تمهيد
إن أول ما يصــادف البـاحـث وهـــو يبحـث عـن تعـريف دقـيـق للعـولمة هــو ذلك الغمــوض أو الصعــوبـة فـي تحـديد المفهــوم ، حيث يعـد مفهــوم (العولمة ) مــن أكثـر المفــاهيم غمــوضاً ، ولعـل ذلك الغمــوض يرجــع إلى عـــدة أســباب وهـي كالتالي :
أولا: إن لفـــظ العولمــة حديث حيث " شـــاع لفـــظ العولمة في الاستعمال اليومــي فـي الصحــافة والإعـــلام ، ولم يدخــل بعـد بصورة واضحــة في المصطلحــات الأكاديميـة ."(1)
إن ما جــرى على ألسنة الصحفيين والإعلاميين ولم يدخل و يتجذر في المصطلحـات الأكاديمية ، لأن اللغة الأكاديميـة أكـثر دقـة وتحـديداً مـن لغة الصحافة والأعلام .
ثانيا: انقسـام الباحـثين في مفهوم العولمة بـين مؤيديّن ومعارضين ، لأن الذين يستهدفـون الترويج لهـا يأتــون بتعاريف تقـرن بينـها وبـين العـالمية ، بحيث تبـدو شيئاً مفروضاً لابد مـن الاستسلام له .
وهذا فـي الحقيقـة غيـر صحيـح ، لأن العولمة شي والعالمية شي آخر ، فإذا كانت العولمة تعني الرغبة فـي استنساخ نموذج عالمـي واحـد ، فـإن العالمية تعنـي التنـوع والاعتراف بالخصوصية . أي" أن من يزعمون أن العولمة تعني العالمية، وأنها واقع مفروض ومن يرفضها يعد مـن المتخلفين هم أصحاب النظرة السطحية للأمور ." (2)
في حين يأتي الرافضون للعولمة بتعاريف تجعلهم يبعدون كل البعد عما يروج له المؤيدون . وهذا ما أكده (السيد ياسين) عندما قال: " إن صياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو مسألة شاقة نظراً لتعدد تعريفاتها ، والتي تتأثر أساساً بانتماءات الباحثين الأيديولوجية واتجاهاتهم إزاء العولمة رفضاً أو قبولا.ً " (3)
ثالثا : تعـدد العمليــات التـي ينطــوي عليها مفهــوم العولمــة مــن عمليـات اقتصاديـة ، وسياسيـة ، وثقافيـة ، واجتماعيـة .
أي الاختلاف فـي الجـوانب التـي ينظـر مـن خلالـها إلـى العولمـة ، فبعض الباحثين ينظر إلى العولمة من جوانبها الثقافية ، بينما ينظــر آخــرون إليهـا مــن جوانبهــا الاقتصاديــة ، فـي حـين ينظــر إليها بعض ثالث من جوانبها السياسية ، وعلى هذا الأساس فإن من نظر إلي العولمة من جوانبها الاقتصادية فإنه سوف يعرفها اقتصادياً ويركز على مظـاهرها وأثارها الاقتصادية ، وكـذلك يفعـل مــن نظــر إليهــا من جوانبها السياسية ، والثقافية ، والإعلامية .
مفهوم العولمة
أولاً : العولمة لغةً واصطلاحاً
1- العولمة في اللغة :
لقــد استقـرت مجموعـة مـن الكلمـات فـي معجمنا العربـي الحـديث بمفـاهيم اصـطلاحية عــرفت جـدلاً ونقاشاً جاداً بين مختلف التيارات الفكرية قبل أن تستقر بمعناها المحدد (العولمة) .
نلاحظ أن العولمة علـى وزن قولبة ، وكلمة (العولمة) نسبة إلـى العَالم بفتح العين ، أي الكـون ، وليس إلـى العِلـم بكسـر العين. والعالم جمع لا مفرد له.
فالعولمة كلمــة مشتقة مــن الفعل عولم على صيغة فوعل، واستخـــدام هـذا الاشتقاق يفـيد أن الفعـل يحتاج لوجـود فاعــل ، أي أن العولمـة تحتاج لمن يعممها على العالم. كما أن العولمة ترجمة لكلمة( Mondialisation ) الفرنسية ، بمعنى جعل الشي على مستــوى عالمـي، والكلمـة الفرنسيـة المذكـورة إنما هـي ترجمـة Globalisation)) ، الإنجليزية التـي ظهــرت أولاً فـي الولايـات المتحدة الأمريكية ، بمعنى " تعميم الشــي وتوسيـع دائـرته ليشمل العالم كله " (1)
فهي إذن مصطلح يعني جعــل العالم عالماً واحـداً موجهـاً توجيهـاً واحداً في إطار حضارة واحدة. ولذلك قد تسمي الكونية أو الكوكبة. وتستخدم هنا كلمة (الكونية) اشتقاقا من كلمة (الكون) بمعنى العالم ، كمـا استخدمت كلمـة (الكوكبة) إشـارة إلى الكوكب (الأرض) التي نعيش عليها.
إذن العولمة تعني عمليـة التوحــيد الكوني ، وقـد يلتقـي أنصار هـذا الاتجاه حول النظـر إلـى العالم كـوحدة واحـدة ، ولهـذا فـإن العولمة من وجهة نظر هؤلاء هي محاولة لتحقيق ما يشبه الوحدة الكونية .
ومـن هنـــا يترجـم البعــض مصطــــلح (العولمة) علـى أنه (كونية) أو (كوكبة) ويؤكد هنا (حسن الخضيري) بقوله : " عندمــا يذكـر مصطلــح العولمة Clobalization ، فأنه يجعل الذهن يتجه إلي الكونيــة ، أي إلي الكـون الذي نعيش فيـه ، وإلـى وحدة المعمورة من الكوكب الذي نعيش عليه. " (2)
أي أطلقت كلمـة الكوكبة علـى العولمـة للدلالة علـى أن المجتمعـات والنظـم والمفاهيم والتقنيات البشرية والكوكب الأرضي يمر بمرحلة انتقاليـة تمتاز بعدم الاستقرار، وبأنها غير مسبوقة في التاريخ الإنساني كله. ولكـن رغم كـل تلك الاختلافـات في الاسم إلا أن لفظ العولمة هو اللفظ الذي يكاد يكون الغالب لوصف تلك الظاهرة .
2- العولمة في الاصطلاح:
ومـن خـلال المعنى اللغوي يمكننا أن نقول : بأن العولمة إذا صدرت من بلد أو جماعة فإنها تعنــي تعميم نمـط مـن الأنماط التي تخـص ذلك البلد أو تلك الجماعة وجعله يشمل الجميع أي العالم كله .
ومن هنا نستطـيع أن نقول إذا كانت الدعوة إلى العولمة قـد ظهرت فعلاً من الولايات المتحدة الأمريكية بهذا المعنى ، في أوساط المال والاقتصاد ، فنستنتج أن الأمر يتعلق ليس فقط بآلية من آليات التطور الرأسمالي الحديث ، بل بالدعوة إلي تبني نموذج معين .
فالعولمـة إلــى جانب كـونها نظامـاً اقتصـادياً ، فهـي أيضـاً نظـامـاً أيدلوجيا تعكــس هذا النظام وتخدمه وتكرسه . ومن هنا أطلق عليها البعض (الأمركة) Americanizalion*. لأن الأمركة هي أحـــد أركـان العولمة ، فالعولمة ليسـت نظامـاً عالميـاً أو نموذجيـاً عالميـاً للحيـاة نشأ نتيجة تفاعـل طبيعـي للثقافـات العالميـة، ولكنـه نظام جديد من العلاقـات بيـن الثقافـات ، ونشـأ فـي سيــاق صـراع التكتلات الكبـرى الرأسمـالية علـى الهيمنـة العالميـة ،إن هـذا النظام يعكــس إذن هذه الهيمنـة فـي بنيتـه العميقـة ، ويكــرس الموقـــع المتمــيز للولايـات المتحـدة الأمريكية فيها ، وتعمل هذه الهيمنة علـى تقريب المسافـات وتوحـيد أنمــاط الحياة المادية والفكرية .
ولهذا تلعب دوراً رأسيـاً في دمج الدوائر الثقافية المختلفة ، وإنشاء فضاء ثقافي مشترك ، يسمـح لمنتجات الثقافة الأمريكية أن تروج وتنافس منتجات الثقافات الأخرى إلى حد كبير .
ولهـذا غيـر خفـي علـي أحــد أن العولمـة تعنـي (الأمـركـة) إذا فهمـنا مـن الأمركة أرجحية المساهمة الأمريكية في الإنتاج الثقافي المادي ، والمعنوي الذي يملأ الفضاء العالمي الجديد ، الذي أنشـأته وأوجـدته ثورة المعلومـات.
إذن من حيث اللغة العولمة كلمـة غريبة علـى اللغة العـربية، ويقصـد منــها عنـد الاستعمـال اليــوم، تعمـيم الشـي وتوســيع دائرتـه ليشمــل العـالـم كله.
فـي الواقــع يركــز مفهــوم العولمــة علــى التقــدم الهــائل فـي التكـنولوجيا والمعلـوماتية، بالإضافـة إلى الترابــط المتـزايد علـى كافـة الأصــعدة علـى الساحة الدولية المعاصرة .
وقــد ظهـرت أولا كمصطلح فـي مجـال التجـارة والمـال والاقتصاد، ثم أخد يجري الحديث عنـها بوصفـها نظامـاً أو نسقـاً أو حـالة ذات أبعــاد متعـددة، تتجـاوز دائرة الاقتصاد، أي تشمل جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والسياسية.
" إن صياغة تعريف دقيق للعولمة يبــدو مسألة شاقة ، نظراً لتعدد تعريفاتها فـي عالم اليوم ، خصوصا دول العالم الثالث ونحـن العرب نسعـى كباحثـين ومثقفـين ومفكرين لاستكـشاف جملة مـن الضـوابط غير الواضحة التـي تتحكم فـي مسيرة هذه الظاهرة وتشكيلاتها المعقدة وهى تكشف لنا كل يوم علــى أوجـه متعـددة ومتـنوعة فـي هــذا العالم المتغـــير بجملة تحولاته الكبرى ."(1)
ولقد كثرت التعاريف التي توضح معنى العولمة ، لنذكر بعضاً منها ، ثم أذكـر التعريف الذي أري أنه يعـبر عـن المعنـى الحقيقي لظاهـرة العولمة .
يقول: (جيمس روزانو) أحـد علمـاء السياسة الأمريكيين عــن العولمـة " إنهــا عــــلاقـة بيـن مستـويـات متعــددة ، لتحـليل الاقتصــاد والسياسـة والثقافـة والأيديولوجيا، وتشمـل : إعـادة الإنتـاج ، وتداخل الصناعات عبر الحدود ، وانتشـار أســواق التمـويل ، وتمـاثل السلع المستهلكة لمختلف الدول ، نتيجة الصراع بين الجماعات المهاجرة والجماعات المقيمة . " (2)
كما يعرفها ( برهان غليون) بأنها " ديناميكية جديدة تبرز دائرة العلاقات الدولية من خلال تحقيق درجة عالية من الكثافة والسرعة في عملية انتشار المعلومات والمكتسبات التقنية والعلمية للحضارة، ويتزايد فيها دور العامل الخـارجــي فـي تحــديد مصـــير الأطــراف الوطنيـة المكـونة لهذه الـدائرة المندمجة."(1)
أي الدخــول بسبب تطـور الثـورة المعلومـاتية والتقنية والاقتصادية معـاً في طـور من أطوار الحضارة يصـبح فيه مصــير الإنسانية موحــداً أو نازعـاً للتوحيد ، الذي لا يعني هنـا التجـانس والتسـاوي بيـن جميــع أجــزاء العالم ، والمجتـمع البشـري ، ولكنه يعنــي درجـة عاليـة مـن التفـاعل بيـن مناطق ومجتمعـات بشريـة مختلفـة ومتباينـة وبالتالـي زيادة درجـة التـأثير والتـأثر المتبادلـين . ولـذلك ارتبـط مفهــوم العولمـة بمفهــوم الاعتمــــاد المتبادل .
ومـن هنـا يمكـن القـول أن العولمـة تعني زيادة التفاعلات الدولية وزيادة الاعتمــاد المتبــادل بيـن الدول ، أي أن العولمة هي العملية التي من خلالها تصـبح شعــوب العالم متصلة ببعضها في كل أوجـه حياتها ثقافياً واقتصاديا.ً
أي " إن هذه الكلمة تشير إلى مجموعة الظواهر والمتغيرات والتطورات الاقتـصاديـة والاجـتماعية والسـياسية والثقافية والإعلامية والتكنولوجيـة والمعلـوماتية التـي تمــتد تفاعلاتهـا وتأثـيراتـها لتشمــل معظــم دول العــالم ومناطقه. " (2)
وهــذا يعنـي أن ظاهـرة العولمة تشـير إلى التفاعـلات والعلاقات بين الدول علي المستوى العالمي ، وزيـادة كثافتـها ، وبالتالي يمكن أن ننظـر للعولمـة علـى أنهـا عملية تزيد مـن حجم كثافـة العلاقـات الاجتمـاعيـة والاقتصـاديـة والثقافية عبر الحدود وتزيد من التأثيرات المتبادلة بين ما هو عالمي وبين ما هو محلي . فتلاحظ أن هذا المفهوم يدور حول فكرة (التدويل ) *أي تدويل العلاقات والتفاعـلات بحيث لا يمكـن أن تقتصــر علـى المسـتوى المحلــي فقـط ، وإنمــا تمـتد إلـى مـا وراء الحـدود الإقـليـميــة فـتـصـبح تـفـاعـلات دولـيـة . وذلـك كما يـرى ( محمـد عـمـر الحاجي ) أن العـولمة تمثل " إطارا للتفاعلات الإنسـانية المعاصـرة ." (3)
وهناك مــن أطلــق علـى العولمـة التسـويق العالمـي للـمنـتجـات والسلـع والنمو السريع للتجارة العالمية بحيث أصبحت حـركة رأس المـال الدولي أهم محركات الاقتصاد العالمي وتزايد سيطرة الشركات متعـددة الجنسيات على حـركة التجـارة والاستثـمار والإنتاج على الصعيد العالمي وبالتالي فإن هذه الشركـات هـي أكبر قـوة تقف وراء كل التحولات الراهنة التـي تحدث في النشــاط الاقتصـادي العالمـي ، وتعاظم دور المؤسـسات العالميـة المتعددة الأطراف في تشكيل العلاقات الاقتصادية الدولية ، كمنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي كما أنها ستؤدي إلى تغير في أنماط الاستهلاك ، وهذا أدى إلى جعل الدول النامية أكثر اعتمادا على الواردات ، وهذا يؤدى إلى الحرمان وزيادة الفقر .
أي أن العولمة هنا تعنـي " الحركـة النشطـة والحـرة والمتسارعة للمبادلات العالمية المالية والتجارية وهى إلغاء الحدود والحـواجز التشريعية والجمركية أمام حركة تنقل السلع ورؤوس الأموال. "(1)
وهـذا كـما يقــــول (محمد عابد الجابرى) : " إن العولمة نظام يتخطى الــدولة والأمـــة والوطـــن ، هي نظام ينشد رفع الحواجــز والحدود أمـام الشركـات والمؤسسات متعددة الجنسية، وبالتالي إذابة الدول القوميّة وجعل دورها يقتصر على القيام بدور الشرطي تأمينا لمصالح الرأسمالية العالمية. " (2)
كمــا يقــول محســن الخضيرى ) أن العولمـة مفهـــوم " يعبر عن حالة من تجاوز الحدود الراهنة للدول ,إلى آفاق أوسع وأرحب تشمل العالم بأسره." (3)
ومن أهم مؤشرات العولمة التي يطرحها ( الخضيرى ) الأتي :-
1- حرية حركة السلع والخدمات والأفكار والتبادل الفوري دون حواجز أو حدود .
2- تحــول العالم إثر التطــور التقنـي والتيار المعلومـاتي إلـى قـرية كـونيـة صغـيرة بل كـوخ إلكـتـروني .
3- ظهور نفوذ وسطوة الشركات المتعددة والمتعدية الجنسيات وفوق القومية
4- بروز تيارات فكرية منادية باحترام حقوق الإنسان وآدميته ورفع الجـور والاستعباد والطغيان وكل أشكال الهيمنة والقهر، لأن الإنسان له حـق العيش في حياة سعيدة وكريمة .
وهناك من يرى العولمة تعني "الاستعمار أو الهيمنة. " (4)
أي ترتبط كلمة العولمة في بعض جوانبها بمفهوم الإمبريالية ، والتي هي أعلــى مرحــلة من تطــــور الرأسمــال وهيمنته ضمــن عالميـة الشـركـات الاحتكارية متعددة الجنسيات ، والتـي لا تعــرف حـدوداً جغرافية ، أي أنهـا تخرج مـن مفهــوم الاستعمـار الذي يرتبـط بالسيطــرة والهيمنـة فـي حـدود جغرافية وبانتماء بشـري محـدد.أي وصفت العـلاقـات الدوليـة المتجهـة نحـو التوحـيد أو العولمـة بالأساليب القسريـة و القهريـة بمفهــوم (الإمبريالية) و(الاستعمار) بإشكالهـا المختلفة التجاريـة والثقافيـة والمعلومـاتية.
وفى ظل ذلك كله فإن مهمة إيجاد صيغه مفردة تصف كل هذه الأنشطة تبدو عمـلية صعبة ، لأن الباحـثين لظــاهرة العـولمة فـي مرحـلة فـهـم وإدراك واستكشاف القوانين الخفية التي تحكم مسيرتها والتي تسهم في الوقت الراهن في تشكيلها .لأنها في الحقيقة ظاهرة غير مكتملة الملامح والقسمات.
وهنا يقـــول السـيد ياسين) " إذا أردنا أن نقترب مـن صياغة تعريف شامل للعـولمة ،
فلابـد أن نضــع في الاعتبـار ثلاث عمليات تكشف عـن جوهرها.
الأولى : تتعلق بانتشار المعلومات بحيث تصبح مشاعة لدي جميــع الناس.
الثانية : تتعلق بتذويب الحدود بين الدول .
الثالثة : تتعـــلـق بزيـادة معــــدلات التـشـابه بيـن الجمـاعـات والمجتمـعـات والمؤسسات . وفـى الحقيقـة نلاحـظ أن كل هـذه العمليات قد تؤدي إلى نتائج سلبية بالنسبة لبعض المجتمعات ، وإلى نتائج إيجابية بالنسبة لبعضها الآخر ." (1)
أي تكون نتائجها سلبية على الدول الفقيرة (الدول النامية) ، وتكون نتائجها إيجابية على الدول الغنية (الدول المتقدمة) لأن العولمة ومؤسساتها ومنظماتها جاءت لخدمة الدول المتقدمة من خلال السيطرة على اقتصاديات الدول النامية.
ولهذا يمكن القول بأن العولمة هــي عملية مــدارة إرادية وغائية ، تستهـدف مـن خلالها القـــوى المهيمنة (الـولايات المتحـدة الأمــريكية) الاستفادة من الأوضاع الدولية التي ترتبت على التطــور الهـائل في تكنولوجيـا الاتصـال والمواصلات ، وزيـادة كثـافة التفاعـلات الدوليـة ودرجــة الاعتمـاد الدولي المتبادل وما نتج عن ذلك من تراجع في العامل الجغرافي وانضغاط الزمان والمكان ، واللإقليمية ، وإزالة القيود والمعوقات (التحرر) .
ومـن هنـا يمكـن النظــر إلى العولمـة " باعتبارهـا عملية ، أو مجمـوعة من العمليات ، لأنها تنطوي على مجموعة من الممارسات والأفعــال والأنشطة الغائية المـدارة والتـي تتم بوعـي من جانب القائمين بها ، والتي تستهدف تحقـيق غـايات معينـة،وفـى نفس الوقت يمـكن أن ننظر للعولمة( كظاهرة )phenomenon.لأنهـا تعني ذلك الشيء أو الحدث الذي يحيــط بالإنسان في الطبيعة أو في المجتمع ، وموقـف الإنسان ذي العقل مـن هـذا الحدث عنـدما يكشف عـن حقيقـة ما يحيط به . لأن الظاهـرة هي ذلك الشيء الذي يظهر لنا فنلاحظه أو ندركه بحواسنا فنسعى إلى تفسيـره والكشف عن حقيقته ، ومـن ثم فإن إدراكنا أو انتباهنا إلى وجـــود الشيء هــو شــرط ضروري لاعتبـاره(ظاهرة) ، أمـا الشـيء الذي لا يمـكن إدراكـه أو مـلاحظـته لا يعتبر ظاهرة حتى وإن كان له وجود فعلي في الواقع ." (2)
كمــا يمكننا ونحن بصــدد التعرض لمفهــوم العولمـة أن نميـز بيـن مفهوم( العولمة) globalisation ، وبين مفهوم(العالمية) globalisme ونلاحــظ بهـذا الخصـوص هنــاك عــدة تساؤلات تـدور فــي أذهــان بعض المفكرين منها: هل هناك علاقة بين العولمة والعالمية ؟ ومـا الفـرق بينهما ؟ وهل تؤدي أحدهما إلى الأخرى؟ فربما كان معنى (العولمة) فـي ظاهـره يقترب من معنى (العالمية) الذي جــاء به الإســلام ، وهذا ما أكـده القرآن في السـورة المكية التي يقـول فيها سبحانه وتعالى : " وَمَا أَرْسَلناكَ إِلاّ ََرَحْمَةً لّلْعَاَلِمينٌَ " (3).
أي " أنه عليه السلام كان رحـمة فـي الدين والدنيا ، أمــا في الدين فلأنه عليه السلام بعث والناس في جاهلية وضلالة،وأهل الكتابين كانوا فـي حيـرة مـن أمر دينهم لطول مكثهم ، انقطاع تواترهم ووقوع الاختـلاف في كتبهم فبعث الله تعالى محمداً صلى الله علية وسلم حيـن لم يكـن لطالب الحـق سـبيل إلـى الفـوز والثـواب ، فدعـاهم إلـى الحـق وبيـن لـهم سـبيل الثواب، وشـرع لـهم الأحكــام وميز الحــلال من الحـرام .أما في الدنيا فلأنهم تخلصوا بسببه من كثير من الذل والقتال والحروب ونصروا ببركة دينه."(1)
أي أن الله بعث الرسـول ليكـون رحمة للعالمـين ، بمعنـى أن يهـدي البشرية كافة إلى عمل الخيـر والأيمـان بالله ، وذلك مـن خـلال نشـر القرآن الكــريم الذي يعد رسالة عالمية يدعـو فيها جميع الناس للدخول في دين الله ، لكي يرحمهم من ظلمات الشرك بالله وعمل الشر ، ويهديهم إلى نور الأيمان والعمل الصالح، وكذلك قوله تعالى : " إن هُوَ إلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالِمينٌ ." (2)
أي" ( إن هُوَ ) يعني القرآن ( ألاّ ذِكُرَى لِلْعَالِمينٌ ) يريد كونه مشتملاً على كل ما يحتاجون إليه في معاشهم ومعادهم، وقولة (إن هُوَ إلاّ ذِكُرَى لِلْعَالِمينٌ) يدل على أنه صلى الله علية وسلم مبعوث إلى كل أهل الدنيا لا إلى قوم دون قوم." ( 3)
وهنا يعني أن يصبح الإسلام هو الدين الذي يعتنقه جميع البشر في كل مكان وزمان، لكي ينظم شؤون حياتهم والعلاقات التي تدور فيما بينهم ، بحيث يخضعون لتعاليم هذا الدين عن رضا وطواعية . وهذا ما يمكن أن يسمى بعولمة الدين ، لأن الإسلام سلك طريقة حضارية سليمة في الدعوة لعالميته ، تلك هي الخطابات التي كانت تدعو هؤلاء الملوك والحكام في كافة أرجاء العالم للأيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر في كل زمان ومكان . لهذا الرسالة الإسلامية هي رسالة عالمية لجميع الناس .
ولكن هناك في الواقع فرق كبير بين مضمون (العالمية) الذي جاء به الإسلام ، ومضمون (العولمة) التي يدعوا لها الغرب عامة وأمريكا خاصة .
وبهذا الخصوص يقول: ( محمد عابد الجابري ) " إن العالمية تشير إلى الارتقاء بالخصوصية إلى المستوى العالمي أو بعبارة أخرى هي انفتاح المحلي على ما هو عالمي أو كوني بهدف تبادل الأخذ والعطاء والحوار والتعاون بين الحضارات والثقافات . أما العولمة فهي إرادة للهيمنة وبالتالي فهي محاولة لقمع الخصوصيات القومية ، وإنها محاولة لاختلاف الأخر وسلب خصوصيته. " (4)
أي أن العولمة هي تعبير عن مجال قد يكون بعيداً عن السياسة والاقتصاد ، بل هي تعبير عن التنوع الثقافي ، فالعالمية تعني الاعتراف بالتبادل بحيث يكون العالم منفتحاً على بعضه مع الاحتفاظ بتنوعه ، ولقد كانت هذه هي السمة البارزة في الحضارة الإسلامية بشكل خــاص . إذ هـي تعــترف بالآخــرين ، وتحـترم خصوصياتهم الحضـارية . فالعـالمية إذن لا تعني الهيمنة الاقتصادية والثقافية علي الآخـرين، وإنما التنــوع والانفتــاح،أي انفتاح
الحضارة الخاصة علي الحضـارات الأخرى وفقا للمبدأ القرآني " َيا أَيٌّـهَا اَْلنَّاسُ أِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكـَرٍ َوأُنثـَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٌْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اَْللهِ أَتْقَاكُمٌْ . " (1)
أي أن قــوله تعـالـى : ( يا أيهـا النـاس إنا خلقـناكم مــن ذكـر وأنثـى) فيه وجهان(أحدهما) من أدم وحواء (ثانيهما) كل واحــد منكم أيها الموجــودون وقت النداء خلقنـاه من أب وأم ، إن قلنا إن المـراد هو الأول فذلك إشارة إلى أن لا يتفاخر البعض على البعض لكونهم أبناء رجل واحد ، وامرأة واحدة ، وإن قلنا إن المــراد هو الثاني ، فذلك إشـارة إلى أن الجنس واحـد ، فإن كـل واحــد خلـق كمـا خلـق الآخـــر من أب وأم . أما قولة : ( وجعلناكم شعــوباً وقبائل) هـذا القــول فيه وجهــان(أحـدهما) يعنى شعـوبا متفــرقة لا يدري مـن يجمعـكم كالـعجم ، وقبائل يجمعـكم واحـد معلوم كالعرب وبني إسرائيل (ثانيهما) يعنـي داخلــين في قبــائل ، فـإن القبيـلـة تحتهـا الشعــوب ، وتحت الشعوب البطون وتحت البطـون الأفخاذ ، وتحت الأفخاذ الفصائل الأقارب. أمــا قـولـه: ( إن أكــرمكـم عند الله أتقـاكـم ) وفيه وجهان(أحدهما) أن المـراد من يكـون أتقى يكـون عند الله أكــرم يورث التقــوى ، أي هي إثبات لكـون التقــوى متقدمة على كل فضيلة فـإن قيل التقـوى من الأعمــال والعلم أشرف ، نقول التقـوى ثمــرة العلم قـال تعــالى إنـما يخشـى الله من عبــاده العلماء ) فلا تقــوى إلا للعـالم فالمتقى العالم أتم علمه ، والعالم الذي لا يتقي كشجرة لا ثمـر لـها ، لكـن الشجــرة المثمـرة أشــرف مـن الشجــرة التـي لا تثـمر بل هــــو حطب . (2)
أي إن الله سبحانه وتعالي يبين أن من غايات خلق الناس التعارف فيما بينهم وهذا إن دل على شئ إنما يدل على عالمية الإسـلام حيث نلاحــظ كثير من آيات القرآن تبدأ بالخطاب (يا أيها الناس) لأنه يخاطب الناس جميعا سـواء أكــان ذكـرا أو أنثـى وفـي كل مكـان وزمــان بأن يعتنقــوا الدين الإسـلامي الحنيف .
ويقـول ( رجب أبود بوس) في هـذا الصـدد : " كل حضـارة تقــوم علـى عــالميـة مبـادئها ، ولـهذا السـبب تكـون حضـارة . إنهـا حضـارة لأن مبـادئها عـامة، عالميـة تعني كـل الإنسانية . بمعنـى أن كل حضــارة تعتـقد أن المبادئ التي تؤسـسها صالحـة لكل إنســان وفـى أي مكان بغض النظر عن الجغرافيا والانتماء القومي. " (3)
بمعنـى أن كـل حضـارة مـن الحضـارات القـديمـة ســـواء أكـانت الحضـارة اليونـانية أو الرومانية أو الحضارة العربية الإسلامية، هي حضارة إنسانية قبل أن تكــون حضارة خاصة باليونان فقـط أو الرومان فقط أو العــرب فقط ، بل أفكارها ومبادئهـا وقيمها صالحة لكل الناس. فمثلا الدين الإسلامي عالمي، فالأيمان بالله ورسوله محمد علية الصلاة والسلام لا يتوجه للعرب فقـط وإنما لكل الناس وبمساهمة أجناس عــدة واستوعبت الحضارة الإسلامية ثقافتهم وازدهرت بمساهماتهم الحضارة الإسلامية عالمية التوحيد.
ومــن هنـا جـاءت صفتهـا العالمية . أمـا العولمة ليست شيـئا مـن هذا و إنما عولمة التقنية والمعلومات التي تهدف إلى تحول العالم إلى سـوق واحد أو كما سماه (روجيه قار ودي) " وحدانية السوق " (4) .
إن مـا يظهـر لنا من دعــوتها حتـى اليـوم ، أنهـا فــرض هيمـنة سيـاسيـة واقتصـادية وثقـافية واجتماعية من الولايات المتحدة الأمريكية علـى العالم ، وخاصة عالم الشرق والعالم الثالث ، وبالأخص العالم الإسلامي . فالولايات المتحدة الأمريكية بتفوقها العالمي والتكنـولوجي وبقدرتها العسكرية الهـائلة وبإمكــاناتها الاقتـصادية الجبـارة وبنظرتهـا الاستعـلائية ، ترى نفسها أنها سيدة العالم .
االعولمة في أجلى صورها اليوم تعني تغريب العالم أو أمركة العالم، إنها تعني فرض الهيمنة الأمــريكية على العالم ، وأي دولة تتمـرد لابد أن تؤدب بالحصار أو التهديد العسكري أو الضرب المباشر ، كما حــدث مع العراق والسودان وليبيا .أن العولـمة كما تطرح اليـوم ، إنمـا تصب في النهاية لصالح الأقويـاء ضد الضعفاء . وهكـذا يتضــح أن مفهــوم العالمية ينطــوي على مضمون إيجابي يتمثل في سعى الشعوب ذاتها نحو التفاعل مع غيرها على المستوى العالمي وتتبادل التأثير والتأثر فيمـا بينـها على نحــو متكـافئ ، وذلك عكس العولمة التي تستهدف التأثير فقط دون التأثر.أي أنها عملية في اتجاه واحد، وبالتالي فهي تنطوي علي مضمون سلبي .
الخلاصة:
إن تعـريف العولــمة يكـشف لنا عـن موقف الباحث منهـا، وبقــدر تعــدد المـواقف تتعــدد التعريفات حتى أنهـا مــن كثــرة تعــددها تبدو متعارضة ، يضــاف إلى ذلك أن الوعي بعمليـة العــولمة وبمسـتقـبل العالم على يديها لم يكتمل بعد ، لأنها لم تتبلور واقعيا بالقدر الكافي . فالبعـض ينظــر إليـها من زاويـة ثـورة الاتصــالات وتـدفـق الـمعــلومات ، والبعض الآخر يعرفها منطلقا من التحــولات الاقتصــادية وحــركة رؤوس الأمـوال والمنتجــات ، وآخــرون يتحدثون عن العولمة من خلال الجوانب السياسية ، والثقافية ، وتأثيــرها على الـدول الوطنية والثقافة القومية ، وهذا النقاش والحوار حولها يتم دون وجــود مفهــوم محـدد يتفق عليه الباحثون . رغم عدم وجود تعريف واحد للعولمة يتفق عليه المفكرون فإن من الممكن أن ننظـر إلى العولمـة في ضـوء التعريف الأكثــر انتشـاراً والــذي يعرّف العولمة على أنهـا " حرية حركة السلـع والخدمات والأيدي العاملة ورأس المال والمعلومات عبر الحدود الوطنية والإقليمية. " (1)
بمعنــى سهــولة وحـرية انتقــال الناس والمعلـومات ورؤوس الأمـــوال والسلـع والتكنولوجيا والأفكــار والمنتجات الإعلامية والثقافية بين جميع المجتمعات الإنسانية . ومن هنا يمكن أن نقول إن العولمة هي عملية تغيير الأنماط والنظم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ومجموعة القيم والعــادات السائدة وإزالة الفوارق الدينية والقومية والوطنية في إطار تدويل النظام الرأسمالي الحديث وفــق الـرؤية الأمـريكيـة المهيمنة ، والتي تزعـم أنها سيدة الكـون، وحامية النظام العالمي الجديد . أي أن دول العـالم اليــوم أصبــحت أكثــر اقتـراباً من بعضـها البعض ، لأن المسافات بين الدول أصبحت غير مهمة سـواء أكانت المسافات الجغرافية أو الثقافية أو غيـرها ، ولـهذا فقـد أصبحت أجـزاء مختلفـة مـن العـالـم مرتبـطة بعضها ببعض أكثر من أي وقت آخر .
النشأة التاريخية لظاهرة العولمة :
يعد مصطلـح العولمة من أكثــر المصطلحات استخداماً في السنوات العشرة الأخيرة مـن القرن العشرين ، ومـن أكثـر القضـايا المعـاصرة المثارة علـى الصعيد العالمـي ولكـن مـع ذلك يبـدو أن نشـؤ ظاهـرة العولمة ليس جديداً ، إنما يعود إلى تاريخ قديم ، ويقال إن العولمة استجابة لحلم إنسـاني قــديم ، لعله بدأ منـذ زمن بعيد مع الفلاسفة والحكماء والأنبياء الذين كانوا يلتمسون مبـــدأ أو عقيــدة دينية واحــدة من شأنها أن تحـرر نفوس البشر من الحدود المحلية أو القومية أو تجعلها متاحة للناس كافة . فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا ، متى نشأة ظاهرة العولمة ؟
في الحقيقة لقد اختلفت وجهات النظر حول الإجـابة عن هذا السؤال . فهناك من يرى أن للعولمة جـــذورا ضاربة في أعماق التــاريخ ، ويرى أن تباشير العولمة ترجع إلى القــرن الخــامس عشــر الذي شهد بداية ما يسمى بعصر الكشـوف الجغرافية ، وذلك عندما حاولت كل من أسبانيا والبرتغال أن تفتح لها طريقا بحريا إلى الشــرق الأقصى بـداية بالإمبراطورية الإســـلامية في المشــرق العربي والتي كانت في ذلك الوقت تقف حائلة دون وصول النفوذ الأوروبي إلى الشـرق الأقصــى حيث تم وصــول الأوروبيين إلى ســواحل غرب أفريقيا وكــان ذلك عام 1434م ، وإلى رأس الرجــــاء الصالح عـام 1488م ، وإلـى القارة الأمريكية الشمالية عام 1492م وإلى الهند عام 1498م ، وإلى جنوب الصين عام 1511م ، وإلى المحيط الهادي عبر أمريكيا الوسطى عام 1513م ، وانتهــاء بأول رحــلة بحرية للــــدوران حول الأرض عام 1522م.(1)
ومن هنا بدأ الأوروبيون يفكرون في السيطرة على الأســـواق العالمية لكـي يتمكنوا مــن ترويج سلـعهم ومنتجاتهم الأوروبية . وهكــذا بدأت الـرأسمالية التجارية التي تدل على بداية نشـوء العولمة. كما يقول رجب أبو دبوس) " العولمة لم تنشأ من فراغ ، لكن أساسها ليس في الحضارات الســابقة بل فــي نشـــــوء الرأسمـالية التي ليسـت إلا مـرحـــلة في حضــارة اليوم. "(2)
وهناك من يرى " أن العولمة ترجع جذورها إلى فتوحــات الفراعنة القدماء ، سواء في رحلاتهم إلى بلاد (بونت) الصومال ، أو في رحلاتهم إلى بلاد الفينيقيين (الشام حالياً) أو في غزوهم للمجهول البعيد الشاسع كما تدل عليه أثارهم في الأمريكتين ووصولهم إليها قبل غيرهم بآلاف السنين " . (3)
كما " يرجــع بعض المفكـرين أصل مصطلــح العولمة Globalizalion إلى تنبؤات عالم الاتصال مارشال ماكلوهان : من أن العالم أصبح بفضل تطور قنوات الاتصال قرية كونية ." (4)
بينما" يرجع البعض الآخر أصل المصطلح إلى الفكــر الفلسفي الألماني كما جاءه في مقولة هيجل الشهيرة (الدولة العالمية المنسجمة) التي تنعدم فيها التناقضات الأيديولوجية وتطبق حقــوق الإنسان كأسمى صــورة للدولة العالمية الإنسانية ."(5)
وهناك من يقــــول إن ظاهـــرة العولمة تحققت بفعل مجمـوعة مـن العوامل السياسية العالمية عبر العقود الخمسة عشر الماضية . وكان أول مظـاهرها إدخــال التنســيق على مســـتوى العالم للســاعات وفقا لتوقيت جر ينتش عـــام 1884م ، وظهــور أول خدمة دولية للتلغراف عبر المحطات عام 1866م ، ونشأة عصبة الأمم المتحدة في عام 1919م ، وظهـــور أول إذاعة عالمية بالراديو عبر ست قارات في آن واحد عـام 1930م، وظهور ميثاق منظـمة الأمــم المتحدة في عـام 1945م ، لتحقيق التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما تمّ إنشاء محكمة العدل الدولية في نفس الوقت، ومجلس الأمن الذي مـن شأنه المحافظة على السلام الدولي ، كما عقــدت بدايات الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات الجمركية (الجات) منذ عام 1946م، واتفق عليها عام 1974م ، وجــاء إنشاء أول نظام إليكتروني لأسعار صرف الأوراق المالية في عام 1971 ، وأول مــؤتمــر أقـامته الأمــم المتحــدة في التنميـة البشــرية عــام 1972م كما بــدأ أول بث إذاعـي مباشـر للأقمـار الصناعية إلى الأطباق المقامة فوق أسطح المنازل عام 1976م ، وأول استخدام تجارى للكابلات المصنـوعة مــن الأنســجة البصرية والتي عملت على زيـادة قـدرات الاتصالات اللاسلكية عام 1977م . (1)
وكل هــذه الأحــداث العالمية والدوليـة سـاهمت فـي التمكــين لهــذه النـزعة الكونية وفى تقريب المســـافات وتسهيــل الاتصالات بيــن أطــراف العــالم المترامية ، إلى الحد الذي جعل البعض يشبهه بالقرية الصغيرة .
وهناك مـن يرى أن البدايات لنشــؤ العـولمة هو ظهور مشروع (مارشال) الأمريكي الشهير الذي أقيم بهدف إعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية والذي استهـدف إلى جانب ذلك إعادة تنظيم العلاقات النقدية وأسعار الصرف ووسائل الدفع الدولية ، وقد تمثل ذلك بظهـور البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، ومن هنا يعتبـر البعض منتصف عقـد الأربعينيات، البــدايات الأولى لنشـــوء العولمة ، وفى عقـد الخمسينيات ظهرت السـوق المشتركة ، ثم السوق الأوروبية المـوحدة ، تم الاتحـاد الاقتصادي والنقدي ، ومناطق تبادل حر، وما إلي ذلك (2) .
ولكــن الذي زاد في بروز العـولمة هو إعــلان الرئيس الســوفيتي ( ميخائيل غورباتشـوف) عـام 1985م ، عن حلول ثورة ( البيروسترويكا ) ، والذي كانت بمثابة الإعلان عن انهيار الاتحاد السوفيتي سياسياً واقتصادياً ، تم بعد ذلك حادث هدم حــائط برلـين في عـام 1989م ، ثم حرب الخليج الثانية في عام 1991م. فقـد كان لهذه الحوادث أثر واضح هيأ للولايات المتحدة الأمريكية الظرف المناسب لفرض سيطرتها على النفوذ العالمي . أي تمكنت من بسط نفوذها السياسـي والاقتصـادي والعسكـري والحضـاري على العالم وتولي مـركز القيادة الواحدة المطلقة في إدارة شؤون العالم بكل أبعادها .
"ومن هنا برز ما يسمـى (الأحـادية القطبية ذات الطــابع الأمريكي) ، حيث تمكنت هذه الأحادية من وضع النظم والقوانين وإيجـاد المؤســسات المختلفة التي تجعـل العولمة كونية أي شامـلة كـل الكـرة
الأرضية . وذلك مـن خلال تحرير التجارة تحــريراً كامـلاً، فظهــر أول نظـام تجـارى دولي ملـزم لكل
الأقطــار التي لهـا الرغبة في الإنضمـام لهـذا النظام . فقد كـان الإعـلان عن إنشـاء المنظمة العالمية للتجارة في عام 1995م ، بمدينة مراكــش المغربية بمثابة وضـع حجــر الأساس في بناء صـرح العولمة وتأكيد نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في سعيـها مـن أجــل فتــح الأسـواق الدوليـة بعضها على بعض ، وقـد تم تدعيـم ذلك بتوقيـع أول اتفــاق دولي فـي مدينـة جنيف في سـويسـرا عـام 1997م ، يتعلــق بتحـرير الخدمـات المتطــورة وعلى وجـه الخصوص التكنولوجيا المعلوماتية. "(1)
ثم صارت العولمة بعد ذلك كما لو كانت تيارا متدفقاً يسري في أوصال العالم ليوحــد بيـن جميـع أجـزائه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتقنياًً بحيث لم يعـد لنا خيار في منعه أو استمراره ، في قبوله أو رفضه .
ولقد اتضح مما سبق أن مصطلح العولمة لم ينشأ فجأة ، بل مر بعدة مراحل وهى كالتالي : (2)
المرحلة الأولى – مرحلة التكوين (الجنينية).
هذه المرحلة شهدت بداية عصر الكشوف الجغرافية والفتوحات التي قام بها الفراعنة القدمــاء ، وتكونت فيهـا الإمبراطوريات المتـرامية الأطـراف مثل الإمبراطورية الإغريقية ، والعثمانية ، والرومانية ، والعباسية ، وغيرها .
المرحلة الثانية – مرحلة الميلاد .
بدأت في هـذه المرحــلة الخلافـات والحــروب الفكـرية حــول المصطلحات الناشئة الخاصة بعملية العولمة ، كمصطلح الألعاب الأولمبية و جوائز نوبل وغيرها .وفى هذه المــرحلة نشـأت المؤســسات المتعـلقة الخـاصة بتنظيـم العــلاقات والاتصــالات بيـن الـدول . كإنشاء صنـدوق النقـد الـدولـي ، والـبنك الدولـي وعصبة الأمم المتحدة ، وبدأ الاهتمام بموضوع القومية والعالمية ، أي نمو المجتمعات القومية . كما بدأ في هذه المرحلة عمل منظمة التجـارة العـالمية التي حلت محل منظمة(الجات) ومارسـت أنشطتها في إزالة كافة الحواجز والقيود الفاصلة بين الدول لتحرير رؤوس الأموال والمنتجات وغيرها.كمـا بـدأت الحكومـات تتنازل شيئاً فشيئاً عـن سيادتها ، وكذلك تم إدماج العالم الثالث في المجتمع الدولي ، وتصاعد الوعي الكوني.
المرحلة الثالثة – مرحلة النمو والتمدد .
لـقد شهـدت هذه المرحـلة نهاية الحـرب الباردة ، وانهيار جــدار برلين عـام 1989م ، وشيــوع الأسلـحة الذرية ، وازدادت إلى حـد كبيـر المؤســـسات الكونية ، والحركات العالمية ، وتداخــلت فيــها الأمـــور الاقتصــادية مـــع الأمـــور السياسيــة والثقـافيــة والاجتمـاعيـة ، كــذلك أصبـحت المصـــالح متــداخلة ومتفاعلة ، أصبحت العـوالم مفتوحة دون وجود حدود سياسية بين الدول أو فـواصـل زمنيّة وجغرافيّة، وتمّت إزالة القيود الجمركيّة، وظهرت مناطق التجارة الحرة، كما نشأت قضية الشركات العابرة( فــوق القومية) ، وتطــورت أمـــور المعلـــومات والبرمجيات ، كمــا أسهـمت العـولمة في هذه المرحلة بتقريب المسافات وتسهيل الاتصالات بين أطــراف العالم إلى الحــد الذي يجعل البعض يشبه العالم بالقرية الصغيرة .
إن مصطلح العولمة حديث الاستخدام بالرغم من أنه قديم النشأة . ويرجع السبب في ذلك إلي عدة نقاط هي:
1- يعد تطــور وسـائل الإعلام والاتصال ونقل المعلومات من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهــور العــولمة حديثا ، حيث إن هذه الوسائل قد عملت على تقصـير المســــافات بيــن الدول مما جعــل العالم قرية صغيــرة بلا حــدود ولا حواجز .
وبالإضافة إلى تطــور وسائل نقل الموارد والسلع بين الدول مما دعا كثير من الشــركات في دول العالم الكبرى إلى إنتـاج الســلع وتســويقها فـي دول أخرى.
2- إن لظهور التكتلات الإقليمية دوراً كبيراً في ظهـور العــولمة ، وذلك لأن هذه التكتلات قد تنتج عنها وجود أسواق مشتركة .
3- إبرام الاتفاقية العامـة للتجـارة والتعريفــات الجمــركية (الجات) والتي تقتضي بتحرير التجارة العالمية في السلع والخدمات والأفكار .
4- ومن الناحية العسكــرية : فإن بروز الحـرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية وما واكبها من سباق على التسلح أدى إلى إرهـاق أمريكيا وبريطانيا وخاصة مع تنامي القناعة لدى صناع هـذه الحرب بعدم جدوى سباق التسلح على الرغم من إنفاق مبالغ باهظة عليه . وكذلك قنـاعة الإنسـان الغربي في إيجاد حضارة عظمى تقـود الكون كله بدأت تتراجــع . مما ألغى الرغبة في التفــوق العسكري لحساب التفـوق الحضاري في مجــالات تبــدو أكثــر جاذبية وأقل كلفة وهى المجالات الاقتصادية والفكرية . (1)
5- ومن الناحية الاقتصادية لم يعــد المعسكــر الرأسمالي القــديم وحــده في الميدان الاقتصادي ، إنما ظهـرت قوى اقتصادية جديدة كالنمور الأسيوية *
بالإضافة إلى التكتــلات الإقليمية ذات الطابع الاقتصادي والسياسي كمجلس التعـاون الخليجــي وغيــره ، وقــد أدى هذا إلى أن تحـــاول دول المعسكــر الرأسمـالي القديم الالتفاف على المكتسبات الاقتصادية التي حققتها التكتلات الإقليمية من خلال ما يسمى بالعولمة الاقتصادية .
وأخيراً يمكننا القــول : بأن العــولمة مفهـوم حديث الظهور تاريخياً ، ولكن في واقع صيرورة التاريخ الإنسـاني ، مســار العــولمة يرجع إلى العصـــر الحجــري ،الزراعـي ، وصـولاً إلى هذا العصر ، عصـر الثـورة الصناعية الثالثة فما هي إلا امتداد للنظام الرأسمالي الغربي بل هي المـرحلة الأخيرة من التطور الرأسمـالي العلمــاني المـادي النفعـي، وقد برزت في المنتصف الثــاني مــن الـقـرن العشـــرين نتيجـة أحــداث سيـاسيـة واقتصــادية معيـنة منها : إنهاء الحــرب الباردة بين الاتحــاد الســـوفيتي والــولايات المتحـــدة الأمريكية عــام 1961 ف ،ثم سقــوط الاتحاد السوفيتي اقتصادياً وسياسياً عام 1991ف ، وما أعقبه من انفــراد الولايــات المتحـدة الأمريكية بالتربع علــى عــرش الصــدارة فـي الـعالم المعاصــر ، وانفــرادها بقيــادة سياسية واقتصادية وعسكرية .أي اعتبار الظاهرة تطـوراً طبيعياً للحضارة ، ولكن تختلف العولمة الجديدة عن القـــديمة بتقنيــاتها ووتائـر حــركتها في مختـلف الفضــاءات الإقليمية والمحلية والعالمية
أهداف العولمة
في الحديث عن أهداف العولمـة ومراميــها يتضــح أن لها وجهـين مختلفـين تمــاما وجـه أبيض ناصـع البياض ووجـه أســود قاتم الســواد . أي لها وجه إيجابي ووجه سلبي .
الوجه الإيجابي : يمثل الخير بأوسع معانيه أي يوحي للأفــراد والحكــومات بأن الخير الذي يمثل الحياة بكل مباهجها ونعيمها بأجلى صــوره وأشكاله والعــز بأوســع أبوابه والعيش الرغيد الذي يحقق أمـاني وطموحات وأحلام الناس . وكل هذا يجـعل المــؤيدين للعولمة يرحبـون بهــا لأنها تغيث الملهــوف وتشبــع الجـــائع وتلبي حاجة الفقــراء وتنهـض بالشعــوب والحكومــات وتقـــودهم إلى النمـو والازدهـار ، وتفتح أمامهم أبواب المنافسة الحرة للاستفادة من خيراتها الاقتصادية والاجتمـاعية والفكرية والسياسية والثقافية دون عوائق أو قيود . وبالتالي تبعث في نفوس مؤيديها البهجة والراحــة . هكذا يرى المـــؤيدون للعولمة لها صــورتها الجميلة فيقولون لماذا لا نلحق بركب العولمة مادام الأمر كذلك؟ .
إمـا الوجــه الآخـر للعولمة (الوجه السلبي) وهـو الوجه الأسود قاتم السواد، حيث يمثل الشـــر بأوســـع معانيه والجحيم بأقبح صــوره وأشكـاله . لأنه يسبب الخــوف والاضطــراب. إذن العولمة لا تنهض بالشعوب والحكومات . كما يرى معارضـوها . لأنها تزيد الجائع جوعـاً والفقيــر فقــراً ، كما أنها تقضــى علي آمال الشعــوب وتبقيها تعاني مـن القيــود ولا تعرف للحرية طعمـاً ولا للحيـاة الكريمة لوناً فتراها غارقة في الأزمـات الاقتصادية والسياسية متخبطة في المجــالات الفكرية والثقافية والاجتماعية وتعمل لصالح غيرها .
هكـــذا يرى الرافضــون للعـــولمة لصـــورتها البشـعة وواقعـها المر ، وعليه سأبين هنا أهداف العولمة كما يراها مؤيدوها ومعارضوها .
أ- أهداف العولمة كما يراها مؤيدوها :-
1- إزالة الحواجـز والحــدود التي تفصل بين دول العالم وإنهاء التوجهــات الجزئية والاقتصـاد المحلـي والانعــزال القومـي ، لأن كـل هذا يعتبر عبئا ثقيلا علي كاهل عملية العولمة . أي " إن إيجــاد تصـور لتعولم لم يعد كافيا بدون إزالة العقبات والحواجز التي تحول دون العـولمة ، والتي تضع عراقيل أمام التعولم ، وتكبله بقيود ، ومن ثم فإن التوجهــات الجزئية أصبحت بحكم تيار العـولمة مجـرد تاريخ مضى يليه واقع عالمي راهن يفرض توجها كليا ".(1)
أي توجـــها قــائما علــي العـــولمـة التـي تشــمــل الكــون باتســـاعه الكبيــر .
2- اقتراب الاتجاهات العالمية نحـو تحــرير أســواق التجارة ورأس المــال وزيادة الإنتاج المحلي والعالمي والتوســع على مدى العالم في بنى الإنتـاج وإنشاء فرص للنمو الاقتصادي على المستوى العالمي.
3- بناء هياكل إنتاجية مثلى لإنتاج الســلع وتقــديم الخــدمات والأفكـار على مســـتوى الحجم الاقتصادي الكبيــر الذي يفرض على الأطـراف المختلفة ، والاعتـراف به، باعتبـــاره واقعاً جــديداً وقــائماً على
امتلاك مزايا تنافسية تميـزه عن الآخرين ، وباعتباره الأفضل والأحســن على مستـوى العالم كله وباعتباره الأكثر إشباعاً لاحتياجاتهم ، والأكثر توافقاً مع مطالبهم ، ومتسقاً مع رغباتهم ، ومناسباً مع طموحاتهم ، والأكثر استجابة والأيســر من حيث الحيازة والانتفاع والاستخـدام والملكية والأوفـر من حيث الإتاحة ومن حيث المعروض ومن حيث شبكة التوزيع إلي حيث يرغب العميل .(1)
4- التسريع في دوران رأس المـال حـول العالم من خـلال الاستخدام الأمثل للعمالة المكثفة عالية المردود، وهـى التي تدعي ( خدمات المكاتب الخلفية )، هـذه المكاتب التي بدأت تعمـل على إدخال البرامــج والاعتمــادات المــاليـة وصيغ المعالجات الضريبية والكثير من الأعمال الخدمية المهنية الحديثة مثل الحوسبة والدعم التقني لبرامج التكنولوجيا المكتبية . (2)
5- إيجــاد الاستقــرار في العالم والسعي إلى توحــيد وفتح أبواب التنــافس الحر ونشر التقنية الحديثة وتسهيل الحصول على المعلومات العالمية الهامة من خلال الاستفادة من الثورة المعلوماتية الحديثة.
6- حل المشكلات الإنسانية المشتركة التي لايمكن حلها من منظور السيادة الوطـنية المطلقــــة للدولة التي يقــــوم عليها النظام الدولي القــائم حتى اليـوم مثل انتشار أسلحة الدمار الشامل, والتهديدات النووية والبيئية وتطـوير الأوبئة والأمراض المعدية، وانتقال الأيدي العـاملة بكثافة من منطقة إلى أخرى وانتشار الجريمة والمخدرات وغيرها.(3)
7- "إعطاء الفرصة كاملة لقوى الابتكار والخلـق والإبداع والتحسين والتطوير والتنمية والانتماء لتفاعل مواهبها وملكاتها بشكل كامل ومتكامل تم من خلاله الوصول إلي منتجات سلعية وخدمية وفكرية مبتكرة وجديدة ونظم تسويق عالية الكفاءة ، ونظم تشغيل وإدارة للمــوارد البشرية حافز علي تعظيم الإنتاجية ". (4)
8- " الانطلاق إلى آفاق شاسعة وإلى نطاقات واسعة ، وإلى مجالات غير مسبوقة تضفي قدراً كبيراً . من التقدم والرقى والتنمية المستدامة والتحول إلى صالح الإنسانية" . (5)
وهذه هي مجمل الأهداف كما يراها مؤيدوها ومع هذا أقول إن هؤلاء يقرون بأهداف سلبية ." لأن هـولاء المؤيدين للعولمة سيضطرون إلى الاجتماع حول كلمة واحدة مفادها تحرير أنفسهم من آسر العولمة ولو بعد حين. " (6)
ب- أهداف العولمة كما يراها معارضوها :-
إن الأهداف التي يراها الفريق المعارض وغير المتحمس للعولمة كثيرة ومتشعبة تعطى انطباعا سيئا جدا وصورة قاتمة للغاية وهى كالأتي :-
1- السيطرة علي الأسواق المحلية من خـــلال قوى فوقية تمارس سطــوتها وتأثيرها ذات نفــوذ قـوى علي الكيانات المحلية الضعيفة، تسحقها وتحولها إلى مؤســسات تابعة لها. إلا أنها ســوف تعمل علي إدخال وتوظيف كل ما هو محلي ووطني صرف وتحوله إلى جزء من كيان عالمي محض وبصفة خاصـة إذا ما كان قابلا للتعولم أما إذا لم يكن فسيتم تهميشه وعـــزله تمهيدا للقضاء عليه .
2- اختــــراق القوميات والقيــام بتجزئة بعض الـدول والكيانات ، والهيمنة علي اقتصـاديات العالم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية من خلال السعي لسيطرة الاحتكارات والشركات الأمريكية الكبرى علي اقتصاد الدولة.
3- القضــاء على الهــوية الثقافية والقومية وعلى تراث الأمــم والشعــــوب الفكرية والحضارية ، وإلغاء النسيج الحضاري الاجتماعي للشعوب .
4- التحكم في مركـــز القـــرار السياسي وصناعته في دول العـــالم لخــدمة المصالح وما يسمـي بالآمــن الأمــريكي على حســاب مصــالح الشعـــوب وثرواتها الوطنية والقومية .
5- تعميق التناقض بين المجتمعات البشرية ومضاعفة فرص المجموعات القوية التي كــانت تسيطـــر في الأصل على عناصـــر الــقوة الاقتصادية والعلميـة والتقنية والثقافية وغيرها .
6- زيادة الــدول القــوية غنى بينما تزداد الـدول الفقـيرة فقراً، أي أن هناك دولاً ظالمة ودولاً مظلومة.
7- فـــرض السيطــرة السيــاسية والاقتصادية والثقـافية والعسكـرية على الشعوب بقصد استغلالها ونهب ثرواتها، أي بروز نوع جـديد من الاستعمار في القـرن الحادي والعشرين أبشع لوناً وأشد خطراً وأبلغ ضرراً مما سبق من أنواع الاستعمار التي عرفها العالم.
بالتالي يمكن القول بأن العـــولمة من وجهة نظر عربية إسلامية تهدف إلى ما يلي :-
ا- إحكــام سيطــرة الولايات المتحدة الأمريكية على اقتصاديات العالم بشكل عام ، وعلى اقتصـاديات الوطن العــربي بشكــل خاص، وذلك بأساليب عدة أهمها : فتح المجال أمام الشركات الأمريكية والشــركات الكبــرى متعـــددة الجنسيات للقيام بما يسمى بالاستثمار غير المباشـر ، وإيهام الوطن العربي بأنه لا سبيل للتقـدم الاقتصــادي إلا بنظــام السـوق المفتـوح . أي الحرية الاقتصادية المطلقة لفتح أسواق الوطن العربي أمام المنتجات الغربية بشكــل عام والأمريكية بشكل خاص .
ب- إيهام الوطن العربي من خلال الحملات الإعـلامية ، بأنه ليس أمام الناس من بديل إلا الفكــر الرأسمـالي والثقافة الغربية اللذان يؤديان إلى تشـويه الشخصية ، والقضـاء على الأيدلوجيات والثقافات والحضارات التي لاتدين بالرأسمـــالية ، والقضــاء على التقاليد والعادات(التراث)، وكذلك فرض الهيمنة العسكرية والسيـاسية والاقتصـادية والثقــافية على الشعـوب ودول الوطن العـــربي بشتى الوســـائل والطرق ومنها ثورة الاتصـالات والهجمة المعلوماتية الهائلة التي تمثلها وســائل الأعلام المختلفة التي أهمـــها الأقمــــار الصناعية ، وكذلك الترويج لتجارة الأسلحة .
ج- إبقاء العالم ولاسيما الوطن العربي في حالة عدم استقـرار وإثارة الفتن والحروب والخلافات الحدودية بين الدول وتغيير جغرافية العالم من خـلال القضاء على بعض الكيانات السياسية وإيجـاد كيــانات أخرى تابعة وهزيلة لاتقوى على النهضة ولاعلى مقاومة هجمة العولمة بكافة أبعادها .
ولكن هنا نلاحــظ أن العولمة ليست مستــهدفة دول العــالم الثالث أو الوطن العربي فقط ، بل هي ظاهرة تستهدف العالم بأكمله . أي" تتمــــيز آليات العــولمة بالسيــطـرة والخبث المنقــطع النظير، فتـراها تعمـــل على الهيمنة الاقتصادية والثقافية علـى العـالم كله،لا فــرق فيه بين أوروبي وآسيوي أو أفريقي أو عربي."(1)
والحقيقة " أن العولمة قد أصبحت واقعاً قائماً بالفعل بغض النظر عن الأهداف السابقة، وخاصة واقع الجانب العسكري الذي ظهر بوضــوح في حرب الناتو مع يوغسلافيا وحرب العراق سنة 1990م ، والحصار الظالم الذي فرض على الجماهيرية العظمى ، وحرب أفغانستان سنة 2001."(2)
وكذلك حـرب الخلـــيج الثالثة المتمثلة في حــرب العــراق وتفكك الحكـومة العراقية فـي عهـد الرئيس المخــلوع (صدام حســــين) سنـة 2003 م وفي ضغوط القوى الكبرى على أطراف نزاعات وصراعات دولية .
وعلى أية حال يمكن القول إن الهدف الرئيسي لظاهــرة العولمة جعـل الكرة الأرضية وعاء واحدا يعيش ويتعايش الجميع فيه .
إذن قضية العولمة قضية خطيرة ، حيث يعرفـــها رجــل الشـــارع وتثيرهــا أجهزة الأعلام والمؤتمرات الثقافية والندوات وغيرها ، وقد تعددت وجهات النظر حول تعريفها لأنها ظاهرة جديدة حديثة الاستـخدام ومتعـددة العمليات حيث، تشمل كافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، وهى في الحقيقة تعــود نشأتها إلى تاريخ قــديم ، وقد مرت بعدة مراحل ، وكانت تهـدف إلى جعل العالم تحت سيطـــرة قوة فوقية واحـــدة لا ثاني لها وهي (الولايات المتحدة الأمريكية).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
الهوامش :
* يعني مصطلح الامركة : تعميم الطابع آو النموذج الأمريكي . أي يشير هدا المصطلح آلي محاولة تعميم نمط حضاري يخص بلد معين ( الولايات المتحدة الأمريكية ) علي بلدان العالم اجمع .ويرجع في هدا الخصوص آلي – ممدوح محمود العولمة – دراسة في المفهوم والظاهرة والأبعاد - مرجع سابق - ص 16 - وكذلك عمار جيدل آخرون - العولمة من منظور شرعي، ط1 ( عمان - مكتبة الحامد - سنة 2002ف ) ص 33
* التدويل : هو وضع دولة آو إقليم آو مشكلة تحت سيطرة آو أشراف أمم آو دول مختلفة .
والتدويل نظام سياسي يخضع البلد بموجبه لادارة دولية تشترك فيها دول متعددة تصبح سيادة دلك لإقليم تابعة لأشراف جماعي ، وفي هدا الشان يمكن الرجوع آلي - عبد الفتاح مراد - منظمة التجارة العالمية والعولمة والأقلمة - بـ ط ( الإسكندرية ، مكتب الجامعي الحديث ، س بدون ) ص 233
* يقصد بالنمور الأسيوية : الدول التي تمتعت بقوة اقتصادية فترة من الزمان وهى ، سنغافورة ماليزيا ، إندونيسيا ، تايلند ، كورية الجنوبية . وفى هدا الشان يمكن الرجوع آلي - المرجع السابق - ص 125- وكذلك عمار جيدل وآخرون - العولمة من منظور شرعي - مرجع سابق - ص 59.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قائمة المراجع
أولاً : القرآن الكريم :-
1- القرآن الكريم – سورة الأنعام – الآية 91 .
2- القرآن الكريم – سورة الأنبياء – الآية 106.
3- القرآن الكريم – سورة الحجرات- الآية 13.
ثانياً : التفاسير والمعاجم والموسوعات :-
1- الإمام فخر الدين الرازي – التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب – ط1 - المجلد 11 – الجزء 21- 22 – ( بيروت دار الكتب – العلمية – سنة 1990ف ).
2- الإمام فخر الدين الرازي – التفسير الكبير – ط3 - المجلد 14 – الجزء 27 – ( بيروت – دار إحياء التراث العربي – بـ س ) .
3- الإمام فخر الدين الرازي – التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب – ط1 - المجلد 7– الجزء 23- 24 - ( بيروت – دار الكتب العلمية – سنة 1990ف ).
ثالثا – المصادر والمراجع
1- احمد عبد الرحمن وأخرون - الإسلام والعولمة – ط1 ( الإسكندرية - الإشعاع الفنية للنشر - سنة 2002ف )
2- الشاذلي العياري - الوطن العربي وظاهرة العولمة – الوهم والحقيقة - مجلة منتدى الفكر العربي - ( عمان - العدد 140 - أيار سنة 1997ف)
3- برهان غليون - العرب وتحديات العولمة الثقافية ، مقدمات في عصر التشريد الروحي – ( مجلة ثقافية- أبو ظبي- 10 أبريل- 1997ف )
4- رجب أبو دبوس - مواقف10 ط1 ( الجماهيرية - دار الجماهيرية للنشر- وسنة 2000ف)
5- روجيه قار ودي - الولايات المتحدة طليعة الانحطاط - ترجمة - د. رجب آبو دبوس ، بـ ط ( الجماهيرية ، دار الجماهيرية للنشر ، سنة 1997 )
6- سيارة الجميل - العولمة والمستقبل إستراتيجية الفكر – ط1 ( الأردن - الأهلية للنشر – سنة 2000 ف)
7- عبد الفتاح مراد - منظمة التجارة العالمية والعولمة والأقلمة - بـ ط ( الإسكندرية ، مكتب الجامعي الحديث ، س بدون )
8- عمار جيدل آخرون - العولمة من منظور شرعي، ط1 ( عمان - مكتبة الحامد - سنة 2002ف )
9- فلاح كاظم المحنة - العولمة والجدل الدائر حولها - ط1 ( عمان - مؤسسة الوراق للنشر - سنة 2003)
10- محسن احمد الخضيري- مقدمة في فكر و اقتصاد وادارة عصر اللادولة – ط1 ( القاهرة - مجموعة النيل العربية للنشر - سنة 2000ف )
11- محمد عابد الجابرى - العولمة والهوية الثقافية - مجلة المستقبل العربي ( بيروت - مركز دراسات الوحدة العربية - العدد 228- سنة 1998ف)
12- محمد رسلان - أيديولوجية الحضارة – ( مجلة الشاهد - العدد 146 - نوفمبر - سنة 1997ف)
13- محمد عمر الحاجي - ظاهرة العولمة الاقتصادية – ط1 ( دمشق - دار المكتبي - للنشر - سنة 2001ف)
14- محمد أمحمد الساعدي - العولمة والنظام الجماهيري ( رسالة ماجستير غير منشورة – جامعة مصراته- سنة 2002 ف) ص
15- ممدوح محمود منصور- العولمة دراسة في المفهـوم والظاهـرة والأبعاد – بـ ط ( الإسكندرية دار الجامعة الجديدة - سنة 2003ف)
16- نايف علي عبيد- العولمة والعرب - مجلة المستقبل العربي - ( العدد 221 ، تمور- سنة 1997ف) 17- كمال الدين عبد الغنى المرسى - الخروج من فخ العولمة – ط1 (الإسكندرية - المكتب الجامعي الحديث – سنة 2002 ف )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق