مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

14‏/12‏/2010

دور القيم الاجتماعية في تكوين الدولة عند ابن خلدون




د. محمـد بوالروايح
أستاذ محاضـــر – قسنطينـة
مدخـــل : 
ليست الدولة في فكر ابن خلدون إلا مظهرا من مظاهر الصبغة الاجتماعية الجمعية التي تعبر عن عموم الأمة والمجتمع ، وداخل هذه الصبغة يقوم كيان الدولة نشأة وتطورا ، بمعنى أن ابن خلدون لا يرى وجودا للدولة أو لأي كيان سياسي أو حكم سلطاني إلا داخل النسيج الاجتماعي ، في إطار ما يسمى القيم الاجتماعية المتوارثة ، وفي كتاب المقدمة كلام مستفيض عن طبيعة الدّولة التي يرومها ابن خلدون والتي تضع دستورها وأحكامها بطريقة الاستلهام المباشر من منظومة القيم الاجتماعية بغض النظر عن نوع واختلاف هذه القيم من أمة إلى أخرى، وهي مفارقة وقف عندها ابن خلدون بنظرة المؤرخ الاجتماعي الواعي، الذي يستوعب حقاقئق المجتمع الذي يعيش فيه معولا في ذلك على ما اجتمع عنده من إحاطة بطبيعة الأمصار وما استقر عندها واستحكم فيها من عوائد الاجتماع وطرائق الطباع .
إن المتمعن فيما قاله ابن خلدون عن الدولة يمكنه أن يلحظ لأول وهلة أنه لا يخفي مظاهر الظلم الاجتماعي الذي أفرزه الاستبداد السياسـي الذي كان السمة الغالبة في الكيانات الاجتماعية التي ظهرت -على الأقل في عصر ابن خلدون - فقد كانت هناك نزعة قوية في فرض السلطان دون اعتبار القيم الاجتماعية، وهو ما أدى إلى ظهور خصام وفصام بين الحاكم والمحكوم وظهور الاضطرابات الاجتماعية داخل الكيان الواحد والمجتمع الواحد ، ويعتقد ابن خلدون أن العاصم من كل هذا هو تأسيس الدولة على ضوء منظومة القيم الاجتماعية التي تواضع عليها المجتمع. 
وقد قسمت الدراسة إلى ثلاثة أقسام حيث تناولت في القسم الأول مفهوم القيم الاجتماعية ومفهوم الدولة في الفكر الاجتماعي وفي القسم الثاني مفهوم القيم الاجتماعية ومفهوم الدولة في الفكر الخلدوني و قد أسهبت في القسم الثالث المتعلق بالمفهوم الاجتماعي للدولة أو دور القيم الاجتماعية في تكوين الدولة عند ابن خلدون.
أولا : مفهوم القيم الاجتماعية ومفهوم الدولة في الفكر الاجتماعي : 
1 - مفهوم القيم الاجتماعية : تشتق كلمة "قيمة" في اللسان العربي من القيام وهو نقيض الجلوس، أو القيام بمعنى العزم ومنه قوله تعالى : ﴿وأنه لما قام عبد الله يدعوه ﴾ ([1]) أي: لما عزم كما جاء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح ومنه قوله تعالى : ﴿ الرجال قوامون على النساء ﴾ ([2]) ، وأما القوام فهو العدل وحسن القول وحسن الاستقامة ، كما تدل كلمة "قيمة" على الثمن الذي يقاوم المتاع أي يقوم مقامه وجمعها قيم ويقال ما له قيمة إذا لم يدم على شيء ([3]) .
وقد أصبحت كلمة "قيمة" تدل على معان أخرى متعددة، فيرى علماء اللغة أن للكلمات قيمة لدورها في تحديد معنى الجملة وأن قيمة الألفاظ تكمن في الاستعمال الصحيح لها كما يستعمل علماء الرياضيات كلمة "قيمة " للدلالة على العدد الذي يقيس كمية معينة ، ويستخدم أهل الفن كلمة قيمة للدلالة على الجمع بين الكم والكيف ، وهي بهذا تعبّر عن كيفية الألوان والأحداث والأشكال ، والعلاقة الكمية القائمة بينها، ويستخدم علماء الاقتصاد كلمة "قيمة" للدلالة على الصيغة التي تجعل شيئا ممكن الاستبدال بشيء آخر أي قيمة المبادلة ([4]). 
يتضح من التعريفات المختلفة للقيمة (valeur) أن مفهومها من المفاهيم التي يشوبها نوع من الغموض والخلط في استخدامها ، فقد اختلف الباحثون في وضع تعريف محدد جامع لها ،وهذا الاختلاف يعزى بالدرجة الأولى إلى الموروثات الفكرية والدينية والمنطلقات النظرية والصبغة التخصصية التي لا تجعل الباحثين يتفقون بالضرورة على تفسير واحد للقيمة فإن منهم علماء الدين الذين يعنون بالقيم الدينية ومنهم علماء النفس الذين يعنون بالقيم النفسية ومنهم علماء الاقتصاد الذين يعنون بالقيم الاقتصادية ومنهم علماء الاجتماع الذين يعنون بالقيم الاجتماعية وهكذا دواليك ، وتكون نتيجة هذا كله عدم وجود تعريف جامع للقيمة ، فقد عرفها بري Parry بأنها جملة الاهتمامات، فلا يكتسب الشيء قيمة في نظره إلا إذا كانت له أهمية واضحة وظاهرة ، ويعرفها تورندايك Thorndike بأنها التفضيلات بحيث يكون التفاضل قاعدة في تمييز القيم التفضيلية من غيرها، ويعرفها بوجاردسBogardies بأنها أي القيمة مرادفة للاتجاهات ، أما كلايد كلاهوم Clyde- Kluckhoom فيعرف القيمة بأنها أفكار حول ما هو مرغوب فيه أو غير مرغوب فيه ([5]).
واستنادا إلى ما سبق من تعريفات يمكن تعريف القيمة بأنها جملة المعتقدات التي يحملها الفرد نحو الأشياء والمعاني وأوجه النشاط المختلفة والتي تعمل على توجيه رغباته واتجاهاته نحوها وتحدد له السلوك المقبول والمرفوض والصواب والخطأ ، وكل هذا بنسبية ظاهرة لا سبيل إلى نكرانها .
والقيم _كما يقول أهل الاصطلاح_ قيم شخصية وقيم جماعية واتحاد هذه القيم يكون ما يسمى القيم الاجتماعية التي يدخل في معناها كل القيم التي ورثها المجتمع من دين أو عصبية أو غيرها من الروابط والضوابط والتقاليد والعوائد والعلاقات التي تستوعب اللسان كما تستوعب الدين والفكر في شكل عقد اجتماعي تكون غايته التواضع على قيم اجتماعية معينة ، تحدد طبيعة ووجهة المجتمع ، وتضفي عليه صبغة خاصة خالصة له ، لا تكون لغيره ، وهناك اعتقاد خاطئ عند كثير من الباحثين الاجتماعيين في حصر القيم الاجتماعية في العلاقات الاجتماعية التي تكون بين أفراد أمة من الأمم أو شعب من الشعوب ، فهذه نظرة ضيقة وقاصرة للقيم الاجتماعية ، التي تضم في حقيقتها –وحسب ما يدل عليه وضعها الاجتماعي – كل ما ينتجه المجتمع ويفضي إليه الاجتماع وبذلك فإنه لا يمكن فصل القيم الشخصية والقيم الدينية والاقتصادية والسياسية عن القيم الاجتماعية التي تمثل بوتقة تنصهر فيها كل القيم السابقة ، من حيث كون القيم الاجتماعية أصلا لهذه القيم المتفرعة عنها ، والقيم الاجتماعية التي نتحدث عنها هي من شاكلة المفاهيم القيمية التي تشمل الكرامة الإنسانية والولاء والحكومة والحرية والمساواة([6]).
2- مفهوم الدولة :
أ- المفهوم اللغوي : الدولة ظاهرة اجتماعية تنبت في المجتمع ككل الظواهر الاجتماعية لأن المجتمع هو المنتظم التام للعلاقات البشرية([7]) بما في ذلك انتظام علاقة الدولة بمؤسسات المجتمع ( فالدولة إذن توجد بوجود المجتمع – بالمعنى الحضري للكلمة – والمجتمع باعتباره منتظما للعلاقات لا يصبح كذلك إلا بوجود الدولة ، من حيث أنها منوطة بالسهر على بقائه واستمراره ، فالدولة بهذا المعنى :" هي مؤسسة المؤسسات وهي المؤسسة الواصلة بين جميع المؤسسات الأخرى القائمة في المجتمع القومي أو الدولي ، فهي تشمل جميع المؤسسات بدون أن تنطوي تحت أي منها ) ([8])
يتضح من السياق السياسي للفظي مجتمع ودولة بأنه لا يوجد مجتمع بدون دولة، كما أنه لا توجد دولة بدون مجتمع ، فالمجتمع والدولة ظاهرتان متلازمان ويوضح عن تلازم الظاهرتين وارتباطهما ببعضهما تشابك العلاقات والمصالح بينهما ، وارتباط مصير كل منهما بالآخر.
وتعد الدولة جهازا للمراقبة والحراسة معا بما أنها وجدت لبقاء المجتمع واستمراره فهي لذلك تراقب حركته في الداخل وتحرس حدوده من الخارج([9]) ، ولهذين السببين تكون الدولة :" هي التي تحرس مبدئيا وفعليا سائر المؤسسات وتصونها ، ولذلك فإن سلطتها موجودة في كل مكان ، وما دام الإنسان عاجزا في الأحوال العادية عن القيام بأعماله ، وعن متابعة مطامحه ، إلا في نطاق المؤسسات القائمة ، فإنه يعتبر الدولة والمؤسسات شيئا واحدا" ([10])
وقد وردت كلمة الدولة بمعان كثيرة منها على وجه الخصوص: 
- وردت بمعنى السلطة أي القدرة على فرض الطاعة ([11]) ، لأن الدولة لا تستطيع أن توفر الأمن للمحكومين ، إلا إذا مارست نوعا من السلطة، لفرض طاعتها عليهم، ومن ثم فمعنى الدولة مرادف لمعنى السلطة ، والعكس صحيح فالدولة لا تكون إلا حيث تكون لها سلطة مطاعة"([12]) .
- وردت بمعنى القوة أي القدرة على استعمال السلطة استعمالا قسريا ، فالقوة هي سلطة قسرية تستعملها الدولة لفرض نفوذها وسيادتها ، وقد أشار ابن خلدون إلى القوة ودعاها القهر في قوله: " وأما الملك فهو التغلب والحكم بالقهر ([13]) أي الحكم بالقوة ، وابن خلدون 
في مصطلحاته هذه -الملك والتغلب والحكم بالقهر- " إنما يعني الدولة ذاتها باعتبارها قوة تنبثق من طلب المجتمع. 
وقد ورد لفظ الدولة في القواميس والمعاجم اللغوية بمعان كثيرة: 
– جاء في مختار الصحاح : " دَوَلَ الدّولة في الحرب أن تدال إحدى الفئتين على الأخرى (....) والدُّولة بالضم في المال (....) والدَّولة بالفتح الفعل (....) وأدالنا الله من عدونا من الدّولة والإدالة الغلبة (....) وقال بعضهم هما لغتان بمعنى واحد . ([14])
- وجاء في المصباح المنير "الدولة بالضم في المال وبالفتح في الحرب"([15])
- وجاء في المعجم الوسيط " دال الدهر دَوْلاً ودَوْلةً انتقل من حال إلى حال ، ودالت الأيام دارت والدولة الاستيلاء والغلبة (....) والدُّولة الشيء المتداول ، من مال أو نحو ذلك " ([16]) 
- وجاء في الكشاف في تفسير قوله تعالى: ﴿كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ﴾[17])
(كيلا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى للفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها جدا بين الأغنياء ، يتكاثرون به أو كيلا يكون دولة جاهلية بينهم، ومعنى الدولة الجاهلية أن الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة ، لأنهم أهل الرياسة والدولة والغلبة ([18]) 
- وجاء في التحرير والتنوير في معنى دولة في قوله تعالى: }كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم{ ([19]) "الدولة (بضم الدال) ما يتداوله المتداولون، والتداول: التعاقب في التصرف في الشيء، وخصها الاستعمال بتداول الأمور والدولة (بفتح الدال) النوبة في الغلبة والملك([20]) 
ويلاحظ أن هذه التعريفات اللغوية تتفق كلها في المعاني التي يتضمنها لفظ "دولة" بالأوجه الكثيرة المختلفة التي ورد بها ، وهي المال والحرب والاستيلاء والغلبة والملك وهو السلطة والحكم " لذلك يمكن تحديد كل هذه المعاني المختلفة في معنى لفظ واحد لأنه يجمعها وهو القوة ، فهذا اللفظ ينطوي على معاني المال والحرب والاستيلاء والغلبة والسلطة ، بصورة يصبح معنى لفظ "القوة" هو المعبر عن معنى الدولة في التعريف اللغوي ، خاصة وأن القوة – كما رأينا- من المعاني المعبرة عن الدولة اجتماعيا وسياسيا فيكون معنى "الدولة " لغويا مطابقا لمعناها اجتماعيا وسياسيا ([21]) 
2- المفهوم الاصطلاحي الحقوقي :
يمكن تعريف الدولة في الاصطلاح الوضعي على ضربين ، تعريف حقوقي وتعريف معنوي .
أ- التعريف الحقوقي: ، ويقصد به ذلك التعريف الذي يحدد البنى المادية التي تتكون منها وتقوم عليها الدولة، باعتبارها كيانا ينبثق من المجتمع .
- يعرف المعجم الوسيط " الدولة بأنها جمع من الناس مستقرون في إقليم معين الحدود مستقلون ، وفق نظام خاص" ([22]) 
لقد حدد هذا التعريف أربعة عناصر تقوم عليها الدولة وهي على التوالي ، جماعة السكان (المجتمع) والإقليم أي تملك الأرض والنظام السياسي (سلطة) والاستقلال أي السيادة " والحق أن أغلب التعاريف الحقوقية للدولة تذهب إلى أن قيام الدولة يتم بتوفر العناصر الثلاثة الأولى" أما (السيادة) فلا تعد عنصرا أساسيا في قيام الدولة ، وإنما هي من متممات طبيعتها كمبدأ الاعتراف الدولي فضلا عن أن السيادة تندرج ضمن عنصر (السلطة) لأن من معاني السلطة أن تكون للدولة سيادة في الداخل على رعاياها([23]) وسيادة في الخارج بفرض سلطاتها وهيبتها على بقية الدول.
- ويعرّف مؤلفا (المدخل في علم السياسة) ([24]) الدولة بأنها "مجموعة من الأفراد ، يقيمون بصفة دائمة، في إقليم معين ، وتسيطر عليهم هيئة منظمة استقر الناس على تسميتها الحكومة " .
يحدد هذا التعريف دعائم وجود الدولة بالأفراد والإقليم والحكومة ، وهي نفس الدعائم التي سبقت في تعريف المعجم الوسيط.
- أما معجم "العلوم الاجتماعية " ([25]) فيعرف الدول بأنها مجموعة كبيرة من الناس تقطن على وجه الدوام والاستقرار إقليما معينا ، ويتمتع إقليمها بالشخصية المعنوية والنظام والاستقلال .
لا شك أن هذا التعريف الحقوقي للدولة ، يعد أكثر التعاريف دقة وشمولا ،لأنه يؤكد جملة من العناصر الضرورية في تحديد معنى الدولة ، فهو يشير إلى عناصر تكوين الدولة ، وأنماط الحكم فيها ، ثم إلى شخصية الدولة المعنوية لذلك يعد تعريفا تاما شاملا لتناوله العناصر الحقوقية وتأكيده على العنصر المعنوي في تكوين الدولة.
ب- المفهوم المعنوي([26]): ونقتصر في ذلك على تعريفين اثنين : تعريف أفلاطون وتعريف هيجل ، فأما أفلاطون فيتصور ثلاثة نماذج للدولة وهي : 
- الدولة المثالية المعنوية وهي دولة المدينة الفاضلة التي رفض ابن خلدون مشروعها([27]). 
-الدولة الفطرية البسيطة أو البدائية التي نشأت خلال المراحل الأولى للتجمعات البشرية.
- الدولة المترفة التي نشأت نتيجة تطور الإنسان وانتقاله من مرحلة البداوة إلى مرحلة المدينة ([28]) 
ويعتقد أفلاطون أن أصل الدولة ، هو النموذج الأول المثالي أو المعنوي ، لأنه نموذج ثابت أما النموذج الثاني والثالث فهما صورتان للأول ومتغيران، والمتغير لا يصلح أن يكون أصلا للأشياء. ([29]) 
أما هيجل – الذي تأثر برؤية أفلاطون في الدولة - فقد عدّ هو الآخر الدولة شخصا معنويا يعي ويدرك ويفكر ويريد ، ثم يقرر وينجز ما يفكر فيه لأنه شخص واع مريد ويدرك أنه كذلك([30])
ثانيا - مفهوم القيم الاجتماعية ومفهوم الدولة في الفكر الخلدوني :
1- مفهوم القيم الاجتماعية : 
إن مفهوم القيم الاجتماعية بهذا المعنى الواسع مستقر في الفكر الاجتماعي الخلدوني ، فإن ابن خلدون حينما كتب في الاجتماع الإنساني والعمران البشري قال عنه: " فللعمران طبائع في أحواله "([31]) وأنه يجب أن ننظر فيه "ونميز ما يلحقه من الأحوال لذاته وبمقتضى طبعه ، وما يكون عارضا لا يعتد به، وما لا يمكن أن يعرض له " ([32]) فأما ما يلحق العمران البشري من الأحوال لذاته وبمقتضى طبعه ،أي ما يكون من خصائص الحياة الاجتماعية في المجتمع ، ومن طبيعتها بما تفرضه من تنظيم اجتماعي لشتى ألوان السلوك الاجتماعي ، فهو ما يعبر عنه ابن خلدون بقوله " العوارض الذاتية من الملك والسلطان والكسب والمعاش والصنائع والعلوم" ([33]) وقوله في معرض آخر : " وما يعرض في العمران من دولة وملة وصناعة ، وكسب وإضاعة ، وأحوال متقلبة مشاعة وبدو وحضر ، وواقع ومنتظر " ([34]) . ولتأكيد وجود هذه العوارض المتضادة في المجتمع واللازمة لتشكيل بنية ونسيج العمران حسب ابن خلدون ، يقول حسن الساعاتي: 
(( .....وهكذا نجد أنه (أي ابن خلدون) ينظر إلى الواقع الاجتماعي المتشخص في النظم الاجتماعية المختلفة ، التي لابد من وجودها في كل مجتمع ، وهي النظام السياسي ، والنظام الاقتصادي ، والنظام الديني ، والنظام التربوي والنظام التساكني([35]) في شكليه البدوي الحضري ، والنظام الطبقي ([36])
إن القيم الاجتماعية في الفكر الخلدوني ليست مجرد قيم تواضعية عرفية ،وإنما هي سنن وقوانين اجتماعية تخضع لها كل أحوال الإنسان في إقامة الدين أو إقامة الدولة أو إقامة الحياة فهي قوانين لا ينبغي أن تفتقد في الاجتماع البشري أو تنتقض بحال، إنها حتمية اجتماعية لا غنى عنها ، يقول ابن خلدون : " إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر. إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال ، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول ")) ([37]) 
وتحتوي المقدمة على كثير من هذه القوانين أو السنن الاجتماعية ، فمن الحتمية الاجتماعية التي لا تخرج عن طبيعة القيم الاجتماعية ذلك الاستعداد الإنساني الذي يستقبل ما يحصل في المجتمع من تقلبات اجتماعية على أنها أحوال حاصلة لا محيص عنها ، وهو الأمر الذي استقر في الوجدان الاجتماعي قبل أن يكون له أثر في الاجتماع الإنساني.
ويرى ابن خلدون أن القيم الاجتماعية لا بد لها من وازع لكي تكون لها سطوة في المجتمع ، ويأتي الوازع الديني في المقدمة لما له من قدسية ظاهرة تفرض شكلا أعلى من أشكال الاجتماع داخل الاجتماع البشري ، وبهذه الطريقة يفسر ابن خلدون حاجة الناس في المجتمع إلى قواعد دينية وأحكام سلطانية إذ يقول : " ثم إن هذا الاجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه وتم عمران العالم به ، فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم ، وليست آلة السلاح التي جعلت دافعة لعدوان الحيوانات العجم عنهم كافية في دفع العدوان عنهم لأنها موجودة لجميعهم ، فلا بد من شيء آخر يدفع عدوان بعضهم عن بعض ... فيكون ذلك الوازع واحد منهم يكون له عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة، حتى لا يصل أحد إلى غيره بعدوان وهذا هو معنى الملك ، وقد تبين لك بهذا أنه خاصة للإنسان طبيعية ولا بد لهم منها " ([38]) .
إن الاجتماع الإنساني _في نظر ابن خلدون _ لا يتحقق إلا بوجود تواصل اجتماعي تمليه منظومة القيم الاجتماعية ، فلا بد للإنسان من الاجتماع ، لأن الاجتماع الإنساني ضروري " ولا بد من التعاون مع غيره من أبناء جنسه ليحصل له ولهم قوتهم وغداؤهم الذي هو ضروري لحياتهم ([39]).
ويذهب ابن خلدون بعيدا حينما يقرر أن الملك بغض النظر عن كونه خصيصة سلطانية فهو قيمة اجتماعية في أصله ، يقول حسن الساعاتي: " .... فالملك في حقيقته كما قرر ابن خلدون ، هو الاجتماع الضروري للبشر ، ولما كان مقتضى الملك في رأيه أيضا التغلب والقهر اللذين كثيرا ما يفلت زمامهما من الحاكم المستبد ، الذي تصبح طاعته عسيرة ، والثورة عليه شديدة الاحتمال ([40]) فقد ".... وجب أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة ويناقدون إلى أحكامها كما كان ذلك للفرس وغيرهم من الأمم . وإذا خلت من مثل هذه السياسة لم يستتب أمرها ، ولا يتم استيلاؤها ﴿سنة الله في الذين خلوا من قبل ﴾..." ([41]) ، ويضيف حسن الساعاتي : " وهكذا نجد أن الظاهرة الاجتماعية القهرية وهي الضبط الاجتماعي القانوني ظاهرة واجبة ، أي من سنن الاجتماع الحتمية المترتبة على ظاهرة اجتماعية أخرى طبيعية وضرورية ، وحتمية هي ظاهرة الملك أو الحكم في شتى صوره. ([42]).
وعندما تستخدم القيم الاجتماعية عند ابن خلدون موصولة بالدولة أو السلطة أو النظام السياسي فإنها يمكن أن تكون صورة من صور علم الاجتماع السياسي ، الذي يشتمل على كيفية تكون الدولة والملك ومدى أهمية العصبية التي تقوم بالضرورة على الصلة الدينية كما هو ظاهر متبادر بل على الصلة الدموية أو بعبارة أخرى الصّلات الاجتماعية القريبة أو البعيدة كصلة المصاهرة أو صلة الولاء أو صلة الجوار أو صلة أخرى بالاصطناع. 
ويشتمل الاجتماع السياسي في مقدمة ابن خلدون على بيان طبيعة الملك وأعمار الدولة من البداوة إلى الحضارة وأثر الترف في ذلك ، وأطوار الدولة واختلاف أحوالها وخلق أهلها باختلاف هذه الأطوار واستظهار صاحب الدولة على قومه وأهل عصبيته ، وكيفية حدوث العصيان له والثورة عليه. ([43]) .
ويتحدث ابن خلدون في المقدمة عن النظام السياسي من ناحية بنبته ، والنظم الفرعية التي يشتمل عليها هذا النظام الاجتماعي الشامل ، ثم يركز الحديث في عدل الحاكم وظلمه وأثر ذلك في ازدهار الدولة وتطرق الخلل إليها. ([44]) 
وهذا النظام الاجتماعي الشامل هو أطول الموضوعات التي اشتملت عليها المقدمة وأعظمها أهمية كذلك، لما يحتوي عليه من مادة اجتماعية بحتة وهي من صميم علم الاجتماع الحديث ، ولعل ما يزيدها أهمية وأصالة أن ابن خلدون كشف فيها عملية التغيير الاجتماعي وعرفها ، وطبقها على تحول المجتمع من البداوة إلى الحضارة وشرح أسباب التغيير وما يصاحبه من تغيرات فرعية تحدث في البناء الاجتماعي ووظائفه المتعددة أساسية كانت أم فرعية . 
ولأن ابن خلدون وصل القيم الاجتماعية بتكوين الدولة لضرورتها الواقعية فقد وصفه بعض علماء الغرب على أنه فيلسوف اجتماعي ([45]) ، فحتى التاريخ الإنساني الذي ينظر إليه على أنه تسجيل للأحداث والوقائع عند المؤرخين ، فإن ابن خلدون أعطاه بعدا اجتماعيا ، لأنه -في نظره- لا يمكن فصل التاريخ عن الاجتماع ، فهـو يعالج حيــاة الأفـراد وما ينتابها من محن وإحن بوصفهـم داخل حياة المجتمع الجماعية والمشتركة([46]).
يقول ابن خلدون "... حقيقة التاريخ خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتآنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض ، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال . ([47]) 
ومما ذكره ابن خلدون في هذه الفقرة يمكن أن نستنبط الحقائق الآتية:
-التاريخ الإنساني الذي يسرد الأحداث والوقائع تاريخ لا يمكن أن يحدث إلا داخل بيئة طبيعية واجتماعية فالتاريخ الإنساني خبر عن الاجتماع الإنساني، والاجتماع الإنساني بدوره هو الذي يوجد كيان الدولة أو الكيان السياسي. 
- هناك عناصر اجتماعية كثيرة تضمنتها عبارة ابن خلدون مثل الملك والدولة ومراتبها والعصبية وغيرها وهذا يؤكد التلازم والتوافق بين هذه العناصر في ايجاد الكيان والنظام السياسي. 
- إن ابن خلدون يركز في كلامه على ضرورة ايجاد الإنسان الاجتماعي قبل التفكير في ايجاد الكيان والنظام السياسي.
ونعود لنؤكد أن ابن خلدون نظر إلى القيم الاجتماعية على أنها ضرورية لإقامة الكيان السلطاني والسياسي ، وتقوم هذه القيم في الأساس على عاملين اجتماعيين مهمين هما العصبية والدين ، أما جميع العوامل الاجتماعية الأخرى فهي من لواحق العصبية والدين إذ لولا العصبية والدين لما كان عندنا اجتماع إنساني سليم. 
2 - مفهوم الدولة : من اللافت للنظر ، لكل من درس المقدمة وأحاط بموضوعاتها وفصولها أن ابن خلدون لا يقدم فيها أي تعريف للدولة بطريق مباشر ، ولكنه اهتم بتعريف بعض الظواهر التي تدل عليها ، بطريقة غير مباشرة ، ومع ذلك فقد شغل موضوع الدولة حيزا كبيرا في بحوث ابن خلدون العلمية ودراساته السياسية ويعد مبحث الدولة من المباحث الكبرى التي تناولتها المقدمة ، وقد يعود عدم تقديم ابن خلدون تعريفا مباشرا للدولة راجعا لسببين([48]) :
السبب الأول : وهو أن ابن خلدون غالبا ما يعبر في لغته السياسية عن الدولة بلفظ الملك وفي المقدمة جمل وفقرات أتت فيها كلمة الدولة مرادفة للملك ([49]) بالإضافة إلى أن لفظ الملك قد استعمله ابن خلدون في عدة معان منها الدولة والحكم والحاكم والسلطة وغير ذلك .
السبب الثاني: يطلق ابن خلدون في بعض الأحيان معنى العصبية على الدولة ، خاصة وأن " العصبية تقوم في نظريات ابن خلدون السياسية مقام العمود الفقري من جسد الإنسان "([50]) إن العصبية في فكر ابن خلدون تسعى دائما إلى غاية وهي تكوين الملك السياسي أي بناء الدولة .
ومهما يكن من أمر فقد حاول ابن خلدون أن يعرف الدولة بأسلوبه الخاص عندما تعرض لعلاقتها بالعمران ، ، فأكد أن الدولة هي نتيجة للسياسة ، سواء الشرعية منها ، أو الوضعية العقلية ، حيث قال: " فالدولة دون العمران ، لا تتصور والعمران دون الدولة والملك متعذر بما في طباع البشر من العدوان الداعي إلى الوازع ، فتتعين السياسة لذلك، أما الشريعة أو الملكية وهو معنى الدولة ، وإذا كانا لا ينفكان فاختلال أحدهما ، مؤثر في اختلال الآخر ، كما كان عدمه مؤثرا في عدمه ([51]) وقال ابن خلدون في موضع آخر من المقدمة : "... لأن الدولة بالحقيقة الفاعلة في مادة العمران إنما هي العصبية والشوكة ، وهي مستمرة مع أشخاص الدولة فإذا ذهبت تلك العصبية ودفعتها عصبية أخرى مؤثرة في العمران فأذهبت أهل الشوكة عظم الخلل " ([52]) ويتبين مما ذكرته ، تداخل معاني الدولة والملك والعصبية في نظرية الدولة في الفكر الخلدوني . 
موقف ابن خلدون من التعريفين الحقوقي والمعنوي للدولة : 
1- موقفه من التعريف الحقوقي: يلتقي ابن خلدون مع التعريف الحقوقي للدولة من خلال العناصر الثلاث التي حددها هذا التعريف لمعنى الدولة وهي الإقليم والسكان والسلطة السياسية يقول ابن خلدون مستعرضا هذه العناصر المشكلة للدولة: 
- عنصر الإقليم " لكل دولة حصة من الأوطان لا تزيد " ([53]) و" أن كل دولة لها حصة من الممالك والعمالات لا تزيد عليها" ([54]) "إن كلّ أمة لابد لهم من وطن وهو منشأهم ومنه أولية ملكهم " ([55]) .
- عنصر السكان " فالسلطان من له رعية ، والرعية من لها سلطان" ([56]) 
- عنصر السلطة : " فحقيقة السلطان أنه المالك للرعية القائم في أمورهم عليهم " ([57])
لقد تطرق ابن خلدون في هذه النصوص المأخوذة من المقدمة – وبأسلوبه الخاص – إلى عناصر التعريف الحقوقي للدولة مثبتا عنصر الإقليم وعنصر السكان أو الرعية وعنصر السلطة أو الملك وتعبيره بالمالك والقائم يعني صاحب السلطة السياسية . 
يلتقي ابن خلدون مع التعريف المعنوي للدولة في محور العصبية فالعصبية هي اللبنة الأساسية لتكوين الدولة وهي كذلك قوة طبيعية اجتماعية معنوية كامنة في طبيعة الكائن البشري ([58]).
ويعتقد ابن خلدون أن العصبية قوة معنوية ،أي لها سلطان معنوي فهي انجذاب الأفراد حول بعضهم البعض وحول نفسها ، وتجمعهم في دائرتها بطريقة فطرية تلقائية . 
ولقد اجتهد ابن خلدون في تصوير العصبية فوظف رصيده اللغوي في محاولة للتعبير عنها والكشف عن حقيقتها ، وذلك باستخدامه لطائفه من الألفاظ طمعا في أن تؤدي إلى المعنى المراد ، كلفظ اللحمة والالتحام والصلة والوصلة والنعرة ([59]) وغير ذلك ولا نخاله قد توصل إلى مبتغاه لاعتقاده في أن المعنى الحقيقي للعصبية أعمق من أن تعبر عنه دلالات تلك الألفاظ ([60]) . 
وقد سبقت الإشارة إلى أن الدولة في الفكر الخلدوني ، تنبثق من المجتمع وأن المجتمع والدولة توأمان لا ينفكان عن بعضهما البعض ، ولذلك عبرت عنه بالمفهوم الاجتماعي للدولة عند ابن خلدون ، ويتأكد هذا المفهوم على وجه الخصوص في بيان العناصر الاجتماعية المشكلة للدولة ، على اختلاف كونها عناصر معنوية أو عناصر مادية ، ويمكن تحديد العناصر المعنوية المنشئة للدولة في رأي ابن خلدون في عصبية الجماعة على وجه الخصوص فالعصبية " هي صلة رحم طبيعية في البشر ، يحصل بها و بين أبناء النسب القريب التناصر والاتحاد والالتحام ([61]) فالعصبية بهذا المعنى تعبر في الظاهر عن جماعة من الناس، وفي جوهرها ، تعبر عن رابطة تربط أعضاء تلك الجماعة أو تصل بعضهم ببعض بصلات متعددة ومختلفة منها صلة الدم والنسب والقرابة والحلف والولاء والانتماء وغير ذلك من أشكال الترابط بين الأفراد والجماعات.
ويمكن أن تفهم من السياقات المختلفة التي وردت فيها العصبية في المقدمة أن هذه الأخيرة شكل من أشكال التجمع الطبيعي والاجتماعي ، ومن هذا التجمع تنبثق السلطة السياسية ، فالعصبية تقوم في المجتمع بوظائف متعددة فهي تقوم بتأليف اجتماعي داخل الجماعات المختلفة ثم تتجه إلى تحقيق غايتها الأساسية ، وهي تحقيق الملك وبناء الدولة لأن " الملك غاية طبيعية للعصبية " ([62]) و" التغلب الملكي غاية للعصبية" ([63]) .
وهكذا ووفق هذا المنظور الخلدوني للدولة ، فإنه يمكن الجزم بأن العناصر الاجتماعية أو القيم الاجتماعية – إذا اعتمدنا لغة الضبط – هي العناصر المعنوية التي يقوم عليها كيان الدولة ، وأن محاولة إغفالها أو إبعادها ، إنما هي محاولة لإنكار الأسس الطبيعية التي قامت عليها ، والتي تستمد قوتها وشوكتها من منظومة القيم الاجتماعية المختلفة .
ومنظومة القيم الاجتماعية تفرض بالضرورة أن يكون هناك تعاون بين أفراد الدولة الواحدة في سبيل بنائها إما بطريق الاختيار الإداري، وإما بطريق الإكراه القسري في حالة الامتناع عن المعاونة على ذلك .
ثالثا: المفهوم الاجتماعي للدولة عند ابن خلدون 
إن ما ذكرته عن ضرورة وجود قيم اجتماعية لإقامة الكيان السياسي أو الدولة في التعبير الحديث يعطي فكرة عن المفهوم الاجتماعي للدولة في الفكر الخلدوني ، يقول غريب سيد أحمد : "... يرى ابن خلدون أن الاجتماع الإنساني أمر طبيعي و ضروري فالإنسان مدني بالطبع بمعنى أنه لا يستطيع أن يعيش إلا في مجتمع ، ولا يبلغ كمال ذاته إلا في جماعة ،ذلك لأن شعور الفرد برغبته في الحياة الاجتماعية شعور فطري يدفعه إلى محاولة الاستئناس بأخيه الإنسان . كما أن النزعة المجتمعية تعتبر نزعة إرادية إلى جانب أنها عاطفة فطرية ، إلى الحد الذي يمكن أن نعتبر ابن خلدون من أنصار فكرة التعاقدية التي تبنى عليها العلاقات الاجتماعية . ([64]) 
وإذا كان الملك عند ابن خلدون لا يتحقق إلا بعصبية فإن هذه العصبية هي في حقيقة الأمر نتاج اجتماعي، وبه يكون الاجتماع وبه تكون الغلبة على الناس والدول. 
إن القيم الاجتماعية عند ابن خلدون تفضي إلى الإقرار بوجود ضرورة اجتماعية تنعكس في حاجة الأفراد إلى التعاون لسد الاحتياجات الاقتصادية والدفاعية ، فالأفراد لا بد أن يتعاونوا من أجل الحصول على قوتهم من جهة ، ودفع عوادي الحيوانات المفترسة من جهة أخرى ([65]) وهذا الأمر يوقعنا في إشكالية حقيقية وهي هل يؤدي الاعتراف بحاجة الأفراد بعضهم إلى بعض إلى الإقرار بأن هذا يعد شكلا من أشكال الطبقية الاجتماعية ، والحقيقة أنه لا وجود لهذه الطبقية في وجود عصبية في المجتمع أو عصبيات كثيرة ، لأن العصبية عامل مشجع في تكوين الاجتماع الإنساني. 
إن الدولة في فكر ابن خلدون تعدّ شكلا من أشكال الضبط الاجتماعي أو الرقابة الاجتماعية، لأن الضبط و الرقابة لا يكون إلا لجهة سلطانية.
إن الضبط الاجتماعي أو الرقابة الاجتماعية كما يطلق عليها أحيانا ابن خلدون ، هي كافة الجهود والإجراءات التي يتخذها المجتمع أو جزء من هذا المجتمع لحمل الأفراد على السير على المستوى العادي المألوف المصطلح عليه من الجماعة دون انحراف أو اعتداء ([66]) ، وقد فطن ابن خلدون في مقدمته لأهمية الضبط الاجتماعي ، وأنه أساس الحياة الاجتماعية وضمانا لأمنها واستمرارا لبقائها ، يقول ابن خلدون : " اعلم أنه تقدم لنا في غير موضع أن الاجتماع للبشر ضروري ، وهو معنى العمران الذي نتكلم فيه، وأنه لا بد في الاجتماع من وازع حاكم يرجعون إليه ... وحكمه فيهم تارة يكون مستندا إلى شرع منزل من عند الله يوجب انقيادهم إليه... وتارة إلى سياسة عقلية يوجب انقيادهم إليها ما يتوقعونه من ثواب ذلك الحاكم بعد معرفته لمصالحهم" ([67]) 
ويقول في موضع آخر : " وقدمنا أن الآدميين بالطبيعة الإنسانية يحتاجون في كل اجتماع إلى وازع حاكم يزع بعضهم عن بعض "([68]).
إن نقطة الانطلاق في المفهوم الاجتماعي للدولة عند ابن خلدون هي كون الدولة قيمة اجتماعية ابتداء وانتهاء ،لأنها تمثل ترجمة فعلية وواقعية للقوانين الاجتماعية التي تعارف عليها المجتمع أو انتهت بسلطة وحي أو وضع . 
ويجعل ابن خلدون من الضبط الاجتماعي ظاهرة ملزمة بالنسبة للمجتمع ، وأن الإنسان سياسي بطبعه ، أي أنه يحتاج إلى من يضبط سلوكه الاجتماعي بقوة قاهرة حتى لا يبغي أحد على غيره، كما أنه ينظر إلى الضبط الاجتماعي نظرة اجتماعية نفسية نفعية فيرى أن الضبط لازم للحياة الاجتماعية وهو في الوقت ذاته ناجم عن خاصة طبيعية في الإنسان ، وأنّ فائدته المحافظة على المصلحة العامة للأفراد في المجتمع ، وعلى مصلحة الحاكم في استقامة حكمه ([69]) .
إن الدولة عند ابن خلدون لا بد أن تنشأ من طبيعة القيم الاجتماعية السائدة في قطر من الأقطار أو مصر من الأمصار لا أن تكون طارئة أو مفروضة من خارج هذا النسيج الاجتماعي القيمي ([70]) .
إن القيم الاجتماعية لا تمثل بطبيعتها وازعا ذا فاعلية لوقف مظاهر الهرج والمرج الاجتماعي الذي يقع بين الناس و لذلك فهي تحتاج بالضرورة إلى وازع خارجي ([71]) الذي هو السلطان القاهر ، ويعبر ابن خلدون عن كل هذا بقوله : 
"وإذا اجتمعوا دعت الضرورة إلى المعاملة واقتضاء الحاجات ، ومد كل واحد منهم يده إلى حاجته يأخذها من صاحبه بما في الطبيعة الحيوانية من الظلم والعدوان بعضهم على بعض ، ويمانعه الآخر عنها بمقتضى الغضب والأنفة ومقتضى القوة البشرية في ذلك ، فيقع التنازع المفضي إلى المقاتلة ، وهي تؤدي إلى الهرج وسفك الدماء وإذهاب النفوس المفضي ذلك إلى انقطاع النوع ، وهو مما خصه الباري سبحانه بالمحافظة ، واستحال بقاؤهم فوضى دون حاكم يزع بعضهم عن بعض ، واحتاجوا من أجل ذلك إلى الوازع وهو الحاكم عليهم ، وهو بمقتضى الطبيعة البشرية الملك القاهر المتحكم " ([72])
وهكذا نستنج مما ذكرناه ( أن ابن خلدون يرى في الملك أو الدولة- في الاصطلاح الحديث- ضرورة من الضرورات البشرية المنبثقة عن حاجة الإنسان إلى الاجتماع والتعاون وأن الملك أو الدولة يمثل كل منهما الوازع الذي يمنع التقاتل والتنازع بالقوة القاهرة ، وكلما كانت تلك القوة أكثر قهرا ومهابة كانت أقرب إلى الكمال والتمام من مفهوم الملك ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق العصبية التي جعلها أساسا لكل نظرياته في الفكر السياسي وفي العمران البشري ) ([73])
يقول محمد فاروق النبهان : " وقد يغالي ابن خلدون -أحيانا - فيما يقدمه لنا من أفكاره وبخاصة تلك التي ارتبطت بمفهوم العصبية التي تمثل في نظره أداة القوة القاهرة التي لا يستقر ملك أو عمران إلا بها، لأنها تمثل "الوازع" المادي المباشر والمؤثر في تحقيق الأمن ومنع التنازع ، إلا أن تلك المغالاة لا تفقد آراء ابن خلدون قيمتها أو تقلل من أهميتها كآراء متقدمة على عصره" ([74]) 
إن جميع شراح المقدمة يؤكدون ، دون أن يعطوا لذلك إيضاحات جدية أن العصبية في فكر ابن خلدون تعني " التماسك الاجتماعي أو روح التضامن " ([75]) 
وهذا التماسك هو الذي ينتج ما يسمى العلاقة الجدلية بين البداوة والحضارة بحيث يعيش أهل البدو والحضر في تآلف وتحالف تطبعه الديناميكية الاجتماعية وهذا في الحقيقة لا يتحقق إلا عن طريق جملة من الشروط الواقعية التي من شأنها أن تقلل الفجوة القائمة بين البداوة والحضارة ، وهذا على خلاف النظريات الاجتماعية التي غالبا ما ترجح الصراع والتنازع الطبقي بين الجماعات البدوية والجماعات الحضرية .
وقد توسع بعض علماء الاجتماع في التعبير عن العصبية التي تكون في المجتمع والتي تعبر عن التضامن الاجتماعي والالتحام القبلي أو الروح العمومية والذهنية العشائرية ، وهذه المعاني كلها تؤكد أن العصبيات المختلفة لا تخرج عن كونها قيما اجتماعية تتكون في إطار الجماعة التي يجمعها موطن واحد وتسعى إلى تشكيل كيان سياسي واحد.
ويؤكد إدريس خضير أن نشأة السلطة أو الدولة مرتبطة بوجود قيم اجتماعية إذ يقول : " إن الضرورة هي التي تدفع الإنسان دفعا إلى الاجتماع مع بني جنسه لتحقيق رغباته لأنه لا يستطيع أن يحققها وحده، والفرد بدون مجتمع لا يساوي شيئا ولا قيمة له في الحياة ، وإنما تكمن قيمته داخل الحياة الاجتماعية التي تفرض عليه التعاون مع الجماعة والانصهار في بوتقتها وعن طريق الحياة الاجتماعية يفرض وجوده وتبدو قيمته كإنسان متميز عن باقي الكائنات الحية التي تحيى بجنبه"([76])
ويضيف إدريس خضير أن السلطة السياسية انطلقت من القبيلة الواحدة أو الاجتماع الواحد حيث يقول : " .... ومع مرور الزمان انطلقت السلطة السياسية من القبيلة الواحدة إلى عدة قبائل أخرى لتكون الدولة وذلك إما بانضمام قبيلة إلى أخرى نظرا للروابط المتينة الموجودة بينهما أو لاتفاق وتحالف ، أو بضم أخرى عن طريق الغلبة والقوى وبذلك تتكون الدولة وتشرع في التوسع باستيلائها على غيرها من القبائل الأخرى"([77]).
ويفهم من كلام إدريس خضير أن السلطة أو الدولة إنما نشأت عن طريق القوى والاتحاد " لأن الناس ميالون بطبيعتهم إلى الانقياد إلى القوى المرهوبة الجانب والتي بيدها الحل والعقد ، والقوى هي التي تجعل صاحبها شريفا ومحترما مسموع الكلمة أما الضعيف فلا يلتفت إليه مهما كان أصله شريفا ولا يستطيع أن يؤثر في غيره " ([78]) وربما يقفز إلى الذهن أن حديث ابن خلدون عن الجماعات الصغيرة القبلية التي تكون الدولة الحديثة قد تجاوزها الزمن ولا تكون معيارا صالحا في عصرنا لأن الانتشار السكاني الذي عمر الأرض قد قضى على فكرة الجماعة القبلية وأسس مكانها الدول و الكيانات السياسية المختلفة . ولكن ربما ظهرت مصطلحات أخرى تعبر عن هذا الاتجاه القبلي في صورة الأنصار أو الأتباع الحزبيين الذين تجمعهم قناعات فكرية واحدة ، يقول إدريس خضير : " .... وبناء على ذلك فإن المسألة ترجع بالضرورة إلى العصبة القوية أو ما نسميه اليوم بالأتباع والأنصار المتكاتفين لأن بروز شخص معين في الوسط الاجتماعي لا يتم صدفة وإنما يأتي بواسطة عصبية من أهله وأصدقائه وحلفائه ، ويضاف إلى ذلك قوة شخصيته ومهارته وخلاله التي تجعله يعظم في أعينهم ويرضون به زعيما ومن هنا يأخذ في التطلع والطموح إلى الحكم وبهذا وحده يمكنه أن يبلغ هدفه .... إذن فالكتلة العصبية هي أساس الحكم"([79]) ، وبعد أن رأينا كيف ظهرت الدولة إلى المسرح السياسي والوسائل التي ارتكزت عليها في شؤونها والأسباب الداعية إلى ذلك عند مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون يمكننا أن نجد عند المفكرين في العصر الحديث ما يوافق نظريته في نشوء الدولة ولو في المعطى العام فهربرت سبنسر يرى أن الصراع بين الناس هو الذي أدى إلى قيام السلطة السياسية التي عملت بواسطة الحرب على توسيع رقعتها بضم الوحدات الصغيرة إليها، وهكذا توسعت إلى أن أصبحت تشمل مجتمعات كبيرة وبذلك تكون المجتمعات قد حققت التكافل الاجتماعي والتفاعل المشترك بين الأفراد والحصول على وسائل الحياة في مختلف الميادين وبالخصوص في الميدان الصناعي والعلمي ويضيف سبنسر إلى أن اتحاد التجمعات الإنسانية قد يتم عن اختيار وطواعية وقد يحدث عن طريق التغلب والقهر"([80]). 
( ويذهب هوبز إلى أن الإنسانية في حياتها الفطرية الأولى قد مرت بحالة خطيرة لأن الأفراد كانت تتملكهم أنانية وتدفعهم شهواتهم إلى تحقيق مطالبها، وكان الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان، وهذه الحالة أدت إلى نزاع مستمر وحروب طاحنة ) ([81]) وكان المخرج الذي فكرت فيه الجماعات الإنسانية الأولى لوضع حد للاستلاب والاغتصاب والاعتداء والاستيلاء ، هو التفكير في إيجاد كيان قوي يتمثل في السلطة السياسية التي تحفظ كيان الجماعة فلا تستباح بيضتها وإذا كان هوبز يرجع ظهور الدولة أو السلطة السياسية إلى الصراع والصدامات الاجتماعية فإن ذلك لا يختلف عن نظرية ابن خلدون في تكوين الدولة ، والذي يقرر أن الضرورة الاجتماعية هي التي دفعت إلى إيجاد هذا الكيان دفعا.
ويذهب إدريس خضير أن التقاء وجهات نظر علماء الاجتماع الغربيين مع نظرة ابن خلدون في التنشئة العصبية أو الاجتماعية للدولة يؤكد -بما لا يدع مجالا للشك- تأثر هؤلاء جميعا بآراء ابن خلدون كما هو الشأن بالنسبة لسبنسر وهوبز من علماء الاجتماع المحدثين ([82]) .
ويرى إدريس خضير أن من عوامل تدعيم السلطة أو الدولة في الفكر الخلدوني هو وجود قيم اجتماعية يكون من ثمرتها الاتحاد والتعاون وفي ذلك يقول : " ... وإذا كانت السلطة نابعة من الجماعة فهي في حاجة إلى التعاون وهو الذي يوفر لها القوى ويضمن لها النجاح في مهامها ، وما دام أفراد الحكومة جزءا لا يتجزأ من المجتمع ومصالحهم مشتركة ومصيرهم واحد وأفراد المجتمع هم الذين اختاروهم ووضعوهم في المنصب الخطير فلا ينبغي أن يأخذهم الغرور ويتمسكوا بروح الاستعلاء والامتياز عن أولئك الأفراد الذين ولوهم الحكم وهم السبب في وجودهم على رأس الأمة وهم دعامة قوتهم وبقائهم في الحكم ، وعلى هذا فإن التعاون والاتحاد والتشاور و الانسجام بين السلطة الحاكمة وبين المجتمع أمور ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها وبالخصوص إذا كانت السلطة واعية شاعرة بالمسؤولية الملقاة على عاتقها ومدركة للواجب المنوط بها من قبل أفراد المجتمع وتعلم أن مهمتها هي السهر على مصالح الأمة فإنها لا تفتأ أن تبذل قصارى جهدها في خدمتها ورقيها والتعاون مع أفرادها والمحافظة على نظامها ووحدتها"([83]) 
إن الدولة التي تنشأ من مشكاة القيم الاجتماعية التي من ثمارها الاتحاد والتعاون تزيدها هذه القيم قوة ومنعة ، " والدولة التي تكون على هذا الشكل فإنها تزداد قوة ومنعة من الضعف والانهيار لأن قيامها بواجبها يجعل أفراد الشعب يطمئنون على مصيرهم ويمنحونها ثقتهم ويتعاونون معها في السراء والضراء"([84])
وغياب القيم الاجتماعية يؤدي بالضرورة إلى انهيار الحكم أو الدولة ، ومن ثم فإن الظلم الذي يظهر في جماعة بشرية ويضرب بجيرانه فيها ، يزيد من احتمالات انهيار الكيان السياسي ، والتاريخ الإنساني يؤكد هذه الحقيقة ، فالسلطة التي لا تمارس العدل الاجتماعي بين أفرادها ورعاياها سلطة آيلة بالانهيار ، وتتحول بالضرورة من دولة سلطانية إلى جماعة إقطاعية جائرة غاصبة لا تفكر إلا بالمنطق النفعي الشخصاني ، ووجود هذه السلوكات السلطوية المتسلطة -إن صح التعبير- لا يجعل السلطة خادمة للمجتمع والأمة. 
ويجب التذكير بأن القيم الاجتماعية ليست واحدة في المجتمعات الإنسانية وحتى في المجتمع الواحد ، وهو ما يفرض جملة من التمايزات والاختلافات ولكن هذا لا يمنع بل يوجب أن يكون هناك ولاء اجتماعي عام للسلطة ، وأمام هذا الولاء الاجتماعي الضروري لا ينبغي أن نقيم وزنا لما يقوله علماء الاجتماع عن تمايز الفئات الدنيا من الفئات العليا في المجتمع . 
إن القيم الاجتماعية على اختلافها ينبغي أن توجد وظيفة اجتماعية تكون مهمتها إنشاء الدولة والمحافظة على استمرار وجودها ، وترجمة القيم الاجتماعية إلى وظيفة اجتماعية جامعة ومقدسة ، من شأنه أن يعطي فكرة عن النموذج الخلدوني للسلطة ، الذي يركز على إبراز القيم الاجتماعية([85]) التي تشارك فيها كل فئات المجتمع وهذا لا يخرج عن الآراء الأخرى التي ذكرتها للاستدلال على المفهوم الاجتماعي للدولة عند ابن خلدون ، إن الدولة في فكره ليست كيانا نظريا مجردا أو غير متناسق مع البيئة الاجتماعية وإنما هو كيان اجتماعي ابتداء وانتهاء ، نشأة وتطورا. 
إن ما ذكرته لحد الآن عن المفهوم الاجتماعي للدولة في الفكر الخلدوني ، يجب أن يحفز النقاد الاجتماعيين لأن يضعوا نصب أعينهم هدفا محددا ، هو الإسهام في أن يستعيد ابن خلدون مكانته الجديرة به في وضع الأسس الاجتماعية للدولة أو ليس من المفارقات أن لا تزال معظم الدراسات والتحقيقات المخصصة للسسيولوجيا تتجاهل ابن خلدون وإسهاماته في هذا المجال رغم أنه قد أشاد كثير من فطاحل علماء الاجتماع بأسبقيته في ذلك وكمال عبقريته ([86]) 
إن المفهوم الاجتماعي للدولة في الفكر الخلدوني ، يفهم منه أن الدولة إنما تنشأ باعتبارها وازعا اجتماعيا من أجل التعاون وحفظ النوع إنها ضرورة اجتماعية ([87]) تفرضها استحالة بقاء البشر " فوضى دون حاكم يزع بعضهم عن بعض فاحتاجوا من أجل ذلك إلى الوازع وهو الحاكم عليهم، وهو بمقتضى الطبيعة البشرية الملك القاهر المتحكم "([88]).
وقد بسط محمد عابد الجابري([89]) فكرة الدولة الاجتماعية العصبانية -أي القائمة على العصبية- في غيرما موضع من كتاباته وكتبه المختلفة حول المفهوم الخلدوني للدولة . 
الخاتمة 
والآن وقد انتهيت إلى الخاتمة فلا بد من تسجيل النتائج الآتية:
1-إن الدولة في الفكر الخلدوني ليست ذلك النموذج السلطاني الذي يدور حول معاني الحكم السياسي المحض ،وإنما هي كيان متكامل تسهم في تكوينه جملة من العوامل التي تأتي في صدارتها العوامل الاجتماعية التي لا ينبغي إغفالها بأي حال من الأحوال .
2-لقد سبق ابن خلدون علماء الاجتماع في تقرير المفهوم الاجتماعي للدولة، وهو المفهوم الذي لم تتطرق إليه أغلب الدراسات الاجتماعية السياسية، وحتى الدراسات التي تناولت فكر ابن خلدون في تكوين الدولة.
3- ليس من المبالغة القول إن المقدمة يمكن أن تشكل مصدرا مهما للتنظير لفقه الدولة أو ما يسمى الاجتماع السياسي.
مصادر الدراسة :
- ابن خلدون ، المقدمة ، دار الكتب العلمية بيروت ، لبنان ، ط1 1993 .
- البستاني معلم بطرس ، محيط المحيط ( قاموس مطول للغة العربية )مكتبة لبنان 1977 م.
- مرعي توفيق وبلقيس أحمد ، الميسر في علم النفس الاجتماعي ، دار الفرقان للنشر والتوزيع عمان ط2 1984 .
- جودت أحمد سعادة ، مناهج الدراسات الاجتماعية ، دار العلم للملايين ، بيروت لبنان، ط 1 1984 .
- روبرت ماكيفر :" تكوين الدولة ترجمة حسن صعب بيروت 1966 .
- حسن صعب علم السياسة بيروت ط3 ، 1972 .
-علي سعد الله ، نظرية الدولة في الفكر الخلدوني ، دار مجدولاي للنشر والتوزيع عمان، الأردن ط1 ، 2003 .
- محمد الرازي: مختار الصحاح ، ترتيب محمد خاطر القاهرة ط5 1939 .
- أحمد المقري المعروف بابن ظهير : المصباح المنير ، تصحيح مصطفى السقا ، القاهرة 1950 ج1 .
- مجمع اللغة العربية " إخراج نخبة من الأساتذة " المعجم الوسيط القاهرة 1960 ج 1. 
- الزمخشري ، تفسير الكشاف ، القاهرة 1977 ، ج 6 .
- ابن عاشور محمد الطاهر : تفسير التحرير والتنوير، تونس 1984 ج 28 .
- بطرس غالي ومحمود خيري عيسى ، المدخل في علم السياسة :القاهرة 1959 ط1 . 
- نخبة من الأساتذة إشراف إبراهيم مدكور ، معجم العلوم الاجتماعية القاهرة 1975 . 
- أفلاطون ، الجمهورية ، ترجمة ودراسة فؤاد زكريا ، القاهرة 1985 .
- إبراهيم أباظة وعبد العزيز الغنام ، تاريخ الفكر السياسي، بيروت 1973 .
-F. Hegel : principes de la philosophie du droit. Gallimard (call . Idées) . paris 1968.
- الساعاتي حسن ، علم الاجتماع الخلدوني ، قواعد المنهج ، دار النهضة العربية ، بيروت 1981 .
- غريب سيد أحمد ، تاريخ الفكر الاجتماعي ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ط 1996 .
- أحمد عبد السلام ، دراسات في مصطلح السياسة عند العرب ، تونس 1985 . 
- النبهان محمد فاروق ، الفكر الخلدوني من خلال المقدمة ، مؤسسة الرسالة ، بيروت لبنان ، ط 1 1998 .
- مغربي عبد الغني ، الفكر الاجتماعي عند ابن خلدون ، ترجمة ممد الشريف بن دالي حسين ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر، 1986 
- إدريس خضير ، التفكير الاجتماعي الخلدوني وعلاقته ببعض النظريات الاجتماعية ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1983 . 
- عبد السلام الشدادي ، ابن خلدون من منظور آخر ، ترجمة محمد الهلالي ، وبشرى الفكيكي ، دار توبقال للنشر الدار البيضاء المغرب ط1 2000 .
- جورج لابيكا ، السياسة عند ابن خلدون ، تقريب موسى وهبي وشوقي دويهي ، دار الغزالي بيروت ط1 1980 
-J.hours , valeur de l' histoire , P .U.F 1 . Paris ,1954. 
- ملحم قربان ، نظرية المعرفة في مقدمة ابن خلدون ، " دراسات منهجية ناقدة في الاجتماع السياسي " المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، ط1 1985 - محمد عابد الجابري فكر ابن خلدون: العصبية والدولة " معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ط5 ، 1992 .
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) الجن 19
([2]) النساء 34
([3])البستاني معلم بطرس ، محيط المحيط ( قاموس مطول للغة العربية )مكتبة لبنان 1977 م ، ص ، 764 .
([4]) مرعي توفيق وبلقيس أحمد ، الميسر في علم النفس الاجتماعي ، دار الفرقان للنشر والتوزيع عمان ط2 1984 ص 216، 217
([5]) مرعي توفيق وبلقيس ، المرجع السابق ، ص 216 ، 217.
([6]) جودت أحمد سعادة ، مناهج الدراسات الاجتماعية ، دار العلم للملايين ، بيروت لبنان ، ط 1 1984 ، ص 328 .
([7])روبرت ماكيفر :" تكوين الدولة: ترجمة حسن صعب بيروت، 1966 ص 41.
([8])حسن صعب، علم السياسة بيروت ط3 ، 1972 ص 134.
([9])علي سعد الله ، نظرية الدولة في الفكر الخلدوني ، دار مجدولاي للنشر والتوزيع عمان ، الأردن ط1 ، 2003 ، ص 40.
([10]) روبرت ماكيفر ، تكوين الدولة ، مرجع سابق ، ص 66، 67.
([11])روبرت ماكيفر ، تكوين الدولة ، مرجع سابق ، ص 107. 
([12])حسن صعب ، علم السياسة ص 135
([13]) ابن خلدون ، المقمة ص 110 .
([14]) محمد الرازي : مختار الصحاح ، ترتيب محمد خاطر القاهرة ط5 1939 ص 215 ، 216.
([15])أحمد المقري المعروف بابن ظهير : المصباح المنير ، تصحيح مصطفى السقا ، القاهرة 1950 ج1 ص 218.
([16]) مجمع اللغة العربية " إخراج نخبة من الأساتذة " المعجم الوسيط القاهرة 1960 ج 1 ص 304 . 
([17]) الحشر: 7
([18]) الزمخشري ، تفسير الكشاف ، القاهرة 1977 ، ج 6 ، ص 97 ، 98.
([19]) الحشر 7 
([20]) ابن عاشور محمد الطاهر : تفسير التحرير والتنوير تونس 1184 ج 28 ص 85 ، 86 
([21]) علي سعد الله ، نظرية الدولة في الفكر الخلدوني ، مرجع سابق ص 26.
([22]) مجمع اللغة العربية " إخراج نخبة من الأساتذة " المعجم الوسيط القاهرة 1960 ج 1 ص 304 . 
([23])علي سعد الله ، نظرية الدولة في الفكر الخلدوني ، مرجع سابق ، ص 27. 
([24])بطرس غالي ومحمود خيري عيسى ، المدخل في علم السياسة القاهرة 1959 ط1 ، ص 361. 
([25]) نخبة من الأساتذة إشراف إبراهيم مدكور ، معجم العلوم الاجتماعية القاهرة 1975 ص268. 
([26]) يقصد به التعريف الذي يحدد صورة الدولة في الفكر أو الوعي لا في الواقع. 
([27]) ابن خلدون ، المقدمة ص 540.
([28]) أفلاطون ، الجمهورية ، ترجمة ودراسة فؤاد زكريا ، القاهرة 1985 ، ص 127 و ص 231. 
ابراهيم أباظة وعبد العزيز الغنام ، تاريخ الفكر السياسي بيروت 1973 ، ص 34.
([29])علي سعد الله ، نظرية الدولة في الفكر الخلدوني ، مرجع سابق ص 29. 
([30]) هذا المعنى الهيجلي للدولة يظهر تعريفه لها حيث يقول : 
L'Etat est la réalité en acte de l’idée morale objective, l’esprit moral comme volonté substantielle, révélée, claire á soi-même, qui se connaît et se pense et accomplit ce qu'elle sait et parce qu'elle sait " 
F. Hegel : principes de la philosophie du droit. Gallimard (call . Idées) . p 270 . paris 1968.
ويمكن ترجمة تعريف هيجل للدولة على الوجه الآتي:" إن الدولة هي الواقع الفعلي للفكرة الخلقية الموضوعية إنها الروح الخلقية بوصفها إرادة جوهرية متجلية بينة لذاتها ، لأنها تدرك ذاتها ،وتفكر فيها ، وتقرر ما تفكر فيه ، وتنجزه لأن ما تفكر فيه تقرره وتنجزه " 
([31]) ابن خلدون ، المقدمة ، دار الكتب العلمية بيروت ، لبنان ، ط1 1993 ص 4 .
([32]) المصدر نفسه ، ص 29.
([33]) المصدر نفسه ، ص 5.
([34]) المصدر نفسه ، ص 6 
([35]) التساكني أي المتعلق بالسكن
([36]) الساعاتي حسن ، علم الاجتماع الخلدوني ، قواعد المنهج ، دار النهضة العربية ، بيروت 1981 ص 61 .
([37]) ابن خلدون ، المقدمة ص 22 .
([38]) ابن خلدون ، المقدمة ، ص 34.
([39]) ابن خلدون ، المقدمة ص 33 وما بعدها .
([40]) حسن الساعاتي ، مرجع سابق ص 203.
([41]) ابن خلدون ، المقدمة ، ص 150 .
([42]) حسن الساعاتي ، المرجع السابق ص 203.
([43]) ابن خلدون ، المقدمة من ص 134 إلى138 .
([44]) المصدر نفسه ص 230 وما بعدها.
([45]) غريب سيد أحمد ، تاريخ الفكر الاجتماعي ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ط 1996 ص 114 .
([46]) المصدر نفسه ص 120-121 .
([47]) ابن خلدون ، المقدمة ، ص 27 .
([48]) علي سعد الله، نظرية الدولة في الفكر الخلدوني ، مرجع سابق ص 31.
([49])أحمد عبد السلام ، دراسات في مصطلح السياسة عند العرب ، تونس 1985 ، ص 60 . 
([50]) أحمد عبد السلام ، مرجع سابق، ص 102. 
([51]) ابن خلدون المقدمة ص 296.
([52]) المصدر نفسه ص 297 . 
([53]) ابن خلدون ، المقدمة ص 128. 
([54]) المصدر نفسه ص 233. 
([55]) ابن خلدون ، المقدمة ص 295. 
([56])المصدر نفسه ص 149 . 
([57])المصدر نفسه ص 149 .
([58])علي سعد الله ، نظرية الدولة في الفكر الخلدوني ، مرجع سابق ص 35. . 
([59]) المصدر نفسه ، ص 36 . 
([60]) المصدر نفسه ، ص 36 .
([61]) ابن خلدون ، المقدمة ص 102.
([62]) ابن خلدون ، المقدمة ص 110 ، 111. 
([63])المصدر نفسه ص 110-111 .
([64]) غريب سيد أحمد ، المرجع السابق ص 126 .
([65]) المصدر نفسه ص 127.
([66]) غريب سيد أحمد ، المرجع السابق ص 138.
([67]) ابن خلدون المقدمة ص 238 .
([68]) المصدر نفسه ص 110 .
([69]) غريب سيد أحمد ، المرجع السابق ص 140.
([70]) أي المتعلق بالقيم والمراد بها القيم الاجتماعية .
([71]) النبهان محمد فاروق ، الفكر الخلدوني من خلال المقدمة ، مؤسسة الرسالة ، بيروت لبنان ، ط 1 1998 ، ص 123 .
([72]) ابن خلدون المقدمة ص 148 .
([73]) النبهان ، المرجع السابق ص 123-124 . 
([74])المصدر نفسه ، ص 124.
([75]) مغربي عبد الغني ، الفكر الاجتماعي عند ابن خلدون ، ترجمة ممد الشريف بن دالي حسين ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر، 1986 ، ص 144.
([76]) إدريس خضير ، التفكير الاجتماعي الخلدوني وعلاقته ببعض النظريات الاجتماعية ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1983 ص 134. 
([77]) المصدر نفسه ، ص 137. 
([78]) إدريس خضير المرجع السابق ص 137. 
([79]) إدريس خضير المرجع السابق ص 139. 
([80]) المصدر نفسه ص140. 
([81]) إدريس خضير المرجع السابق ص 141. 
([82]) المصدر نفسه، ص 141. 
([83]) المصدر نفسه ص 146 ، 147. 
([84]) إدريس خضير ، المرجع السابق ص 147.
([85]) عبد السلام الشدادي ، ابن خلدون من منظور آخر ، ترجمة محمد الهلالي ، وبشرى الفكيكي ، دار توبقال للنشر الدار البيضاء المغرب ط1 2000 ، ص 40 وما بعدها.
([86]) جورج لابيكا ، السياسة عند ابن خلدون ، تقريب موسى وهبي وشوقي دويهي ، دار الغزالي بيروت ط1 1980 ص 19 وأنظر أيضا 
J.hours, valeur de l’histoire, P .U.F 1 P 9. Paris ,1954. 
([87]) ملحم قربان ، نظرية المعرفة في مقدمة ابن خلدون ، " دراسات منهجية ناقدة في الاجتماع السياسي " المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، ط1 1985 ص 332
([88]) ابن خلدون المقدمة ص 148 .
([89]) محمد عابد الجابري فكر ابن خلدون :العصبية والدولة " معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ط5 ، 1992 ، ص 163
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المصدر : 
مجلة علوم انسانية :
http://www.ulum.nl/d91.html

abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق