مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

17‏/12‏/2010

الاحترام: تشكل الشخصية في عصر اللامساواة

عرض/ كامبردج بوك ريفيوز
يسلط مؤلف هذا الكتاب عالم الاجتماع ريتشارد سينيت الضوء على المسافة الفاصلة بين أولئك الأشخاص الذين نالوا التوفيق في حياتهم وعملهم وبين الآخرين الذين لم يواتهم الحظ فكتب عليهم أن يصنفوا ضمن المحرومين اجتماعياً.
غلاف الكتاب
-اسم الكتاب: الاحترام: تشكل الشخصية في عصر اللامساواة
-المؤلف: ريتشارد سينيت
-عدد الصفحات: 288 
-الطبعة: الأولى 2004
-الناشر: بنغوين بوكس، بريطانيا العظمى
لكن من يقرأ كتاب سينيت لا يملك إلا أن يتساءل عن جدوى هذه المحاولة لإقامة الجسور بين ضفتي البحر الذي يفصل بين الفريقين إذا كانت أغلبية الفريق الناجح مشغولة بنجاحها عن الاهتمام بأناس الضفة الأخرى أو حتى عن النظر إلى تلك الضفة.
في كتابه "الاحترام: تشكل الشخصية في عصر اللامساواة"، يرسم المؤلف صورة للعالم الغربي الحديث الذي يعمره المحترمون الذين نجحوا في التماشي مع شروطه والآخرون الذين لم ينجحوا في ذلك. ومن المؤلم أن نرى كيف أن الجماعة الأخيرة ليست محرومة من احترام الآخرين وحتى من احترام الدولة وحسب، بل إنها تعاني أيضاً من قلة احترامها لذاتها.
الاحترام..عوامل وعواقب
ويمضي سينيت إلى استطلاع عواقب الحرمان من الاحترام والعوامل التي تقوض الاحترام المتبادل ومنها: عدم التكافؤ في القدرات، والاعتماد على الآخرين، وضروب التعاطف المذلة، لكي ينطلق من تشخيص هذه العوامل إلى محاولة البحث عن طريقة أفضل للعيش والتقدم.
يستطيع المرء أن يعثر في السجلات المحفوظة عن العصور الوسطى على ما يكفي من الأدلة على الدرجة الرفيعة من الاحترام المحلي التي حظي بها خبازون وحياكون وحرفيون آخرون تميزوا بجودة إنتاجهم
من بين الطرق التي يعثر عليها سينيت في بحثه هذا الإخلاص للمهنة التي يمارسها المرء والسعي إلى الارتقاء بها ومن خلالها. ويستطيع المرء أن يعثر في السجلات المحفوظة عن العصور الوسطى على ما يكفي من الأدلة على الدرجة الرفيعة من الاحترام المحلي التي حظي بها خبازون وحياكون وحرفيون آخرون تميزوا بجودة إنتاجهم. ولكن تلك النجوم المتفردة باتت نادرة ومتباعدة مع مر العصور.
فمن ذا الذي لا يزال يتطلع إلى إجادة العزف على الكمان مثل نيكولو باغانيني؟ ومع اختلاف وسائل التوصيل والاتصال بات من الأسهل على المرء أن يصفق للعازف المتواضع في الجوار بدل الخروج للبحث عن المهارات البعيدة. إن الإبهار يمكن أن يتحقق في دقائق. أما الصنعة المتقنة فإنها تتراكم بأناة وعلى مهل على مدى سنوات وسنوات وهي لا تعلن عن نفسها بالصناجات والطبول إنما تنمو بهدوء وسط الناس كما ينمو العشب الأخضر.
يستذكر سينيت حادثة وقعت قبل ثلاثين عاما وكان شاهداً عليها. كان في حينها أستاذاً في جامعة هارفارد. وكان قد عاد إلى الحي الفقير الذي نشأ فيه بمدينة شيكاغو ليتحدث لجمهور من الشبان المحرومين في أحد المراكز الاجتماعية عن الدور المرصود للأفراد وكيفية تجاوزه. وكان معه متحدثون آخرون من سكنة المشاريع الإسكانية المختلفة في محيط المدينة.
ربما كانت القصص التي رواها أولئك الأشخاص الذين كانوا في أواخر الثلاثينيات أو مطلع الأربعينيات من أعمارهم تبدو متواضعة جداً لو أنها رويت لجمهور من البرجوازيين: امرأة تعلمت الاختزال فتمكنت بذلك من أن تصبح سكرتيرة لمسؤول نقابي، ورجل استطاع أن يشق طريقه في مجال تجارة الكهربائيات، وكان واحداً من عتاة العنصريين في شيكاغو. لكن الشبان الحاضرين أنصتوا إلى تلك القصص باحترام، فهي تفتح أمامهم آفاقا لمهن مستقبلية ممكنة.
"كان آخر المتكلمين أصغرهم سناً. كان شابا من بورتوريكو، وكانت قصته الأكثر إثارة بين القصص. فقد نجح في تجنب الانزلاق إلى تعاطي المخدرات الذي شغل أقرانه، وانخرط في كلية محلية، التحق بعدها بكلية للطب وأصبح طبيبا مقيما في طب العيون".
كان الطبيب الشاب يتكلم بحماسة تبشيرية عن مسيرته في تطوير ذاته متوقفاً بشكل خاص عند اللحظة الحاسمة التي عاد فيها إلى أحضان المسيحية وهو طالب في المدرسة الثانوية. لم يكن أنانياً في تركيزه على الإنجاز الشخصي، وكان غرضه البارز هو إيقاظ الدوافع الذاتية لدى مستمعيه.
وكان يؤكد لجمهوره من الشبان أن في داخل كل منهم القوة اللازمة لتغيير حياته بغض النظر عن الموهبة التي قد تكون متوفرة أو لا. أثار حديثه غضب الحضور وقوبلت كلماته بالمقاطعات. كان في ذكائه وثقته بنفسه ما أثار الجمهور واستفزه.
لقد استطاع تجاوز أسوار العزل الاجتماعي "الغيتو "، وكان ينبغي له على الأقل أن يفعل ذلك وهو مطأطئ الرأس. لكن ها هو الآن يرفع رأسه فوق الحاجز مظهراً عدم احترامه لشباب "الغيتو".
معلمو الموسيقى الجيدون لا يسعون إلى الكشف للمبتدئين عن كل ما تحويه المقطوعة الموسيقية من روعة، إنما تجدهم يلتزمون بتوجيهات محدودة مستخدمين لغة بسيطة 
"عندما أطلق أحد الفتية الحضور شتيمة على الطبيب الشاب، لم يكن من الأخير إلا أن رد عليه بأدب قائلا: أنت لست ضحية. عليك أن تناضل". بدا كما لو أن الأمور سائرة إلى التأزم. غرق الحضور في صمت عدائي متوتر، واختتم اللقاء على عجل. أعجب سينيت بشجاعة الطبيب لكنه كان قادراً على تفهم أسباب الغضب الذي استفزته تلك الشجاعة. "لقد تكلم الطبيب الشاب بلغة النخبة: كان من ذلك النوع من الطلاب الذين تستقبلهم هارفارد بذراعين مفتوحتين".
ذلك لأن لغته كانت تنم عن إمكانية مرصودة: عن مشروع حياتي يروم تحقيقه. في حين كانت لغة السكرتيرة والكهربائي ستبدو غريبة على هارفارد، على الرغم مما تقدمه للكثير من الشبان من مؤشرات مفيدة على طريق بنائهم لذواتهم. فلغتهما تلك كانت لغة الخطوات الصغيرة والانتصارات المحدودة الراسخة".
تجربة سينيت
ساعدت المؤلف في إدراك ما جرى في ذلك اللقاء خلفيته الموسيقية، إذ كان سينيت عازف جيللو موهوبا قبل أن تمنعه عملية جراحية غير ناجحة في يده من مواصلة مشواره كموسيقي. لكنه ظل يفهم جيداً السبب الذي لم يجعل السكرتيرة والكهربائي يواجهان نفس العاصفة العدائية التي واجهها الطبيب.

فمعلمو الموسيقى الجيدون لا يسعون إلى الكشف للمبتدئين عن كل ما تحويه المقطوعة الموسيقية من روعة. إنما تجدهم يلتزمون بتوجيهات محدودة مستخدمين لغة بسيطة مثل: "أسرع"، "كلا "، "هذا جيد". "المهم هنا العثور على لغة توجيهية يمكن أن يشترك فيها كل من المعلم والتلميذ. لغة تقود إلى أفعال تنجز عبر خطوات صغيرة. ويتشابه في هذا المجال تطوير الموهبة الموسيقية مع تعلم السكرتيرة للاختزال. ففي الوقت الذي استطاعت فيه السكرتيرة أن تبين للحضور الشباب ما الذي عليهم أن يفعلوه، كان الطبيب الشاب يخبرهم عمن يجب أن يكونوه."
عاش سينيت فترة من طفولته في "كابريني غرين" وهو مشروع إسكاني سيئ السمعة. كان يعتبر من الأقلية بالنظر لكونه من البيض، إضافة إلى خلفيته العائلية التي جعلت منه ظاهرة غريبة في الجوار. فقد رحل والده ليشارك في الحرب الأهلية الإسبانية وسينيت لا يزال طفلا رضيعا. ولم يعد الأب إلى أسرته بعد ذلك أبداً. أما أمه فقد اضطرت إلى التخلي عن طموحها في أن تصبح كاتبة لكي تنخرط في العمل في مجال الخدمة الاجتماعية التي ما لبثت أن تفوقت فيها.
مجمع كابريني غرين
كان مجمع " كابريني غرين " المكون من مجموعة كالحة من المنازل الرخيصة، يضخم رصيد سكانه من الاحترام الذاتي. كان التوتر العنصري يعم المكان في فترة طفولة سينيت. ولا يزال سينيت يتذكر "حروب الزجاج" التي كان الأطفال الأكبر منه بقليل يخوضونها في المنازل المهجورة التي كانوا يستولون عليها.
كان الأطفال يرمون بعضهم بعضا بقطع الزجاج المكسورة كما يرمي غيرهم من الأطفال الحجارة في برك المياه. وكان تدفق الدم من أحد أطفال الفريق المقابل يسجل نقطة للفريق صاحب الإصابة.
في إحدى المرات كادت صبية سوداء تفقد حياتها نتيجة جرح أصابها في رقبتها أثناء واحدة من تلك "المباريات ". نقلها أفراد فريقها إلى المستشفى في حافلة عابرة استوقفوها لهذا الغرض. بدلا من استدعاء والدي الفتاة، قام الأطباء باستدعاء رجال الشرطة أولاً، وقام هؤلاء بدورهم بإبلاغ مدرسة الفتاة التي قامت باستدعاء فريق من العاملين في الخدمة الاجتماعية. ولم يسمع الوالدان بالأمر إلا بعد أن تمت معالجة الأمور من كافة جوانبها على يد المختصين. 
"كان من الواضح أن جيراننا من البيض كانوا مستائين من السلطات بسبب تدخلها في الأمر: وكان الآباء السود أكثر استياء من أبنائهم لأنهم لفتوا انتباه السلطات. وبالإمكان تفهم الاختلاف في المواقف".
إن الفنون الأدائية مثل الموسيقى تكشف عن الطبيعة التشاركية في عملية التعبير عن الاحترام المتبادل: حيث يظل التقسيم العنيد والحقائق المتمخضة عنه مشكلة اجتماعية قائمة
فلو حصل الأمر في الجنوب، لأثارت الحادثة موجة من الهجمات ضد الكبار من السود: فشياطين العنصرية كانت ستنطلق من عقالها بغض النظر عمن كان الضحية. أما بالنسبة لسكان شيكاغو من البيض، فكانت المشكلة تتعلق بكون السلطات قد انتهكت الحقوق الأبوية حين تقدم بالغون آخرون على الأبوين".
ينظر سينيت إلى اللامساواة بوصفها أمرا مكتسبا. وتجده يدعو إلى المزيد من السماحة الإنسانية التي يمكن من خلالها تقبل الجوانب التي لا نفهمها لدى الآخرين. فالاحترام الذاتي الذي تورثه الصنعة لا يقدر وحده على توليد الاحترام المتبادل.
" في المجتمع، ويصح ذلك بصورة خاصة في مجتمعات دول الضمانات الاجتماعية، يكمن جوهر المشكلة التي نواجهها في الكيفية التي يمكن بها للقوي أن يبدي الاحترام للأشخاص الذين قدر لهم أن يظلوا ضعفاء. إن الفنون الأدائية مثل الموسيقى تكشف عن الطبيعة التشاركية في عملية التعبير عن الاحترام المتبادل: حيث يظل التقسيم العنيد والحقائق المتمخضة عنه مشكلة اجتماعية قائمة".
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق