيعية في الكون، أما أهدافه ومحتواه فلا بد أن تحدد في ضوء حاضر المتعلم وواقعه الذي يعيش فيه".20 
بين المعرفة والسلوك 
انطلاقاً مما تقدم، نستطيع أن نقول إن سلوك الإنسان لا يعدو أن يكون انعكاساً أميناً لما تفاعل معه عبر ماضيه من المعارف المكتسبة، مع أنه قد يتأثر بقوة الجذب التي تمثلها الغاية التي يسعى الإنسان من أجلها، أي أن سلوكه يكون محصلة القوتين: قوة دفع الماضي وسلطانه، وقوة جذب المستقبل الذي يداعب مخيلته، وقد فرّق أرسطو بين "العلل السببية والعلل الغائية، فقال إن الأولى تحرك بالدفع، والثانية تحرّك بالجذب".21 غير أن الماضي أبلغ أثراً؛ لأن صورة المستقبل إنما تتولد في الدماغ انطلاقاً من ذلك الماضي، فعلاً أو رد فعل. والمطالع في شيم الناس وأخلاقها يدرك إلى أي حد تتلون بأطياف المعارف التي ينطوي عليها الإنسان. فيغدو منهجه الفكريّ ونمط حياته صدىًً لتلك المعارف في أغلب الأحيان.22 
الإعلام والتعليم 
لهذين النشاطين في حياة الإنسان المعاصر أثر كبير في توجيهه وتنميط حياته، وهما من أصل لغوي واحد، غير أن التعليم يكون مباشراً وعن قصد، وبنظام مدروس، وفيه متابعة يومية للمتعلم، بينما يكون الإعلام عمومياً لا متابعة فيه إلا نادراً، اللهم إلا إذا كان موجهاً لأداء رسالة بعينها. 
والتعليم والإعلام إلى جانب ما يكتسبه الإنسان من معارف جراء احتكاكه بالمجتمع والبيئة – تؤدي كلها إلى صياغة عقل الإنسان، وتلعب أبرز الأدوار في توجيه حياته، فقد تعيد تشكيل السلوك، وغسل الدماغ، إلى غير ذلك من أشكال التحكم. ولما كانت هذه الحقائق على هذا القدر من الخطورة؛ فقد أولتها الدول كثيراً من عنايتها واهتمامها، في ما توجهه لمجتمعها من فعاليات، وفي ما تستهدف به مجتمعات أخرى على طريق ترويضها وتدجينها، وهو ما يُعرف بالسلب الحضاري، مستخدمة أساليب مختلفة تتراوح ما بين العصا والجزرة، بين الإغراء والتهديد، ورغد العيش والفتن. 
وهكذا عرفت البشرية في العصر الحديث ما بات يُعرف بالغزو الثقافيّ،23 هذا الغزو الذي ما لبث حتى زُيِّنت صورته بتحريف اسمه إلى "العولمة" التي تجسده في أكثر صوره خبثاً ودهاءً، مستترة وراء العلم والتقنية والتواصل الحضاري بين الشعوب، دون أن ننسى أن "المعرفة الموضوعية لبنية المستقبل أمر أساسي، ويجب أن نميز جيداً بين التيار القوي للتطور البشري والتقني الذي ينبغي دفعه ومؤازرته، بل توجيهه أحياناً والتأثير عليه بمعرفة وتبصّر - وبين مجموعة الأحداث الطارئة التي يخشى أن تتدخل بصورة خطيرة على طريق التقدم الحقيقي".24 
أي إنسان نريد؟ 
لما كان للمعرفة هذا الدور الخطير في تشكيل الذات على المستويين: الفردي والاجتماعيّ، وكانت المعرفة قابلة للتقنين والتحكم بنوعها وكمها، ولما كان الناس؛ سواء من الناحية الفطرية في الحقوق والواجبات، فإنه لا يصح لأحد أن يتحكم في معرفة الآخر، ولا أن يوجهه إلا إذا كان يمثل امتداداً طبيعياً له، كوالديه، ومن يثبت أنه حريص عليه، قادر على توجيهه الوجهة المناسبة الصحيحة، وقل مثل ذلك في المجتمع، بحيث تكون مسيرته في مستقبله امتداداً لحاضره، ومتصلة بجذوره، ليضمن التواصل الحضاري بين أجياله المتعاقبة، وإلا اجتاحته نائبات العولمة، واندثر. 
الهوامش 
1. محمد عماد الدين إسماعيل. المنهج العلمي وتفسير السلوك، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ط2، 1970. 
2. ميونج وون سور. التعلم: ذلك الكنز المكنون، ص209. 
3. بوفر، جنرال أندريه. بناء المستقبل، تعريب أكرم ديري وزميليه، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1976، ص9. 
4. ميونج وون سور. انفتاح الذهن سبيلنا إلى حياة أفضل للجميع، التعلم ذلك الكنز، ص212. 
5. عمار، ص43. 
6. بوريس مورافييف. المعرفة الباطنية، تعريب فؤاد رامز، ط 1، مكتبة مدبولي، 2004، 1/12. 
7. جاك ديلور. التربية اليوطوبيا الضرورية، التعليم ذلك الكنز المكنون، ص21. 
8. برونيسلاف غيريميك. التلاحم والتضامن والاستبعاد، التعلم، ذلك الكنز المكنون، ص190. 
9. عمران سميح الآدمي. المقدمة في دستور المعرفة والعلوم، ط1، دار القرّاء للنشر، 1419هـ، ص 62. 
10. قباري محمد إسماعيل. علم الاجتماع والفلسفة، نظرية المعرفة، بيروت: دار الطلبة العرب، 1968، ص 112. 
11. محمد عماد إسماعيل. المنهج العلمي وتفسير السلوك، ط2، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1970، ص21. 
12. سيجموند فرويد. نظرة عامة في السيكولوجية العلمية، ترجمة فارس ضاهر، ط1، بيروت: دار القلم، 1976، ص 95. 
13. الآدمي، ص 62. 
14. غريب سيد أحمد. مقدمته لكتاب طه نجم، علم اجتماع المعرفة، مصر: دار المعرفة، 1996. 
15. 15 طه نجم. علم اجتماع المعرفة، مصر: دار المعرفة، 1996، ص 7. 
16. دائرة المعارف الاجتماعية، 1968، ص 482. 
17. محمد إسماعيل، ص 194. 
18. محمد إسماعيل، ص 189. 
19. محمد إسماعيل، ص 178. 
20. لطيفة السميري، "تحليل محتوى كتب الدراسات الاجتماعية في دولة سنغافورة في ضوء الأسس الفلسفية والاجتماعية للمنهج": 
http://www.lahaonline.com 
21. محمد عماد الدين إسماعيل، ص 183. 
22. انظر مقالتنا "منهج الفكر ونمط الحياة" المجلة الثقافية، الجامعة الأردنية، العدد 26، ص 62-77. 
23 . يُراجع بحثنا "الغزو الثقافي" مؤتمر إسلامية المعرفة، جامعة النجاح بالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي، سنة 1992، ص 80-109. 
24. بوفر، مصدر سابق، ص 210.
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق