مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

09‏/12‏/2010

علم اجتماع التربية " الجديد "


اذا كان الحديث هنا يتناول ما يسمي بعلم اجتماع التربية " الجديد " , فهذا يشير ضمنا إلي أن هناك علم " قديم " أو "تقليدي "لاجتماعيات التربية . كما يشيـر ذلك أيضـا إلي أن العلم " الجديد " لاجتماعيات التربية لن يكون تطورا للعلم " التقليدي " بقدر ما سيكون ثورة عليه وخروجا علي بارامتراته الأساسية . وإذا كان علم اجتماع التربية معني بالكشف عن أبعاد العلاقة بين التربية والمجتمع , فلا بد وأن يكون علم اجتماع التربية " الجديد " قد كشف النقاب عن أبعـاد جديدة لتجلية العلاقة بين التربيـة والمجتمع لم يتم تناولها في علم اجتمـاع التربية " التقليدي " .

بالفعل .. فقد التزمت النظرية التربوية خلال تاريخها الطويل بالنظر إلي المدارس في ضوء الفصل بين السلطة والمعرفة والفصل بين الثقافة والسياسة . ففي صورتها المحافظة والليبرالية , اعتمدت النظرية التربوية علي خطاب سياسي يروج لفكرة التكامل والإجماع ورؤية سوسيولوجية تقوم علي مفهوم التوازن , وبالتالي تم تجاهل فكرة التناقض والصراع . وقد اعتمد علم اجتماع التربية التقليدي , بدوره , علي رؤية تالكوت بارسونز للمدارس باعتبارها مؤسسات محايدة صممت لتزويد الطلاب بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها للأداء بنجاح في المجتمع الأوسع . ( Giroux , 2001a , p. 73 )

وهكذا لم تقدم النظرية التربوية التقليدية أي أساس حقيقي لفهم العلاقة بين مفاهيم الأيديولوجية والمعرفة والسلطة . أي أن هذا المدخل قد خلا من أية محاولة للتفكير في التطور التاريخي لما تسميه المدارس معرفة " حقيقية " أو كيفية انتقائها واستخدامها وإضفاء المشروعية عليها . والسؤال الذي تم تجاهله هنا يتعلق بالطريقة التي تعمل من خلالها السلطة الموزعة في المجتمع علي خدمة الأيديولوجيات الخاصة وأشكال المعرفة التي تحافظ علي استمرارية المصالح السياسية والاقتصادية لجماعات وطبقات معينة في المجتمع . ( Giroux , 2001a , p. 73 )

وخلال الخمسين سنة الماضية , ظهرت عدة اتجاهات تربوية بديلة حاولت أن تأخذ العلاقة بين المعرفة والسلطة كبعد أساسي في تحليلها للمدارس . وقد تمثل الجهد الذي يشكل أساس كل هذه المداخل في ربط التعليم بفكرتي السيطرة والتحرير . وبالفعل , قدمت هذه المداخل أساسا نظريا مهما لتناول الأسئلة الأساسيـة الخاصـة بدور المدارس كمواقـع سياسية وثقافيـة وكيـف يمكن استخدامهـا في الصـراع من أجل الحـرية والكـرامة الإنسانية . ( Aronowitz and Giroux , 1993 , pp. 139-140 ) 

عند هذه النقطة يمكن تتبع بداية ما أصبح يطلق عليه بصـورة عامـة " علم اجتماع التربية الجديد " The New Sociology of Education . وكان في لب هذا المدخل منذ البداية محاولة لفهم الكيفية التي تقوم من خلالها المدارس بتشكيل الذاتيات وإنتاج المعاني , وكيفية ارتباطها بقضايا السلطة والسيطرة . وبدلاً من فصل المعرفة عن السلطة , رأي أنصار النظرية الجديدة أن ما ينظر إليه علي أنه معرفة في أي مجتمع أو مدرسة أو موقع اجتماعي ينطوي علي ويشكل علاقات معينة للسلطة . وعلم الاجتماع النقدي الذي انبثق عن هذا الاهتمام النظري بالعلاقة بين السلطة والمعرفة كان مهما لأنه أثار الأسئلة حول كيفيـة إنتاج المعـاني في المـدارس , ونادي بنمط للتنظير يطرح أسئلـة حول المفاهـيم والممارسات التعليمية التي تؤخذ مأخذ التسليم . ( Giroux , 2001a , p. 75 ) 

وقد ارتبطت نشأة هذا الاتجاه بظهور كتاب لمايكل يونج M. Young بعنوان Knowledge and Control عام 1971. وتمتد جذور علم اجتماع التربية الجديد إلي المدرسة الظاهراتية Phenomenologyوالمنهج المسمي Ethnomethodology . وأهم أعمدة هذا الاتجاه يونج وديل Dale وميهان Mehan . ( بدران والبيلاوي , 1997 : 38 )

لقد انتقد يونج الاتجاهات السائدة في علم اجتماع التربية علي أساس أنها أهملت الكيفية التي يتم من خلالها اختيار وتنظيم وتقييم المعرفة المستخدمة في المؤسسات التربوية . وأشار إلي أن علماء الاجتماع قد تناسوا أن التعليم ليس منتجا كالسيارات أو الخبز , بل انه يتضمن اختيارا وتنظيما للمعرفة المتاحة في زمن معين , وهي عملية تنطوي علي اختيارات واعية أو غير واعية . ورأي أن المهمة المحورية لعلم اجتماع التربية ينبغي أن تتمثل في ربط أسس اختيار وتنظيم المعرفة , والتي تشكل أساس المناهج الدراسية , ببيئتها التربوية وبالبني الاجتماعية الأوسع . ( Young , 1973 , pp. 339-343 ) 

وفي معرض انتقاده للاتجاهات التقليدية علي تسليمها بالمحتوي التربوي وعدم إخضاعه للفحص السوسيولوجي , أشار يونج إلي أن هذا الوضع ينطبق علي علم اجتماع التربية سواء في بريطانيا أو في الولايات المتحدة , فالنظرية الوظيفية السائدة في كلا البلدين تفترض علي نطاق واسع وجود إجماع واتفاق عام حول مجموعة القيم والأهداف المجتمعية التي تحدد كلا من اختيار وتنظيم المعرفة في المناهج الدراسية , ومن ثم يتم التسليم بهذه المعرفة وقبولها دون نقـاش . ( Young , 1973 , p. 345 )

ورأي يونج أن التفكير في الافتراضات التي تشكل أسس اختيار وتنظيم المعرفة في ضوء أهداف وقيم هؤلاء الذين يمسكون بزمام السلطة في المجتمع قد يكون مدخلا مثمرا لإثارة أسئلة سوسيولوجية مهمة حول المناهج الدراسية . ويطرح يونج ثلاثة أسئلة يري أنها تغطي أبعاد التنظيم الاجتماعي للمعرفة حسب النموذج الذي يقدمه لدراسة المعرفة المدرسية :

1- ما مدي هرمية المعرفة وما المعايير التي تحـكم ذلك ؟ وهذا السـؤال يتعلـق ببعد " هرمية المعرفة " , ويركز علي مدي تفاوت المجالات والأنواع المختلفة من المعرفة في حصولها علي التعزيزات والتقييمات الاجتماعية .

2- ما مدي تخصصية أو عمومية المعرفة المقدمة إلي الطلاب ؟ ويمكن للمناهج الدراسية أن تتراوح حسب هذا البعد , بعد " تخصصية المعرفة " , بين المعرفة المتخصصة والمعرفة غير المتخصصة .

3- ما العلاقة التي تربط بين محتويات أو مجالات المعرفة ؟ ويمكن للمناهج الدراسية أن تتراوح حسب هذا البعد , بعد " انفتاح مجالات المعرفة " , بين المناهج ذات المجالات المعرفية المنفتحة ـ حيث تتلاشي الحدود والفواصل بين المواد الدراسية ـ والمناهج ذات المجالات المعرفية المغلقة ـ حيث توجد حدود وفواصل واضحة بين المناهج الدراسية المنعزلة عن بعضها البعض . ( Young , 1973 , pp. 350-351 )

ويري يونج أن بعد " هرمية المعرفة " , الذي يشير إلي اختلاف القيمة الاجتماعية التي تمنح للمجالات أو الأنواع المختلفة من المعرفة , هو أكثر أبعاد التنظيم الاجتماعي للمعرفة أهمية . فمن خلال التركيز علي العلاقة بين الهرمية الاجتماعية وهرمية المعرفة يمكننا البدء في إثارة الأسئلة حول العلاقة بين بنية السلطة والمناهج الدراسية , بين الوصول للمعرفة وفرص إضفاء المشروعية عليها باعتبارها معرفة " أرقي " من غيرها , وبين المعرفة ووظائفها في الأنواع المختلفة من المجتمعات . ( Young , 1973 , p. 354 )

ويتفق بازل برنستاينBasil Bernstein مع يونج في أن الكيفية التي يقوم من خلالها المجتمع باختيار وتصنيف وتوزيع ونقل وتقييم المعرفة التربوية التي يعتبرها معرفة عامة تعكس كلا من توزيع السلطة وقواعد السيطرة الاجتماعية في ذلك المجتمع . ويري أن الاختلاف والتغير الذي يطرأ علي تنظيم ونقل وتقييم المعرفة التربوية ينبغي أن يشكل مجالا أساسيا في اهتمامات علم اجتماع التربية . ( Bernstein , 1973 , p. 363 )

ويلخص هنرى جيرو ( Aronowitz and Giroux , 1993 , p. 140 ) الإسهامات الإيجابية لعلم اجتماع التربية الجديد في أنه قد قدم خطابا لإعادة دراسة العلاقة بين المعرفة والثقافة والسلطة , من ناحية , والتعليم وقضية السيطرة الاجتماعية , من ناحية أخري . أي أن المداخل البديلة التي انبثقت عن هذا الاتجاه قد لعبت دورا مهما في تقويض افتراضات التيار السائد حول الحياد السياسي والاجتماعي للمنهج المدرسي . كما أوضحت هذه المداخل أن جميع الادعاءات المعرفية هي أشكال من الفهم ترجع جذورها إلي مصالح معيارية وسياسية معينة . إضافة إلي ذلك , أوضحت تلك المداخل أهمية احترام اللغة وأساليب الحياة التي تميز ثقافات الجماعات الخاضعة سواء النساء أو الأقليات العرقية أو أفراد الطبقـة العاملة .

وبرغم أهمية الآراء الأولي لعلم اجتماع التربية الجديد في تحليل العلاقة بين المعرفة والسيطرة , يري هنرى جيرو أن هذه الآراء قد أخفقت في تطوير نظرية مناسبة حول الثقافة والتعليم والسلطة . فالسيطرة الاجتماعية تم ربطها بعلاقات السلطة التي تم تحديدها في المقام الأول من خلال الطرق المختلفة التي يقوم المعلمون وغيرهم من رجال التربية من خلالها بتحديد المعرفة المدرسية وإضفاء المشروعية عليها . كما تم اختزال العلاقة بين السلطة والقهر في مجرد العلاقة بين المعرفة كشكل من أشكال الإنتاج الثقافي والتطبيق غير النقدي لها بواسطة المعلمين . وفي نفس الوقت , ارتكزت الاستراتيجية التربوية للتغيير , والتي انبثقت عن هذا الموقف , فقط علي كشف الافتراضات التي تؤخذ مأخذ التسليم والتي تنتظم ممارسات المعلمين والتنظيم المدرسي . ( Aronowitz and Giroux , 1993 , p. 141 )

ويلخص هنرى جيرو الانتقادات التي وجهت إلي علم اجتماع التربية" الجديد " والتي حاول المنظرون التاليون معالجتها فيما يلي (Aronowitz and Giroux , 1993 , p. 141 ) :
المعالجة غير النقدية للبناء الاجتماعي لثقافة المدرسة وأشكال المعرفة المدرسية , وهي المعالجة التي تطورت في النهاية إلي موقف نسبي يشير إلي أن جميع أشكال المعرفة صحيحة وصادقة بصورة متساوية .
الافتراض الساذج بأن التغيير الاجتماعي مرادف للتغيير في وعي الأفراد .
عدم الاعتراف بالعلاقات التي تربط بين الأيديولوجيات المدرسية السائدة وأشكال المعرفة التي تشكل الثقافة السائدة في المجتمع الأوسع .
رفض الاعتراف بالقيود المادية والأيديولوجية التي تعمل في المدارس لجعل النظرة النقدية للمستقبل صعبة المنال إلي أبعد حد . 
المراجع
بدران، شبل والبيلاوي، حسين . ( 1997 ) : علم اجتماع التربية المعاصر , دار المعرفة الجامعية , الإسكندرية .
Aronowitz , Stanley and Henry A. Giroux . ( 1993 ) . Education Still Under Siege . 2 nd ed. London : Bergin and Garvey .
Bernstein , Bazil . ( 1973 ) . On the Classification and Framing of Educational Knowledge . In : Richard Brown ( ed ) . ( 1973 ) . Knowledge , EdAucation , and Cultural Change . Tavistock Publications , London. 
Giroux , Henry A. ( 2001a ) . Theory and Resistance in Education , Towards a Pedagogy for the Opposition , Revised and Expanded Edition . London : Bergin & Garvey .
Young , Michael F. D. ( 1973 ) . Curriculum and the Social Organization of Knowledge . In : Richard Brown ( ed ) . ( 1973) . Knowledge , Education , and Cultural Change . Tavistock Publications , London .
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق