مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

07‏/12‏/2010

الأبعاد الإشكالية لمفهوم المقاومة

الشائع عن المقاومة هو كونها تنظيم أو حزب أو حركة ذات طابع ديني أو قومي أو وطني كان نقول المقاومة التونسية للاستعمار أو المقاومة الجزائرية أو المقاومة الفلسطينية او المقاومة الفيتنامية وهناك العديد من المواقف سواء كانت عفوية او سياسية أو دينية من هذه الظاهرة الإنسانية تتراوح بين الرفض والقبول ، بين الوثوقية والريبية ، بين المطلق والنسبوي لكن كيف ينظر الفيلسوف إلى هذه الظاهرة الإنسانية خاصة وأنها مرتبطة بالآن والهنا بل أصبحت من الكلمات المتداولة المكونة لنسق اليومي . إن المقاومة كما تتنزل في العديد من السجلات غير الفلسفية تتنزل ايضا في السجل الفلسفي وبما أن الموقف الفلسفي ليس موقفا وثوقيا ولا ريبيا بل هو موقف تساؤلي / نقدي يبحث عن الحقيقة متحررا من البداهة فان المقاومة تتنزل في إطار هذا التوجه المختلف عن السائد ، إنها موضوع للتفكير الفلسفي الذي يراهن من خلال تناوله لهذا الموضوع على توسيع آفاق فكرنا وتحرير أفكارنا من "سلطان العادة الطاغي" (ياسبرس)". أن تكون المقاومة موضوعا للتأمل الفلسفي هذا يفترض وجود مسافة نقدية بين هذه الممارسة والذات المفكرة وبالتالي الانتقال من موقف طبيعي / تلقائي / مباشر إلى موقف فلسفي يعيد النظر في هذه الممارسة وهذا شكل من أشكال الانعتاق من هيمنة هذه الظاهرة على الإنسان إلى هيمنة الإنسان فكريا على هذه الظاهرة أي الانتقال من عقل منفعل إلى عقل فاعل ، من ذات خاضعة لموضوع تأتمر بأوامره إلى ذات تكره الموضوع على الإجابة عن أسئلتها وتكشف عن الأبعاد الإشكالية الكامنة فيه. لننطلق من "ميتافيزيقا فعل المقاومة" يقول ابو يعرب المرزوقي : "سأنطلق في هذا البحث من تعريف ميتافيزيقي تقليدي لتصور المقاومة كما يمكن أن يصاغ بالمصطلح الفلسفي التقليدي. فرغم تعدد معاني هذا التصور فإنها تقل الرد إلى معنى جامع هو "القوة المنفعلة من حيث هي صمود أمام القوة الفاعلة في كل فعل يحصل بين متفاعلين". فهي إذن خاصية ملازمة للشيء إذا نظر إليه بمنظور "أن ينفعل" بمصطلح المقولات الأرسطية في عبارته العربية. ذلك أن ما يصدر عن الشيء من صمود خلال انفعاله بفعل الفاعل يمكن اعتباره مقاومته لفعل الفاعل ومن ثم فهو قوته الانفعالية. 
-فالدلالة الوجودية الأولى هي المقاومة أو الصمود الانفعالي في مجال الظاهرات الطبيعية: قوة الصد هي رد فعل بالفعل متناسب مع الفعل بالفعل لكنها يمكن أن تكون أكبر أو أصغر لأنها من حيث الطبيعة ليست إضافية إلى العوامل الخارجية بل هي ذاتية للشيء المقاوم: مثل مقاومة المعادن للوزن أو للضغط المكثف لاجتماع عناصره أو المخلخل له. 
-والدلالة الوجودية الثانية هي المقاومة أو الصمود الانفعالي في مجال الظاهرات العضوية: وهي المقاومة بالمعنى البايولوجي. وهذا المعنى أكثر تطورا من المعنى السابق لأنه يتضمن شيئا من الفاعلية ولا يكتفي بالصمود الانفعالي. فجهاز الحصانة لا يقتصر على المقاومة بل هو وإن بدا رد فعل فهو يتحول مباشرة إلى فاعل أو متفاعل مع العدو المهاجم للكيان العضوي "( موقع الفلسفة لابي يعرب المرزوقي ) لكن لننتقل من الميتافيزيقا إلى التجربة في النظر الى المقاومة . 
تجربة الالتزام السقراطية بما هي شكل من أشكال المقاومة الفلسفية: 
يقول مرلوبونتي في كتابه تقريظ الفلسفة :"إن حياة وموت سقراط هما تاريخ العلاقات العسيرة التي يقيمها الفيلسوف مع آلهة المدينة أي مع الناس الآخرين ومع المطلق المحنط " إن سقراط ليس متمردا ولا ثائرا على الآلهة والمدينة فالثورة لن تغير من نفوس وعقول الناس شيئا وهدف سقراط ليس الأشخاص في حد ذاتهم وإنما عقولهم لذلك هو يتجه إلى كل الناس بمن في ذلك من يحاكمه ( كانط ما الانوار). إن الدين حق والمدينة / الدولة حق والآلهة حق والطاعة حق بل إن سقراط يؤمن اكتر من هؤلاء لكنه بشكل مختلف وبمعنى آخر و بالتالي إن المقاومة السقراطية لا يمكن أن تكون إلا بشكل آخر وهو ما يعني تجاوز المقاومة العفوية الساذجة / الدغمائية إلى مقاومة فلسفية تتأسس على منظومة قيمية سقراطية تنتهج الحوار مبدأ ايتيقيا للتفكير وهذا يعني أن ممارسة العنف تتناقض مع مقتضيات التفكير أو مقتضيات الرسالة الفلسفية السقراطية . في كلمة ، لا يمكن فهم المقاومة إلا في إطار مرجعية فلسفية سقراطية شعارها المعرفة الذاتية : " أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك " يقول مرلوبونتي لإبراز هذا المعنى الفلسفي للمقاومة في كتابه تقريظ الفلسفة :" يقول كسينوفون سقراط : نستطيع طاعة القوانين ونحن نتمنّى أن تتغير، كما نخدم في الحرب ونحن نتمنى السلام .ليس الأمر اذن لان القوانين جيدة ، بل لأنها النظام ونحن بحاجة إلى النظام لتغييره" فالمقاومة تستوجب المثول للدولة وطاعة قوانينها لأنه شكل من أشكال الدفاع بالحفاظ على النظام والمقاومة الحقيقة لكونها عقلانية يجب ان تحافظ على النظام لكن ليس كما تريد الساسة ورجال الدين والعامة وانما كما يريد الفيلسوف ، فالخروج عن النظام والهروب يجعل من سقراط عدوا لأثينا يقول مرلوبونتي : " لسقراط طريقة في الطاعة هي طريقة مقاومة ".هذا المعنى للمقاومة نجده عند كانط في إطار ابستيمية أخرى.انها ابستمية جوهرها الانوار رهاناتها خروج الانسان من قصوره عبر التجرؤ على الاستخدام الذاتي للعقل دون ارشاد الغير. وهو استخدام يستلزم التدرب والتدرج وان حصلت بعض الاخطاء في المحاولات الاولى فان القدرة على التفكير الذاتي ممكنة رغم كل شئ بناء على ذلك يرفض كانط الثورة لان مطلب كانط هو الكلي بما هو اصلاح للعقل الانساني يقول كانط :" ان الجمهور لا يبلغ الانوار الا ببطء ويمكن فعلا لثورة ان تؤدي الى الاطاحة بالاستبداد الشخصي والاضطهاد القائم على التعطش الى المال والهيمنة ولكنها لن تؤدي ابدا الى اصلاح حقيقي لنمط التفكير بل بالعكس ستقوم احكام مسبقة جديدة شانها شان الاحكام المسبقة القديمة لتضيق الخناق على ذلك السواد الاعظم المحروم من التفكير ." ان المشكل بالنسبة الى كانط هو تغيير العقول / كيفية التفكير لان الثورة لن تؤدي الا الى استبدال دغمائية باخرى ثم ان الانسان يوجد مع الاخرين في اطار نظام تعاقدي حيث تتداخل الحرية مع الطاعة وكما يقول الان :"خصلتان تميزان المواطن : المقاومة والامتثال. بالامتثال يضمن النظام وبالمقاومة يضمن الحرية" لكن هل سيقبل كانط بالمقاومة ؟ 
يرفض كانط احقية الفرد في مقاومة السلطة السياسية " لا يمكن فعليا ان يتضمن الدستور أي بند يسمح لسلطة ان تقاوم القائد الاعلى للدولة في صورة خرقه للقوانين التشريعية وفرض قيود عليه نتيجة ذلك " ان الوضعية القانونية تطرح مشكلا في اطار الدولة القانونية فليس " ثمة اذن أي مقاومة للشعب ضد الحاكم المشرع للدولة تكون مطابقة للحق .اذ لا يمكن اقامة دولة قانونية الا بالخضوع الى ارادته الكلية المشرعة وبهذا المعنى ليس ثمة حق عصيان وبدرجة اقل ليس ثمة حق تمرد" بل ان كانط في اطار دولة القانون التي تتاسس على الارادة الكلية يعتبر " ابسط محاولة في هذا الشان هي خيانة عظمى ومن يكون خائنا من هذا الجنس باحثا على القضاء على وطنه لا يمكن ان يعاقب بأقل من الموت " وعلى الرغم من هذه الفلسفة للمقاومة التي تبدو للبعض مجردة ومثالية في رفضها للعنف وبحثها عن السلم الدائم بشكل كوني الا انها بضرب من التأويل تلتقي مع تجربة المقاومة السقراطية بما هي مقاومة عقلانية رهانها تغيير الانسان من الداخل / اصلاح العقل / تحقيق" الانوار". لكن على العكس من كانط يقر لوك حق المواطنين في مقاومة الطغيان في اطار تصور للعقد الاجتماعي يختلف عن تصور اخر للعقد الاجتماعي وهو تصور هوبز:
بالنسبة لأطراف العقد: فقد رأى لوك أن العقد قد تم بين طرفين الأفراد من ناحية و الحكام من ناحية أخرى، و في هذا الخصوص اختلف لوك عن هوبز حيث ذهب هذا الأخير في تصوره للعقد أنه قد تم بين الأفراد فيما بينهم و البعض الآخر، أما الحاكم فهو أجنبي عن العقد، أما لوك فلم برى في الحاكم أجنبي عن العقد و إنما هو الطرف الثاني ممن أطراف التعاقد، له ما لهم و عليه ما عليهم. 
أما بالنسبة لمضمون العقد: فقد ذهب لوك إلى أن الأفراد لم يتنازلوا للحاكم بمقتضى هذا العقد إلا عن جزء فقط من حقوقهم و في حدود القدر اللازم لاقامة السلطة و المحافظة على حقوقهم الأخرى المتبقية لهم و التي احتفظوا بها. 
و في هذا الخصوص بختلف لوك عن هوبز في أن هذا الأخير قد ذهب إلى أن الأفراد قد تنازلوا للحاكم عن كل حقوقهم لا عن جزء منها، و إذا كان الحاكم طرفا في العقد عند لوك لا أجنبيا عنه، فانه يلتزم قبل الأفراد بحماية الجزء الآخر من الحقوق المحتفظين بها و عدم المساس بها فضلا عن اقامة العدل بين الأفراد. 
أما عن آثار العقد: فقد ذهب لوك إلى وجوب احترام الالتزامات الموقعة من قبل اطرف العقد. فعلى الأفراد يقع واجب الطاعة و يقع على الحاكم واجب الحماية و المحافظة على حقوق الأفراد التي لم يتنازلوا عنها و إقامة العدل بينهم. فإذا أخل الحاكم بالالتزامات انفسخ العقد، وجاز لكل طرف الرجوع على حالته قبل التعاقد،فيحق للأفراد مقاومة الحاكم بل و عزله من سلطة الحكم. و على هذا النحو أجاز لوك حق مقاومة الحكام إذا ما جاوزوا سلطانهم حسبما يقضي به مضمون العقد.يقول لوك : كلما حاول المشرعون انتزاع املاك الشعب واتلافها او تسخيره للسلطة الغاشمة ، فانما يشنون عليه الحرب ، فيصبح في حل اذ ذاك من اية طاعة " . ان انحلال الدولة نتيجة الطغيانالذي هو " عبارة عن ممارسة السلطة التي لا تستند الى أي حق قط ، والتي يستحيل ان تكون حقا لامرئ ما وهو يقوم على استخدام امرئ ما السلطة التي الت اليه من اجل مصلحته الخاصة لا من اجل خير المحكومين ".
اذا كانت المقاومة يمكن ان تكون عنيفة مع لوك أي هنا علاقة بين المقاومة والعنف فان ماركس بدوره فى اطار فلسفة اخرى يعتبر ان العنف الثوري الذي تمارسه الطبقة الكادحة هو عنف شرعي لكن على خلاف ذلك ان المقاومة لا يمكن ان ترتبط بالعنف مع غاندي بل تربط اساسا باللاعنف وهو ما يعمق مشكل المقاومة على صعيد التجربة والفلسفة ، على صعيد الواقع والحق . ان فكرة المقاومة التي تتاسس على اللاعنف هي اثبات لقوة الروح فهي نضال سلمي يرمي الى الصداقة والتفاهم مع العالم باسره "فكل البشر اخوة" حسب غاندي. يقول غاندي : " ان الطاغية سيلقى لدي مقاومة روحية تفلت من قبضته . ستعمي هذه المقاومة اولا بصيرته ثم ستحمله على الخضوع . يمكن ان نؤكد ان هذه الحالة مثالية . اجل انها احدى الحالات المثالية" لكن التاريخ يثبت ان هذه الحالة المثالية تجسدت في الواقع من خلال مقاومة غاندي للاستعمار البريطاني فما يعرف مثلا بمسيرة الملح هي مسيرة تحدى فيها غاندي القوانين البريطانية التي كانت تحصر استخراج الملح بالسلطات البريطانية مما أوقع هذه السلطات في مأزق، وقاد مسيرة شعبية توجه بها إلى البحر لاستخراج الملح من هناك، وفي عام 1931 أنهى هذا العصيان بعد توصل الطرفين إلى حل وسط ووقعت معاهدة غاندي - إيروين. ان تجربة المقاومة الغاندية قامت على عقيدة اللاعنف لماجهة العنف فبالحب يمكن للمقاوم اللاعنيف ان بنتصير على الطاغي/ العنيف ، انها العقيدة الايتيقية التي تتكون من قوانين توحد بين الناس جميعهم . يقول اندري مالرو :" ان الغاندية هي المثال الوحيد في العالم للفكر الثوري الذي انتصر دون ان يسفك الدماء" ويضيف ايضا :" في العادة نجد اتيقا دون ثورة او نجد ثورة دون اتيقا . اما الغاندية فقد جاءت بثورة اتيقية".
عموما ، ان الابعاد الاشكالية للمقاومة تبرز من خلال المستويات الاشكالية التالية :اولا من خلال تشريع بعض الفلاسفة لمقاومة من يستعبده شريطة ان يكون ذلك تحت طائلة القانون وان كان البعض الاخر قد اوصد الباب امام هذا الخيار خشية الفتنة التي لا تؤدي الا الى الهلاك وثانيا من خلال اشكال المقاومة المتناقضة نتيجة تراوحها بين الغنف واللاعنف .وثالثا بما هي موقف فلسفي عقلاني / انساني / كلي سواء كان نظريا او عمليا يختلف عن كل المواقف الدغمائية او الريبية من المقاومة . 
وأخيرا،على غرار ما قاله مرلوبونتي حول الفلسفة :" هناك مجال للخوف من أن عصرنا ، هو أيضا ، قد يرفض الفيلسوف بذاته ومن ألا تكون الفلسفة مرة أخرى سوى ضباب ...في هذا العالم حيث يقوم الإنكار والأهواء الكئيبة مقام الأمور اليقينية ، لا نفتش عن الرؤية ، وتصبح الفلسفة ، لأنها تطلب الرؤية ، زندقة " يمكن أن نقول نفس الشئ حول المقاومة الفلسفية العقلانية بما هي مقاومة انسانية كلية ( المقاومة بما هي مطلب الكلي ) حيث يمكن ان يستحيل هذا الضرب من المقاومة موقفا طوباويا بل ساذجا فتحل كل اشكال الدغمائية محل كل اشكال المقاومة من سؤال وشك ونقد وموتا وفاء للحقيقة والاهم من كل ذلك حتى وان سادت هذه الدغمائيات فلا سبيل الى تجاوزها الا بالوقوف منها موقفا سقراطيا.يقول غاندي : " إن اللاعنف هو الركن الأول في عقيدتي وهو أيضا الركن الأخي
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق