مقدمة
يعتبر إميل دوركايم المؤسس الحقيقي للعلوم الاجتماعية العلمية في بداية القرن العشرين فقد أقام دعائمها على أسس متينة وكون مدرسة فكرية هامة في علم الاجتماع لا تزال قائمة حتى اليوم جعلت من هذا العلم علما تكامليا بعد أن حاولت ربط المواضيع الإنسانية المختلفة من أنثربولوجية وجغرافية ودينية وسياسية واقتصادية ولغوية وقانونية ونفسية بها.
كما يرجع إلى دوركايم الفضل في الوصول إلى استقلال علم الاجتماع عن بقية العلوم التي الحق بها وفي تخليصه من الشوائب التي نسبت إليه وفي توفر شروط العلم المستقل في ميادين ثلاثة الموضوع والمنهج والقوانين ,ذلك انه يرى أن الوقائع الاجتماعية لها نوعيتها الخاصة بها والتي لا تشاركها فيها أية ظواهر أخرى مادية أو حيوية أو نفسية , وبالتالي فان القوانين التي تخضع لها الوقائع الاجتماعية تختلف كل الاختلاف عن القوانين التي تخضع لها هذه الظواهر الأخرى
نشأة المنظر
ولد أميل دوركايم عام 1858-1917 في مدينة ايبينال بمقاطعة الورين في الجنوب الشرقي من فرنسا عن أسرة يهودية ومن المتوقع بان مولده في القسم القومي من فرنسا واتصالاته الأولى بالمشكلات التي صاحبت الحرب بين فرنسا وبروسيا وتوحده مع الأقلية اليهودية المتماسكة من المحتمل أن يكون ذلك هو الذي أسهم في تشكيل اهتمامه بدراسة تضامن الجماعة كان والد دوركايم من المثقفين الفرنسيين الذي دفع ابنه إلى الدراسة المثمرة والتحصيل العلمي فأتم دراسته الثانوية في مسقط رأسه في مدرسة لويس الكبير الثانوية ثم تقدم لمسابقة مدرسة المعلمين العليا وعندما أصبح طالبا في هذه المدرسة عام 1879 بدأ يشعر بخيبة أمل لأنه لم يجد فيها نوع الثقافة التي ينشدها فاخذ يبحث عن غذاء فكري أخر ليشبع نهمه إلى العلم .
وبعد أن استكمل دوركايم دراسته بمدرسة المعلمين العليا بباريس قام بتدريس مادة الفلسفة في مدارس كثيرة مع اهتمامه الشديد بالدراسات الاجتماعية مما حمله على اخذ إجازة دراسية قضى شهرا منها في ألمانيا حيث حاول الاطلاع على الاقتصاد والفولكلور والانثروبولوجيا الثقافية وعين دوركايم أستاذا للتربية بجامعة بوردوكس عام 1887 إذا لم يكن علم الاجتماع يدرس في ذلك الحين في الجامعات الفرنسية ثم أنشئ كرسي للعلوم الاجتماعية خصيصا له في تلك الجامعة وصار دوركايم يوزع محاضراته بين التربية والاجتماع ولم ينقطع طول حياته عن التدريس التربية بل كان يكرس لها ثلث وقته بالرغم من اتجاهه نحو علم الاجتماع كانت واضحة أثناء حياته الدراسية حتى انه استطاع تحديد موضوع رسالته للدكتورة على اثر تخرجه من مدرسة المعلمين وقدم هذه الرسالة للسوبون عام 1893 وموضوعها ( في تقسيم العمل الاجتماعي ) وقد وطد دوركايم أقدامه بهذا الكتاب في ميدان الدراسات الاجتماعية ثم طبع بعد ذلك كتابة (قواعد المنهج الاجتماعي ) الذي أعطاه صفة الأستاذ وجعل منه صاحب مدرسة جديدة فالتف حوله الكثير من الفلاسفة والمؤرخين ورجال الاقتصاد واللغويين وعملوا على تأسيس الحولية الاجتماعية التي تم تشكيلها عام 1896 والتي كرست صفحاتها لتصحيح الفكر الاجتماعي الذي شوهته التفسيرات النفسية والبيولوجية وبعد أن انتقل إلى جامعة باريس عام 1902 واحتل فيها كرسي تدريس علمي التربية والاجتماع حمل لواء الاتجاه الاجتماعي النقي والتزم إلى حد ما بتعاليم اوجيست كونت التي تؤكد أهمية الجماعة في تحديد السلوك الإنساني .
وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى كرس دوركايم جهوده للدفاع عن وطنه عن طريق العلم فكتب في سلسلة من المقالات بعنوان ( خطابات لجميع الفرنسيين) كان يذكرهم فيها بواجبيهم الذي يتلخص في كلمات ثلاث الصبر الجهد الثقة وقد قتل ابنه الوحيد الذي جند في الحرب عام 1915 مما حمله على الانصراف إلى العلم والفلسفة عله يجد فيهما الصبر والسلوى ولكن الحزن لم يحمله أكثر من سنتين فمات في عام 1917 .
فهو يعتبر احد دعائم الحركة العلمية عامة في النصف الأخير من القرن التاسع وأوائل القرن العشرين وهو منشئ علم الاجتماع الحديث وزعيم المدرسة الفرنسية لعلم الاجتماع.
ولقد ترك دوركايم مؤلفاتً وبحوثا كثيرة نشر بعضها في حياته ونشر أتباعه البعض الآخر بعد وفاته والمؤلفات التي نشرها في حياته هي:
تقسيم العمل الاجتماعي 1893م
قواعد المنهج الاجتماعي 1895م
الانتحار دراسة اجتماعية1896م
الإشكال الأولى للحياة الدينية 1912م .
أما مؤلفاته التي نشرها أتباعه فهي
التربية وعلم الاجتماع
علم الاجتماع والفلسفة
التربية الأخلاقية
كتاب الاشتراكية
كما انشأ دوركايم مجلته الاجتماعية المعروفة باسم السنة الاجتماعية أو التقويم الاجتماعي عام 1896م
ثانيا :أهم النظريات التي عالجها :
لدى دوركايم إسهامات عديدة في النظريات الاجتماعية والسياسية إسهاماته النظرية هي:
1- تقسيم العمل والتضامن الاجتماعي.
2- قواعد المنهج في علم الاجتماع.
3- الانتحار.
4- تطور المجتمعات وأشكالها.
5- التفسير الاجتماعي للدين والأخلاق والمعرفة.
النظرية التي سوف أناقشها لدور كايم هي نظريته عن الانتحار
الانتحار :
أولا تعريف الانتحار
يعرفها دوركايم بأنها تشير إلى جميع حالات الموت التي تكون نتيجة مباشرة او غير مباشرة لفعل سلبي او ايجابي قام به المنتحر نفسه وهو يعلم انه سيؤدي الى هذه النتيجة ويرى بان معدل الانتحار يختلف من مجتمع لأخر وفي المجتمع نفسه مع اختلف الزمن.
فكرة انتحار باختصار
توصل دوركايم الى قانون اجتماعي في وقته عن الانتحار مفاده بان الميل الى الانتحار يتناسب تناسبا عكسيا مع درجة التكامل في المؤسسة الدينية ومع درجة تماسك الأسرة ومع درجة الوحدة التي بلغتها المؤسسة السياسية فكلما كانت هذه المؤسسات الثلاث الدين والدولة والأسرة قوية وفعالة كلما اشتدت سلطتها على الأفراد الذين ينتمون إليها وكلما انخفض عدد المنتحرين من أعضائها ولكن إذا ضعف كيان هذه المؤسسات الثلاث وتغلبت الروح الفردية والأنانية فأنهم يتصرفون حسب إرادتهم الخاصة وهذا التصرف غير الملتزم والبعيد عن المعايير الأخلاقية والقواعد الاجتماعية ينتج في زيادة معدلات الانتحار وظهور موجات الانتحار .
تمثيلها بالرسم كالتالي :
الأزمات الاقتصادية الاضطراب زيادة عدم القدرة التسابق على الهدف ضعف الرغبة
والتغيرات الاجتماعية ـــــــــــــ الاجتماعي ( اللامعيارية) ـــــــــــــــ الطموح ـــــــــــــــ على التحكم ـــــــــــــ والتنافس والصراع ــــــــــــ في الحياة ــــــــ الانتحار
المفاجئة في الشهوات
المفاهيم الرئيسية التي ركزت عليها النظرية:
- الانتحار الأناني
- الانتحار الغيري
- الانتحار (( اللامعياري )) الأنومي
جدة الفكرة والطابع ألابتكاري
تعتبر دراسة الانتحار التي قام بها دوركايم من أهم الدراسات التي تمت خلال فترة حياته فدراسته للانتحار كانت توضح طبيعة منهجيته العلمية (السسيولوجية) التي اعتمدها في دراسة الظواهر الاجتماعية ومشكلات الحضارة والمجتمع ,والدراسة قد بينت هنا مفهوم الانتحار وتصنيف أنواعه وتحليل عوامل السببية على نحو من العلمية الموضوعية .
فدوركايم يقول بان الانتحار ظاهرة اجتماعية وهي بذلك لا تفسر إلا في ضوء عوامل اجتماعية التي أنتجتها فهو بذلك يفند العديد من الدراسات والمقولات التي ترجع الانتحار إلى التكوين السيكولوجي للفرد ..
كما رفض القول بربط الانتحار بالاختلال العقلي وكذلك رفض المقولات التي ربطت بين إدمان المخدرات والانتحار وأيضا يرى بأنه ليس هناك علاقة بين الانتحار والمناخ وأيضا رفض العلاقة بين الانتحار والعيش في المدينة .كذلك رفض نظرية "تارد" التي أرجعت الانتحار إلى المحاكاة والتقليد .
وهنا نجد دوركايم رفض هذا الربط وآمن بان الانتحار له علاقة بالبناء الاجتماعي
تعريف المفاهيم الأساسية
الانتحار الأناني / وهنا تعني أن الفرد يفقد ما يسنده ويحصنه ولا يبقى لديه هدف حياتي غير ذاته وتصبح كل الطرق مغلقة أمامه إلا الانتحار . فالأنانية سبب الانتحار .
الانتحار الغيري / وهو الانتحار الذي يرجع إلى شدة اندماج الفرد في الجماعة حتى انه يفقد فرديته
((هنا الفرد يشعر بشدة الواجب إزاء جماعته ويصبح مستعد أن يضحي بحياته من اجل الجماعة ))
الانتحار اللامعياري (نومي) / وهو انتحار الذين لا يسيرون على القواعد التي رسمها المجتمع فيصبحون بلا معيار يحدد نمط سلوكهم أو طريقة انتمائهم للجماعة ومن هنا تزداد حالات الانتحار حين تتكسر المعايير الجماعية وتتحطم عناصر الضبط الاجتماعي .
قياس المفاهيم
الانتحار الأناني / وجد دوركايم من خلال الإحصائيات بان الانتحار ينتشر عند البروستانت أكثر من الكثولوكيين لان البروستانت لديهم نقص في التماسك ولذلك يكون الانتحار عندهم أكثر فارتباطهم بالكنيسة اقل أما الكثوليك فهم مرتبطين أكثر بالكنيسة ولديهم تماسك أكثر .وكذلك يرتفع عدد المنتحرين عند العزاب لان العزاب عادة يعيش في عزله اجتماعية وعاطفية عن الآخرين بعكس المتزوجين .
الانتحار الغيري / يرى دوركايم أن الانتحار بين الجنود أكثر من المدنيين وكذلك الانتحار عند الطلاب الكلية العسكرية الذين هم على باب التخرج أكثر من الطلاب القادمين حديثا الى الجيش كذلك الانتحار عند المتطوعين في الدخول للجيش أكثر من المجندين إجباريا .
الانتحار اللامعياري أو الانومي / هنا باختصار يقدم الشخص على الانتحار يكون في حالات التضارب بين أماله وأهدافه وبين الظروف التي تحيط به بما فيها عادات وأخلاق وقيم ومقاييس مختلفة.ويكثر هذا النوع من الانتحار عند المطلقين والمطلقات والمسنين والمسنات فوجد في البيانات الإحصائية أن الانتحار في فئة المطلقين والمسنين الذين يتمسكون بقيمهم السابقة مرتفع عن غيرهم من المتزوجين والشباب.
خطوات تحليل النظرية
قام دوركايم بدراسة دقيقة وبقدر كبير من الفطنة الإحصائية في وقته معدلات الانتحار في قطاعات مختلفة من سكان أوربا وقد كان استخدامه لهذا التحليل الإحصائي الواسع النطاق ينطوي على هدفين : الأول يتمثل في نقد النظريات التي حاولت تفسير تباين معدل الانتحار بين الجماعات على أسس سيكولوجية أو بيولوجية عرقية أو تطورية أو مناخية أو جغرافية وقد حقق في ذلك نجاحا ملحوظا أما الهدف الثاني فهو تدعيم تفسيراته النظرية والسوسيولوجية بشواهد واقعية ملائمة.
وقد خلص دوركايم إلى نتيجة مؤداها أن اختلاف معدلات الانتحار والتي تتميز عن الحالات الفردية التي يبحثها علم النفس يرجع في المحل الأول إلى تباين البناء الاجتماعي وبخاصة الفروق في درجة التضامن الاجتماعي ونمطه.
الانتحار الأناني
وسماه دوركايم بهذا الاسم بسبب انفصام ارتباط الفرد بالجماعة أو ضعف علاقته بها وعلى هذا الأساس يمكن تفسير ارتفاع معدل الانتحار بين البروتستانت إذا ما قورن بمعدل انتحار الكاثوليك بالرغم من كون الانتحار محرم من قبل هذين المذهبين إذ أن تحريم الانتحار عند الكاثوليك يقترن بربط الفرد بالكنيسة كمؤسسة اجتماعية تملك سلطة دينية على الفرد بالإضافة إلى معالجتها لمشاكله وسماعها لاعترافاته في حين انه بالنسبة للمذهب البروتستانتي لا يرتبط الفرد بالكنيسة كما أن المذهب البروتستانتي يترك للفرد مسؤولية تمسكه بالمعتقدات الدينية ويبيح له محاسبة نفسه ويترك لضميره الشخصي مسألة تقدير ما هو محلل وما هو محرم فضلا عما يشاع بين الأفراد من فردية نتيجة لضعف التضامن بين الاجتماعي الذي قد يمنعه من الانتحار عند الأزمات المختلفة .
ويربط دوركايم بين الدين والعلم على اعتبار أن البلاد البروتستانتية تزداد فيها نسبة المتعلمين وبالتالي ترتفع فيها معدلات الانتحار ويؤيد ذلك أن المستوى التعليمي المنخفض لدى النساء يساعد على تفسير استعدادهن الضعيف للانتحار ولكن يلاحظ دوركايم انخفاض معدلات الانتحار بين اليهود على الرغم من ارتفاع نسبة التعلم بينهم لذا فان الرغبة في المعرفة والميل نحو الانتحار نتيجتان لنقص التماسك والذي يعتبر السبب الأساسي لهما .
ويمكن اعتبار المعدل المرتفع لحوادث الانتحار بين العزاب إذا ما قورن بالمتزوجين كمثال أخر لهذا النوع من الانتحار فالأعزب يكون عادة في عزله اجتماعية وعاطفية عن لآخرين إذا أن مسؤولياته قليلة كما أن ارتباطاته العاطفية اقل من المتزوج وهذا الأخير يكون أكثر ترددا في الإقدام على الانتحار من الأعزب بسبب ارتباطه بأفراد عائلته ارتباطا عاطفيا بالإضافة الى التزاماته تجاهها .كما أن سبب انخفاض معدل الانتحار في وقت الحرب والثورات عنه في وقت السلم يعود إلى ميل الأفراد لنسيان متاعبهم الخاصة في هذه الأزمات أي أن الحرب أو النزاع مع جماعات خارجية من شانه أن يزيد من تماسك الأفراد وهذا يجعل الانتحار اقل .
الانتحار الغيري
يرى دروكايم أن مثل هذا النوع من الانتحار يوجد غالبا في المجتمعات التي تتميز بالتضامن الآلي أي أن المجتمع هنا يدفع الفرد للانتحار.ومثل هذا الانتحار القائد في بعض البلاد عندما يخسر احد المعارك وأيضا مثال انتحار الطيارين في الحروب كاليابانيين الذين كانوا يقودون طائراتهم المحملة بالقنابل لترتطم وتنفجر على سفن الأعداء بالرغم من علمهم مقدما بحتمية موتهم . وأيضا حوادث الانتحار الطقسي بين بعض القبائل الهندية حيث تنتحر بعد وفاة زوجها .
فبالنسبة للجماعات التي يكون تماسكها وثيقا جدا والتي يكون ارتباط أفراد الجماعة يبعضهم البعض ارتباطا قويا جدا تصبح قضية الموت والحياة ذات معنى وذات قيمة خاصة بها بالنسبة لمثل هذه الجماعات فقد يصبح زهق النفس وتضحيتها من لأمور المستحسنة التي قد تضفي أحيانا تأكيدا لشخصية الفرد وتحقيها لاما نية . ومن جهة أخرى قد ينتحر الفرد أيضا إذا فشل الامتثال لقواعد الجماعة وتوقعتها ففي حالة قد يفضل الفرد الموت على الحياة ويحدث مثل هذا الانتحار بصورة خاصة عندما يشعر الفرد أن حياته أو مركزه الاجتماعي مرتبط ارتباطا متلاصقا بالجماعة التي ينتمي إليها بحيث يشعر انه لا قيمة للحياة إذا سحبت الجماعة للفرد قد يجعله يفضل الموت على الحياة.
ولقد استعمل دوركايم نظريته في الانتحار الايثاري لتفسير سبب كون معدل الانتحار أعلى بين طلاب الكلية العسكرية الذين هم على أبواب التخرج منه بين القادمين حديثا إلى الجيش وكذلك في تفسير سبب كون معدل الانتحار أعلى بين المتطوعين في الجيش منه بين المجندين إجباريا إذا يقول دوركايم بان معدل الانتحار يزداد كلما أصبح العسكري منغمسا أكثر فأكثر في الحياة العسكرية وتمثل قيمتها وقواعدها إذ في هذه الحالة يصبح الفرد أكثر تلاحما وتماسكا مع أفراد الجيش وقيمه أي كلما ازداد تلاحمه وترابطه مع أفراد الجيش وتمثيله لقيمه كلما ازداد ابتعاده عن بقية الجماعات في المجتمع أي كلما أدى ذلك إلى زيادة التزامه لقيم وقواعد الحياة العسكرية الأمر الذي يؤدي إلى زيادة اعتماده على نجاحه في الحياة العسكرية التي علمته التضحية بالنفس في سبيل الجماعة ومن ثم لا تعني الحياة بالنسبة له شيئا له أهمية.
للانتحار (( اللامعياري )) الأنومي
هو انتحار الذين لا يسيرون على القواعد التي رسمها المجتمع فيصبحون بلا معيار يحد نمط سلوكهم أو طريقة انتمائهم لجماعة ومن هنا تزداد حالات الانتحار حين تتكسر المعايير الجمعية وتتحطم عناصر الضبط الاجتماعي أي أن الحياة الاجتماعية الجديدة بما فيها من قيم وعادات وأخلاق واعتقادات أضحت لا تلاءم الأشخاص الذين عاشوا في ظروف وقيم تختلف عن الظروف الحاضرة فإقدام الفرد على الانتحار يعود للتضارب بين آماله وأهدافه وبين الظروف التي تحيط به بما فيها من عادات وأخلاق وقيم ومقاييس مختلفة .
فالمجتمع الفاقد للقواعد والمعايير والقيم الواضحة التي تنظم سلوك الأفراد وأمانيهم مجتمع يتصف بحاله الانومي أو الوهن والانتحار الانومي هو الانتحار الناتج من فقدان القيم أو غيابهم مما يشير إلى اختلال في التوازن
الاجتماعي للمجتمع فترتفع معدلات الانتحار في أوقات الأزمات الاقتصادية ولا يرجع ذلك إلى ألازمه الاقتصادية أو إلى انتشار الفقر وإنما ينتج ذلك بسبب تحطيم التوازن الاجتماعي ويؤكد ذلك ما نلاحظه من ارتفاع معدلات الانتحار في فترات الانتعاش الاقتصادي أيضا
فعندما تكون الجماعة متماسكة أي إن الأفراد فيها يكونوا وحدة متماسكة نجد أنها تبلور مجموعة من القيم وقواعد السلوك لتنظيم الأفراد بشكل معين ومحدد أي أن الجماعة تعين للفرد الطريق الذي يجب أن يسلكه في الحياة والأماني التي يجب أن يصبو لبلوغها ومعنى ذلك أن الأفراد يعرفون مقدما ما هو متوقع منهم وفي حالة امتثال الفرد لهذه القواعد فسوف يحظى برضا الجماعة وبالضمانات التي تقدمها له طيلة فترة حياته فالفرد في هذه الحالة يشعر بالضمان بسبب أن الجماعة تحدد له ما هو الخطأ وما هو الصواب في سلوكه وبسبب أن الجماعة لا تتطلب منه أن يصبو لأماني لا يمكن تحقيقها ولكن عندما يضعف تأثير القيم والقواعد على الفرد ولا يعرف ما هو الخطأ وما هو الصواب ولا يعرف الى أي الأماني يتطلع ففي هذه الحالة يصبح الفرد في حل من هيمنة الجماعة وقواعدها كما انه يفقد الضوابط على سلوكه وتطلعاته الأمر الذي يجعله لا يشعر بالضمان والاستقرار هكذا يبرز اتجاه دوركايم الاجتماعي في دراسته لأشكال الانتحار وأسبابه فهو يرى أن لكل مجتمع قواه الجمعية التي تدفع الأفراد إلى قتل أنفسهم نتيجة لدوافع خارجية ولكنها ملازمه للدستور الاجتماعي.
* العبارات التي في النظرية كلها تحديدية
فروض النظرية
أولا : تقل نسبة الانتحار كلما كان الدين أكثر ضبطا لروابط الأفراد وسلوكهم .
ثانيا :تزيد نسبة الانتحار كلما كان الدين اقل ضبطا لروابط الأفراد وسلوكهم .
ثالثا : تقل نسبة الانتحار كلما كانت العائلة متماسكة مترابطة .
رابعا: تزيد نسبة الانتحار كلما كانت العائلة اقل تماسكا وترابطا .
خامسا : تقل نسبة الانتحار إذا كانت الدولة من الوجهة السياسية متينة البنيان مستقرة الأساس .
سادسا : تزيد نسبة الانتحار إذا كانت الدولة من الوجهة السياسية ضعيفة البنيان غير مستقرة الأساس .
* اختبار الفروض
يمكن أن نختبر تلك الفروض من خلال إجراء بحوث علمية ميدانية تعتمد على مجموعة من الأدوات ومنهج المسح الاجتماعي حتى نختبر صحة تلك الفروض.فمفهوم الانتحار ليس مفهوما تجريدي لأنه يمكن قياسه ودراسته في ارض الواقع .
لقد اختبر دوركايم هذه الفروض فدراسته تطبيقية من خلال الملاحظة والرجوع إلى الإحصائيات من خلال البيانات المدونة وكذلك التحقيق وأيضا التجارب التي قام بها عن تلك الحالات وأصبحت هذه الفروض قوانين بسب إثباتها على ارض الواقع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق