مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

08‏/12‏/2010

إميل دوركايم ـ خلفية تاريخية.



ولد إميل دوركايم في 13 أفريل عام 1858م في مدينة ابينال بمقاطعة اللورين عن أسرة يهودية ولقد كان دوركايم يأمل منذ صغره امتهان التدريس وهذا ما سعى إلى تحقيقه عكس ما أرادت أسرته، التي رأت أن تجعله رجل دين كما كانت ترغب. ولكن دوركايم حقق حلمه من خلال التحاقه بمدرسة المعلمين العليا، وعندما التحق دوركايم بهذه المدرسة كانت تلك الفترة متميزة بمناخ فكري خاص، حيث جاء التحاقه بعد تسع سنوات على إعلان الجمهورية الثالثة في فرنسا، بعد أن هزمتها ألمانيا، وقد تميزت هذه الفترة برغبة المفكرين لاستبدال النظم القديمة بأخرى جديدة نتيجة التحول الكبير الذي عرفته فرنسا، وهذا الأمر جعل دوركايم يفكر في التخصص في البحث الاجتماعي، كما أنه وجد من الضروري أن يعيد النظر في الفلسفة المعاصرة ثم النظر إلى علم الاجتماع على أنه علم مجرد، وصالح للتطبيق على المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها فرنسي في ذلك الوقت.
عمل دوركايم في مهنة التدريس بالمدارس الثانوية لمدة خمس سنوات، ليسافر بعد ذلك إلى فرنسا ليشتغل كمدرس لعلم الاجتماع بجامعة بوردو ثم ما لبث أن أصبح أستاذا بها عام 1892م، وفي خلال هذه السنوات لم يكن التدريس هو كل ما ينشغل به دوركايم، فقد أتم رسالته للدكتوراه عن تقسيم العمل الاجتماعي ونشرها عام 1896م، وفي عام 1895م نشر مقاله عن قواعد المنهج في علم الاجتماع والذي أعطى صورة واضحة عن الإطار المنهجي لعلم الاجتماع، ثم أطلق عام 1897م دراسته عن الانتحار، كما انشغل في تحرير "حولية علم الاجتماع" التي ظهر العدد الأول منها عام 1897 م وهي مجلة تعرض مجموعة من الكتابات الاجتماعية والفلسفية، وانتقل دوركايم في عام 1902م إلى جامعة السور بون، وظل يقوم فيها بتدريس التربية ودروس أخرى في الأخلاق والدين والزواج والأسرة، وفي عام 1913م أصبح دوركايم أستاذا للتربية وعلم الاجتماع، وهذا هو أول كرسي له أهميته في فرنسا يتضمن كلمة "علم الاجتماع" وفي عام 1912م نشر دوركايم آخر أعماله وهو: "الصور ألولية للحياة الدينية" الذي قدم فيه نتائج دراسته للقبائل الأسترالية عن الدين والأخلاق والمعرفة.
ولقد أصيب دوركايم بنوبة قلبية حادة عقب وفاة ابنه أندري مما عجل بوفاته عام 1917م.
اهتم دوركايم في أعماله بالدراسات الإمبريقية، متأثرا بأعمال سبقيه أغوست كونت وسان سيمون وأعجب أيضا بالفكرة القائلة بأن الجماعة الاجتماعية تسبق الوجود الفردي وتشكله، وهي منبع الثقافة والقيم، وأن التغيرات الاجتماعية لا تتأثر بالإرادة الفردية.
لقد وجد دوركايم أن تطبيق مناهج العلوم الطبيعية في دراسة الظواهر الاجتماعية والبرنامج الذي وضعه للسسيولوجية الاجتماعية باعتبارها تبحث عن القوانين الضرورية للتطور الاجتماعي والتي جاءت في كتابات سان سيمون، تتفق مع أفكاره حول طبيعة علم الاجتماع، ولقد التقت هذه الأفكار مع اهتمام أغوست كونت بالأسرة باعتبارها الوحدة الاجتماعية الحقيقية، وحذفه لعلم النفس من تصنيف العلوم، وأصبحت تشكل جميعا الأسس التي استندت إليها النزعة السسيولوجية عند دوركايم.



أهم أعمال إميل دوركايم.

الظاهرة الاجتماعية من منظور دوركايم.
تتمثل مادة علم الاجتماع وموضوعه، في دراسة الظواهر الاجتماعية، وتلك المادة الموضوعية التي هي الظواهر، هي السند الذي يقوم عليه علم الاجتماع، وفي تحديده لطبيعة الظواهر الاجتماعية، حدد دوركايم خصائص الظاهرة الاجتماعية والتي نسردها كالآتي:
1. خاصية الإنسانية: أي أنها ناشئة من الإنسان باعتباره اجتماعيا، وبما أن المجتمع جزء من الكون صغير وكبير وبما أن الكون خاضع لقوانين محددة له فإن المجتمع كجزء ينطبق عليه ما ينطبق على الكون.
2. الظواهر الاجتماعية هي عبارة عن أساليب للتفكير والتصرف أو العمل الإنساني مما يلزم عنه إخراج باقي الظواهر الموصوفة بأنها إنسانية كموضوع نشأة ونمو الإنسان أو شكله الفيزيولوجي.
وأهم خاصية منفذة لعلمية علم الاجتماع هي الخاصية الأولى التي تحدث عنها في كتابه الانتحار، هي أن الظاهرة الاجتماعية هي ظاهرة شيئية أي خارجية عن شعور الأفراد وأنها ثابتة ولا تتغير إلا بصعوبة فهي أولا منفصلا عن تجسيداتها الفردية بدليل أن الظاهرة
موجودة سواء طبقها الأفراد أم لم يطبقوها بدليل أن معظم الظواهر الاجتماعية مكتوبة ومدونة أو محفوظة بالتواتر خاصة النظم التشريعية منها الدينية والأسرية، ومن الأدلة التي أعطاها
على شيئية الظاهرة الاجتماعية كثير منها يمكن تحديدها كميا وكيفيا، فمثلا يمككنا أن تحدث عن عدد حالات الطلاق والانتحار في ظروف اقتصادية وسياسية معينة كما يمكننا أن تحدث عن حالات الزواج، بناء المساكن، الاستهلاك، في ظروف اقتصادية وزمنية معينة.
1. أن الظواهر الاجتماعية ليست من وضع الفرد أو بضعت أفراد وتلقائية ومتضمنة بما يسمى العقل أو الضمير الجمعي وأحسن مثال على ذلك النظم الأسرية وهي مخالفة للحالات النفسية.
2. الظاهرة الاجتماعية عامة أي منتشرة في جميع طبقات المجتمع ولا تنحصر إلا في ظروف معينة كما أنها تمتد في ريف المجتمع ومدينته كما أنها تنتشر في طائفة من المجتمعات المتشابهة.
3. أهم خاصية في الظاهرة الاجتماعية التي يركز عليها كثيرا دوركايم هي خاصية القهر والإلزام ولكن الأفراد لا يشعرون بهذا الضغط الذي تمارسه الظواهر الاجتماعية عليها.

أسس الظاهرة الاجتماعية.
وفي تحديده لأسس الظاهرة الاجتماعية يعطي دوركايم بعض العناصر المهمة التي على باحث في علم الاجتماع أن يلتزم بها وهي كالتالي:
1. يجب على الباحث أن يتحرر من الأفكار السابقة التي يعرضها عن الظاهرة محل الدراسة خاصة تلك الأفكار الشخصية السطحية الفكرية والمتوارثة لأن هذه الأفكار مهما كانت قيمتها إلا أنها لم تخضع لمنهج وصفي، بل هي نتيجة تجارب حياتية وتحت تأثير الحياة العلمية.
2. يجب على الباحث أن يعالج الظاهرة الاجتماعية كما تعالج أي ظاهرة أخرى بشكل وضعي.
3. على الباحث قبل الشروع في دراسة الظاهرة أن يعرفها ويميزها على الظواهر الاجتماعية المتداخلة المشابهة لها وذلك بقصد الوقوف على عناصرها الأساسية وتحديد خواصها العامة.
1. أن يبذل الباحث أقصى جهد في ملاحظة الظاهرة محل الدراسة من الناحية التي تبدو فيها مستقلة عن صورها الفردية وبالتالي عدم التأثر بالحالات الفردية التي تتجسد فيها الظاهرة.
2. أن لا يتأثر الباحث بتجربته الخاصة ولا بمشاعره الذاتية عند دراسة الظاهرة في تجسداتها الفردية.
الانتحار.
كظاهرة طبق عليها دوركايم نزعته السسيولوجية وأسسه وطرائقه المنهجية، وهي أول دراسة علمية بمقاييس علمية في علم الاجتماع، وهناك قناعة تاريخية أن هذه الدراسة تمثل الانطلاقة السسيولوجية الحقيقية في دراسة الظواهر الاجتماعية منهجا ونتائجا وذات صبغة علمية حقيقية، حيث استطاع فيها دوركايم أن يربط بين النظرية والتطبيق، لينتزع بذلك اعتراف الآخرين بإمكانية علمية علم الاجتماع، فبدأ بإبراز الأسباب الدافعة للدراسة وهي:
1. توفر الاحصائات وسهولة الوصول إليها.
2. أهمية الموضوع بالنسبة لتزايد معدلاتها.
ثم حدد دوركايم العوامل الغير اجتماعية في ظاهرة الانتحار ونلخصها كالآتي:
1. الانتحار والمرض العقلي: دوركايم يكذب هذا الربط الذي كان بمثابة قانون حتمي ويعطي أمثلة كثيرة لذلك من بينها أن نسبة المجانين في العالم هي عند اليهود لكن الانتحار عندهم يمثل أقل نسبة ..... الخ.
2. الانتحار والعوامل الكونية: لقد سادت طويلا فكرة أن الانتحار يزيد في فصل الصيف أو في المناطق الأكثر حرارة، لكن الإحصائيات التي جمعها دوركايم وجد فيها أن معدلات الانتحار للجنود الفرنسيين زاد بشكل كبير عند انسحابهم من موسكو سنة 1912م.
3. التقليد والمحاكاة: لقد ميز دوركايم بين ثلاث أنواع من التقليد وهي:
· تقليد راجع لتصورات جمعية، التفكير والشعور المتشابه.
· تقليد راجع لعادات وتقاليد.
· التقليد الآلي وهو نابع عن تصور تلقائي دون تفكير أو إعمال للعقل كالضحك في مقابل شخص يضحك.
وبتالي فالنوعين الأولين يتضمنان عنصر هو الخضوع للضغط الاجتماعي وبالتالي لا يوصف بالمحاكاة إلا النوع الثالث ويتساءل دوركايم عن هذا التقليد الآلي الخالي من أي دافع أو هدف للانتحار.
وفي حالات الانتحار الجماعي يتساءل دوركايم عن المقدم الأول على الانتحار هل كان نفسه يحاكي الآخرين الذين قرروا جماعيا وقبل ذلك وبوعي من أن الجماعة لم تنتظر أحدا من أفرادها ليقدم عن الانتحار فتقدم كردة فعل عن فعلها.
وبعد هذا التحديد بالإحاطة والاستبعاد قدم دوركايم ما يعرف بالأسباب أو النماذج الاجتماعية للانتحار من خلال تصنيفاته الثلاث:
1. الانتحار الأناني: قام دوركايم بهذا التصنيف الأول من خلال الإحصائيات التي تشير أن الانتحار يزداد في الدول المستقرة، ويتناقص كلما زادت الاضطرابات السياسية، وتقل أكثر في حالة الحرب، وعليه يطلق دوركايم على هذه الحالة، اسم الأنانية، وهو نموذج من الانتحار ينبثق من النزعة الفردية المتطرفة الناتجة عن حالة اللاتكامل الاجتماعي وبتالي يربط دوركايم بين اللاتكامل الاجتماعي والانتحار.
2. الانتحار الغيري أو الإيثاري: وهو عكس الأناني، حيث الفرد يعبر عن اندماجه في الجماعة بشعوره الدائم بأنه على استعداد أن يضحي بنفسه في سبيل الجماعة، فالمنتحر يقدم على ذلك تعبيرا على اندماجه الكلي في المجتمع، فهو لا يضع أناه في مقابل الأنا الاجتماعي، بل يضعه تحت تصرف الأنا الاجتماعي أي الموت في سبيله.
3. الانتحار الأنومي أو اللامعياري: لقد لاحظ دوركايم أن معدلات الانتحار ترتبط بالأزمات الاقتصادية بنفس النسبة مع حالات الانتعاش الاقتصادي، حيث يشرح دوركايم مصطلح اللامعياري "الأنومي"، ففي حالة الثبات النسبي للمجتمع تكون مستويات الطموح محددة وواضحة، كما أن الأفراد يعرفون إمكانية تحقيق هذه الطموحات، أما في حالة الاضطرابات، أي فقدان التضامن الاجتماعي وقلة سيطرة الضمير الجمعي، فإن مستويات الطموح تتسم بعدم التحديد وبروز هوة بين طموحات وإمكانية التحقيق بالفعل مما يؤدي إلى فقدان المعاير وبالتالي القابلية للانتحار مع ملاحظة ضرورية أن هناك نوع من الاضطرابات التي تؤدي إلى نوع من التضامن مثل: الإضراب السياسي. وهذا التعارض تفسيره فقط في درجة زيادة أو نقصان من حالة التماسك الاجتماعي المرتبط بظاهرة الانتحار.
تقسيم العمل والتضامن الاجتماعي والضمير الجمعي.
لقد استعان دوركايم بسان سيمون وهو يحدد لنفسه مهمة التدليل على أن تقسيم العمل يؤدي بالضرورة إلى تزايد التضامن الاجتماعي، وقبل أن يقدم لنا مفهومه لتقسيم العمل، يحيلنا دوركايم بداية إلى تطور مفهوم التضامن الاجتماعي.
لقد حدد دوركايم نوعين من التضامن الاجتماعي وهما: التضامن الآلي، والنوع الثاني هو التضامن العضوي، ويفرق بينهما بصورة واضحة من خلال دراسته للقانون، فيقدم حقيقة هي أن هناك نوعين من العقوبات:
1. عقوبات خاصة بالقانون الجنائي.
2. عقوبات خاصة بالقانون المدني"التجاري أو الإداري".
فهو يرى أن نوع العقوبات الأولى مرتبط بالنوع الأول من التضامن، والعقوبات الثانية مرتبط بالنوع الثاني من التضامن، فالتضامن الآلي هو ناتج عن التشابه أو التماثل من خلال وجود عواطف ومشاعر مشتركة ومشاركة عامة في القيم والمعايير السائدة في المجتمع، والتضامن الثاني ناتج عن التباين والاختلاف، ويعتبر دوركايم أن النوع الثاني من التضامن العضوي متقدم ومتطور عن النوع الأول "الآلي" إذا فكلما تطور المجتمع كلما زاد تقسيم العمل وكلما زاد تقسيم العمل زاد التضامن الاجتماعي، وكان التفكير الاجتماعي محصورا فيه، بل أن هذا التضامن غطى عن النوع الثاني وأصبح جل تفكيره هو في كيفية صيانة هذا التضامن الآيل للزوال، فالأول الذي مصدره التشابه مختلف بالضرورة عن الثاني الذي مصدره الاختلاف، وكأنه بديهي تماما أن يسود التضامن الأول في المجتمعات البدائية أو تقليدية حيث يغلب على السلوك الإنساني التجانس والتشابه وبالتالي يصاحبه تجانس في الأفكار والمشاعر والعادات والآراء، ومن حيث القانون والأخلاق والضبط الاجتماعي وبالتالي هناك ولاء وانطباع للضمير الجمعي والذي يعرفه هو: مجموعة المعتقدات والعواطف العامة بين أعضاء المجتمع والتي تكون نسقا خاصا، وهذا الضمير له وجود خاص متميز حيث يدوم عبر الزمن ويعمل على توحيد الأجيال فهو إذا يعيش في الأفراد وبينهم إلا أنه متميز
بالقوة والاستغلالية وتزاد هذه القوة والاستقلال كلما زاد التشابه بين الأفراد، لذلك تظهر القوة العليا للقوة الجمعية واضحة للاستجابة العنيفة لكل انتهاك لنظام اجتماعي، والجريمة على هذا النحو، فعل مزعج للضمير الجمعي، ومادام كذلك فهو مدعو للكبح الشديد بصيغة قوية ورادعة وهو ما يدعونا إلى القول أن المجتمع البدائي يسود فيه القانون الجنائي مما يؤدي إلى تتابع في جميع الأنظمة بحيث تصبح جمعية وهذا ما يؤدي إلى نقصان الفردية بين الأعضاء بدليل كثرة استعمال لفظ نحن على لفظ أنا فتصبح الجريمة بتعريف دوركايم الفعل الإجرامي هو الذي يخرق الضمير الجمعي، فنحن لا نقول إن هذا الفعل يخرق الضمير الجمعي لأنه إجرام ولكن لأنه يخرق الضمير الجمعي فهو إجرام.
فمعيار الجريمة والعقوبة هو الضمير الجمعي فالحاصل أن المجتمع يتطور، وهذا التطور يؤدي إلى اختفاء التشابه العقلي والأخلاقي فتزداد الفردانية خاصة في أذواقهم وآرائهم وأخلاقهم التي تصبح شيئا فشيئا مختلفة بزيادة التخصص وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة التأكيد على الكفاءة والمهارة والخبرة، فيقل الدور للوراثة في الحصول على المكانة مما يؤدي إلى ضعف الضمير الجمعي لأن كل فرد أصبح مستقلا عن الآخرين.
ولأن بقاء المجتمع مرتبط ببقاء روابط اجتماعية فإن تقسيم العمل حسب دوركايم يخلق رابطة جديدة بشعر بها الأفراد أو لا يشعرون وهي الاعتماد المتبادل وعدم القدرة على الاكتفاء الذاتي والحاجة المتبادلة، مما يؤدي إلى تعاون غير آلي، ولكن هذه المرة تعاون عضوي يستند أساسا على التباين وعدم التشابه وزيادة التخصص.
دراسته للدين.
نلخص دراسة دوركايم للدين في النقاط التالية:
1. أن الدين ليس إلهياً لأن فكرة الألوهية - في نظره - ليست إلا تعبيراً عن البيئة الاجتماعية في مرحلة من مراحل تطورها، ويكون الإله فيها رمزاً للدرجة التي وصل إليها تطوره: إذا أردنا فهم الفكرة التي يكونها المجتمع عن نفسه وعن العالم الذي يحيط به، فلا بد لنا من دراسة طبيعة هذا المجتمع لا طبيعة أفراده، فإن الرموز التي يتخذها المجتمع شعاراً له يستعين بها على التفكير في ذاته تختلف باختلاف الحالات التي يوجد فيها، فإذا تصور المجتمع -مثلاً- أنه ينحدر من سلالة حيوان أسطوري واتخذ هذا الحيوان شعاراً له، فمعنى ذلك أنه يتألف من إحدى تلك الجماعات الخاصة التي نطلق عليها اسم العشيرة.أما إذا استعاض عن هذا الحيوان الأسطوري بجد إنساني أسطوري هو الآخر؛ فمعنى ذلك أن طبيعة العشيرة قد تغيرت، وإذا تخيل المجتمع وجود آلهة أخرى أسمى مقاماً من آلهته المحلية والعائلية، واعتقد أنها تسيطر على تلك الآلهة الأخيرة، فمعنى ذلك أن الطوائف المحلية التي يتكون منها هذا المجتمع قد أخذت تميل إلى التركيز وتتجه إلى تكوين وحدة اجتماعية، وأن درجة التركز التي يدل عليها وجود معبد يضم جميع الآلهة تقابل درجة التركز التي وصل إليها المجتمع في ذلك الوقت نفسه. وإذا لم يرتض المجتمع بعض ألوان السلوك، فإن السبب في ذلك يرجع إلى أنها تخدش بعض عواطفه الأساسية وتقوم هذه العواطف على أساس من طبيعة المجتمع كما أن عواطف الفرد ترجع إلى تركيبه الطبيعي وتكوينه العقلي. وإن الواجب الذي ينبغي القيام به في هذا الصدد هو أن نبحث عن طريقة تداعي التصورات الاجتماعية وتنافرها واتحادها واقترانها، وذلك بأن نقارن بين الديانات الأسطورية والقصص والتقاليد الشعبية.
1. أن الدين -بناء على ما سبق- ظاهرة اجتماعية يفرضها العقل الجمعي بقدرته القاهرة على الأفراد في بعض البيئات والمراحل، دون أن يكون لهم حرية اختيار في ذلك، وهذا يعني أنه لو فرض عليهم - أحياناً - ألا يكون لهم دين مطلقاً لكانوا غير متدينين ولا يملكون إلا الانصياع لذلك.
2. أن الدين ليس فطرياً ومثله الأخلاق والأسرة، وذلك رأي اقتبسه علماء الاجتماع التالون له وعمموه في أبحاثهم، وهو يرى كذلك أن الناس يرون الدين أنه وليد الخواطر التي تثيرها القوى الطبيعية الكبرى أو بعض الشخصيات الفذة لدى الإنسان... الخ ولكن ليس من الممكن تطبيق هذه الطريقة على الظواهر الاجتماعية اللهم إلا إذا أردنا تشويه طبيعتها.
. دوركايم ونزعته السسيولوجية.
لقد حاول دوركايم أن يؤكد على علمية علم الاجتماع وتثبيت أقدام هذا العلم بين سائر العلوم الطبيعية، وهذا ما حاول أن يؤكده كذلك سابقيه من أمثال سان سيمون وكونت وهربت سبنسر.
ورغم ما جاء به سابقوه من محاولة إدخال علم الاجتماع في مصاف باقي العلوم، إلا أن دوركايم انتقد هؤلاء لعدم قدرتهم على تحقيق تلك الأهداف الأكاديمية وهي صبغ علم الاجتماع بالصبغة العلمية، وفي عدم نجاحهم في فصل علم الاجتماع عن الفلسفة والتصورات الميتافزيقة، ولقد انتقد دوركايم أغوست كونت عندما اعتبر هذا الأخير أن المجتمع يمر بحالات، ثلاث وهو ذلك القانون الاجتماعي الذي يعتبر فيه كونت أن المجتمع يمر بمراحل ثلاث: اللاهوتية – والميتافيزيقية – وأخيرا المرحلة الوضعية.
ويعتبر دوركايم أن نقطة ضعف كونت تكمن في محاولته لإثبات هذا القانون الفلسفي القبلي كمسألة رئيسية بقصد تحويله إلى قانون إمبريقي وتطبيقه على كل الأنساق والنظم والفلسفات، وإذا كان كونت قد حاول القيام بالتعميم فإن دوركايم قد حاول التخصيص، مبتعدا عن تعميمات أغوست كونت.
ومن هنا كان موقف دوركايم وضعيا خالصا، حيث أكد دوركايم هذه النزعة الوضعية رافضا تلك الاتجاهات الوضعية الميتافيزيقية، وهذا ما نجده في كتابه قواعد المنهج في علم الاجتماع الذي يؤكد فيه موقفه الوضعي الخالص، إذ يعتبر نفسه وضعيا عقليا، مصنفا نفسه ضمن أصحاب النزعة العقلية العلمية في دراسته الظواهر الاجتماعية، وتحليلها في ضوء الماضي التاريخي، حتى يتسنى للعقل أن يتوصل إلى القواعد التي تسير بمقتضاها هذه الظواهر في المستقبل، ومن ثمة يمكننا أن نتحقق من القانون الذي بفضله نستطيع التنبؤ.
وبذلك أعلن دوركايم إيمانه بالعقل من جهة وبالعلم من جهة أخرى، على اعتبار أنهما من الملامح الرئيسية للنزعة الوضعية.
كما يؤكد دوركايم أيضا على ضرورة منهجية هامة وهي تطبيق مبدأ السببية في تفسير الظواهر الاجتماعية، وهو بذلك يحاول تثبيت أقدام علم الاجتماع باكتشاف الأسس المنهجية التي يرتكز عليها علم الاجتماع الوضعي، وهو على هذا الأساس ينكر النظر إلى العلم الاجتماعي على أنه جزء من الفلسفة، ولكن علم الاجتماع هو دراسة الظواهر الاجتماعية على نحو وضعي، حتى يتيح لنا الفرصة لفهمها وتحليلها، كما يعين الفلاسفة على فهم أشمل للوجود، وهنا تكمن الفائدة المرجوة بين العلم الطبيعي، وعلم الاجتماع خاصة.
وخلاصة القول أنه ليس هناك شك في أننا نجد في نزعة دوركايم السسيولوجية كل الجوانب المنهجية التي تضع الخطوط العريضة لمنهجية علم الاجتماع، والتي تحدد الملامح الرئيسية لمنهج علم الاجتماع بفروضه ومسلماته الأساسية، والتي تبرز معالم علم الاجتماع في منهجه وموضوعه.
و دوركايم في نزعته السسيولوجية هاته، يستند على فرضية وضعية وهي في حد ذاتها تستند على مصادر فيزيقية، وهي تتركز على ثلاث قضايا رئيسية متضمنة في الفروض التالية:
1. إن هناك وحدة في الطبيعة.
2. إن الظواهر الاجتماعية هي جزء من عالم الطبيعة الموضوعي، أي أن الظواهر الاجتماعية ظواهر واقعية موضوعية حقيقية.
3. تخضع الظواهر الاجتماعية لبعض القوانين والمبادئ الخاصة بها، والتي هي قوانين طبيعية ومبادئ فيزيقية.
والملاحظ أن هذه الفرضية والوضعية الدوركايمية، ليست من وحي دراسته وإنما هي مستوحاة من قراءته الجادة لدروس كونت في الفلسفة الوضعية، ولعل هذا راجع لتأثره بفلسفة أستاذه كونت في صياغة هذه القضايا الرئيسية الثلاث لطبيعة المنهج العلمي في علم الاجتماع.
وبالذات القضيتين الأولى والثانية حيث أن دوركايم قد وجه الكثير من الانتقادات التي أثارها بصدد إنكار ذلك القانون الميتافيزيقي الذي اصطنعه كونت، وهو تقدم العقل الإنساني من اللاهوت إلى الفلسفة إلى العلم.
حيث أن كونت في قانونه هذا لا يحدد طبيعة الظواهر الاجتماعية، فلم يحدثنا كونت، عن ذلك التمايز بين الظواهر الاجتماعية، ولم يفسر لنا كونت ذلك التنوع الهائل بين مختلف الظواهر والوقائع التي تحدث وتتفاعل داخل إطار البناء الاجتماعي، والتي تتطور خلال سياق التاريخ.
ولكن دوركايم على عكس أستاذه كونت قد وضع الملامح الرئيسية لخصائص الظواهر الاجتماعية، والمبادئ أو القوانين التي تخضع لها مثل تلك الظواهر والوقائع الاجتماعية.
وكنتيجة لهذه الفروض الوضعية الثلاث التي وضعها دوركايم، فإن الظواهر الاجتماعية إنما تصبح كالظواهر الفيزيقية في خضوعها للبحث العلمي، كما يتحتم على عالم الاجتماع أن يتابع قواعد البحث العلمي وأن يخضع لمناهج العلوم الوضعية، وأن يلتزم في بحثه بمبادئ الحتمية والضرورة والسببية.
ومن هنا يتبن لنا أن الاتجاه الوضعي لدوركايم يعتبر أن القضية الوضعية تتمثل في دراسة المجتمع كنسق من الظواهر الاجتماعية، حيث نتناولها بالدراسة الموضوعية وباستخدام مناهج العلوم الطبيعية، وعلى هذا الأساس يستند التصور الدوركايمي لعلم الاجتماع إلى فكرة وضعية رئيسية، وهي الإيمان الكامل بوجود الظواهر الاجتماعية على أنها حقيقة موضوعية واقعة،. وهي حقيقة مستقلة قائمة بذاتها بمعنى أن الظواهر الاجتماعية لا يمكن أن ترد إلى ظواهر لا اجتماعية، وإنما ترد الظواهر الاجتماعية وتفسرها سائر الظواهر الاجتماعية الأخرى السائدة في النسق الاجتماعي الكلي، وهذا هو أحد المبادئ الدوركايمية الهامة في ميدان علم الاجتماع.

ولم يسلم دوركايم من بعض الانتقادات حيث ذهب البعض، إلى أن دوركايم في تحليله ودراسته لمشكلة التماسك والتضامن، قد أدى به إلى إهمال دراسة الصراع كعملية أساسية في الحياة الاجتماعية، هذا فضلا على أنه اهتم بدراسة المجتمع ككل، وأهمل دراسة الجماعات الفرعية، وهي الأجزاء التي يتكون منها الكل.
ويعتقد لويس كوزر أن معظم الانتقادات التي وجهت إلى دوركايم ترجع في الواقع إلى نزعته المحافظة، ويقصد بها تأثره بظروف عصره، وبالمناخ الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي كان سائدا في فرنسا في ذلك الوقت.
ويذهب هاري ألبرت، إلى أن من أوجه النقص الأساسية في نظريات دوركايم، ذلك القصور الذي تعاني منه تعريفاته، فالتعريفات بالنسبة له تعريفات مبدئية، بمعنى أنها تظل دائما خاضعة للتعديل وللتغير خلال مراحل البحث.
ومن بين الانتقادات التي وجهت إلى دراسات دوركايم، انتقاد حول الانتحار، حيث يعتبر البعض أن دوركايم التفت في دراسته فقط إلى العوامل الاجتماعية، وقد اضطرته تفسير الظواهر الاجتماعية بظواهر أخرى، إلى أن يقع في ثنائية غير مقبولة، فهو يسلم بوجود فرد منعزل في بعض الأحيان، وفي مواضع أخرى يتحدث عن الفرد باعتباره مدفوعا بواسطة كل من الذات والمجتمع، هذا فضلا عن أن دراسته لم تنجح في بيان أن العوامل غير الاجتماعية لا أثر لها في الانتحار، كما أن هناك عددا من الباحثين استطعوا كشف العلاقات بين الانتحار وبين مجموعة عوامل بيولوجية، وجغرافية واجتماعية.
ويذهب هلبفاكس إلى أن حالات الانتحار الغيري، كما يعرفها دوركايم بأنها الرغبة في التضحية بالحياة في سبيل الآخرين هذه الحالات لا يعتبرها المجتمع حالات انتحار، كما أن هذا التحديد لا يعتبر تعريفا اجتماعيا صحيحا، هذا فضلا عن أن حالات الانتحار الغيري لا تضمنها الإحصاءات الرسمية عن الانتحار.
أن صفة القهر والإلزام التي تتميز بها الظواهر الاجتماعية تجعل من الفرد عبدا للمجتمع وتحط من قيمته وتقضي على عقليته، وبالتالي تحط من قيمته الإنسانية.
وأكبر نقد وجهة له هو ما تعلق حول دراسته للدين حين اعتبره مجرد ظاهرة كباقي الظواهر الاجتماعية وأنه تعبير عن تأليه للفرد لمجتمعه، فالأفراد لا يعبدون الله ولكن يعبدون المجتمع. يقول دوركايم لا نبحث عن الله في السماء ولكنه موجود في المجتمع.
ــــــــــــــــــ
قائمة المراجع المعتمدة.
1. د.علي محمد علي، تاريخ علم الاجتماع (ط2؛ 1983م).
2. د.قباري إسماعيل، أصول علم الاجتماع ومصادره (الإسكندرية: المكتب العربي الحديث للطباعة والنشر).
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق