مقدمة
يشير مصطلح التراتب الاجتماعي إلى انقسام الناس إلى طبقات اقتصادية اجتماعية ومفهوم الطبقة على أهمية كبرى في المجتمعات الصناعية. تنشأ الطبقات نتيجة للتفاوت في الممتلكات والسيطرة على الموارد المادية والحصول على الفرص التعليمية والوظيفية. في هذا الفصل سنتعرف على أنواع ونظم التراتب الاجتماعي الأساسية: الرق، الكاست والطبقة. إضافة إلى ذلك سنناقش مفاهيم الفقر، الحراك الاجتماعي والطبقات في المجتمعات الغربية. في الختام سنتناول نظريات التراتب في المجتمعات الحديثة.
نظم التراتب الاجتماعي
كما أشرنا في المقدمة يدل مصطلح التراتب الاجتماعي علي عملية انقسام أفراد المجتمع إلى طبقات اقتصادية اجتماعية. وقد شهدت المجتمعات الإنسانية منذ فجر تاريخها عدة أنواع من نظم التراتب نستعرض أهمها فيما يلي:
ـ الرق: نظام تراتب يكون فيه بعض الناس ملكاً لآخرين.
ـ الكاست: نظام تراتب اجتماعي يوجد في شبه القارة الهندية. في نظام الكاست يتحدد الموقع الاجتماعي للفرد لحظة ميلاده ولا يمكن تغييره بعد ذلك أبداً.
ـ الطبقة: نظام تراتب اجتماعي يقوم على الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية بين جماعات الناس. تقود هذه الاختلافات بين الناس إلى اختلافات في ممتلكاتهم وسيطرتهم على الموارد المادية والحصول على الفرص الوظيفية والتعليمية.
* خصائص نظام الطبقات
يتميز نظام الطبقات بعدد من الخصائص أهمها
ـ نظم الطبقات تتميز بالمرونة.
ـ الموقع الطبقي يمكن اكتسابه جزئياً.
ـ الطبقات مؤسسات اقتصادية.
ـ نظم الطبقات نظم كبرى ولا شخصية.
* الطبقات في المجتمعات الغربية اليوم
فيما يلي نستعرض بعض خصائص نظام الطبقات في المجتمعات الغربية المعاصرة، والتي توفر مادة للمقارنة مع المجتمعات الأخرى:
ـ الطبقات الأساسية في المجتمع الأمريكي هي: الطبقة العليا، الطبقة الوسطى، الطبقة العاملة، والطبقة السفلى.
ـ الأبعاد الأساسية للطبقة هي الدخل، الثروة، التعليم والمكانة الاجتماعية.
ـ الدخل يشمل الأجور والرواتب من المهن مدفوعة الأجر إضافة إلى المال المكتسب بغير جهد من الاستثمارات.
ـ الثروة تعنى كل الأشياء النافعة التي يملكها الفرد.
ـ ترتبط المكانة المهنية وتعتمد إلى حد كبير على المستوى التعليمي الذي ناله الفرد.
الحراك الاجتماعي
يشير مفهوم الحراك الاجتماعي إلى حركة الأفراد والجماعات بين مختلف المواقع الطبقية. وهناك طريقتان لدراسة الحراك الاجتماعي:
أ/ الحراك داخل الجيل الواحد: كيفية حركة الأفراد صعوداً وهبوطاً عبر المقياس الاقتصادي الاجتماعي أثناء فترة حياتهم العملية.
ب/ الحراك عبر الأجيال.
* قياس الحراك الاجتماعي
يتم التعبير عن قياس الحراك الاجتماعي في طرق مختلفة تشمل:
ـ الحراك الرأسي: الانتقال صعوداً وهبوطاً عبر المقياس الاقتصادي الاجتماعي.
ـ الحراك إلى أعلى: الانتقال إلى أعلى المقياس الاقتصادي الاجتماعي من خلال زيادة ممتلكات الثروة، الدخل أو المكانة.
ـ الحراك إلى الأسفل: الانتقال نزولاً عبر المقياس الاقتصادي الاجتماعي من خلال نقصان ممتلكات الثروة، الدخل أو المكانة.
في أغلب الأحيان يكون الحراك الاجتماعي في مدى محدود. يظل معظم الناس على مقربة من مستويات الأسر التي انحدروا منها وذلك على الرغم من أن توسع وظائف الياقات البيضاء في الحقب الأخيرة وفر الفرصة لحراك محدود نحو الأعلى
الفقر والتفاوت الاجتماعي
* قياس الفقر
هناك طريقتان لقياس الفقر ـ الفقر المطلق والفقر النسبي.
ـ الفقر المطلق ـ ويعنى الحد الأدنى من المتطلبات الضرورية للحفاظ على وجود صحي.
ـ الفقر النسبي ـ يحدد الفقر وفقاً لهذه الطريقة في إطار التفاوت بين ظروف المعيشة لبعض المجموعات وظروف معيشة معظم السكان.
* نظريات الفقر
استقطب الفقر كظاهرة اجتماعية اهتمام الباحثين في مختلف المجالات وقد خلصت معظم الدراسات الاجتماعية عن الفقر إلى نوعين من النظريات يلقي أحدهما مسئولية الفقر على الضحية (الفقراء)، بينما يلقى النوع الآخر من النظريات بالمسئولية على النظام الاقتصادي الاجتماعي الذي أنتج ظاهرة الفقر والفقراء.
نظريات مسئولية الضحية تلوم الفقراء على فشلهم في المجتمع. هناك نظريتان فرعيتان ضمن نظريات مسئولية الضحية: نظرية ثقافة الاعتماد التي ترى أن نظام الرفاهية أدى إلى تآكل حافز الناس للعمل. والنظرية الفرعية الثانية هي نظرية ثقافة الفقر التي ترى أنه ونتيجة لغياب الدوافع والضعف الأخلاقي لا يمكن للفقراء أن ينجحوا في المجتمع.
نظريات مسئولية النظام ترى أن الفقر نتاج لعمليات اجتماعية كبرى تعمل على التوزيع غير المتساوي للموارد وتخلق ظروفاً من الصعب التنافس معها.
من أجل مكافحة الفقر طورت العديد من المجتمعات الغربية نظم رفاهية تعمل على إعادة توزيع المال للفقراء.
الإقصاء الاجتماعي
يدل مفهوم الإقصاء الاجتماعي على العمليات التي عن طريقها يصبح الأفراد معزولين عن المشاركة الكاملة في المجتمع العريض. والناس الذين تم إقصاءهم اجتماعياً نتيجة فقر المساكن، المدارس الرديئة ووسائل النقل المحدودة ربما لا توفر لهم الفرص للتحسن الذاتي التي يتمتع بها معظم الناس في المجتمع.
التشرد واحد من أكثر أشكال الإقصاء الاجتماعي تطرفاً. أما الطبقة السفلى فهي قطاعات من السكان تعيش على هامش المجتمع في ظروف حرمان قاسية. وتطورت فكرة الطبقة السفلى أصلاً في الولايات المتحدة الأمريكية لوصف مواقع الأقليات الإثنية في المناطق الحضرية.
* أشكال الإقصاء الاجتماعي
توجد عدة أنواع من الإقصاء الاجتماعي أهمها:
ـ الإقصاء الاقتصادي، وهو إقصاء من الإنتاج والاستهلاك.
ـ الإقصاء السياسي، إقصاء من المشاركة السياسية الفاعلة.
ـ الإقصاء الاجتماعي، إقصاء من حياة المجتمع الاجتماعية.
ـ إقصاء السكن والجوار، الناس الذين يعيشون في مساكن مزدحمة وغير مهيأة من حيث بيئتها ونوعية مبانيها.
الإقصاء الاجتماعي لا ينتج فقط من إقصاء بعض الناس وإنما يحدث أيضاً نتيجة إقصاء الناس لأنفسهم من المجرى العام للمجتمع.
من الممكن أن يحدث الإقصاء الاجتماعي في قمة المجتمع حيث ينسحب الأغنياء بالكامل من مجالات التعليم العام والخدمات الصحية مفضلين شراء الخدمات الخاصة. الإقصاء الاجتماعي الذي يحدث في قمة المجتمع يضعف التضامن والانسجام الاجتماعيين وهو مؤذ بنفس درجة الإقصاء الاجتماعي في الطبقات الدنيا.
* الإقصاء الاجتماعي والجريمة
أشارت العديد من الدراسات إلى وجود عدد من الارتباطات الأساسية بين زيادة حجم الجريمة والإقصاء الاجتماعي و ذلك كما يلي:
أولاً/ أدت التحولات في سوق العمل والضرائب الحكومية وسياسات الحد الأدنى للأجور إلى نمو الفقر بشقيه المطلق والنسبي في العديد من المجتمعات.
ثانياً/ الزيادة في الإقصاء الاجتماعي تظهر في المجتمعات المحلية التي تعانى من فقدان الحياة المستقرة، السكان العابرين، السكن متزايد التكلفة وضعف التماسك الاجتماعي.
ثالثا/ الحرمان الاقتصادي وتفتت المجتمع يعوقان الحياة الأسرية.
رابعاً/ قامت الدول بسحب العديد من البرامج والخدمات العامة التي كان من الممكن أن تعيد دمج المقصين اجتماعياً مثل تدخلات الطفولة المبكرة، رعاية الطفولة والرعاية الصحية لمرضى الأمراض العقلية.
خامساً/ معايير المكانة الاقتصادية والاستهلاك التي عُززت داخل المجتمع لا يمكن الإيفاء بها بالوسائل الشرعية بالنسبة للسكان الذين تم إقصاؤهم اجتماعياً.
نظريات التراتب الاجتماعي في المجتمعات الحديثة
أكثر المداخل النظرية التي اهتمت بموضوع التراتب الاجتماعي شهرة تلك التي طورت بواسطة كل من كارل ماركس و ماكس فيبر.
يرى ماركس أن الانقسامات الطبقية مبنية على وسائل الإنتاج، أو الوسائل التي يحصل الناس عن طريقها على أسباب عيشهم. وتوجد في المجتمعات الحديثة طبقتان أساسيتان: الرأسماليون الذين يملكون وسائل الإنتاج والطبقة العاملة التي يبيع أعضاؤها قوة عملهم. الطبقة العاملة تنتج أكثر مما تكسبه وفائض القيمة هذا هو مصدر أرباح الرأسماليين.
أما ماكس فيبر فقد اهتم بالطبقة والمكانة في تحليل التراتب الاجتماعي. كان فيبر يعتقد أن الانقسامات الطبقية لا تبنى فقط على وسائل الإنتاج وإنما أيضا على موارد أخرى مثل الخبرات والاعتماد.
أشار فيبر إلى جانب آخر من التراتب بجانب المكانة الطبقية. ذلك هو الفرق بين المجتمعات الاجتماعية في الشرف الاجتماعي أو الاعتبار والمقام الذي يهبه إياها الآخرون. التمايز في المكانة يمكن أن يختلف باستقلال عن الانقسامات الطبقية ويمكن أن يكون سلبياً أو إيجابياً. المكانة السلبية للجماعة تعرف بجماعات المنبوذين.
الانتشار العالمي للاقتصاد الرأسمالي الصناعي والتغيرات في تقنية المعلومات ساعدا على فتح نظام الطبقات حول العالم. فتحت تلك التغيرات وظائف عالية الأجر، كما أن فيضان السلع الجديدة منخفضة السعر مكّن المستهلكين في الكثير من المجتمعات من شرائها. لكن للعولمة تكلفتها أيضاً، حيث فُقدت العديد من الوظائف الصناعية وازداد التفاوت الاجتماعي.
منقول من الدكتور عمر عبد الجبار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق