تلخيص : رمزية ريحان
المعهد العالي للدكنوراه - لبنان
المصدر من كتاب "علم الإجتماع" أنتوني غيدنز.........
تتعدّد وتتنوع المعتقدات الدينية بحيث لا يستطيع الباحثون والدارسون إعطاء تعريف موحّد للدين، ولكن يعرّف أتباع ديانة ما معتقدهم الديني وقد لا يصدق على جميع المعتقدات الدينية في العالم. بيد أنّ ثمة منظومة من الخصائص التي تشترك فيها جميع الديانات بما تتضمن من مجموعة من "الرموز" التي تستدعي الإحترام وتوحي بالرهبة كما أنّ ثمة تنوعاً كبيراً في ممارسة الطقوس المرتبطة بالدين وتكون على شكل شعائر تتضمن أنماطاً سلوكية أو شعورية كالصلاة والقراءة والترتيل.
ويمثل الدين في المجتمعات التقليدية محوراً مركزياً في حياة الناس، بحيث أنّ هناك نوعان متميزان من الإعتقاد الديني انتشرا في المجتمعات البدائية والبسيطة. فهناك "الطوطمية" الذي اكتشف في في أوساط قبائل الهنود الحمر في أميركا الشمالية، إلا أنّ مصطلح "الطوطم"استخدم فيما بعد لوصف أنواع من الحيوانات أو النباتات التي تسبغ عليها الجماعة قوة فوقية استثنائية خارقة ، وتتخذها طوطماً لها. أما النوع الآخر من الإعتقاد الديني فهو الإتجاه "الإحيائي" وهو الإعتقاد بوجود الرواح والأشباح تعيش بين البشر وتتملكهم وتوجه سلوكهم.
ويشير أحد الباحثين في علم الإجتماع (Evans Pritchard,1956) إلى أنّ الطوطمية والإحيائية تمثلان نظماً معقدة ومركبة من المعتقدات الدينية بحيث يشتمل بعضها على منظومة واسعة من الأفكار والمفاهيم التي تدور حول "إله أعظم" أو "روح سماوية" .
الديانات التوحيدية:
تمثل اليهودية، والمسيحية، والإسلام الديانات التوحيدية الثلاث، التي نشأت جميعها في منطقة الشرق الأوسط ، وتتميز بكثير من التداخل والتقارب في بعض عناصرها ومنطلقاتها الأساسية فالعبرانيون الذين عاشوا في مصر القديمة اقتبسوا بعض المعتقدات الدينية التي كانت شائعة في محيطهم وتمميزوا بإيمانهم بإله واحد والتقيد بمجموعة من المبادئ الأخلاقية المتشددة. أما المسيحية التي نشأت في فلسطين وبدأت بالإنتشار في ظل الإضطهاد الروماني إلى أن اعتمدها قسطنطين ديناً رسمياً للإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي وتسارع إنتشارها في آسيا وأوروبا بمجملها.
أما الإسلام الذي نشأ في الجزيرة العربية والذي أقرّ بالديانتين اليهودية والمسيحية فقد امتدّ لينتشر في شمال افريقيا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية.
ديانات الشرق الأقصى:
ثمة فروق أساسية بين الديانات التوحيدية وديانات الشرق الأقصى، وتمثل الهندوسية أقدم الديانات حتى الآن من الوجهة التاريخية، كما تتميز بتعدد الآلهة وبدرجة من التشعب والتنوع في تفرعاتها إلى أن اعتبرت عنقودا من الديانات لا ديانة واحدة، ويؤمن أغلب الهندوس بمبدأ "التناسخ" ، كما وتتميز على الصعيد الإجتماعي بمبدأ "الكاست"[1]. ومن الخصائص الذي يتميز بها الهندوسي أنّ لا يسعى إلى التبشير بمعتقداته لاجتذاب الآخرين إليهم.
وكذلك يضم الشرق الأقصى ملايين من الديانات والتي تسمى "الديانات الأخلاقية" كالبوذية، و"الطاوية" و"الكونفوشية". فالبوذية تستمد مبادئها من تعليمات سيدهارتا غوتاما وهو البوذا المستنير والذي يرى أن البشر يستطيعوا التخلص من دائرة التناسخ عن طريق نبذ شهواتهم، ويتمثل الخلاص في ضبط النفس والتأمل للوصول إلى مرحلة الذوبان الروحي الكامل "النرفانا". أما الكونفوشية والتي كانت الأساس الثقافي للفئات الحاكمة في الصين القديمة تستمد مبادئها من كونفوشيوس بوصفه "أحكم الحكماء" وتسعى تلك الديانة إلى التكيف مع عالم الطبيعة مع التشديد على إجلال الآباء والأجداد الأقدمين، وكذلك "الطاوية" والتي تدعو إلى مبادئ مماثلة مع التركيز على التأمل وعدم استعمال العنف لتحقيق مستويات سامية من الحياة.
نظريات حول الدين:
تتأثر معظم المقاربات النظرية حول الدين بآراء كبار المنظرين والمؤسسين في علم الإجتماع وهم: ماركس ودركهايم وفيبر، وكل واحداً منهم يعتقد أنّ الدين في جوهره يمثل واقعاً موهوماً ومضللاً ولكنهم لم يقللّوا من أهميته وأثره في الحياة البشرية.
ماركس والدين:
لم يدرس ماركس الدين بشكل تفصيلي لكن معظم أفكاره حوله مستمدة ومتأثرة بعدد من الفلاسفة والمفكرين ومن بينهم لودفيغ فيورباخ الذي وضع كتابه الشهير المسمى "جوهر المسيحية"، ويتكون الدين في نظر فيورباخ من أفكار وقيم أنتجها البشر خلال تطورهم الثقافي ولكنهم أسبغوها على قوى سماوية أو إلهية وبسبب عدم معرفة البشر مصيرهم تمام المعرفة فإنّهم ينسبوها إلى الآلهة ويطي مثلاً بقصة الوصايا العشر التي أنزلها الله على النبي موسى فهي ليس إلا مجرد نسخة أسطورية لأصول المبادئ الأخلاقية عند اليهودالقدماء ومن ثم المسيحيين.ويستخدم فيورباخ مصطلح الإستلاب للدلالة على قوى إلهية متميزة عن البشر، حيث أنّ فهم الناس للدين باعتباره استلاباً أو اغتراباً من شأنه أن يفتح أبواب الأمل في المستقبل. ويرى أنّ القيم كالمحبة والخير والقدرة التي ينسبها المسيحيون إلى الله، موجودة في حياتنا في المؤسسات الإجتماعية.
وهنا يتفق ماركس مع الفكرة القائلة بأنّ الدين يمثل حالة الإغتراب الإنساني، كما وإنّه لم يكن يطالب بنبذ الدين واستئصاله، فالدين بنظره " القلب في عالم لا قلب له"، إلا أنّه يرى أنّ الدين بشكله التقليدي سوف يختفي يوما وذلك بسبب القيم الإيجابية التي يمثلها والتي تمثل نموذجاً هادياً لتحسين الأوضاع البشرية على الأرض. ولذلك قال عبارته الشهيرة " الدين هو أفيون الشعوب على الأرض" . كما وأنّ الدين في نظره ينطوي على نزعة ايديولوجية تحمل تبريراً لللامساواة في مجال الثروة والسلطة فعبارة مثل "الضعفاء سيرثون الأرض" تمنع التصدي للقمع.
دركهايم والشعائر الدينية:
أما دركهايم فقد أمضى في دراسة الدين بالتركيز على الإعتقاد الديني في المجتمعات التقليدية الضغيرة ويمكن اعتبار مؤلفه المسمى "الأشكال الأولية للحياة الدينية من أبرز أعماله في علم اجتماع الدين ، فهو يدرس الدين بعلاقته بالمؤسسات الإجتماعية.
ويعرّف دركهايم الدين عن طريق الفصل بين ما هو "مقدس" من جهة وما هو "مدنس" من جهة أخرى. بحيث يتعامل الناس مع الأشياء والرموز المقدسة. بمعزل عن الحياة الروتينية اليومية التي تدخل في باب المدنس. كما يركز في دراسة "الطوطمية" والتي تمثل "الأشكال الأولية للدين" فالطوطم باعتباره مقدساً يمثل القيم المحورية في حياة الجماعة. أما موضوع العبادة فهو المجتمع نفسه والآلهة هي صورة المجتمع وليس المجتمع صورة الآلهة. ويترسخ التضامن الإجتماعي بالإحتفالات الجمعية الدورية التي يقيمها المجتمع ويرتقون بالتواصل مع القوى العلوية المنسوبة إلى الطوطم. وكذلك تهدف تلك الشعائر والإحتفالات لإرساء حالة التكيف التي يمر بها الناس في حالات الزواج، والموت ...لذلك فإنّ الدين في نظره هو القالب الذي تتحرك فيه أنماط التفكير لدى الأفراد في الثقافات التقليدية.
وكذلك يشترك مع ماركس في فكرة انحسار واختفاء الدين مع تطور المجتمعات كما سيحل مكانه التفكير العلمي فمقولته "لقد ماتت الآلهة القديمة " شاهدا على أنّ الدين سيستمر ولكن بطرق مختلفة وبديلة وسوف تحتل مكان "الشعائر الدينية" القيم الإنسانية والسياسية مثل الحرية والمساواة والتعاون الإجتماعي.
ماكس فيبر: أديان العالم والتغير الإجتماعي:
عكف فيبر في دراساته على استقصاء الأديان القائمة في العالم في مجهود ثقافي موسوعي غير مسبوق، فقد قام بدراسات مسهبة للهندوسية والبوذية والطاوية واليهودية القديمة وكما درس آثار المسيحية في تاريخ الغرب في مؤلفات من أبرزها "الأخلاق البروتستنتية وروح الرأسمالية" غير أنّ لم يستكمل دراسته عن الإسلام.
ويركز فيبر في كتاباته على الترابط بين الدين والتغير الإجتماعي، إذ يرى أنّ بعض الحركات والتوجهات الدينية قد أحدثت تحوّلات اجتماعية مثيرة في المجتمعات الغربية.فقد كانت البروتستانتية المنبع الأساسي للنظرة الرأسمالية في المجتمعات الغربية الحديثة، وتحقيق النجاح والتنمية الإقتصادية ما هي إلا علامة من علامات العناية الإلهية. وخلص فيبر إلى أنّ الأديان الشرقية تنطوي على حواجز عالية تحول دون تنمية الرأسمالية الصناعية التي شهدها الغرب. ذلك أن تلك الديانات لم تسفر عن إحداث أنماط التغير الإجتماعي الجذري بل عملت على إبطاء عجلة التغييرفالقيم التي تحملها الهندوسية على سبيل المثال تدعو الهروب من العالم المادي والذوبان في العالم الروحي. غير إنّه يرى في بعض التيارات داخل المسيحية "ديناً خلاصياً" فالبشر يستطيعوا أن ينقذوا أنفسهم بانتهاج بعض المبادئ الدينية الأخلاقية. كما ويرى فيبرأن تلك الديانات الخلاصية تنطوي على جانب ثوري يدعو إلى التمرد على الأوضاع الراهنة ويطالب بتغييرها على عكس الديانات الشرقية التي تقف موقفاً سلبيا وتدعو إلى تقبل النظام القائم.
ماكس فيبر والإسلام:[2]
ويشدّد فيبر في معاجته للإسلام من ناحية الصلة الوثيقة بين الدين والسلوك اليومي الهادف ذي المضمون الإقتصادي. وإنّ السلوك الديني هادف لأمور نفعية ، ويقول أنّ دعوة النبي اكتسبت أهمية اجتماعية خاصة حيث أقبل عليها شيوخ القبائل البدوية في ضوء نمط معيشتهم ومصالحهم الإقتصادية فالقيم والمعتقدات الإسلامية اتت متناسقة مع الحاجات الإجتماعية التي كانت تعيشها منطقة شبه الجزيرة العربية فقد احدث الأسلام مزاوجة ثلاثية فالطبقة المحاربة "الفروسية" توجهت نحو الجهاد والطبقة التجارية باتجاه التشريع والجماهير المستضعفة باتجاه التصوف، وقد ساهمت هذه القيم التقليدية باستمرار الولاء للسلطان وليس للمؤسسات الدينية والسلطة الدينية الجديدة. وهذا ما يسمسه مصطلح الولاء والطاعة للسلطان ـ الحاكم. وبهذا الولاء يرى فيبر تعارضاً بين الإسلام وروح الرأسمالية.
ويتابع براين تيرنر في نقده التحليلي لآراء فيبر، حيث يعطي الأهمية للعوامل الإقتصادية والإجتماعية في نشوء الإسلام وتطوره ويذكر عاملين أساسيين ساعدا بظهوره وهما الفراغ السياسي والتي شهدته المنطقة نتيجة الصراع التاريخي بين الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية والعامل الثاني الإزدهار التجاري الإقتصادي الذي أدى إلى إنحلال القيم التقليدية، و نتيجة لهذا الوضع الإنحلالي نشأت حالة من البحث عن الخلاص وهذا ما قدمه الإسلام.
ملاحظة : يمنع النسخ الا باذن الكاتبة
-----------------------------------------
[1] الإعتقاد بأنّ الأفراد أنّما يولدون في شريحة اجتماعية محددة في نسق اجتماعي وطقوسي معين وفقا لطبيعة الأنشطة التي كانوا يقومون بها في حياة سابقة، ولكل شريحة طبقية منظومة من الواجبات والشعائر التي يحدد أداؤها مصير الشخص في الحياة المقبلة.
[2] حليم بركات، المجتمع العربي في القرن العشرين، بحث في تغير الأحوال والعلاقات (بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، 2000)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق