كمال عبد اللطيف
يثير موضوع واقع العلوم الإنسانية والاجتماعية في الفكر العربي المعاصر إشكالات نظرية وتطبيقية متعددة. بعضها يرتبط بأسئلة المعرفة العلمية في الثقافة العربية والمجتمع العربي، وكثير منها يتصل بنوعيات الممارسة العلمية كما تجري في الجامعات ومراكز البحث العلمية العربية.
صحيح أن عمر البحث في الإنسانيات بأساليب المنهج العلمي ما يزال في بدايته، وأن أعرق الجامعات العربية لا يتجاوز عمرها ثلاثة أرباع القرن الواحد، بل إن عمر أقسام العلوم الإنسانية داخل هذه الجامعات لا يتعدى أربعة عقود من الزمن في أغلب الجامعات العربية، إلا أن كل هذا لا يعفينا من التساؤل عن طبيعة الإنجازات التي تبلورت في هذا المجال ومدى مطابقتها للأسئلة التي تطرحها الأوضاع الإنسانية في الوطن العربي. ولعلنا لا نجانب الصواب إذا ما قلنا إن التفكير في مسيرة البحث في العلوم الإنسانية في الفكر العربي المعاصر يتيح لنا صياغة الأسئلة المحفزة على تطوير آفاق هذه العلوم.
وإذا كنا نسلم بأن ميلاد البحث العلمي في الظواهر الإنسانية في القرن التاسع عشر(1) قد واكب في التاريخ الغربي ميلاد المجتمع الصناعي، وتطور نمط الإنتاج الرأسمالي، كما واكب مجمل التغيرات التي عرفها الغرب الأوروبي في سياق تطور المجتمع، وتطور علاقات الإنسان بالطبيعة وبالتاريخ، وسعيه لمعرفة مظاهر السلوك الإنساني في مختلف أبعادها، فإن محصلة كل الإشارات التي ذكرنا آنفا وباختزال شديد ساهمت في تحقيق ثورة فعلية في مجال الإحاطة بالظواهر الإنسانية في مستوياتها المتعددة (الاقتصادي، المجتمعي، النفسي، الظواهر الرمزية الخ…) ثم في مستوى الفروع التخصصية التي اتجهت نحو المزيد من الإحاطة بالأبعاد الفرعية لهذه الظواهر، من أجل تحقيق معرفة أفضل بالإنسان ومحيطه، وبصورة تمكن من تهيئ ما يسمح له بتحسين أحواله، والتحكم في مستقبله ومصيره.
وقد واكبت عمليات تشكل موضوعات العلوم الإنسانية في الفكر الغربي صيرورة مجتمعية محددة، محكومة من جهة بتطور نمط الإنتاج الرأسمالي ومحكومة من جهة أخرى بتطور المجتمع وتطور الأنظمة السياسية، وتم كل ذلك في أفق مزيد من دمقرطة الحياة السياسية، كما تم في سياق من تطور المعرفة نتيجة المتراكمات التي بلورها تاريخ الأفكار الفلسفية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكذا تطور المعارف العلمية في مجالي الطبيعة والرياضيات، ثم في مجالات الطب والفلك والتاريخ، وهو الأمر الذي ترك بصماته جلية في باب بناء المناهج والآليات المطابقة لكيفيات مواجهة الظواهر الإنسانية، من أجل تشريحها وفحصها، ثم بناء موضوعاتها بالأدوات التي تسعف بالتملك العلمي للمعطيات، واستخلاص النتائج والقوانين المترتبة عن كل ذلك. إن المواكبة هنا هي مواكبة بين قيم التصنيع والتقنية والعقل(2).
في الصياغة المركبة للملامح العامة للترابط الحاصل في مسيرة تشكل العلوم الإنسانية في علاقتها بالتاريخ الأوروبي العام، وقفنا على جانب من كيفيات تشكل ثم تطور الجهود البحثية في مجال العلوم الإنسانية كما تبلورت في الغرب الأوروبي منذ منتصف القرن الماضي وإلى يومنا هذا، حيث ما فتئت جهود البحث في مجال الظواهر الإنسانية متواصلة بهدف مزيد من استيعاب موضوعاتها، وذلك انطلاقا من الإيمان بحدود المعرفة العلمية وقيمتها الأساس داخل هذه الحدود.
لهذا يعنى البحث في الظواهر الإنسانية في تاريخ المعرفة الغربية بالظواهر وبالأدوات والمناهج الاختبارية، كما يعنى في مباحث أخرى بالأسئلة الفلسفية الكبرى التي تثيرها أوضاع تطور العلوم الإنسانية، سواء في مستوى المناهج أو في مستوى الآليات المستعملة.
ولهذا السبب أيضا تتبلور على هامش البحث في الظواهر الإنسانية وبجانبه وفي صلبه أحيانا أسئلة لا حصر لها، تتعلق بموضوعات لها صلة غير مباشرة بمجال الظواهر الإنسانية، إلا أنها تمكن من التفكير مجددا في كل ما يساعد على تطوير المباديء والفرضيات وآليات العمل القائمة في مجال البحث في الظواهر الإنسانية. نحن هنا نشير إلى الإشكالات التي بلورتها أسئلة الموضوعية في العلوم الإنسانية، والمتعلقة بخلفيات الأسئلة وموجهات المقاربة والتكييف الإيديولوجي، وكذا علاقة البحث في الظواهر الإنسانية بنوعية المجتمعات والفئات التي يشملها البحث، ثم علاقة هذا البحث بالشرعية السياسية الديمقراطية، إلى غير ذلك من الإشكالات التي نشأت على تخوم البحث في الظواهر الإنسانية، وساهمت في إنعاش التفكير في أسئلة هذا البحث بالصورة التي عملت على تطويره في المستوى الإبستمولوجي أو في المستوى التاريخي السياسي، بل وعملت كذلك على مزيد من تنسيب نتائجه(3).
العلوم الإنسانية في العالم العربي: من التقليد إلى المشاركة في إعادة التأسيس.
لم ينشأ البحث في الظواهر الإنسانية بالآليات والوسائل العلمية في العالم العربي مثلما حصل في التاريخ الغربي بفعل عملية تاريخية ذاتية، موصولة بصيرورة في النظر إلى هذه الظواهر ضمن سياق تطور الأفكار والعلوم وتطور المجتمعات، قدر ما نشأ في سياق عملية تقليد أفرزتها متغيرات خارجية وافدة(4).
وعندما نقبل هذا الحكم باعتباره وصفا موضوعيا لما جرى، لا حكم قيمة يرفض أو يقبل، يكون بإمكاننا أن نتصور على سبيل المثال الصلات الفعلية التي حصلت بين الدراسات الاجتماعية الفرنسية التي وظفت البحث الاجتماعي لتشخيص وكشف طبيعة بنيات المجتمع المغاربي الذي كانت تتجه لاستعماره أو المجتمع الذي استعمرته فعلا، وبين الباحثين الاجتماعيين المغاربة الذين انخرطوا لاحقا وبنفس الآليات والمناهج لمقاربة نفس الظواهر لأغراض أخرى(5). إن الأفق الجامع بين العمليتين المذكورتين هو أفق البحث الاجتماعي، سواء في مستوى الموضوع أو في مستوى المناهج ولكن الإشكال المطروح هو: هل يستطيع المبضع الجاهز في مجال الظواهر الإنسانية بناء معرفة علمية؟
لم يكن بإمكان الباحثين الأوائل في العلوم الإنسانية وهم في الأغلب الأعم من خريجي الجامعات الغربية أن يطرحوا سؤال التمييز بين السوسيولوجيا الاستعمارية والسوسيولوجيا التي تتجه لمعرفة الظواهر خارج مخططات الهيمنة الخارجية(6). فقد انخرطوا في البحث أولا وحسنا فعلوا، ذلك أن انخراطهم راكم أبحاثا متعددة، وقد نتج عن هذا التراكم صياغة سؤال التمييز الذي أصبح سؤالا هاما في مجال تطوير المعرفة بحدود ومستويات الممارسة البحثية في مجال العلوم الإنسانية(7).
لم ينشأ البحث إذن في الظواهر الاجتماعية كما نتبين من المثال السابق في سياق صيرورة تاريخية مجتمعية سياسية معرفية عامة كما هو عليه الحال في تاريخ الغرب، بل إنه نشأ في إطار عمليات التغريب التي فرضتها رياح التأورب القوية(8) التي اكتسحت العالم في نهاية القرن الماضي، وتمكنت من فرض سيطرتها بمختلف الوسائل. ففي إطار هذا المناخ التاريخي اللامتكافيء واقعيا وموضوعيا تعرف العرب على العلوم ومناهجها ونتائجها، كما تعرفوا على مختلف مظاهر الحياة وأنماط السلوكات، التي انتقلت إليهم بفعل الاستعمار المباشر، ثم بفعل التأثيرات التي ترتبت عنها في تلافيف المجتمع وبنيات الواقع وفي مختلف جوانب الفكر والثقافة والمعرفة(9).
انخرط الجيل الأول من الباحثين المشتغلين بحقول العلوم الإنسانية المختلفة في علم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد، ومختلف الفرع التخصصية للعلوم المذكورة، انخرطوا في عمليات الإنجاز الساعي إلى تشخيص طبيعة الظواهر المدروسة، مع محاولات متعددة للتفسير والتأويل لم تبلغ درجة صياغة سؤال التأصيل، ولعلها اكتفت بما يمكن أن يطلق عليه التمهيد الفعلي لإمكانية صياغة هذا السؤال، وذلك بحكم جملة من العوامل التي ظلت تتحكم في إنتاجها العلمي، ونذكر منها على وجه الخصوص نقص الإمكانيات والاعتمادات المخصصة للبحث العلمي، وعدم إدراك الفاعلين السياسيين لأهمية وجدوى المعرفة العلمية في مجال الدراسات الإنسانية.
ففي الجامعات المصرية وهي أقدم الجامعات العربية التي توفرت على أقسام للبحث في الظواهر الإنسانية، سواء في كليات الآداب والعلوم الإنسانية، أو في كليات الحقوق، أو في بعض المعاهد المتخصصة في مجالات إنسانية محددة، تبلورت الجهود المعرفية الأولى لبناء الظواهر الإنسانية العربية، وتلاحقت متتابعة في النصف الثاني من هذا القرن، متجهة صوب الإحاطة بموضوعات الظواهر الإنسانية في أبعادها المختلفة(10).
مكن الانخراط المذكور من الاستئناس بآليات في المعالجة والمقاربة غير معهودة في الثقافة العربية المعاصرة، وساهم في انفتاح الثقافة العربية على آليات التجريب والاستنطاق والمسح والتوصيف، ثم التنظيم والبناء والترييض وصياغة النماذج المعرفية، وذلك رغم الهيمنة الكبيرة للمعارف التقليدية ومفاهيمها على الذهنية العامة في المجتمع، فتحولت هذه النواة المعرفية الجديدة إلى بؤرة ضوئية كاشفة داخل مجاهل الفكر العربي، وساهم الرواد المؤسسون لهذه البؤرة في نقل مناهج العلوم الإنسانية بواسطة الترجمة، وبواسطة التجريب على معطيات الواقع المحلي، مما ترتب عنه لاحقا إنتاج أسئلة متعددة تتعلق بحدود وجدوى وقيمة منتوجهم.
ولم يكن هناك أدنى شك في أن مبادرتهم رغم كل ما يمكن أن يقال عنها سلبا وإيجابا قد عملت على ترسيخ درس العلوم الإنسانية في الثقافة العربية المعاصرة، وهذا الأمر الذي نستظل اليوم بظله رغم جحود المنكرين الذين يكتفون في العادة بنقد تبعية الرواد الأوائل، والقول باكتفائهم بنسخ نماذج العلوم الجاهزة.
إننا نرفض مثل هذه الأحكام، لأننا نسلم مبدئيا بأن العلوم لا أوطان لها، وأن هذا الأمر لا يتعلق بالعلوم الفيزيائية والرياضية والفلكية وغيرها، بل إنه ينطبق كذلك على العلوم الإنسانية شريطة المساهمة في إنتاجها وإعادة إنتاجها باستعمال الموضوع المحلي والظواهر الذاتية وهو الأمر الذي يعني في نهاية التحليل المساهمة في مواصلة تأسيسها.
سؤال التأصيل في مجال العلوم الإنسانية:
أثمرت الأبحاث المنجزة في حقول العلوم الإنسانية المختلفة بمختلف تخصصاتها وفروعها التخصصية الدقيقة منتوجا كميا غطى جوانب هامة من حياة الأفراد والمجتمعات داخل مختلف الأقطار العربية، وبصورة غير متوازنة وغير متكافئة،ونظرا لأننا نفكر في الموضوع في كليته دون تعيين ولا تخصيص، فإننا نرى أن المحصلة العامة لهذا الإنتاج تقتضي التفكير في مسارات هذا البحث، وفي آليات عمله وكذا في أهدافه ومراميه.
إن التفكير فيما أشرنا إليه يندرج ضمن قناعة راسخة بجدوى هذا البحث، رغم مآزقه وإشكالاته النظرية والاختبارية. وهو يعد وسيلة من وسائل تطوير البحث في المستوى المعرفي، بما ينقله من عتبة النقل المقلد إلى عتبة التأسيس المؤصل والمبدع، أي عتبة ترسيخ دروس هذا البحث، مفاهيمه ومناهجه وآليات عمله في فضاء الثقافة العربية المعاصرة، وذلك باعتباره حاجة موضوعية لا تستدعيها فقط الرغبة في المعرفة، بل تتطلبها أولا وقبل كل شيء حاجتنا في الوطن العربي لتجاوز تأخرنا التاريخي الشامل(11).
التأصيل هنا لا علاقة له بالأصالة كما درجنا على استعمالها عند استدعائنا للزوج المفهومي أصالة/معاصرة، إنه أولا وقبل كل شيء مسعى نظري يروم تأكيد كونية العلوم والمعارف التي تتوخى تعيين قواعد للظواهر الإنسانية بالانطلاق من المبدأ التاريخاني العام الذي يقبل مبدأ التشابه النسبي والتاريخي للظواهر الإنسانية، ويقبل نتيجة ذلك إمكانية المثاقفة رغم صعوبة شروطها ومتطلباتها(12).
في هذا الإطار تمثل لحظات النقل والتقليد التي عرفتها المؤسسات البحثية العربية خلال الخمسين سنة المنصرمة، وهي عمر البحث الاختباري في مجال العلوم الاجتماعية لحظات فعل تاريخي قابل للفهم والتعقل والتجاوز.
صحيح أن شروط ومرجعيات البحث العلمي في الوطن العربي لم تتأسس بعد بما يناسب طبيعة هذا البحث، إلا أن ما أنجز منها رغم قصوره النظري وقصر زمنه في تاريخ الممارسة العلمية، يظل أرضية تمهيدية قابلة للتطوير، بل لعله يشكل فعلا الأرضية المنطلق لكل مشروع يروم إيجاد مكانة مناسبة للبحث العلمي في الظواهر الإنسانية ببلادنا.
نحن هنا نعيش وضعا خاصا في تاريخنا المعاصر، وعندما نقيس هذا الوضع على الأوضاع السائدة في الغرب الأوروبي ندرك أشكال التفاوت القائمة، لكننا بإدراكنا للتفاوتات القائمة والمنتظرة نتعلم كيفية إيجاد المخارج المناسبة لطموحنا، والمناسبة لرسم طريقنا الخاص في مجال الكشف العلمي في موضوع بحثنا لظواهرنا الاجتماعية والتاريخية والرمزية(13).
يتعلق الأمر فيما نحن بصدده بقبول سياق في التركيب التاريخي لا يتمتع بالتساوق الحاصل في التجربة الغربية، دون أن يحول هذا السياق بمختلف خصوصياته التاريخية بيننا وبين قبول المحصلة المعرفية للإنتاج العلمي الذي تبلور في تاريخ العلوم الإنسانية.
ذلك أننا نعتقد أنه لا يمكن إبداع ما يمكننا من فهم ذواتنا ومجتمعنا وتاريخنا ومختلف ظواهر الحياة في مجتمعنا، دون استيعاب مكاسب العلوم كما تبلورت في عصرنا. وإذا كان الاستيعاب الحاصل اليوم لا يفي بالغرض بحكم طغيان آليات النقل فيه على آليات الإبداع والابتكار، فإن التفكير في سبل التأصيل يشكل حافزا من الحوافز المنشطة لآلية الإنتاج المعرفي المطابق، هذا الإنتاج الذي يرادف في نهاية التحليل الإنتاج المعبر عن طبيعة وخصوصيات مجتمعنا، ويمنحنا جدارة المشاركة في إنتاج معرفة علمية بظواهرنا الإنسانية.
يقتضي التأصيل بالمعنى الذي وضحنا إضافة إلى المقدمات المذكورة إنجاز جملة من الشروط المساعدة، يتعلق الأمر بما نسميه الاستيعاب الإيجابي والنقدي للمرجعيات النظرية الموجهة لمسارات البحث العلمي في الظواهر الإنسانية، كما يتعلق بآلية في الممارسة التأصيلية، تعمل على مجابهة الآلة المنهجية والنموذج المعرفي في العلوم الإنسانية بمبضع النقد الإبستمولوجي. وسنعمل في الصفحات الآتية على توضيح طبيعة هذين الشرطين بالصورة التي تمكننا في النهاية من صياغة محتوى التأصيل، بالانطلاق في هذه العملية بواسطة استدعاء أمثلة ومعطيات تفسر حدود وأبعاد التأصيل، وتشير في الوقت نفسه إلى الآفاق الكبيرة التي يفتحها باب دراسة وبحث الظواهر الإنسانية في المجتمعات العربية في الثقافة العربية المعاصرة.
وهناك إضافة إلى الشرطين المعرفيين السابقين شرط أعم يتعلق بالمستوى التاريخي المؤطر لمطلب التأصيل، وهو يرتبط بمشروع تدعيم الحداثة السياسية والثقافية والمجتمعية في أقطارنا العربية، بما يمهد لعقلنة المجتمع وعقلنة البحث في الظواهر الإنسانية، بواسطة إسناده بالمؤسسة بل بالمؤسسات الحاضنة والراعية لإرادة في البحث تتجه لإبداع ما يساهم في حل إشكالاتنا، وتطوير أوضاعنا بوسائل البحث العلمي المختلفة والمتنوعة.
أولا: نحو استيعاب إيجابي ونقدي لمرجعيات العلوم الإنسانية
(النظريات، المفاهيم، المناهج)
تبدأ خطوات الاستيعاب بتجنب ما نسميه المواقف الحدية ذات الطابع الإيديولوجي الخالص، حيث يقف أصحاب هذه المواقف على هوامش حقول البحث وبجانب معطياته المستخلصة من بناء الظواهر وصياغة القواعد والقوانين ليمارسوا الرفض أو القبول(14).
إن القبول الأعمى، القبول الناسخ للنظريات والمناهج والقوانين لا يتيح إمكانية النظر إلى الأبحاث ونتائجها في سياق أطرها التاريخية والمعرفية، إنه ينظر إليها بإطلاق لا تتمتع به حتى في أعين الباحثين المنخرطين في مجال إنشائها، لدرجة أنه بمقدار ما نجد أن الباحثين في حقل الدراسات الإنسانية في الغرب يتشبتون بمبدأ تنسيب نتائجهم، وذلك بإخضاعها المتواصل للفحص وإعادة الفحص والمراقبة، نجد أن كثيرا من الباحثين المنشغلين بحقل الدراسات الإنسانية في بلادنا يؤسطرون النظريات ويحولون نتائجها إلى نتائج مطلقة، بدون مراعاة شروط التعميم اللازمة في كل معرفة علمية(15).
أما الرفض المطلق أو الرفض المتوحش فإنه غالبا ما يشكل آلية قبلية سائدة في أذهان من يعتقدون أن الغرب المادي الاستعماري العدواني لا يمكنه أن ينتج معرفيا ما يساعد البشرية على تشخيص عللها، أو معالجة ظواهرها وإشكالاتها. وغالبا ما تنطوي نظرة الرفض المطلق على تمجيد عاطفي للذات، وهو تمجيد لا يتجاوز عتبة التبشير بالاكتفاء الذاتي في مجال العلم والمعرفة والابتكار، رغم أن مجال العلوم الإنسانية يندرج ضمن كشوف القرن الماضي التي تبلورت في سياق الفكر الأوروبي، حيث تبلورت الإرهاصات العلمية الأولى في مجالات الاقتصاد والاجتماع ومباحث السلوك، ثم تلاحقت بعد ذلك في سياق من التطور شمل جملة من العلوم والمعارف الإنسانية في أبعادها المختلفة.
إن التخلص من الموقفين المذكورين يتيح للفكر العربي مناسبة ثمينة لمحاورة منتوج الفكر الإنساني في كل مكان، وبما أن الحضارة الغربية اليوم تعتبر الحضارة المتفوقة في باب الكشوف العلمية، سواء في مجال العلوم الطبيعية والرياضية أو في مجالات العلوم الإنسانية بمختلف اتجاهاتها ومدارسها، فنحن مطالبون بإنجاز عمليات حوار فعالة وخلاقة مع الآثار التي راكمتها هذه الحضارة في العقود الأخيرة، وشكلت ثورة في مجال النظر إلى الظواهر والمعطيات الإنسانية.
إن الحوار لا يعني التبعية، قدر ما يعني عملية في المثاقفة تمكن الأطراف المتحاورة من إنجاز ما يطور علاقتهما ببعضهما، وعلاقتهما كذلك بموضوع الحوار، وفي هذا الأمر مكاسب مساعدة على تطور المعرفة العلمية.
يقتضي الحوار الاستيعاب، الفهم والتعقل، وفي باب المعارف الإنسانية بالذات يتطلب الحوار الوعي العام بالخلفيات والمرجعيات وشروط الإنتاج، وذلك من أجل أن يكون فعلا حوارا منتجا.
فعندما نتحدث مثلا عن التصورات التاريخية لموضوع الأسرة والدولة في المنظور الاجتماعي والسياسي الذي تبلور في أوروبا في القرن 19، أو نتحدث عن المنظور الوظيفي للأسرة كما بلورته جهود المدارس الاجتماعية التي نشأت خلال القرن العشرين، فإننا بمقتضى الشرطية العلمية لا نتحدث عن نظريات ولا تصورات ولا مفاهيم مطلقة، فكل نظرية وكل مفهوم يرتبط بسياقات نشأته، ويفترض أن أي تطور أو تغيير في السياقات المذكورة يؤدي بالضرورة إلى لزوم إعادة النظر في المقدمات والوسائل والنتائج، ذلك أن اتساع المجال المرجعي عن طريق التراكمات التي تحصل أثناء صيرورة المجتمع وصيرورة النماذج العلمية، يتطلب بالضرورة تغييرا في المفاهيم والقوانين، كما يتطلب تعديلا في الآليات ووسائل المقاربة، وهذا الأمر يؤدي في النهاية إلى لزوم الاحتياط، وذلك انطلاقا من الوعي بنسبية المعطيات المحصلة(16).
بناء على ما سبق يتحول الحوار إلى نوع من المساءلة القادرة على إعادة بناء المعطيات، وتكييفها مع الوقائع والأطر التي لم تكن واردة في زمن تبلور النظريات المعتمدة في مجال البحث في الإنسانيات.
وإذا كانت خطوة الاستيعاب المتمثلة في الفهم والتعقل أساسية في باب التعلم من مرجعيات الآخرين، فإن خطوة النقد المرتبطة بها تعمل على تتميمها، وتمكن المحاور من وعي الفوارق، وهو الأمر الذي يهيء لإمكانية المشاركة في إعادة إنتاج المفاهيم والنظريات بإدخال المتغير الذاتي، حيث يؤدي النقد في النهاية إلى انطلاق مشروع في التركيب الجديد، مشروع إعادة الإنتاج القادر على استيعاب الظواهر المحلية ضمن صيرورة ومنظور النظريات المحصلة في تاريخ الممارسة العلمية كما تبلورت في التاريخ(17).
النقد هنا أداة لتطويع المفهوم وذلك بجعله يستجيب لإمكانية استيعاب معطيات جديدة وظواهر مستجدة ضمن تاريخ مغاير، تاريخ آخر لا ينفصل عن تاريخ البشرية، لكنه يمتلك مجرى آخر، ويتخذ وجهة أخرى ضمن ملابسات حصلت وتحصل داخل التاريخ، ولا يمكن معرفتها علميا دون محاولة تملكها في سياقاتها المتنوعة والمختلفة.
إن شرط الاستيعاب النقدي عبارة عن شرط في البناء المسلِّم بجدوى الكشوف العلمية كما تبلورت في التاريخ، وهو شرط يتسلح بالنقد بعد أن يسلم بإيجابية المكاسب الحاصلة في التاريخ، مع وعي احترازي يقظ لا يغفل مبدأ النسبية كمبدأ محايث للبحث العلمي في الظواهر الإنسانية.
ويترتب عنه مباشرةُ جدلٍ إبستمولوجي يمكن من ولوج باب التأصيل المعرفي عن طريق فحص النظريات والمفاهيم والمناهج، وذلك بواسطة ما يمكن أن يشكل شرطا ثانيا تكميليا يبحث في محتوى النظريات بإدخال معطيات الذاتي المتعين والمحدد في الخصوصي والمحلي.
ثانيا: توسيع مجال النظريات ومحتوى المفاهيم بإدخال معطيات الخصوصي والمحلي.
يتمم الشرط الثاني شرط الاستيعاب النقدي التاريخي الذي حاولنا توضيح جملة من عناصره في الفقرات السابقة، وإذا كان من المؤكد أن نتائج العلوم الإنسانية وقوانينها تستند إلى وقائع محددة، فإن نقلها من المجال المعرفي والتاريخي المؤطر لتشكلها وتطورها، يتطلب استحضار الهاجس النقدي حتى لا يتم تعميم المعطيات بدون مراعاة طبيعة الأطر الجديدة التي سيتم استعمال المفاهيم في مجالها الخاص.
لا بد من التوضيح هنا مرة أخرى أننا لا نشكك في القيمة العلمية للنظريات المتبلورة في حقول العلوم الإنسانية المختلفة، ولكننا نقوم بتعيين شروط إنتاجها، هذه الشروط التي تمنحها الطابع الإجرائي الملائم لبنيتها النظرية، والمطابق للمجال الذي تم ابتكارها في إطاره.
وعندما ننتقل من هذا المجال إلى مجال آخر، نكون أولا مطالبين باستخدام آلية في الاحتراس المنهجي تمنحنا جدارة النقل الذي لا يكتفي بنسخ النماذج المعرفية دون مراعاة خلفياتها النظرية وشروطها التاريخية، بل النقل الواعي بالحيثيات التي ذكرنا.
إن هذا الوعي يجنبنا عثرة السقوط في التقليد الذي يحرص على شكليات المعرفة العلمية، وينسى أن تنوع المجتمعات والقيم والتواريخ يستلزم بالضرورة إعادة إنتاج للوسائل أو إعادة تكييف نظامها المعرفي بما يسعف بتعقل أفضل وفهم أكثر مطابقة للموضوعات والظواهر موضوع البحث.
نتجه هنا لإبراز نقطة أساسية تتعلق بالدفاع على كونية النماذج المعرفية في مجال العلوم الإنسانية، إلا أن هذا الدفاع يقتضي التأكيد على أمرين اثنين: أولهما يتعلق بنسبية النتائج المحصلة في هذا المجال كما تبلورت وتتبلور في تاريخ تطور العلوم الإنسانية في الغرب، وثانيهما يشير إلى أن استحضار المتغير المحلي (الظواهر الإنسانية المتعلقة بواقعنا في العالم العربي على سبيل المثال) يمنح النماذح العلمية المذكورة رجحانا أكبر، بل إنه يوسع أفق هذه النماذج في اتجاه شمولية أكبر، وكفاءة تعميمية أكثر نجاعة، وهو الأمر الذي يمنح هذه النماذج المعرفية قوة نظرية تفوق القوة التي امتلكتها عندما كانت تستطيع تفسير معطيات التاريخ الأوروبي الخاص.
لا نريد أن يفهم مما نحن بصدده أننا نروم الدفاع عن خصوصية لا تاريخية، أو تميز استثنائي، أو أصالة نادرة(18)، قدر ما نريد الوقوف على محدودية النماذج المعرفية التي بلورتها النظريات التكوينية والوظيفية والبنيوية، وغير ذلك من النظريات التي تبلورت في حقول العلوم الاجتماعية المختلفة، هذه المحدودية التي تتقلص بل ترفع كلما استطعنا أن نستوعب داخلها معطيات أخرى تنتمي إلى ظواهر وأزمنة لم تكن واردة في لحظات تشكل هذه النماذج زمن تأسيسها ضمن صيرورة تبلور وتطور العلوم الإنسانية، كما نشأت في الغرب الأوروبي منذ منتصف القرن الماضي وإلى يومنا هذا.
ومرة أخرى نؤكد أننا هنا ندافع عن عالمية وكونية مناهج العلوم الإنسانية، بناء على مواقف تتجه لاستيعاب أدوات ومعطيات ونتائج هذه العلوم، لتعمل على توظيفها في سياق تاريخي جديد، فتزيد من رجحانها النظري وكفاءتها الإجرائية في التفسير والتعليل والفهم، أي لنساهم بإعادة تأسيسها في كونيتها وعالميتها.
يمنحنا الوعي بأهمية هذا الشرط وهذه الخطوة في المنحى التأصيلي تجاوز الاكتفاء بالنسخ والنقل، لأننا نعي جيدا أن كثيرا من المعطيات المتضمنة في نتائج العلوم الإنسانية اليوم مبنية انطلاقا من وعي بالتفوق فرضته وتفرضه معطيات موضوعية، حيث أن الغرب وهو اليوم صاحب المبادرة المعرفية في مجال البحث في الإنسانيات يشكل قوة سائدة ومهيمنة(19)، وعندما نعمل على مواجهة نماذجه المعرفية مسلحين بوعي إيجابي نقدي وتاريخي، ومستوعبين لمبدأ محدودية نماذجه المعرفية بحكم محدودية مرجعيتها وأطرها الاجتماعية، يكون بإمكاننا أن نساهم في تطويرها وتوسيعها وذلك باستحضار معطيات تخصنا فلا يعود الأمر في النهاية تقليدا بل يتحول إلى مشاركة في إعادة الإنتاج، وهي بالضرورة مشاركة مبدعة لأنها تعمل على إنتاج المطابق، أي الاستفادة من كل ما هو قابل للتعميم، وترك أو تعديل أو تصحيح كل المفاهيم والقواعد التي لا يكون بإمكانها أن تستوعب المحلي والخصوصي.
وقد لا نكون مجازفين ولا مبالغين إذا ما اعتبرنا أن هذه العملية ولو أنها تتم بعد بناء النماذج العلمية الغربية في صورتها الأولية والهامة، تعتبر مساهمة في التأسيس، ذلك أن الظواهر البشرية معقدة ومتنوعة بصورة تدعو إلى لزوم الاحتياط والحذر عند تبني المناهج أو عند محاولة التفسير وإصدار الأحكام والنتائج.
إن عملية التأصيل هنا تصبح عملية تتجه لإنجاز ما يمكن أن نطلق عليه توطين مناهج العلوم الإنسانية في الثقافة العربية، وذلك بالصورة التي تساهم في إعادة بناء هذه المناهج بل تأسيسها وفق الخصوصيات المحلية(20).
ومن أجل توضيح دلالة مفهومي الخصوصي والمحلي نشير إلى أن البحث في المجال السيكولوجي، أو مجال الظواهر الاجتماعية، بما فيها ظواهر الجريمة أو تعاطي المخدرات أو الظواهر المستجدة في بلداننا من قبيل الانتحار، يتطلب استحضار منظومة القيم السائدة في علاقتها بمنظومة القيم الوافدة، بل إن الأمر يقتضي استحضار الظواهر التي عملت على عولمة أمراض وظواهر اجتماعية لم تكن ممكنة في مجتمعاتنا قبل عقدين من الزمان. نحن هنا نشير إلى تعاطي المخدرات وإلى ما يترتب عن هذا التعاطي من ظواهر أصبحت تتفشى في مجتمعاتنا بفعل عولمة الظاهرة الإعلامية وتوابعها المتعلقة بالسلوك الإنساني في مختلف مظاهره(21).
ففي هذا الطور الانتقالي الذي تعرفه مجتمعاتنا وهي تزاوج في حياتها بين التقليد والمعاصرة، بين منظومة القيم التراثية والنسق القيمي الذي انتقل إلينا ضمن سياق في الصيرورة التاريخية المجتمعية يهيمن فيها الغرب بقيمه الاستهلاكية وبنظرته الخاصة للإنسان والحياة والمصير، في هذا الطور بالذات نشأت وتنشأ داخل محيطنا الاجتماعي والنفسي والتاريخي معطيات لا مفر من مراعاتها عند كل محاولة لفهم ظواهرنا وتعقل معطيات وجودنا، سواء في مستواها النفسي الفردي الخاص أو في مستواها الاجتماعي والسلوكي العام(22).
وبناء عليه فإننا عندما نقوم بامتحان كفاءة النماذج العلمية في مستوى الأداء الإجرائي الاختباري نمارس كما قلنا عملية إعادة تأسيس، فنحن بواسطة هذه العملية نفكر في المقدمات الموجهة للأبحاث، والمؤطرة لمداها وجدواها كذلك. كما نفكر في الأدوات المنهجية ونظامها، وذلك باستحضار العياني والموضوعي، أي استدعاء الظواهر المحلية بمختلف العناصر المكونة لها، مما يجعلنا نشتغل أولا على النموذج المعرفي، والخطاطة النظرية، لنكيفها مع الظاهرة موضوع الدرس، حيث يكون بإمكاننا أن نكتشف بواسطة هذه العملية وأثناء القيام بها أننا ننتج معطيات أولية جديدة، أو أننا نوسع معطيات قائمة، أو نقوم بتركيبات تسعفنا بفهم أكثر للموضوعات، واستيفاء أفضل لمتطلبات نبحثها بروح موضوعية.
يؤكد أهمية هذا التصور الذي نحن بصدد بنائه ما نعرفه ونحن نقرأ تاريخ تطور النماذج المعرفية في حقل العلوم الإنسانية، وتطور نتائج هذه العلوم داخل النموذج الواحد(23).
فالنظريات الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية الكبرى في تاريخ هذه العلوم، تتطور وتتسع بمقدار استيعابها لظواهر ومتغيرات جديدة، بل إنها تكتشف أخطاءها وتعمل على تجاوزها وهي تسعى لتطوير أدواتها ومفاهيمها وآليتها المنهجية في ضوء هذه المعطيات الجديدة.
إن مفهوم العمل تطور داخل نمط الإنتاج الرأسمالي منذ القرن 19 إلى اليوم، كما أنه تطور داخل منظومة النظريات الاقتصادية بالصورة التي أصبحت تستوعب معطيات لم تكن واردة في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، ولا في النظرية الماركسية في الاقتصاد(24). كما أن مفهوم الرأسمال قد عرف بدوره تطورات هامة مقارنة مع التصورات التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر، فقد عملت جهود علماء الاقتصاد وعلماء الاجتماع وعلماء التاريخ والأنتربولوجيا طيلة القرن العشرين على بناء نظريات ومفاهيم متعددة حول تطور مفهوم الرأسمال ونمط الإنتاج الرأسمالي، ومع ذلك تظل هذه النظريات قابلة لمزيد من الإغناء والتطوير بإدخال معطيات المجتمعات التي لم تشكل جزءا من أفق الدراسات التي أنجزت في هذا الموضوع، وكل استيعاب نقدي لهذه النظريات وبنفس الهواجس التأصيلية التي نحن بصدد إبرازها سيؤدي إلى مزيد من تعميق وتطوير الوعي بالظاهرة الرأسمالية وبالظواهر المرتبطة بنمطها الاقتصادي، سواء في المجال الاقتصادي الصرف أو في المستوى الاجتماعي أو في المستويات التي تحرص على إبراز التقاطعات القائمة بين الاقتصادي والاجتماعي، مما يمكننا في سياق التطور القائم والتداخلات الحاصلة من الإحاطة بهذا الموضوع بصورة أكثر اتساعا، وهو الأمر الذي يؤدي في نهاية التحليل إلى مزيد من إضفاء القوة الإجرائية والنظرية على النماذج المعرفية التي يساهم الجميع في تدعيم علميتها بامتحانها في ضوء المتغير المحلي والظواهر المحلية.
ولا يكون التوسيع أو المساهمة في إعادة التأسيس بإنجاز ما قدمنا في الفقرات السابقة، بل إنه يكون أيضا بالانخراط في عمليات التأسيس المتواصلة وذلك بصياغة الإشكالات النظرية والمنهجية التي تطرحها ممارسة العلوم الإنسانية، من قبيل صياغة الإشكاليات الإبستمولوجية، والبحث في مسألة الحدود والحواجز القائمة والمفترضة بين هذه العلوم(25).
إن صياغة المشاكل الكبرى في المجتمع العربي، والبحث في إشكاليات التنمية بمعناها الشامل والشمولي (تجاوز التأخر التاريخي، وتحقيق المشروع النهضوي العربي) يماثل التفكير القائم في حقل الإنسانيات كما تبلورت ومازلت تتبلور في المجتمعات الغربية، وهذا التفكير يجعلنا ننخرط معا في بناء الظواهر الإنسانية في مجتمعاتنا فنلتقي في البؤر القابلة للالتقاء، ونتباعد في النقط التي تقتضي التباعد، بحكم تنوع الفضاء المبحوث، ولكننا جميعا نقف على عتبة معرفية واحدة تسلم بأهمية البحث العلمي في الظواهر الإنسانية، وتدعو إلى مواصلته من أجل تملك معرفي يتيح لنا إدراكا أفضل لقضايانا، ويمكننا من إيجاد الحلول للمشكلات التي تعترض حياتنا(26).
ثم إن المشاكل التي يثيرها اتساع عالم الاتصال والمعلوميات اليوم في المجتمعات ما بعد الصناعية، وحتى داخل مجتمعاتنا، يطرح قضايا جديدة تتعلق بدور الصورة في صناعة الرموز والمتخيلات الجديدة في الحياة الإنسانية، وهذه المشاكل تطرح إشكالات جديدة على كل المعنيين بالظواهر الإنسانية وفي كل أنحاء العالم، وقد أصبح من المؤكد أن النماذج المعرفية الجاهزة في علم الاجتماع وعلم النفس والتربية وغيرها من العلوم الإنسانية لم تعد قادرة على استيعاب هذه المتغيرات في أبعادها المختلفة، وهنا تصبح مسألة صياغة فرضيات جديدة ومحاولة بناء وسائل مساعدة على الإدراك والفهم قضايا مطلوبة هنا وهناك، نقصد بذلك الفضاء الثقافي العربي والفضاءات الثقافية الإنسانية الأخرى، ولعل الجميع مطالب بالمساهمة في بلورة ما يساعد على تعقل وفهم هذه الظواهر، وهنا يكون انخراطنا في الإنتاج والتأسيس مواكبا للمساهمات التي يمكن أن تحصل في فضاءات معرفية أخرى، فلا تقتصر عملية النقد الإبستمولوجي التأصيلي على توسيع المفاهيم والنماذج القائمة، بل يمكن أن تسمح إمكانية المغامرة البحثية بتأسيس نماذج جديدة(27).
إن الانخراط المذكور يجعلنا نقف أيضا على الإشكالات الإبستمولوجية المصاحبة لتطور المعرفة العلمية، فنساهم جميعا في صياغتها، ونعمل على بناء التركيبات النظرية القادرة على نمذجة المعطيات وترييضها بالصورة التي تمكنها في النهاية من التشبع المعرفي الذي يمنحها القوة النظرية المطابقة لمرماها الساعي إلى بناء القوانين الناظمة للظواهر موضوع البحث(28).
ثالثا: الشرط التاريخي، الحداثة والمؤسسات الراعية للبحث العلمي.
لا يمكن النظر إلى عملية التأصيل باعتبارها مجرد عملية معرفية خالصة، عملية تستند إلى مبدأ في الاستيعاب التاريخي النقدي لمناهج ونظريات البحث في الظواهر الإنسانية كما تبلورت في مسار حركة التاريخ الفكري لأوروبا وللحضارة الغربية على وجه العموم، ولا في مبدأ الانخراط في الممارسة البحثية من منطلق المساهمة في إعادة بناء الظواهر والمعطيات والقوانين بالاستناد إلى المحلي والخصوصي وهو الشرط الثاني الذي حاولنا من خلاله إبراز المحدودية النسبية للمعارف كما صاغتها وتصوغها حقول البحث في الظواهر الإنسانية. إن عملية التأصيل في نظرنا تقتضي تعيين ملامح شرط ثالث جامع ومؤطر لمحتوى الشرطين السابقين، نقصد بذلك الشرط التاريخي المجتمعي العام، الذي نفترض أنه يقف وراء الشرطين السابقين ويساهم في تحققهما أو عرقلتهما بصورة أو بأخرى.
فالتأصيل قبل أن يكون عملية معرفية منخرطة في إنجاز حوار خلاق ومنتج مع مبتكرات الفكر الإنساني في مجال العلوم الإنسانية، يستند إلى نظام في الوجود المجتمعي والتاريخي لا يمكن الاستغناء عنه، بل لا يمكن تحققه بدونه.
فإذا كانت الممارسة العلمية في مجال الظواهر الإنسانية قد نشأت متأخرة بالمقارنة مع الكشوف العلمية الكبرى في مجال الفيزياء والرياضيات وعلوم الفلك وغيرها من العلوم الدقيقة، فإنها قد ارتبطت في الوقت نفسه بميلاد المجتمع الصناعي وتشكل نمط الإنتاج الرأسمالي، إضافة إلى ارتباطها بآفاق التحرر التي أتاحها النظام السياسي الليبرالي كنظام يشجع المبادرة الفردية، ويدعو إلى التنافس مع الاستناد إلى قيم العقلانية والحوار والتنوير، فكل هذه المعادلات التاريخية المتكاملة والمترابطة هيأت التربة المناسبة لانطلاق مشاريع البحث في الإنسانيات كجزء من عملية في التحرر الفكري، الرامي إلى تعزيز وتقوية مكانة الإنسان في المجتمع وفي التاريخ، بل مكانته الميتافيزيقية في الوجود.
وبناء على ما سبق فإن هذا الشرط التاريخي المتمثل في الأرضية المجتمعية والسياسية الحداثية يشكل الخلفية الناظمة لمشاريع في البحث اتجهت لمعرفة الظواهر الإنسانية، عن طريق بنائها وصياغة القوانين التي تحكمها وتوجهها(29).
إننا نعتقد أن هذا الشرط يخص تاريخنا المعاصر، في حين أن الشرط الأول والثاني يهمان الفاعلين في حقل الدراسات الإنسانية، لهذا فإن أهمية هذا الشرط ليست لا نظرية خالصة ولا تقنية معرفية تخص عمليات إنتاج وإعادة إنتاج الموضوعات العلمية. إنه شرط يتعلق بدرجات الصراع الدائرة في المجتمعات العربية في موضوع التقليد والحداثة، حيث ما تفتأ مظاهر هذا الصراع تملأ فضاءات الثقافة العربية بالأطروحات المتناقضة، وهو الأمر الذي يقلص من إمكانية الإسراع بعمليات التأصيل المدعمة لرسوخ درس بل دروس العلوم الإنسانية في ثقافتنا وفي مجتمعنا(30).
فبدون تعزيز قيم الحداثة السياسية والفكرية والمجتمعية لا يمكن توفير الأرضية المناسبة لتوطين ونشر قيم البحث العلمي في بلادنا، ولهذا يشكل العمل من أجل هذه القيم شرطا من الشروط الضرورية اللازمة لنشر وتدعيم البحث العلمي على وجه العموم، والبحث في الإنسانيات على وجه الخصوص(31).
تتضح أهمية هذا الشرط عندما نكون على بنية بأن المشروع الحداثي في السياسة والمجتمع هو أولا وقبل كل شيء مشروع في الحرية، حرية الرأي والقول والتفكير، وهو قبل ذلك مشروع المواطنة والمجتمع المدني، وكل القيم التي بلورها المشروع الليبرالي كمشروع في التحرر السياسي والثقافي وذلك منذ القرن السابع عشر.
أما الحداثة في المستوى الثقافي فإنها ترادف الدفاع عن العقلانية والنسبية وتستوعب الأفكار في مجراها التاريخي.
ونحن نعتقد أن القيم السياسية والثقافية المذكورة تشكل المرجعية الناظمة لفتوحات البحث العلمي في الظواهر الإنسانية. ولهذا السبب عملت القيم المذكورة على إسناد المنحى الوضعي والتاريخي في مقاربة الظواهر الإنسانية. ولهذا السبب أيضا يتعثر البحث العلمي في هذه الظواهر عندنا بحكم هيمنة قيم تقليدية مختلفة تماما عن الأوليات والمقدمات المحددة لنظام القيم المذكورة، وكل مسعى يتجه لزحزحة التقليد والتقاليد فإنه يعمل بصورة غير مباشرة على تهيئ الأرضية المساعدة على بلوغ مرمى التأصيل كمرمى يتوخى في نهاية التحليل الانخارط في إنتاج المعرفة العملية بجوار منتجيها هنا وهناك، وفي إطار من التعاون والتكامل يحقق فعلا علمية وكونية هذه العلوم، حيث تساهم المثاقفة المستندة إلى أرضية مجتمعية وسياسية مشتركة في تعزيز البحث العلمي، وتوسيع دوائر معطياته، بالصورة التي تجعله يعكس فعلا طبيعة الظواهر البشرية في تنوعها وتعددها واختلافها.
ويقتضي شرط الحداثة والتحديث في علاقته بإنتاج العلوم الإنسانية التفكير في تهيء الشروط المؤسسية الحاضنة للبحث في هذه الظواهر، فلا يمكن أن ينتعش هذا البحث بدون إمكانيات مؤسسية ومالية داعمة، بل ومؤسسة لمجال هذا البحث، فبدون هذه المؤسسة بل المؤسسات ستظل خطوات البحث متعثرة، وهذا ينعكس بالضرورة على إرادة التأصيل فلا نتقدم لا في بناء الظواهر ولا في معرفتها، بل يظل الجهل المرادف للتقليد سيد الزمان، وتظل نخب الباحثين تعيد إنتاج أطياف النظريات الجاهزة دون أن تتمكن من بناء ما يسمح بمعرفة واقع الإنسان العربي، وواقع المجتمع العربي في مختلف تجلياته ومظاهره(32).
وإذا كنا نعرف الإيقاع السريع الذي يعرفه واقع تطور العلوم الإنسانية في المجتمعات الحداثية المتقدمة، أدركنا الفوارق البعيدة التي تفصلنا عن عتبة الاستيعاب، بل أدركنا صعوبة التأصيل دون انخراط فعلي قادر على مراكمة المعارف والنظريات التي تمكننا من إعادة إنتاج المفاهيم والنماذج العلمية بالصورة التي تجعلها مطابقة لأحوالنا، وهو الأمر الذي يترتب عنه المساهمة في ابتكار المجالات المعرفية الإنسانية الجديدة، التي أفرزتها متغيرات العالم في نهاية القرن العشرين، حيث نعيش اليوم في واقعنا إشكالات معقدة تستدعي توظيف الآليات المعرفية الإنسانية، للتمكن من مواجهتها والتغلب على آثارها السلبية في حاضرنا ومستقبلنا.
خلاصة عامة:
لم يكن من السهل علينا في الصفحات السابقة مقاربة موضوع تأصيل العلوم الإنسانية في الفكر العربي المعاصر، وذلك لأن التأصيل في العمق عبارة عن مسعى نظري يفترض تراكما كميا وكيفيا في مجال البحث في الإنسانيات بالآليات والوسائل العلمية. كما يفترض انخراطا واسعا من طرف الجامعات ومراكز البحث في إنتاج المعارف المتعلقة بحياة الإنسان في مختلف أوجهها، بما في ذلك المباحث التي تخوض في اللامرئي واللاشعوري والمتخيل واليومي، والمباحث التي تعنى بمختلف الظواهر التي يفرزها واقع الإنسان، سواء في علاقته بذاته أو في علاقاته بالإنسان أو في علاقاته الأخرى بمختلف مظاهر الحياة.
إلا أننا غامرنا بتعيين مجال محدد، وقمنا فيه بمحاولة في ترتيب عناصر لها علاقة مباشرة بموضوعة التأصيل، يتعلق الأمر بتفكيرنا فيما أسميناه شروط التأصيل التاريخية والمعرفية.
ولم يكن هذا المخرج سهلا ولا متيسرا أيضا، وذلك بسبب رحابة واتساع الموضوع، فحقل الدراسات الإنسانية لا حدود له، بل إن علوما جديدة ومباحث جديدة ما تفتأ تنشأ وتتأسس مولِّدة معطيات ومبلورة إشكاليات جديدة، ولهذا لجأنا في هذه الورقة إلى انتقاء أمثلة واستدراج معطيات متعددة لا يجمعها إلا جامع التمثيل والإشارة الهادفة إلى ترتيب سياق في البرهنة والإثبات، بغض النظر عن نوعية العلم أو طبيعته، وبغض النظر أيضا عن زمن التمثيل ومناسبته. فقد كان بحثنا في التأصيل عموما مبررا كافيا يسمح بمقاربة الموضوع بما يفي بالغرض، حتى وإن جاء في صورة مبتسرة أحيانا، أو في سياق عارض وسريع أخرى، ولهذا السبب تنوعت الأمثلة مع تركيز كبير على علم الاجتماع وتركيز أكبر على بعض المعطيات المحلية الخاصة ببلادنا، حيث نمتلك معطيات أكثر مقارنة مع ما نعرفه عن معطيات الأقطار العربية الأخرى.
وقفنا عند ثلاثة شروط مركزية، في موضوع كيفية بلوغ عتبة التأصيل، الأول والثاني منها يرتطبان بالمجال المعرفي، والثالث يتعلق بالمجتمع والتاريخ وفضاء الصراع السياسي والثقافي في عالمنا العربي، حيث تشكل المعطيات الآنفة الذكر الخلفية الناظمة لمختلف الفعاليات الذهنية الجارية في الواقع ومن بينها ما يرتبط بمجال البحث في العلوم الإنسانية.
وإذا كنا نعي الترابط القائم بين هذه الشروط، فإن تفصيل القول فيها أتاح لنا فرصة معاينة كيفيات في تعليل نمط التأصيل ومرجعيته، وكذا الأبعاد المتعددة التي يرتبط بها، والتي يتخذها في قلب التحولات الفكرية والمجتمعية الجارية في مجتمعاتنا.
لم تكمل مسيرة البحث العلمي في الإنسانيات في بلادنا العربية نصف قرن من الزمان، ولعل نظرة متفائلة لما هو قائم ترى في ما أنجزنا وفرة مبشرة بما هو أفضل منها، شريطة حسن الاستثمار وحسن التدبير، تدبير علاقتنا المعرفية والنظرية مع المركز المنتج للنظريات والمناهج والمفاهيم (عدم الخلط بين مستويات العلاقة في تعددها وتناقضها وممارسة النقد الإبستمولوجي عند الاستعانة بالنظريات والمفاهيم العلمية)(33).
إلا أن ما أريد أن ألح عليه هنا في هذه الملاحظات الختامية هو حتمية التعامل المركب مع معطيات المعارف الإنسانية، فقد فرض علينا بحكم تأخرنا التاريخي أن نتعامل مع الفكر الغربي في مدارسه المختلفة وأزمنته المختلفة بصورة تجعلنا نتعلم منه، ونعيد إنتاجه ونساهم في تطويره في الوقت نفسه وبصورة مركبة(34)، وليس هذا الأمر بالأمر السهل ولا المتيسر، ومع ذلك فنحن مطالبون بإنجازه، أي مطالبون بمواصلة عملنا وبحثنا في إطاره دون كلل ولا ملل، من أجل أن نساهم في ترسيخ درس العلوم الإنسانية في فكرنا، ونعمل في الآن نفسه على تأصيلها وتوسيع دوائر تعميماتها بحس نقدي وبجدلية تعي أهمية الشرط التاريخي في تحقيق كل هذا، وأهميته أيضا في محاصرة كل هذا، دون أن نغفل أن بلوغ عتبة الإبداع في هذا المضمار تقتضي أولا وقبل كل شيء أو نستوعب المنجزات القائمة، وهي منجزات حققتها جهود الآخرين ممن سبقونا في مضمار البحث العلمي في هذا
الباب، ولعلنا نفعل هذا منذ زمن ليس بالقصير، ولهذا تنتعش يوما عن يوم في بلادنا دوائر البحث رغم كل العوائق والصعوبات، وتنشأ المؤسسات ويشتد الصراع بين التقليد والحداثة ●
الهوامش:
1 - Alexandre Koyé, Etude d’histoire de la pensée scientifique, Gallimard 1973.
ويمكن أيضا مراجعة نصوص مختارة حول علاقة العلم بشروطه التاريخية العامة في كتاب:
Marie-Claude Bartholy et Autres, La science, Magnard, 1978.
2 - J.E. Chaon, De la physique à l’homme, Mediation, 1965.
3 - Robert Blanché, L’épistémologie, PUF, 1972.
4 - يمكن مراجعة الدراسات المتضمنة في الكتابين الآتيين:
ـ د.أحمد خليفة وآخرون، إشكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي، دار التنوير 1984.
ـ د.محمد عزت حجازي وآخرون، نحو علم اجتماع عربي، مركز دراسات الوحدة العربية 1986.
5 - راجع بحث الدكتور جلال أمين، بعض مظاهر التبعية الفكرية في الدراسات الاجتماعية في العالم الثالث، ضمن كتاب إشكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي، ص231.
6 - راجع في موضوع سؤال التمييز بحث عبد الصمد الديالمي، تاريخ السوسيولوجيا في المغرب، ضمن كتابه: القضية السوسيولوجية، ص35-64 إفريقيا الشرق، الدار البيضاء 1989.
7 - د.محمد عابد الجابري، مساهمة في نقد السوسيولوجيا الاستعمارية، ضمن كتاب المغرب العربي، الخصوصية والهوية… الحداثة والتنمية، مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر 1988.
8 - Abdallah Laroui, La crise des intellectuels arabes, Maspero 1974.
9 - د.علي الكنز، المسألة النظرية والسياسية لعلم الاجتماعي العربي، ضمن كتاب: "نحو علم اجتماع عربي، ص100.
10 - يتمثل الجهد في الأبحاث الإمبريقية، في الترجمات وفي المصنفات وخاصة في الآثار التي تبلورت في الستينات والسبعينات، وبعد ذلك أصبح بإمكان مراكز جامعية عربية أخرى أن تقدم مساهمات مماثلة في نفس الموضوع.
11 - راجع نقدنا لمفهوم الغزو الثقافي في كتابنا: مفاهيم ملتبسة في الفكر العربي المعاصر، ص54، دار الطليعة 1992.
12 - حول التاريخانية راجع كتاب العروي، العرب والفكر التاريخي، دار الحقيقة 1970. وكذلك دراستنا: درس العروي، حول المشروع الإيديولوجي التاريخاني ضمن كتابنا: التأويل والمفارقة، نحو تأصيل فلسفي للنظر السياسي العربي، المركز الثقافي العربي 1987.
13 - عبد الله العروي، ثقافتنا في ضوء التاريخ، المركز الثقافي العربي 1986.
14 - راجع مقالتنا، العرب والغرب، في الصراع المركب ضمن كتابنا: العرب والحداثة السياسية، دار الطليعة 1997.
15 - Gaston Bachlard, La formation de l’esprit scientifique, Vrin 1976.
16 - يمكن العودة إلى مقالة جلال أمين هامش رقم (5) ومقالة علي الكنز هامش(9).
17 - لقد تجاوزت الأنتربولوجيا وسوسيولوجيا الأسرة على سبيل المثال كل التصورات العلمية التي تبلورت في أبحاث القرن التاسع عشر، وذلك بحكم اتساع المجال المدروس، وتطور أوليات ومناهج البحث، وكذا بفعل الانفتاح الحاصل بين مجالات العلوم الإنسانية المختلفة.
18 - عبد الله العروي، العرب والفكر التاريخي دار الحقيقة 1970، ص21-22.
19 - Abdellah Laroui, La crise des intellectuels arabes, page 19-55.
20 - د.عبد الباسط عبد المعطي، الصراع الإيديولوجي وإشكالية العلوم الاجتماعية، ضمن كتاب إشكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي.
21 - د.جلال أمين، بعض مظاهر التبعية الفكرية في الدراسات الاجتماعية في العالم الثالث، ص232.
22 - راجع بحثنا عن العولمة وهو بعنوان: أسئلة العولمة، حول تشكل المفهوم في الكتابات العربية وذلك ضمن أعمال ندوة المجلس الأعلى للثقافة العلومة والهوية الثقافية، وقد عقدت بالقاهرة في شهر أبريل 1998.
23 - السيد ياسين وآخرون، العرب والعولمة، مركز دراسات الوحدة العربية 1998.
24 - عبد الصمد الديالمي، القضية السوسيولوجية، نموذج الوطن العربي، إفريقيا الشرق 1989.
25 - Louis Althusser, Comment lire le Capital? E.S 1969.
26 - راجع ملحق كتاب بيار أنصار، العلوم الاجتماعية المعاصرة، ترجمة نخلة فريفر المركز الثقافي العربي 1992.
27 - د.محمد عزت حجازي وآخرون، نحو علم اجتماع عربي، ص13.
28 - بيار أنصار، العلوم الاجتماعية المعاصرة، ص310.
29 - بورديو، درس الدرس ترجمة عبد السلام بنعبد العالي دار توبقال 1988.
30 - حول مفهوم الحداثة يمكن العودة إلى: Alain Touraine, Critique de la modernité, Fayard 1992.
31 - Abdellah Laroin, La crise des intellectuels arabes,page.
32 - كمال عبد اللطيف، العرب والحداثة السياسية، ص76.
33 - عبد الصمد الديالمي، القضية السوسيولوجية، ص17.
34 - يمكن أن نسجل ملاحظة تتعلق بانعدام الدراسات المقارنة في مجال العلوم الإنسانية بين الأقطار العربية وذلك لأسباب لا مجال هنا للخوض فيها.
اضف هذا المقال على موقعك | طباعة | ارسال لصديق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق