إعداد باجد العضياني
1- خلفية عن المنظر :
ينتمي ماكس فيبر ( 1864 ـ 1920 ) إلى أسرة موسرة. ولقد درس في مطلع حياته القانون والاقتصاد ، حيث أظهر فيهما تفوقا ملحوظا . أما والدة فكان سياسيا نشطا ، ظل عدة سنوات في البرلمان الألماني ( الريشستاخ ) ، منتميا إلى الحزب القومي أليبرالي . وفي سنة 1863 عين ماكس فيبر أستاذ للاقتصاد في جامعة فرايبورج. ، ثم بعد ذلك انتقل إلى وظيفة مماثلة في هابد لبرج وفي سنة 1900 أصيب بانهيار عصبي حاد، أقعده عن نشاطه الأكاديمي، ولم يستطع العودة إلى التدريس إلا في سنة 1918، وفي وقت بلغة فيه مواهبه وقدراته أقصى درجات نضجها.( تيماشيف ، 1990 : 252 ) .
و يلاحظ على فيبر استمراره في الحوار الفكري مع كارل ماركس ، ونختصر ذلك بان نقول ان ماكس فيبر قد أعجب أيما أعجاب بعقلية ماركس وبصفة خاصة ازدراءه لما ينطوي على التراث الفلسفي المثالي الألماني من غموض و تجهيل . ورأى فيه توأما روحيا له في رفضه للتفكير في ضوء مقولات فارغة كالحضارة والروح والشعب . لقد قال مرة لاحد تلاميذه في كميونيخ " انه يمكن التأكد من أمانه أي باحث معاصر ، وتصفيه خاصية في مجال الفلسفة المعاصرة ، في ضوء موقفه من نيتشه وماركس ، فان أولئك الذين لا يعترفون بعجزهم عن انجاز الجانب الأعظم من أعمالهم دون الرجوع والاعتماد على إسهامات هذين الرجلين انما يخدعون أنفسهم كما يخدعون الآخرين . ان العالم الفكري والثقافي الذي نعيش فيه قد شكله إلى حد بعيد ماركس ونيتشه "
والواقع ان ماكس فيبر لم يخدع نفسه ولم يخدع الآخرين من تلامذته ، فان الأعظم من إنتاجه الفكري والعلمي قد تم انجازه في ظل هذين العملاقين .( عودة ، د.ت : 277 ) .
والواقع إن فيبر لم يكن كسولا خلال السنوات التي توقف فيها نشاطه الاكاديمى .
فقد مكنته موارده المالية الخاصة من السفر إلى خارج ألمانيا مرات عديدة، ففي سنة 1904 زار الولايات المتحدة، واهم بالتعرف على البحوث التي تجري فيها. كذلك كتب فيبر عددا من الدراسات والمقالات، نشر كثيرا منها في مجلة أ أرشيف العلوم الاجتماعية والسياسية، حيث كان من أكثر ممثلي الكتابات الألمانية في العلوم الاجتماعية فيها. وبالإضافة إلى ذلك أسهم فيبر بمقالات مختلفة نشرة في صحف مختلفة، كما عمل في نشاط في مجال السياسة. ويلاحظ إن آراءه السياسية كانت ليبرالية الطابع ، بحيث يمكن القول أنها كانت تعكس وجهة النظر السائدة في اسرتة . وقد عارض فيبر مسألة الخدمة العسكرية البحرية غير المفيدة التي كانت سائدة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى، ودافع عن السلام القائم على المفاوضات. وفي انتهاء الحرب أصبح فيبر من أعضاء اللجنة المشكلة لإعداد مذكرة عن مجرمي الحرب. والتي قدمت إلى مؤتمر السلام في باريس.ثم أصبح بعد ذلك عضوا في اللجنة التي قدمت مشروع دستور فايمار وباختصار يمكن القول إن حياة فيبر كانت تنقسم قسمة عادلة بين العلم والسياسة.
والواقع إن كثيرا من كتابات فيبر لانتمى إلى ميدان علم الاجتماع بنطاقه المعروف؛ فأغلبها يعالج مشكلات ملموسة أكثر مما يعالج موضوعات أساسية في النظرية العامة لعلم الاجتماع. ومع ذلك فقد كان فيبر يتمتع بقدرات تحليلية فائقة، مكنته من تقديم إسهامات خطيرة إلى النظرية في علم الاجتماع، وذلك من خلال دراسته المتعمقة لهذه المشكلات، بل لقد أسهم في النظرية بدراسته لمشكلات وموضوعات لا ترتبط بشكل مباشر بالنظرية ( تيماشيف ، 1990 : 253).
ولقد توفي فيبر قبل إن يتم مؤلفة الأساسي الذي يدخل في ميدان النظرية السوسيولوجية ، وهو ( الاقتصاد والمجتمع )لذلك كانت إحدى المهام الصعبة في سنة22 19جمع شتات هذا المؤلف ، بعد إن تركها فيبر في صورتها المبدئية . وفي هذا العام أيضا جمعت كتاباته المنشورة في المجلات العلمية وبعض الكتابات الأخرى. ثم ظهرت بعد ذلك على شكل مؤلفات تحتوي على مقالات مجمعه. ومن هذه المؤلفات ثلاثة تتناول علم الاجتماع الديني، ومؤلف يدرس التاريخ الاجتماعي والاقتصادي، ومؤلف يعالج علم الاجتماع السياسي والاجتماعي، وأخيرا مؤلف يتناول ما نطلق علية اليوم علم الاجتماع المعرفي. ومن المؤكد أن هذه المؤلفات بتنوعها الواضح، تعكس لنا تعدد اهتمامات فيبر واتساعه. ( تيماشيف ، 1990 : 253- 254).
2- ابرز النظريات التي ساهم فيها :
أ- النموذج المثالي أو الخالص طبيعته وتطبيقاته
ب- القيادة الكريرزماتية .
ج- الفعل الاجتماعي .
د – البيروقراطية .
والبيروقراطية Bureaucracy حدده ماكس فيبر في الخصائص المتعددة التالية التسلسل الهرمي للسلطة القانونية الرشيدة والتأكيد على القوانين المسنونة بصورة رسمية واللاشخصية ويعتبر تركيبا او اتحادا من المفاهيم ( الصالح ، 1421 : 120 ) .
3- تأثير فيبر على الوظيفية المعاصرة :اثر فيبر على الوظيفيين من خلال ترجمة كتبه .
4- ملامح تأثير فيبر على الوظيفية المعاصرة تتمثل في مقولاته عن :
أ – الفعل الاجتماعي
ب- إستراتيجيته في تحليل الأبنية الاجتماعية
ج- منهج فيبر :
- مستوى التحليل : يرى فيبر ضرورة دراسة الظاهرة الاجتماعية على مستويين هما :
- مستوى الفعل الاجتماعي ذي المعنى للأفراد .
- مستوى الفعل الجماعي من تجمعات الأفراد .
5- نظرية النموذج المثالي : Ideal type
فكره النظرية :
يذهب فيبر إلى ان دراسة الفعل الاجتماعي تتطلب وجود أداة منهجية أطلق عليها النموذج المثالي أو الخالص ولقد ظهر هذا الاصطلاح فقط في كتاب الاقتصاد والمجتمع ، وما لبث إلى إن أصبح اصطلاح " النموذج المثالي " باسم فيبر . ويبدو لنا أن اصطلاح "النموذج المثالي " اصطلاح أكثر ملائمة ودقه. لأنة يشير وبوضوح الى المعنى الذي يقصده فيبر من هذا المفهوم المنهجي . ويلاحظ أن فيبر لم يدع ابتداع النموذج المثالي أو الخالص. ولكنة كان يعتقد أنة يقدم إجراء واضح استخدم من قبل في الدراسة العلمية.
والنموذج المثالي أو الخالص هو في حقيقة الأمر بناء أو تشييد عقلي يتشكل من خلال ظهور أو وضوح سمة أو أكثر. أو وجهات نظر يمكن ملاحظتها في الواقع والنموذج الذي يتشكل الذي يتشكل على هذا النحو يطلق علية" مثالي “، لأنه يتحقق كفكرة. ويقول فيبر " انه من النادر ـ بل من المستحيل ـ ن نجد في الحياة الواقعية ظواهر تنطبق تماما على النموذج الذي شيد بطريقة عقلية خاصة. أما وصف النموذج المثالي أو الخالص، فيتضح إذا ما استعنا بمثال الكيمائي الذي يحاول تحديد أو تعيين عنصر معين، بعد عزلة عن المواد التي كانت مرتبطة به في حالته الطبيعية وقبل تحليله. والنموذج المثالي أو الخالص يختلف عن المتوسط الإحصائي الذي يستخدم أيضا في التحليلات الاجتماعية، ولكن لإغراض مختلفة.
النموذج المثالي ليس فرضا . أنة أداة أو وسيلة لتحليل الإحداث التاريخية الملموسة والمواقف. وهذا التحليل يتطلب ـ بدورة ـ أن تكون المفاهيم محددة بدقة، وواضحة إلى ابعد الحدود، لكي تستطيع مواجهة النماذج المثالية. وإذن فالنموذج المثالي مفهوم محدد، نقارن به المواقف الواقعية في الحياة، والأفعال التي ندرسها. ويذهب فيبر إلى أن دراسة الواقع والملموس على هذا النحو، تمكننا من الحصول على علاقات سببية بين عناصر النموذج المثالي.
ولقد قدم لنا فيبر في كتابة " الاقتصاد والمجتمع " أمثلة عديدة تشهد على إمكانية تطبيق النموذج المثالي ، كما أوضح الصعوبات التي تعوق تطبيق هذه الأداة المنهجية .
وفي هذا المجال صاغ نموذجا خالصا للفعل العقلي . ........ وذهب إلى اعتبارات التحليل العلمي تمكننا من النظر إلى كل من السلوك اللا عقلي والسلوك غير العقلي باعتبارهما انحرافيين عن النموذج المثالي العقلي ، طالما أن عالم الاجتماع يستطيع دراسة تأثير العناصر اللاعقلية وغير العقلية على السلوك الانسانى الواقعي . ومن المهم أن نوضح هنا أن يبر لم يكن يقصد أن السلوك الواقعي هو الذي يسود الحياة الاجتماعية عموما.
وتواجه النماذج المثالية صعوبات كثيرة ظهرت على وجه الخصوص في تصنيف فيبر الرباعي للفعل الاجتماعي، حيث تستند كل فئة من فئات الفعل الأربعة إلى شكل معين من التوجيه السلوكي. فهناك فئتان من الأفعال تتميزان بالعقلية ، إحداهما تستخدم الوسائل الملائمة لتحقيق الأهداف العقلية المختارة ، والثانية تستعين بوسائل مشابهه لإشباع " قيم مطلقه " وأهداف أخلاقية . أما الفئتان الأخريان من الأفعال فهما : فئة الفعل التقليدي ، وفئة الفعل الوجداني . ولنا بعد ذلك أن نطرح السؤال التالي : إذا كان النموذج المثالي في هذه الحالة بنا يرتكز على أساس الفعل العقلي , فكيف يمكن بعد ذلك إقامة نموذج مثالي للأفعال غير العقلية أو اللاعقلية ؟ الواقع إننا لا نجد في كتابات فيبر أجابه على هذا السؤال.
والملاحظ أن فيبر استخدم النماذج المثالية أو الخالصة بكثرة في كتابات السوسيولوجية . ومرد ذلك انه كان يسعى إلى أن يكون موضوع علم الاجتماع هو دراسة الفعل الاجتماعي الذي يتضمن معنى ذاتيا. ولكن هذا الموضوع ما لبث أن تحول عند فيبر ليصبح دراسة أنماط السلوك الانسانى والتي توجد في الظروف العادية او حتى الظروف الفرضية .
ويعتبر مؤلف " الاقتصاد والمجتمع " محاولة لإقامة نسق من النماذج المثالية . أما تعريفات هذه النماذج فكانت عادة تعريفات مفروضة ، إن صح هذا التعبير فقد صاغ فيبر هذه النماذج بطريقة تتفاوت في تعسفيتها ، ثم فسر بعد ذلك خصائصها خاصية تلو الأخرى . وفي بعض الأحيان كان يقدم عروضا تفصيلية تتناول مواقف تاريخية ملموسة تشهد على صحة التعريفات والمؤكد أن فيبر لم يشيد نماذجه المثالية عن طريق عملية استقرائية جامدة ، ولكنة كان يجمع خصائصها المميزة بإتباع استقراه مرن يرتكز على دراسة مستفيضة للبيانات ، ثم يلجا بعد ذلك إلى اختيار السمات التي تتضمن النماذج المثالية وسنحاول فيما يلي أن نعرض لبعض تعريفات النماذج المثالية التي قدمها فيبر .
المفاهيم في النظرية :
فالعلاقات الاجتماعية : وهي التي تمثل عنده مفهوما يرتبط بالفعل ارتباطا منطقيا ، هي السلوك الذي يصدر عن مجموعه من الفاعلين ، إلى المدى الذي يكون كل فعل من الأفعال آخذا في اعتباره المعاني التي تنطوي عليها أفعال الآخرين .
إما الجماعة المنظمة: فهي تمثل علاقة اجتماعية من خلالها يقوم إفراد معينون بشكل منتظم بمهمة تدعيم النظام في الجماعة. ويطلق على الجماعة المنظمة التي يحكمها نظام معين يمتد فقط لحدودها الإقليمية الشرعية اصطلاح الجماعة الإقليمية المنظمة. وحينما يخضع أعضاء الجماعة المنظمة ـ بحكم عضويتهم ـ إلى ممارسة شرعية ترتكز على ضبط ملزم يطلق على هذه الجماعة اصطلاح الجماعة التي تستند إلى ضبط ملزم ويطلق على هذه الجماعة اصطلاح الجماعة السياسية.
إذا ما قام جهازها الإداري بتدعيم النظام داخل منطقة إقليمية معينة ، وذلك عن طريق التهديد باستخدام العقاب البدني . وتصبح الجماعة السياسية دولة عندما يتمكن جهازها الإداري من احتكار الاستخدام للشرعي للعقاب البدني في تدعيم النظام . ومن ثم أن الواضح أن نطاق هذه المفاهيم يضيق وفقا لتتابعها الذي اتخذ الشكل الذي اوضحناه ، لان كل مفهوم تال اكتسب سمات لم تكن موجودة في المفهوم السابق علية . وإذن فالمفاهيم تتدرج من الاتساع إلى الضيق.ولعل الاستثناء الوحيد في ذلك هو تعريف الجماعة ، الذي ضاق من ناحيتين : فأما انه أصبح جماعه إقليمية أو جماعه تستند إلى تضامن ملزم وحينما تصبح الجماعة المنظمة إقليمية ومستندة إلى تضامن ملزم في الوقت ذاته ، فإنها تشكل جماعه سياسية تعتبر الدولة مثالا نموذجيا لها .
ومن الملاحظ أن تعريفات بعض النماذج المثالية، تضمنت بعض الخصائص التي تم تعريفها بعيدا عن هذه النماذج، حيث اتخذت بذلك شكل نماذج مثالية إضافية. فلقد ظهر ـ مثلا ـ نموذج فرعي للجماعة المنظمة، ذلك وذلك بإضافة خاصية الضبط الملزم. وبذلك عرف الضبط الملزم بأنة احتمال أن تطيع جماعه من الأشخاص أوامر معينة. وفي هذا المجال يؤكد فيبر أن كل جماعة منظمة تتميز بضبط ملزم ، تسعي دائما إلى تدعيم اعتقاده في الشريعة .
ومن النماذج المثالية التي أقامها فيبر، ذلك الذي يتضمن تمييزا واضحاً بين ثلاثة أنماط في السلطة الشرعية، يرتكز كل منها على شكل معين من الشرعية. فهناك سلطة تقوم على أساس عقلي رشيد مصدرة اعتقاد في قواعد ومعايير موضوعية غير شخصية ، ومصدرة أيضا تفويض الذين يقبضون على مقاليد السلطة الحق في إصدار أوامرهم بهدف إتبقائمة.القواعد والحفاظ عليها وهذا النمط العقلي القانوني في السلطة يشيع عموما في المجتمع الغربي الحديث .وهناك السلطة التقليدية، وشرعية المكانة التي يحتلها أولئك الذين يشغلون الأوضاع الاجتماعية الممثلة للسلطة المستندة إلى التقاليد كما هو الحال في الملكيات التي لا تزال قائمة. وهناك أخيرا السلطة الروحية أو الملهمة، التي تعتمد على الولاء المطلق لقدسية معينة استثنائية مثل البطولة، أو نموذج من نماذج الشخصيات يحتذي لما لدية من مثل وقيم، أو بسبب نظام ابتدعه أو دعمه زعيم معين. ومن أمثلة هذا النمط في السلطة بعض الزعماء أو القادة الروحيين من أمثال غاندي وهتلر . والملاحظ أن هذه النماذج المثالية الثلاثة لا تعنى عدم ظهور أنماط أخرى للسلطة الشرعية فقد اقر فيبر نفسه هذه الإمكانية ، ولكنة أراد في هذا المجال أن يصوغ ـ بشكل تصوري دقيق ـ بعض النماذج السوسيولوجية الهامة . ونستطيع بعد ذلك أن نصور هنا ملاحظة ، فالنماذج المثالية للسلطة تمثل بناءات عقلية مجردة ومن الممكن أن تتضمن بعض انساق السلطة السياسية أكثر من نمط من أنماط السلطة ـ التي حددها فيبر ـ في وقت واحد . ( فالسلطة السياسية في الولايات المتحدة ـ مثلا ـ وان كانت سلطة عقلية رشيدة في شكلها العام، إلا أنها تكشف في بعض الأحيان عن سمات روحية، كما أن بعض الأجهزة السياسية المستقرة تنطوي على بعض العناصر التقليدية ).
ومن الواضح أن الغالبية العظمى من النماذج المثالية التي قدمها فيبر لا تتناول مباشرة الأفعال، ولكنها تتعلق بالمجموعات الاجتماعية ( ويلاحظ إن فيبر كان يفضل هذا الاصطلاح على اصطلاح الجماعة الاجتماعية ). ويبدو أن ذلك راجع إلى طبيعة نقطة البدء عن فيبر، والتي تتمثل في أن علم الاجتماع يهتم ـ في المحل الأول طبعا ـ بدراسة الأفعال الاجتماعية. مع ذلك فلقد عرف العلاقة الاجتماعية ـ والتي تمثل النموذج المثالي الذي يشكل أساس النماذج الأخرى التي اتخذت شكلا هرميا ـ عرفها بأنها هي التي تشكل مجرى الفعل الاجتماعي. والواقع أن هذا التعريف السلوكي مرتبط بإدراك فيبر لخطورة تعقد العلاقات الاجتماعية / وكل أنماط الجماعات الاجتماعية. " فالدولة مثلا ينتفي وجودها ـ بالمعنى السوسيولوجي ـ عندما لا يكون ثمة احتمال في ظهور أنماط معينة من الأفعال التي تتضمن معنى " ، لذلك نجد فيبر يصر على أن الفعل لا يوجد إلا في شكل السلوك الذي يصدر من فرد أو أكثر ، وانه يجب دراسة المجموعات الاجتماعية منعزلة ، مثل الدولة والرابطة والقرابة ، إلى مستويات التفاعل الانسانى . ومهمة علم الاجتماع هنا أن يهبط بهذه المفاهيم الى مستويات الأفعال التي يمكن فهمها والتي تصدر عن الإفراد المشاركين . وجدير بالذكر أن موقف فيبر هذا يقترب إلى حد بعيد من الاتجاه الأسمى في علم الاجتماع. وهو اتجاه يعارض الواقعية السوسيولوجية عند دور كايم . ( تيماشيف ، 1990 : 266-271)
•أولا": موضوع علم الاجتماع :
هو العلم الذي يحاول أن يجد فهما" تفسيريا" للفعل الاجتماعي،من اجل الوصول الى تفسير علمي لمجرى هذا الفعل و آثاره.ويعرف الفعل الاجتماعي بأنه سلوك إنساني يضفي عليه الفاعل معنى ذاتيا" سواء كان هذا المعنى واضحا" ام كامنا".
•ثانيا": وحدة التحليل:اعتبر ماكس فيبر أن وحدة التحليل الأساسية للمجتمع هي الفرد الفاعل وقد ميز فيبر بين أربعة أنماط أساسية من الفعل الاجتماعي هي:
1_ الفعل العقلاني:الذي يرتبط بهدف ما، مثل:القائد الحربي الذي يريد ان يحقق نصرا"ما،أو فعل مدير شركة لتحقيق الربح.
2_ الفعل العقلاني القيمي:الذي يرتبط بقيمة ما.مثل ما يقرره قبطان سفينة من ألا يدعها تغرق وحدها بل يغرق معها.ومثل:الدفاع عن الوطن.
3_الفعل العاطفي:مثل قيام الام بضرب طفلها عندما يقدم على سلوك غير مرض.هذه الأفعال هي أفعال وجدانية أو عاطفية وليست أفعالا" عقلانية لأنها ليست موجهة الى هدف.
•ثالثا": عوامل التغير الاجتماعي:ان العوامل الفكرية، وخاصة الفكر الديني ممثلا"في حركات الإصلاح، كسبب أساسي لتفسيره لظهور الرأسمالية، فقد ارجع ظهور الرأسمالية في غالبه للأفكار الدينية الجديدة، والتي حلت محل الأفكار والقيم القديمة، كما كانت ممثلة في الكاثولوكية، والتي كانت تعطل الفعل والتطور الاقتصادي، الأفكار والقيم البروتستنتية تضمنت حثا" على العمل والادخار،وتحرر الفرد،والفكر العقلاني،فتظافرت هذه لتكون أساسا"لظهور الرأسمالية.وأدى هذا التحول الفكري في نظره لمجتمع مزدهر اقتصاديا"، عقلاني التفكير والفعل، تحكمه المؤسسية التي تتمثل في نظام بيروقراطي رسمي، وبهذا يمكن تفسير التغير الاجتماعي بالتغير في الفكر والنظام القيمي.
ومن التطورات التي ساعدت على نشوء علم الاجتماع في المجتمع الأوروبي والأمريكي:
_ التطورات الحديثة في المجتمع الأوروبي:لقد صاحب تحول المجتمع الأوروبي خلال القرن18و19 من حالة الإقطاع والاقتصاد الزراعي لحالة التصنيع وانتشار المدن، مما أدى للانتقال للمدن حيث تعتبر مراكز للمصانع والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة، وارتفاع مستوى المعيشة، وظهور الطبقات الاجتماعية.
_التطورات الحديثة في المجتمع الأوروبي:بدأ علم الاجتماع بأمريكا بدراسة المشاكل الاجتماعية الصغيرة والمحدودة بدلا" من النظام الاجتماعي والتغير الاجتماعي.وقد طور جورج ميد علما" جديدا" سمي بعلم النفس الاجتماعي،وهناك علماء آخرون أمثال روبرت بارك و أرنست بيرجس اهتموا بدراسة المشاكل الاجتماعية مثل:حياة المجرمين،ومدمني المخدرات،وانحراف الأحداث.أما الفترة الواقعة من عام 1940_1960 فقد تحولت الاهتمامات الاجتماعية الى مجالات أخرى مثل تطوير النظريات كالنماذج المثالية للمجتمع، وهذا باللاضافة للاهتمام بأساليب البحث العلمي والأدوات الإحصائية.كما ان الاضطرابات الاجتماعية التي حدثت عام 1960 لعبت دورا" هاما" على انشطار الانشطة التقليدية لعلماء الاجتماع الأمريكيين.وأثناء ذلك العقد كان دور العلماء منصبا" على نقد المجتمع.
•رابعا": المكانة العلمية: هو عالم اجتماع ألماني، ارتبط بالكانطية الجديدة والوضعية. وعنده ان جوهر أي ظاهرة اقتصادية اجتماعية لا يتحدد بجوانبها الموضوعية بقدر ما يتحدد بوجهة نظر الباحث. وحاول فيبر انطلاقا" من الافتراض القائل بأن العلوم الاجتماعية تدرس الجوانب الجزئية فحسب من الظواهر المختلفة ان يستعيض عن التجريد العلمي بالفكرة التعسفية عن (نمط مثالي)،وقد اتجهت أفكار فيبر بكل ثقتها ضد التعاليم الماركسية حول الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية.ومن مؤلفاته: ((في السياسة الوطنية والسياسية الدولية 1895)) ، (( الأخلاق البروتستنتية وروح الرأسمالية 1905)) ، (( المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع 1921)).
مفهوم النظرية باختصار هي :
يمكن تخليص نظرية فيبر في النموذج المثالي بالاتي ( حتى نحلل العلاقات السببية الحقيقية لنتصور علاقات غير حقيقة ) فالعلم لا يمكن ان يكون نسخة من الواقع ، لان الواقع غير متناه بينما العلم هو محدد في مجموعة من المفهومات والتصورات مدعومة بمعرفة مجزاة دائما ( عودة ، د.ت 286 ) .
تعقيب الباحث على نظريه ماكس فيبر النموذج المثالي :
هناك تشابه كبير بين مفهوم زيميل عن الصور أو الإشكال الاجتماعية Social forms ونظرية فيبر عن النمط المثالي . وكان زيميل من أصدقائه المقربين ، كما ان تأكيد فيبر على أهمية النقود الحاسمة في ظهور الاتساق الاقتصادية الرشيدة يدين بالكثير إلى مؤلف زيميل فلسفة النقود ( عودة ، د.ت : 275 ) .
المراجع
- نظرية علم الاجتماع طبيعتها وتطورها تيماشيف ، نيقولا ، ترجمه الدكتور محمود عوده و الدكتور محمد الجواهري و الدكتور محمد علي محمد و الدكتور السيد محمد الحسيني ومراجعة محمد عاطف غيث . الاسكندريه : دار المعرفة الجامعية .
_ الموسوعة الفلسفية، وضع لجنة من العلماء والأكاديميين السوفيتيين، باشراف: م. روزنتال،ي.يودين.ترجمة: سمير كرم
دار الطليعة للطباعة والنشر.بيروت. الطبعة الرابعة
_ المدخل الى علم الاجتماع، د.فهمي الغزوي،د.عبدا لعزيز خزاعه، د.معن خليل عمر، د.نايف البنيوي، جنان الطاهر.
دار الشروق للنشر والتوزيع، الطبعة العربية الثانية:الإصدار الأول2000 .
_ علم الاجتماع،د.عبد الحميد لطفي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، الطبعة الثامنة1997.
-النظرية الاجتماعية ، أصولها التاريخية وبناؤها وظائفها وخصائصها وملامحها
تأليف الدكتور مصلح صالح ، دار الفيصل العالمية 1421 هـ / 2000م
-تاريخ علم الاجتماع ، الجزء الأول ، مرحلة الرواد ، الدكتور محمود عودة ، بيروت : دار النهضة العربية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق