يعد الاتجاه الوظيفي من الاتجاهات النظريَّة الأساسيَّة فى علم الإنسان وفى علم الاجتماع. أخذ هذا الاتجاه فى التبلور منهجاً نظرياً لدراسة الثقافات الإنسانيَّة فى الوقت الذى نشأ فيه الاتجاه الإنتشارى فى كل من أوروبا وأمريكا كرد فعل على منطلقات الاتجاه التطوري. إلا أنَّ فكرة الوظيفة قديمة وجدت تعبيراً لها فى أعمال الفلاسفة والمفكرين فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. اقترن الاتجاه الوظيفي بصور ة أساسيَّة بالأنثروبولوجيا الاجتماعية فى بريطانيا بأسماء مالينوفسكى ورادكليف بروان.
اقترنت الوظيفيَّة بالاتجاه العضوي فى العلوم الطبيعيَّة عرف الاتجاه الوظيفي فى الأنثربولوجيا الاجتماعية بتركيزه على دراسة الثقافات الإنسانيَّة كل على حدة وفق واقعها المكاني والزماني ذلك أنَّ الوظيفيَّة ليست دراسة متزامنة بقدر ما هى آنيَّة. وفى ذلك اختلف الاتجاه الوظيفي عن الدراسات التاريخيَّة النزعة المميزة لكل من الاتجاهين التطوري الإنتشارى. وقد تجلى الاتجاه الذى صار يعرف باسم المماثلة العضويَّة بدايَّة فى أعمال الفلاسفة الأخلاقيين الاسكتلنديين من أمثال آدم سميث وديفيد هيوم وغيرهما من الذين رأوا فى المجتمع نسقاً طبيعياً ينشأ من الطبيعة البشريَّة لا من العقد الإجتماعى. وقد استخدم مونتسكيو مفهوم النسق فى كتابه "روح القوانين" بوضعه أسس النسق الإجتماعى الكلى بناءً على ارتباط أجزاء المجتمع ارتباطا وظيفياً. وأصبحت فكرة النسق الإجتماعى العامل القوى فى إرساء دعائم علم الاجتماع المقارن والأنثروبولوجيا الاجتماعية. أصبح التحليل الوظيفي مدخلاً أساسياً فى تحليلات علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية للربط بين النظام الاجتماعي ووظيفته وبين خصائص سلوك الأفراد الذين يؤلفون ذلك النظام. يشتمل النسق الإجتماعى على عدد من النظم يقوم كل نظام بوظيفته المعينة بغيَّة الحفاظ على سلامة النسق. وينظر الوظيفيون إلى المجتمعات البشريَّة أنساقاً اجتماعية تعتمد أجزاؤها بعضها على بعض ويدخل كل جزء منها فى عدد من العلاقات الضروريَّة مع الأجزاء الأخرى. وقد ذهب هربرت سبنسر فى موضوع المماثلة إلى أبعد من ذلك حيث شبه المجتمع من حيث البناء والوظيفة بالكائن الحي بحسبان أن المجتمع ينمو ويتطور تماماً كما ينمو الأول ويتطور.
واستخدم سبنسر إصطلاحات العلوم الطبيعية فى تحليلاته البنائيَّة الوظيفيَّة للمجتمع والحياة الإجتماعيَّة مثل الفسيولوجيا والمورفولوجيا والإيكولوجيا…إلخ. وأشار بوضوح إلى أنَّ البناء يتألف من الأجزاء التى تدخل فى تركيبه وفى عناصر جزئيَّة لا حصر لعددها تؤدى دورها فى عمليَّة التساند بين جميع الأجزاء التى تدخل فى تركيب البناء الكلى.
ويعد إميل دوركايم بحق حلقة الوصل بين الفكر الذى كان سائداً فى القرن التاسع عشر والاتجاهات الجديدة للفكر الإجتماعى التى ظهرت فى بدايَّة القرن التاسع عشر والاتجاهات الجديدة للفكر الإجتماعى التى ظهرت فى بدايَّة القرن العشرين. اتخذ دوركايم موقفاً رافضاً للتفسيرات العضويَّة التى قال بها أنصار الاتجاه العضوي من أمثال هربرت سبنسر، مستبعداً إمكانية تفسير الظواهر الاجتماعية من خلال المماثلة العضويَّة. وكان دوركايم يسعى إلى تحرير الظواهر الاجتماعية من محتوياتها النفسية وإلى تجريدها من أصولها البيولوجية بالتركيز على دراسة تلك الظواهر من وجهة نظر اجتماعية صرفة فى حدود علم الاجتماع. يرى دوركايم أنَّ الظاهرة الاجتماعية يجب أن تتمتع باستقلالها بحسبانها ظاهرة قائمة بذاتها، أي أنَّ لها وجودها المستقل عن الظواهر البيولوجية ولا يمكن لها ان تتأثر إلا اجتماعيا ولا تفسر إلا على أسس اجتماعية. وفى كتابه "تقسيم العمل" استخدم دوركايم الوظيفة بمعنيين اثنين: أولاً بالإشارة إلى نسق من الحركات الحيويَّة اللازمة لحياة الكائن العضوي، وثانياً بالإشارة إلى العلاقة التى تربط بين تلك الحركات الحيويَّة وبين حاجات الكائن العضوي (وظيفة التنفس، والهضم على سبيل المثال). استخدم دوركايم مفهوم الدور مرادفاً لمفهوم الوظيفة ذلك أنه حين يتحدث عن وظيفة الدين مثلاً فإنه يشير إلى الدور الذي يقوم به الدين فى الحياة الاجتماعية. ويوصى دوركايم تلاميذه بكلمته: إذا كنت ترغب فى دراسة ظاهرة اجتماعية فعليك أن تصل إلى السبب الذى أدى إلى الوظيفة التى تقوم بها الظاهرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق