مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

17‏/12‏/2010

سوسيولوجيا السقوط الحضاري: ( مجتمع ما بعد العولمة )

أحمد حجازي 
تهتم السوسيولوجية المعاصرة بمواضيع اجتماعية مختلفة تسعى إلى إزالة الغموض والالتباس عن الظواهر الاجتماعية المتفاقمة والمتسارعة في مجتمعاتنا، بهدف إيجاد منهج علمي مؤطر وعقلاني قادر على التفسير والتمحيص الدقيق لدرجة الشذوذ المجتمعي واختلال المعايير الاجتماعية التي لا تتجاوب مع العقل أو أنها انحرفت عن السياق العام للجمهور الغالب والخاص .
فسوسيولوجية السقوط الحضاري هي إحدى أهم المواضيع السوسيولوجية الجديرة بالبحث والدراسة لهذا النوع من الظواهر الاجتماعية أو لنقل مجتمع ما بعد العولمة. وتعتبر الظواهر الاجتماعية هاته في حد ذاتها مواضيع جريئة في المجتمعات المعاصرة، نتيجة ما تطرحه من رؤية علمية واضحة وصريحة. ولما تمثله من محاولة لاستقراء المستقبل المنظور بكل سهولة ويسر، اعتمادا على المؤشرات التكوينية التي سنحاول أن نسوقها في هذه الدراسة بغية فهم الصيرورة الاجتماعية والتحديات المستقبلية وأنماط التداخل التاريخية.
فمع بزوغ الثورة المعلوماتية في أواخر القرن العشرين المنصرم وتفجر الدولة الكوكبية المفترضة وشيوع التجارة الرقمية المتعددة الجنسيات في العالم الاجتماعي "القديم - الجديد "، بدأت تتشكل ظواهر اجتماعية جديدة من قبيل العولمة وصراع الحضارات والاستنساخ والهندسة الوراثية، وتعززت مقولة الحوار ونهاية التاريخ والهامشية والاقصاء وأزمة الفراغ من جانب، والتنمية الشاملة وثقافة السلم والحرب وتحرر المراة ودولة الرفاه، فضلا عن نزعة الأنسنة من جانب آخر، ولا سيما أيضا إشكالية الخيال العلمي باعتبارها ظواهر عالمة أذهلت سكان المعمورة جراء تفاقم ثقافة الاستهلاك لقطاعات عريضة من الناس، وتقزم حركة المنتجين إلى أقليات مركزية في العالم المتصف بالدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومحاربة كافة أشكال الظلم والقهر الاجتماعيين .
والمهتم اليوم بدراسة هذه الظواهر الاجتماعية في المجتمعات الكوكبية المعاصرة يدرك من أول وهلة حجم انهيار الخصوصيات المحلية والانا بقدر تزايد حجم الانفتاح على العموميات والآخر، إن لم نقل اغتيال جوهر الاستقلال الوطني الاستراتيجي.ثم المحاولة الدؤوبة في تغيير خريطة العالم، بفسح المجال امام صعود وهبوط مستوى القيم المجتمعية والعادات والتقاليد الموروثة عن الآباء والأجداد، تلك المتأصلة منذ القدم لصالح عادات وقيم واخلاق جديد مكتسبة، بدت وكأنها غريبة وبعيدة وشاذة عن أصولها وفضاءها الاجتماعي المنتمية إليه، باعتبار أنها باتت تدق ابوابها أذهان الافراد والمجتمعات لتحاربهم في عقر دارهم. ومن ثم ليقع التساؤل عن مخرجات هذه الظواهر الاجتماعية من الناحيتين الايجابية والسلبية وتأثيرها عليهم. من هنا نستطيع أن نتحدث عن المقولات المعرفية المتجددة كي نتمكن من فهم سوسيولوجية السقوط الحضاري كواقع اجتماعي بنيت عليه حركة تطور الأمم.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق ماذا يريد الإنسان ككائن اجتماعي من الدولة الكوكبية المفترضة؟ أنحن أمام عقلانية جديدة أم تخطينا حالة العقلانية بالاستمرار في بناء إمبراطورية الفوضى؟وإذا كنا نعتقد بوجود إمبراطورية الفوضى فبماذا يفكر الجنس البشري في ما بعد مجتمع العولمة ؟ ثم من هو المستفيد من سقوط الأمم ودخول مجتمع الفوضى حيّز العقلانية الجديدة ؟
بناء على هذه الاشكالية سنحاول في مستوى أول: تناول ظاهرة السقوط الحضاري من واقع التجربة الإنسانية والتحولات التاريخية التي واكبت مراحل السقوط وانحطاط الأمم والتي صاحبتها انماط مختلفة من الفوضى المجتمعية. وفي المستوى الثاني: طبيعة السقوط ومراحل تقدمه وتمدده أو انحساره نحو الدولة الكوكبية المفترضة .
المستوى الأول: التجربة الإنسانية والتحولات التاريخية.
تعتبر الخشية والشجاعة منطق الكوكبية على مرّ العصور، إذ لا الخشية الإنسانية تحرص على البقاء الكوكبي دون الوقاية وتوهج منظريها ولا الشجاعة الإنسانية مثيرة دون تدوّين بطولاتها. والحال أن الخشية تولد الدفاع والسياسة عن قصد أو غير قصد وكذلك تفعل الشجاعة في التوحش والتغول نحو الهيمنة والرئاسة. فالنهج التاريخي المعاصر هو الخبر الاجتماعي المحض المعجل الذي يتفاعل بين الماضي والحاضر ببقاء الأصل فيه وهو العلم. فالتاريخ لا يكذب بينما عامله من صنع فيه الكذب باعتبار أن كل ما أنتجته البشرية بدا معلوم بالطبيعة الشفاهية ومنه مدون بالكتابية التراكمية وبمشاهدها الكثيرة والمثيرة باستمرار. فبدت الحياة التاريخية للكائن البشري كمرصد حضاري أو لنقل "الكابوس" الذي يهدد أمله في البقاء على ظهر البسيطة بمجرد تخليه عن التفكير أو نسيان خبر اندثاره كفناء مؤجل بقصد ( نزعة الارادة للانسان) أو دون قصد(الموت الطبيعي للإنسان).
فجملة الانعطافات التاريخية المتسلسلة تؤكد باستمرار حياة الفناء المعجل، فالفرق بين المؤجل والمعجل البرهة الزمكانية الحاسمة بين حالة عدم الاستغلال الفعلي للقوى العقلية والحركية الجسمية ونهاية الانجاز الفعلي المستغل والحقيقي. إن هذه النقطة الحاسمة تمثل قمة صعود النسق الحضاري؛ أما ما بعده( مثل الاكتشافات العلمية الجديدة الآنية) وقبله(نهاية تفكير العالم والمكتشف الزمكاني بالعلم) فهو تجربة استهلاكية في حياة الفرد والأمة والدولة الكوكبية بحيث يصبح الكائن الاجتماعي عالة على تقنية الآخرين وعلمهم وحضارتهم وتأمين حاجياتهم الأمنية والعلمية والغذائية....الخ منتقلة من حالة القوة إلى حالة العوز والضعف والانحطاط. معنى ذلك أن كل الأمم معرضة وفق هذه الصورة الطبيعية إلى السقوط والفناء.
ويبدو ذلك، مريبا في الواقع الحالي باعتبار أن الإنسان مجرد من المسؤولية التاريخية أمام الدين والقانون والمجتمع والزوجة إلى غير ذلك، فالمعنى هنا قد فقد المضمون الحقيقي من الوجود الكوكبي، لأن الإنسان العالمي مسخّر إلهي مليء بالحيوية والنشاط المقنن لبرهة زمنية عمرية معينة سرعان ما يندثر في عصره وحضارته، وبالتالي لا معنى له على الإطلاق في الوجود . الواقع أن هذا التفسير قد يشكل طرحا فلسفيا نحن بغنى عنه لكن ما يهمنا هو أن ما ينجزه الإنسان الكوكبي في برهة زمنية وعمرية معينة أثّرت في بني البشر لا يمكن أن تندثر من الوجود بسهولة . وقد يقاس على ذلك الأعمال التي ينشط بها الناس من حيث فائدتها على بني الإنسان والتي تعتبر مركز التحولات في التاريخ وهي التي تعبئ المجتمعات نحو التقدم العلمي والمعرفي وقيادة التاريخ وتترك مجالا واسع النطاق للأجيال الصاعدة من الاستمرار في النهوض بالواقع الكوكبي . ومن ثم يصبح الحديث عن انهيار الدولة والإنسان الكوكبي مجرد وهم محقق لكن ذلك لا يكون أبدا .
دعونا نرجع قليلا إلى طبيعة العلم وتأثيره في النهوض بالدولة الكوكبية المفترضة، ولنأخذ النموذج العربي (العصر الوسيط) وخصوصا دراسة صاعد الأندلسي الذي قسم الأمم من خلالها إلى سبع، قدم في الأمة الأولى الفرس ووضع في الثانية الكلدانيين والارمنيين والجرامقة والعرب وفي الثالثة اليونانين والروم والافرنجة وبرجان والصقالبة والروس والبرغر واللان وغيرهم من الأمم، وفي الرابعة خط أهل مصر من القبط والحبشة والزنج والنوبة وأهل المغرب وفي الخامسة من أجناس الترك الكرلوك وكيماك والطغزغز والخزر والسرير وجيلان وخوزان وطلسان وكشك وبطاس. وفي الأمة السادسة الهند والسند وأخير الأمة السابعة ووضع فيها الصين ومن اتصل بهم[2] .
ولقد صنف الأمم من حيث التقدم والتطور بحسب معرفته بالأمم المحيطة به وانفتاحه العلمي على هذه الأمم فكل من لديه معرفة وعناية بالعلم والصنائع دون التاريخ مناقبه وشهد له عصره بالتقدم والرفعة والشأن العظيم ، فقد تعذر عليه ذكر الأمة الأمريكية وكأنها فعلا تكاد الأمة المفقودة في التاريخ ولم ينفض الغبار عنها مقابل الحبشة والأرمن والجرمق الذي نسوا خلودهم التاريخي . وبطبيعة الحال كان الصين احد الأهداف الخاطئة التي ذهب الأندلسي في تفسيره على وجه الدقة معتبرا إياها أمة متخلفة عن العلم وفي آخر الأمم مرتبة،ولقد صنف كل من الهند والفرس والكلدانيين والعرب والروم واليونانيين وأهل مصر والعبرانيين أكثر الأمم مؤطرين علميا وغيره مثل الترك والخزر.... هم أمم لا معرفة لديهم[3]. إن تصور الأندلسي لعصره وبخاصة العرب منهم أنها أمة لا يمكن أن تقهر أو تصاب بالشيخوخة العلمية رغم التراث العالمي المأهول الذي كانت تتمتع به المكانة الاجتماعية وحتى إلى عهد قريب إلا أنها لم تكن بمقدار الدرجة نفسها وهي في ذلك العصر الذهبي حيث التقدم في شتى العلوم الصحيحة والإنسانية مما جعل تراثها العلمي نقطة تحول نحو الدولة الكوكبية التي سرعان ما تراجعت في أقل من قرنين على كتابة مقالة صاعد الأندلسي بسبب التهاون بالأخذ بالأسباب والمسببات والرهانات المستقبلية التي جعلت من امة البيان بيانا يتلى في كل صباح ومساء على مضض في أروقة وردهات المشاعر الاحتفالية بالماضي الجديد دونما إيقاظ للماضي الراهن ، لنقف هنا عند ردة الفعل العنيفة على صاعد الأندلسي – في اعتقادنا- بقوله" إلا ترى إلى علم الكلام كيف تخالف في تعليمه اصطلاح المتقدمين والمتأخرين، وكذا أصول الفقه، وكذا العربية ، وكذا كل علم يتوجه إلى مطالعته تجد الاصطلاحات في تعليمه متخالفة ، فدل على أنها صناعات في التعليم"[4] . ويتحدث عن أهل الأندلس بقوله " فذهب رسم التعليم من بينهم، وذهبت عنايتهم بالعلوم لتناقص عمران المسلمين بها منذ مائتين من السنين، ولم يبقى من رسم العلم فيهم إلا فن العربية والأدب، اقتصروا عليه ، وأما الفقه بينهم فرسم خلو، وأثر بعد حين ن وأما العقليات فلا اثر ولا عين، وما ذاك إلا لانقطاع سند التعليم فيها بتناقص العمران، وتغلب العدو على عامتها –أي سائرها – إلا قليلا"[5] .
لقد استخلص ابن خلدون العبرة الكبرى أن العلم يمثل أكبر استثمار للعقل البشري لبلوغ درجة الكوكبية في زمن أجداده، وأن التخلي عن هذا الاستثمار سبّب "كارثة" سقوط العرب والمسلمين صرعى أمام الأمم والممالك والدول المطالبة بإعلان ورثة التركة العلمية ومواردها البشرية بقدر؛ تناغمهم مع الوجهة الغالبة والمقلدة لها.أما طرحه لمفهوم العصبية فهو من باب التعليم والأخذ بالأسباب والمسببات في نشأت الأمم والممالك والدول وبناء الحضارة الكوكبية المنيعة، فهو يعتبر أن كل من يملك عصبية أكثر يملك سلطة أطول . ويعتبر مفهوم العصبية عند ابن خلدون محركا للتاريخ، أي لا يمكن أن تقوم الملك إلا بالعصبية النسبية من ولاء وتحالفات وصلة القربى أو الرحم القائمة على الدم وفوق ذلك كله تمثل الصبغة الدينية العنصر المكمل لزيادة قوة العصبية أكثر فأكثر يقول ابن خلدون " ولما كانت الرئاسة إنما تكون بالغلب وجب أن تكون عصبية ذلك النصاب أقوى من سائر العصائب ليقع الغلب بهم، وتتم الرئاسة لأهلها"[6] ويضيف " وهذا التغلب هو الملك ، وهو أمر زائد على الرئاسة إنما هي سؤدد، وصاحبها متبوع وليس له عليهم قهر في أحكامه، وأما الملك فهو التغلب والحكم بالقهر، وصاحب العصبية إذا بلغ إلى رتبة طلب ما فوقها"[7].
فنظرية ابن خلدون حول دوران الأمم والممالك والدول، تبرهن لنا اليوم على مبدأ الدور الطبيعي في تشكل الأمة والمملكة والدولة المعاصرة . وان هذا المبدأ يتمثل بوجود حالة من الإضطراب يعقبها حالة من الفوضى الشديدة بين القمة المسببة للإضطراب والقمة المسببة للفوضى ليتمخض عنهما أدوارا اجتماعية جديدة متوازية في النشاط الفعلي والتأثير على المجموع أو القاعدة المتمثلة بعامة الشعب . فإن عملية السيادة على القاعدة لا تعني نظام الحكم، فيكفي لقلة استراتيجية أن تملك من القوة والنفوذ والثروة أو تنفيذ عملية اغتيال وقتل لعناصر القيادة أن تنفي شرعية الشعب والمُلك السابق. لكن ما نتحدث عنه هنا هو اطالة عمر الدولة والملك يعني اطالة عمر الأمة على ظهر البسيطة، وذلك لن يكون إلا بفعل جودة العصبية الشاملة. نحن نفترض أن دور الفوضويين هم إما نشطاء سابقين كوكبيين في الأمة والمملكة والدولة أو نشطاء معارضين من الحاشية والأتباع أو من عامة الشعب وغيرهم، في المقابل دور المضطربين وهم إما الحاشية الحاكمة ذاتها أو المترددين في حمل نسق التغيير الجديد أو الأغلبية الصامتة والمحتشمة أو المستثمرين المحليين والدوليين.... الخ.
فاذا سلمنا بهذا التصور فاننا نجد أن نقطة بناء النظرية الخلدونية متمثلة في الأساس بمنطق الضعف عند الفئات الزبونية المضطربة من الأمة والمملكة والدولة التي حدثت في القرن الرابع عشر وها هي تحدث الآن في القرن الواحد والعشرين حيث بلغت الأمة والمملكة والدولة العربية المعاصرة الحزام الخطر مع الدول المسماة بالنامية( العالم الثالث) الذي هو قمة الاضطراب الذي يعني الاقتراب من حالة الفوضى . فان عدنا إلى منطق امبراطورية الفوضى الناشئة في القرن العشرين المنصرم، لوجدنا حالة الدولة العثمانية وهي تنهار أمام غطرسة الاستعمار الاجنبي غير المسلم وانقسام الأمة العربية والإسلامية التي تحالفت مع الأمم والممالك والدول الأجنبية المستعمرة لها كنشطاء خلطوا بين حالتي الاضطراب والفوضى والتي سرعان ما أدت إلى اجتثاث نمط الخلافة سنة 1924. فحالة الفوضى هي ناجز مجتمعي ايجابي، بمعنى هي أقرب للثورة من أي نمط آخر. ما يصح في هذا السياق هو أن الدول التي تعرضت للإضطراب أصابها الانهيار . لقد انتقلت التقنية المعرفية والرقمية والفنية بفعل الإضطراب وهجرة الأدمغة البشرية والمستثمرين ماليا وعلميا إلى للولايات المتحدة الأمريكية مثل عالم الفيزياء والذرة الألماني آينشتاين الذي قال أنه لن يعود إلى المانيا لأنها لم تعد تعترف " بالحرية المدنية والتسامح والمساواة بين المواطنين أمام القانون"[8]، أيضا عالم الفيزياء الدنماركي نيلز بور1885-1962 الذي ساهم في بحوث القنبلة النووية في أمريكا، وعالم الرياضيات البريطاني الفرد نورث وايتهيد 1861-1947 وغيرهم ممن ساهموا بحضارة امريكيا المعاصرة ونهضت بها على حساب بلدانهم وحضارتهم هم، فكان من نتيجة ذلك أن تحالفت حضارة اوروبا القديمة مع حضارة امريكيا لتبقى في سياق التعاون على عدم الانهيار التام في المقابل ترك الأمم والممالك والدول تنهار وتتساقط امام هذا التحالف الكوكبي الشنيع في العالم. وبناء على ذلك أصبحت تطلعات الشعوب تنصب اليوم على ظاهرة حب الفوضى المجتمعية، ولقد رأينا ذلك عند اسقاط الحكومة الاوكرانية، وفي اندونيسيا وفي لبنان وغيرهم من الدول والحكومات التي سقطت بفعل تقمص دور الفوضى الايجابي لتحقيق مكاسب جديدة للأمة والدولة المعاصرة، وإن كان لابد من استخدام القوة إما بالتنفيذ أو بالردع.
المستوى الثاني:طبيعة السقوط الحضاري.
إن السقوط الحضاري طبيعي، وما إن نزل منزله على أمة إلا وحلّ فيها الوهن والضعف والعجز والكسل والاتكالية والغلب وتجاوزتها الأجيال والأمم الغالبة، وفي ذلك سُنّة حياة الأولين والآخرين. وبما أننا لا نستطيع أن نفهم أو نتنبأ بما سيحدث في المستقبل المجهول لدينا التي هي سُنّة الآخرين والعادة المتكررة فسنعتمد في هذه الظاهرة الاجتماعيةعلى بعض المؤشرات التكوينية للسقوط الحضاري كالعلم ومشروعيته المعرفية والعصبية الثورية والدينية كمقولات معرفية متولّدة بفعل التجربة الإنسانية والانعطافات التاريخية. فالعلم كان له النصيب الأكبر في إعادة تشكيل مفهوم العولمة كما أن العصبية ساهمت في تغيير حركة التاريخ والأمزجة البشرية وأسباب تقدمها وانحرافاتها، أما بخصوص الديانة فهي غاية تتجه إلى بناء الإنسان الكوكبي فإرادة التوحد ومن ثم القوى الحاملة للهدف الأسمى وهو ارساء الشريعة الالهية.
المنحى الأول: الكون مشروعيته المعرفة والعلم، وإن ظاهرة السقوط الحضاري سرعان ما تأخذ منحى المشروعية، فلا غرابة أن تعتبر المعرفة والعلم أحد أهم برامج السقوط الحضاري أو التحفظ على مصير الحياة الكوكبية المفترضة زمكانيا. ولقد أشار احد الفلاسفة في القرن الثاني عشر ويدعى بيتر أبلار ِPeter Ablard للعلم في أسوء حالاته بقوله " إن العلم من دون ضمير هو موت الروح"[9] أي أنه لا معنى لتشكل الأمم والممالك والدول دون استغلال نبراس العلم والمعرفة في الطريق المرسوم له علميا وتقنيا وفنيا. ومتى تشكل منظور المعرفة والعلم في أبهى صياغة للمشاريع العلمية والمعرفية فهي تؤكد أنه لا مناص من الدفع قدما نحو تحديث التراكم العلمي والمعرفي والرقي به مع كل سانحة من مراحل تصدر قائمة الاكتشافات والاختراعات العلمية المصرح بها عالميا، إذ أن انقضاء الوقت والتفرغ للعلم وللاختراع والاكتشاف العلمي يمثل الحالة الطبيعية والعقلانية المستمرة في طلبه بهدف الوصول إلى قاعدة علمية متينة وراسخة ترتكز عليها المشاريع الناهضة بالأمم والممالك والدول ومشاركة في بلورة الحقيقة المعقود عليها الآمال والتمنيات بصرف النظر عن تكاليفها الفنية والمادية والتحضيرات، لذلك فهي تمثل قمة الاكتشاف العلمي العالمي والكوكبي. لكن قمة الاكتشاف تلك تمثل لنا بشكل أو بآخر بداية لمرحلة جديدة أو نقطة معرفية أخرى. فهذا يتمخض عنه التراجع الحضاري للعلم؛ مالم يتوج بتقدم آخر يجاريه في المساعي وبالقدر ذاته في مستوى الانهيار والسقوط ، والا يعتبر حالة من حالات التنصل الكلي أو الجزئي من مسار التقدم العلمي وبالتالي فان الفاعلين الاجتماعيين الذين كانوا في يوم وليلة منتجين للمعرفة والعلم أداة في يده ومستهلكين له ، ليقع الإحلال المعرفي والعلمي لتشكيلة من الفاعلين الاجتماعيين الجدد الذين يمثلون العقل المدبر للدولة الكوكبية المفترضة .
ولقد نبه العلامة العربي ابن خلدون اثر اكتشاف علم العمران البشري إلى نقطة هامة جدا وهي القطيعة المعرفية أو فناء المعرفة الكوكبية مؤكدا على ضرورة التأكد من باطن العلم باعتباره "نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق.."[10]وهو بالتالي يستقرئ الأخبار بدقة متناهية وعمق شديدين، جعله ذلك قادرا على فهم حركة الوقائع التاريخية ويسجلها بعد إدراكها على مستوى الوعي، والعلاقة بين السبب والمسبب، وبذلك انتهى إلى التنبيه اليقظ لما يسمى بالتلاعب في الحقائق العلمية ووقائعها لصالح جهة بعينها لأنها ملك للبشرية جمعاء ولقد ظهر ذلك بقوله " .. إنما هو نقل وتركيب شبيه بالمواعظ .. ونحن ألهمنا الله إلى ذلك إلهاما وأعثرنا على علم جعلنا بين فكرة وجهينة خبرة ، فإن كنت قد استوفيت مسائله وميزت عن سائر الصنائع أنظاره وأنحاءه فتوفيق من الله وهداية، وإن فاتني شيء في إحصائه واشتبهت بغيره فلناظر المحقق إصلاحه، ولي الفضل أني نهجت له السبيل وأوضحت له الطريق والله يهدي بنوره من يشاء "[11].
ولقد استطاع أن ينقل مخاوفه تلك إلى الأجيال والأمم ، كي تتيقن أهمية وفضل العلم واستمراريته على ظهر البسيطة، وان فقدانه قد تجلى في خوف صاحب المقدمة بالتفريط المتواصل بالعلوم المكتسبة لصالح الأمم والممالك والدول التي تنقلها من مهدها إلى ارض وأناس ورؤى متنوعة وأخلاق مغايرة عن الفضاء الاجتماعي والحيوي التي ترعرعت الأفكار فيها، والصحيح أن المعرفة ازدهرت في بيئتها الجديدة لكنها انهارت في عقر دارها وسقطت المفاهيم واللغة والثقافة وتقهقر العلماء وتساوى العلماء بالعامة وعم الجهل فلا عجب أن تخبرك سيدة عجوز عن حال أبيها العالم أو الشيخ العلامة فلان وهكذا وشباب أهل الديار يصلون دون قبلة تأخذهم في الاتجاه الصحيح أو يوجههم إلى قبلة تفوح منه رائحة العلم والخير على بيئته والعالم بدرجة اعم وأشمل.
إن هذه النظرة التشاؤمية دفعت الفيلسوف الفرنسي غاستون بشلار في القرن العشرين إلى التأكيد على العلاقة بين التجريبية والعقلانية -من وجهة أخرى- بحكم أنها ليست بعيدة عن النظرة الخلدونية أو القطيعة التي نبّه اليها ابن خلدون.وتتمثل بالنسبة لبشلار المعرفة العلمية المكونة من ثنائية الكون والعقل بأنها موضوعية، تفحص عن طريق المعرفة العلمية لتبدو كأنها ثنائية الجهاز والنظرية وهي ثنائية تبادل لا تعارض. بعكس فحص هذه الثنائية على المستوى الشخصي لتبدو معرفة سيئة الإعداد وغير صحيحة. فالتعاون المقنن الذي أشار إليه ابن خلدون يتكرر مع بشلار رغم التباعد الزمكاني الذي يعيش كلاهما فيه. وهذا ما دفعنا إلى الأخذ بالطرح البشلاري للمعرفة وتنبيهاته للعلماء والمكتشفين الجدد، خصوصا علماء الفلك والرياضيات والهندسة حيث أن الظواهر؛ وبشكل محدد: الفلكيين منهم يتميزون بالحتمية؛ إلا أنهم جعلوا من هذه الظواهر المتعلقة بالعلوم الصحيحة فرصة للاّحتمية يقول في هذا الصدد بشلار:" إن هذا الأصل الفلكي لمفهوم "الحتمية " يفسر لنا على ما يبدو إهمال الفلاسفة الطويل للمشكلات المتصلة بالاضطرابات وبالأخطاء في دراسة الظواهر الفيزيائية وعلى هامش الأخطاء المذكورة ستنهض في ما بعد " اللاحتمية" العلمية. وعلينا ألا ننسى، في مستوى "علم الفلك" ذاته، أن الفكر المتصل بالإضرابات هو بالدرجة الأولى فكر علمي حديث "[12]؛ مما يصعب التنبؤ الدقيق في مسارها وبقوانينها[13].من هنا نجد أن ابستيمولوجية بشلار تؤكد على أن العالم المعاصر بات معقدا، وكي يصل العلماء إلى الحتمية يفترض البرهان على أن الملاحظة تنجب الحتمية التي لا يمكن أن تكون الحتمية مرتبطة ربطا محكما لذا يفترض الرجوع إلى تقسيم الفكر إلى قانون وإلى اضطراب أو احتمال عند كل دراسة علمية حتى لا تشوه ولتصبح تقنية حقيقية في المستقبل. فمفهوم الاحتمال عند باشلار أعطى تنبؤا زمكانيا أنه الراهن القريب وبالتالي فرصة تأويل الراهن أصبحت هامة للمعرفة لقابلية تحققها في الواقع .
ولقد أخذ مثالا على ذلك نظرية الحركية للغازات بأن يعجز العالم الكوكبي عن التنبؤ بالظاهرة أو وصفها وهي ليست مرئية[14]، لذا مثلت البراديقمات والأطر المنهجية العلمية لتقدم الدعم والتعاون بين جل المعرفة النظرية مدعمة بالجانب التطبيقي اكتشافات حركية الغازات من قبل علماء تركوا بصماتهم في التاريخ مثل مكتشف غاز الأوكسجين العالم السويدي ك.و.سكيلC. W. Scheele الذي لم يعلن إلا بعد أن أعلن مكتشفه رسميا العالم البريطاني جوزيف بريستلي الذي جمع الغاز المنطلق بفعل تسخين اوكسيد الزئبق الأحمر وحدده سنة 1775بعد إعلان ذلك الغاز هو اوكسيد النيترون ثم جاءت مجهودات لا فوازيه الذي ادعى اكتشاف الأوكسجين معتبرا أن تسخين اوكسيد الزئبق الأحمر هو الهواء النقي والأكثر صلاحية للتنفس[15].
من هنا تتجلى أهمية المعرفة الباشلارية وتأكيدها على التواصل المعرفي والتضافر بين مختلف الفاعلين العلماء من أجل منع إشكالية السقوط في براثن الجهل المعرفي، ومبدأ التفكير بمستقبل التفكير العلمي الأحادي الجانب الذي من شأنه أن يتعرض بفعل الإهمال والتعصب المضطرب في الآراء إلى خلق أجيال متساهلين ومتواكلين لا يعنيهم من وجودهم العالمي سوى النزعة الشخصية والأنانية المفرطة التي تنكر على النفس الكوكبية القيم المثلى للحياة الكوكبية والمعرفة والتعليم الغني بالثقافة السلوكية وليس ثقافة الرفاهية فحسب والتي من شانها( النزعة الشخصية) أن تكون هدفا سهلا للشطط الأخلاقي والفساد الاجتماعي، وميالة إلى الضغط على الآخرين بالقوة المشروطة والابتزاز، الذي يعصف بالكائنات الكوكبية للتحول إلى هتك الأعراض، والمتاجرة بالرقيق الأبيض، وإلقاء اللائمة على لعنة الحرية المفرطة ومظاهرها دون أخذ اللباب منها، والتمعن في جوهرها الذي هو مبدأ الحياة وقانونها المكتسب بالسليقة، وغير ذلك هو استعباد للنفس البشرية والعودة إلى قمة السخرة والعبودية الجديدة بإرادة منتسبيها ذاتهم،أي بالعودة إلى مجاهل التاريخ الأول.
المنحى الثاني: الكون بنيته عادة، إن ظاهرة السقوط الحضاري تأخذ الكون على أنه عادة متشكّلة من الأمم والممالك والدول بفعل المعجزات أو القوى الخارقة أو العصبية القبلية بالنسبة للمفهوم الخلدوني أو بفعل العمل والمثابرة والقدرة على التصميم والتخطيط الإرادي المستمر، وأخيرا بفعل الصدفة والمفاجأة والقدر أو مفارقة النتائج .
فان المعجزات التي كانت تصيب الأمم السابقة مثل قوم عاد وثمود وتبع وجذام وطي وحمير ولخم وغيرهم من العبرانيين والعرب، استندت إلى أن العادة محكمة باعتبارها قاعدة جائزة شرعيا تحتمل الصواب والخطأ.والمعجزات والخوارق الطبيعية هي من سمات الأنبياء والأولياء الصالحين من ذوي الكرامات والأتقياء . وكل خارقة أو معجزة ناجزة مصدرها الفعل السابق يتبعها الفعل اللاحق. وإن كل ما وصل إلينا مميز عن أنشطة السحرة والعرافين؛ الذي يكون فعلهم مؤقتا ومحدودا بينما تعتبر المعجزات ذات اثر كبير ومعمرة وسنأتي لتوضيح ذلك، المهم إننا لا نعرف مصدر الفعل السابق أي مصدر المعجزة بحد ذاتها سوى أنها تعطى لقلة من الناس العالميين في إطار زمكاني معين تحتمل الاستمرار أو الاندثار . وهذا المصدر المجهول يعتقد البعض انه هبة من الله أو انه من العمل الخير أو انه من قوى غيبية ماورائية يعتقد بها الكائن الاجتماعي العالمي من منظوره الذاتي وقناعاته. إن مجمل هذه القناعات متفهمة لمعجزات الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام وأن مصدرها الوحي من الله على عباده المصطفين من الأنبياء والرسل مثل ادم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وسليمان وموسى وعيسى ومحمد (صلوات الله عليهم).
و بما أن المعجزات كثيرة فسنعمل على تناول نموذجين من الإعجاز: الإعجاز الأول يهتم بأصل الصراع الكوكبي وكمثال على ذلك النبي آدم ( عليه السلام)، والإعجاز الثاني يهتم بأصل الخلق الكوكبي وكمثال على ذلك النبي نوح عليه السلام.
فآدم النبي وأبو البشر ونحن ننسب إليه بالكنية استطاع أن يقدم نموذجا للطاعة البشرية والغفران لتعطي أملا بالحياة من جديد في اللحظة التي سجدت له الملائكة من حوله أمام الرب والمعصية التي تبعت ذلك لإبليس بسبب عدم طاعة الرب وتأخير عقابه له ليس من الرب فحسب بل حتى من اعتبره أقل منه قدرا واحتراما، فالرب أمر بنقل العداوة بين إبليس والأنبياء والخلفاء من بعدهم لإعلان مقدار وحجم الفائزين والمهزومين، أي البداية والنهاية وفي ذلك المعجزة التي يتعايشها الإنسان العالمي كل يوم ولحظة مع هذا الصراع المرير بين الخير والشر، أو لنقل بين الحكمة العقلية والجهل المظلم. فالحكمة تعني السيطرة الدائمة على الحياة وبالقدر ذاته يمثل الجهل رأس الشيطان وقمة سقوط الإنسان في الهاوية، وهي أصل الصراع العالمي والكوكبي، ينسخ عنها الناس ما يشاؤون. أما في مسألة الطوفان العالمي المدرك من جميع الديانات السماوية وغير السماوية، قد تجلى في عهد النبي نوح بعد صنعه السفينة الضخمة المحمّلة من كل أصناف الكائنات البشرية بما فيها الحيوانات والطيور وغيرها ممثلة مدى الحرص الشديد على الحياة الكوكبية مع من آمنوا معه في تلك الحقبة من الزمن وهي تمثل الدرجة الكبيرة من العناية الإلهية بالجنس البشري والحياة على كوكب الأرض وقاية له من الانقراض، فهذا الإعجاز الإلهي السماوي الذي تدخل كقوى غيبية ماورائية لنصرة الحياة البشرية بدعوى التجديد للدولة والإنسان الكوكبي وليبقى الصراع بالتنافس وبالأنشطة التي تنهض بواقع الكوكبية التي تدحر فكرة السقوط الحضاري العشوائي بل تنمّي فكرة السقوط الحضاري المؤطرة .
ومن هنا نتخيل طبيعة الجزاء والعقاب كأحد الصور المستقبلية في التعامل مع الأمم والممالك والدول والناشطين في الدولة الكوكبية المفترضة ، من حيث تزايد عدد الأجيال وكثرة رؤوس الأموال والتعالي في البنيان وتفاقم عدد القناعات وتجدد العلماء والصلحاء وتجمّل المنافقين وتفكك الأنظمة وزيادة الأعباء والمسؤوليات وكثرة الهموم والأحزان والفحش من الناس وتعاظم المصائب وسفك الدماء وانهيار الأخلاق والعودة إلى الجهلانية والبدائية الأولى التي تنتج بسبب مفارقة النتائج.
فإن مناقشة قضية مفارقة النتائج جد هامة وفق النظرة العالمية الراهنة. يعرف الكثير من العلماء والباحثين المختصين في ميادين شتى حجم الكارثة الكبرى جراء استغلال الأبحاث العلمية في غير موضعها الأصلي أو الإطار الذي رصدت لها الامكانيات من اجله، فضلا عن الحجم الكبير من العتاد والعدة من الموارد البشرية والطبيعية التي سخرت في بناء المشاريع النافعة للبشرية والمخلوقات الحية جمعاء. فعندما اكتشف العالمان جيمس واطسون James Watson و فرانسيس كريك Francis Crick طبيعة الجينة المورثة لتفسير كثير من المظاهر والأمراض الوراثية سنة1953 حيث اتضح لهما جزيء DNA يتألف من سلسلتين أو شريطين متكاملين من السكر والفوسفات والقواعد الآزوتية متخذا شكل الحلزون يلتقيان في نقطة معينة منتجين البروتينات المتفاعلة لتكوين الكائن الحي، وعند انقسام الخلية تتم عملية جذب السلمان كل واحد منها بفضل استحواذه على العناصر الكيميائية للقواعد الآزوتية المتممة له لتتشكل البنية السلمية الحلزونية المزدوجة مكونة خلية جديدة محتفظة بالرموز الوراثية الموجودة في الخلية الأم، وهذه العملية أسفرت إلى فتح باب المغامرة العلمية من أجل إعادة تركيب DNA والتحكم بالجينات Genetic Manipulation ومن ثم الاستنساخ الحيوي Cloning [16]. ففي سنة 1960 جرت عملية دمج خلايا فئران في معهد جوستاف بإشراف البروفسور جورج بارسكي أسفرت عن التحام الخلايا واختلاطها مع بعضها لتصبح خلية واحدة ، أما الإشكال في ذلك بدا العلماء يشعرون بقلق حقيقي اثر العملية التي أجريت في سنة 1967 بجامعة نيويورك عن طريق دمج خلايا إنسان بخلايا فأر مرات عدة من قبل علماء آخرين مسفرة عن نتيجة مفادها أن البرنامج الوراثي للفأر أكل البرنامج الوراثي للإنسان بعد اتحاد الخليتان واكتشف على اثر ذلك سرعة انقسام كروسومات الفئران بصفة سريعة عن مثيلتها عند الإنسان. وقد ندد عمدة مدينة كمبرج الأمريكية آلفرد فيلوشي بالتجارب التي يقوم بها العلماء في جامعة هارفارد ذات الأسبقية في البحوث بأن قال" إن الله وحده يعرف ماذا يمكن أن يزحف علينا من هذه المعامل القريبة من، إذ قد يخرج منها وباء مدمر لا يستطيع أحد أن يجد له علاجا، أو ربما ينطلق منها يوما (غول) رهيب!"[17] .
إن هذا الغول الذي تصوره فيلوشي من شأنه أن يبرهن للعالم طبيعة العلاقة الهادفة إلى تدمير الدولة الكوكبية المفترضة بين من يسعون إلى الحفاظ على الجنس البشري فكل الجهود قد تلقى المصير ذاته بسبب الاختراعات والاكتشافات العلمية الجارية بسرية تامة فكما حصل بعد اكتشاف قنبلة TNT وما تبعها من قنابل عنقودية أو هيدروجينية أو ذرية فان مثل هذه الأخير استطاعت أن تقتل الآلاف المؤلفة من الناس في الحرب العلمية الثانية بعد أن ألقيت على مدينتي نكزاكي وهيروشيما اليابانيتين سنة 1945 بسبب هذه الاختراعات. كما أن الفائدة السلمية من الطاقة النووية الآمنة لصنع الطاقة والكهرباء في البرامج السلمية لم تكن آمنة ضد فناء الإنسان الكوكبي وكمثال على ذلك كارثتي جزيرة ثري مايل أيلاند و تشير نوبل الروسية الأكثر شهرة حتى الآن في إجلاء المتساكنين إلى أماكن لا تعرض السكان المتواجدين في المحيط النووي للإشعاعات والإصابة بالأمراض القاتلة[18]. وبالتالي الفائدة المرجوة من العلم لم تكن لتؤكد الطبيعة العقلانية والخيرة للإنسان العالمي بقدر ما كانت تمثل المشاريع اللاعقلانية.
فإن أهمية البحوث العلمية تكمن أساسا في بعث الأمن والسلم لدى العائلة الكوكبية المجتهدة بإسهاب شديد نحو رقي الجنس البشري، فالعلم بوصفه المشروع الحامل للعقل البشري والأفكار المستهلكة قديما ومتجددة حديثا قادرة على الوصول إلى النتيجة المنطقية بحيث يدركها الكائن البشري بوضوح تام . وصفة العلم أنه يجنح إما إلى الاستغلال العقلاني للبشرية أو إلى الاستغلال غير العقلاني للبشرية. ومن ثم يكون عرضة لأن ينزع نزعة أخرى نحو اللاشرعية، واللاشرعية تعني اختلال المعايير العلمية و ضعف النزاهة المطلوبة في الحفاظ على أخلاق المهنة التي يمكن أن تنحرف عن مسارها الطبيعي، مما قد يفجر موازين القوى في العالم الكوكبي أو أنه حصل ذلك بالفعل.
إن مختلف هذه الأفعال تنشط جادة نحو بناء مرحلة مجد الأمم والممالك والدول والقيادة العظيمة، ما يلبث أن يسقط وينهار بفعل الأنشطة والأفعال البشرية، وكذلك التحولات التاريخية المستمرة التي تعمل على تجدد الصراعات بين الفاعلين الاجتماعيين أو قوى التغيير الاجتماعي، حيث تشكل الدول بالقدر ذاته تشكل العصور . فالعصور لا تنشأ إلا بفعل تجدد روادها ، وهي بذلك تصنع الحياة الكونية أو الكوكبية المفترضة في الزمان والمكان الذي يحمل انكساراته وهزائمه.
المنحى الثالث: الكون بنيته الديانة الإستراتيجية، إن بناء هيكلية الكون محفوفة بالعادة والمعرفة العلمية، فهي إلى جانب ذلك تكتسي حلّة جديدة بالديانة الإستراتيجية. فالديانة الإستراتيجية مكوَّن أساسي من مكونات الطبيعة البشرية والمفطورة بالهالة القدسية والطابع الروحاني الذي يفيض به جيشان العاطفة الإنسانية المتأصلة بكنه الجنس البشري، والتي تترجم بفعل الزمكانية إلى طقوس ومسارات تعبدية تكرس حالة الاعتقاد والدَيْن ( الفعل دان يدين لفلان طاعه وحاسبه) إلى قوى غيبية معنوية أو رمزية كامنة بالطبيعة وواعية منطقيا وغريزيا في الإنسان يصعب إزالتها بسهولة رغم قوة ورباطة جأش الإنسان، إلا أن الدين يستطيع أن يجعل من الضمير الجمعي الذي يجهد الإنسان في بنائه وتكوينه الاجتماعي منذ الصغر هدفا للتحول بأنشطة النفس البشرية نحو أهوائه وتلبية لرغباته وشهواته، لذلك يكون الدَيْن دَيْنا بعيدا عن طهارة النفس البشرية الداعية إلى قيادة السلوك السوي نحو الديانة الإستراتيجية الفطرية لصالح الديانة السلوكية المادية الداعية إلى جعل النفس مصدرا للقيادة والإبداع أو النفس الخلاّقة وأنها لا تدين لأي شيء سوى ما يصرفه العطاء الذاتي من مجهود منطقي لا غريزي ومنطقي معا كما في الديانة الفطرية الإستراتيجة.
وبطبيعة الحال، سواء كان مصدر الفعل الرمزي أم الفعل المرهون بالعمل المادي فعلا دينيا؛ يمثل بصورة ما الحصانة الشرعية للمجتمع الدولي أو هو كذلك. وأن المجتمعات التي هي ذات ديانة سماوية من صنع الله أو ديانة وضعية من نسج العقل البشري هي تكريس لما جبل الإنسان عليه، 

- مع تطور المسيحية لم يعد الحاكم الها أو من طبيعة إلهية ولكنه يستمد سلطته من الله. " مثال نظرية الحق الطبيعي" .


3- منذ العصور الوسطى، وأثناء الصراع مع الكنيسة والإمبراطور تولدت فكرة جديدة مقتضاها أن الله لا يختار الحاكم بطريقة مباشرة، وأن السلطة وان كان مصدرها الله، فان اختيار الشخص يكون للشعب، وهذه الديمقراطية.
لقد اهتم اليهود بفكرة الجسد لكن المسيحيين اهتموا بفكرة الروح[25].- إن أهمية مقالة اليهود تلك لا تكمن في إظهار عداوة اليهود للمسيحيين التي أصبحت متبادلة· ولا لتحول مركزية الاهتمام الإلهي لهم وحدهم ولا لانهيارهم وتشتتهم في العالمين بسبب طغيانهم وابتعادهم عن أوامر الرب ونواهيه إنما تكمن في تعزيز مقولة التضليل الإنساني والكوكبي عن الصراط المستقيم الذي هو قيد الفتن والفساد الوجودي الكوني. فبعد المحاولات اليهودية الفاشلة لتجميع شتاتهم الكوكبي وإقامة دولتهم الدينية- كاختلاق إسرائيل[27] اليهودية على ارض فلسطين التاريخية- الني لم تفلح أو يحالفهم الحظ في إعادتها وفق التصورات التي عقدوا عليها الآمال وليكرسوا وجهة نظرهم العدوانية نحو إخوانهم المسيحيين وحثه على تجربة الدولة المسيحية يقول في هذا الصدد برتراند رسل:" لقد كانت الدولة اليهودية إبان العصر الأسطوري الذي ساد " القضاة"، أو إبان الفترة التاريخية التي أعقبت العودة من الأسر البابلي ، دولة دينية. ولقد كان على الدولة المسيحية أن تحذو حذوها في هذا الصدد.."[28]
لقد كان من نتائج ذلك أن نشأت اللوثرية نسبة إلى مارتن لوثر سنة 1483-1546، والكلفينية نسبة إلى جون كالفن سنة 1509-1564، فمن أقوال لوثر" لو كان لابد من معاناة الألم ، فخير لنا أن نعانيه على يد الحكام أفضل من أن نعانيه على يد رعاياهم،... إن كل فرد من الغوغاء يثير من الألم أكثر مما يثيره خمسة من الطغاة.. ولهذا كان من الأفضل أن نعاني الألم من الطغاة والحاكم المستبد..عن أن نعانيه من عدد لا حصر له من الطغاة الغوغاء "[29] ويضيف " فكما أن الحمار يريد أن يتلقى الضربات، كذلك يريد الشعب أن يكون محكوما بواسطة القوة. إن الله لم يعط الحكام (ذنب ثعلب يستعمل في رفع الغبار، وإنما أعطاهم سيفا، لأن الرحمة ليس لها دور في مملكة العالم التي هي خادمة لغضب الرب ضد الأشرار وتمهيد عادل لجهنم والموت الأبدي "[30].أما رؤية كالفن فهي لاتختلف عن ذلك إذ يتعمد تجاهل سيادة الشعب ويكن الألوهية لمنصب نائب الله من الرهبان عند الانتخابات داخل الكنيسة باعتبار هذا المنصب هبة من الله لصاحب الرئاسة من إفراد الكنيسة ولمن لم ينتخب من بعده.[31]
 ولقد نظرت الميكيافيلية والقديس اغسطين وغيرهم لنصرة الحاكم الطاغي وتبرير صنائعه الكارثية على أبناء جلدته والعالم الكوكبي بعد شن الحروب الصليبية وبيع صكوك الغفران لتزيد من استغلال الدين باسم الرب والمتاجرة بها.ولم تلبث هذه العدوى بعد انقطاع الوحي عن العرب المسلمين وإكمال الديانة السماوية بختم القرآن ووفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم حتى تعالت هذه الترّهات تنعكس على المفكرين والمثقفين العرب المسيحيين والمسلمين حتى تراجع دور الثقافة العربية والإسلامية وكذلك الرادعة والمنافحة عن الاسلام إلى أقصى درجات الانحطاط بدخول عناصر شتى مثل شحن الفتن والنعرات الاقليمية والإيديولوجية القومية والأطروحات الماركسية والاساءة المستمرة إلى المعتقدات والمقدسات الاسلامية. فان ابن حزم الاندلسي 994-1064م لم يذهلنا عندما يذكر لنا دور اليهود في اقامة دولة لهم إبان عصر الإسلام بعد أن تطوعت شخصية يهودية كصاموئيل بن يوسف اللاوي المعروف بابن النغريلة في القول بذلك بل أثارت هما كبيرا للمسلمين من جراء التطاول على العقيدة الدينية عندما سمح ابن النغريلة من تأليف كتاب يحمل عنوان "تبيان التناقض في القرآن" . فان هذه الجرأة سمحت لإبن حزم الرد عليه بكتاب أسماه "الرد على ابن النغريلة اليهودي "[32]. وفي الآن ذاته أوعز هذه الجرأة إلى "تشاغل أهل الممالك عن إقامة دينهم، مما جعلهم يعتمدون على أعدائه في اقامة دنياهم، ويعلون من شأنهم حتى يستطيلوا على المسلمين"[33].
ولقد طالت الديانة الاسلامية الحقل المعرفي بأن أحرقت الكتب الاسلامية أو أنهم تعرضوا للانتهاك الجسدي والتعذيب والسجن وعدّ بعض علماء المسلمين والمجتهدين والمعارضين أو الساخطين على الملك والدول منهم بالزنادقة، خالقة حالة تاريخية تسمح بزئير المتنفذين السياسيين في النظام الرسمي المعاصر بمحاصرة محلية ودولية شديدة للإسلام والمسلمين كشكل من أشكال المعالجة المؤقتة، ومرعبة للمسلمين وغيرهم من منظور التعذر التام لشرح الموقف الإسلامي والرسالة الاسلامية في الأرض من جهة! ومن جهة أخرى انتشار حمّى التنظيمات الاسلامية من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار دون رؤية استراتيجية يقف عندها المتنازعين على الاجماع والرأي والمشورة بل بالاتفاق على السياسة الخاطئة وغير المؤطرة وغير الحكيمة الا في ما ندر؛ لكن ليس دائما. وكذلك بالانقسام واختطاف السلطة والقيادة.
ولقد كان من خاتمة الاساءة إلى الإسلام في عصرنا الراهن هوالرسومات الكثيرة ذات الصبغة الصحفية الهزلية المعيبة والمشينة بحق نبي العالمين محمد صلى الله عليه وسلم، وما أعقبه من خطل معرفي بين الحريّة والمعتقد. فمن المعروف أن الحرية بقيت على الدوام بناء اجتماعي تفاضلي رمزي مسلم به منذ إعلان ولادة الكائن البشري الذي ترصد له كل الامكانيات لإعالته حتى يشتد عوده ودرجاتي كطمس هذه الرعاية من قبل ضغط الأسرة والدولة والمجتمع حتى يحدث التمايز الاجتماعي والفوارق الطبقية التي تمجد فئة على أخرى بحكم الغلب عليها. أما المعتقد فهو منطق اجتماعي حاد البصيرة، خلفه معاقل وجحافل الأشكال العاطفية والغرائزية الفطرية والغيرة الوطنية والهوية الشخصية والمشاعر الضمائرية المشتركة والقوانين المشرعة لوجود الانسان وكينونته التنظيمية والاجتماعية للمعيش الاجتماعي ما لم تهزم ارادته مقلدا غيره . فالمصادر العقلانية للمعتقدات الدينية تعتبر زاد متجدد للحرية وليس الحرية زاد المعتقد، فالانسان يعيش الحرية التامة بمعتقده، والتي تنشأ عنه حرية المعتقد، ويعامل من قبل القانون الرسمي على انه كذلك وليس العكس. يقول ديكارت ان المعتقد صادر عن العقل والارادة وقد رضي المؤلفون برأي ديكارت[34]. أما غوستاف لوبون فهو يذهب إلى أن المعتقد غير عقلي وغير ارادي معللا ذلك بقوله" لقداعتنقت قبائل البدو في جزيرة العرب دينا اتى به أمي فأقامت بفضل هذا الدين في أقل من خمسين سنة دولة عظيمة...وقبل ذلك ببضعة قرون آمنت شعوب متوحشة بعقيدة دعا اليها رسل أتو من زاوية مجهولة في بلاد الجليل فقوضت بتأثير هذه العقيدة دعائم العالم القديم مقيمة على أنقاضها حضارة جديدة ينطق كل عنصر منها بذكر الرب"[35] أما باسكال فقد ذهب إلى "أنّ الناس يعتقدون بتأثير العاطفة لا بتأثير الدليل والبرهان ثم قال "أن بيان كيفية هذا الاعتقاد أي الاعتقاد بتأثير العاطفة هو من الصعوبة والدقة والغرابة بحيث يستحيل على من هو في مثلي"[36]. أن هذه الاطروحات تضعنا في حرج مجدد . ومصدر هذا الحرج كامن في نفوض فكرة حرب المعتقدات، وانتعاشة اساليب الدعاية لها مما يعني التأهب المضمر للسوء، غير أن الفكرة الأسمى التي بدت واضحة وجلية هي بروز انتافضة المعتقد أو التفكير الرباني الروحاني، أي تصاعد حالة الاقتراب من الروحانيات وسقوط عالم الماديات في وجه هذا الجيشان الذي بدا ينمو باستمرار بعد الهزة الدينية الأولى في 11أيلول سبتمبر 2001 والتي جارتها في ذلك الهزة الدينية الثانية من رسم المشاعر الدموية العنيفة الحاقدة على الاسلام في سجلات ورقية كرسومات مشينة بحق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من قبل صحفيين دنيماركيين في صحيفة يولاند بوستن ومقلديهم، وهي في الحقيقة تعتبر الانتصار الثاني الذي يحققه المسلمون على الغرب من جهة تقليد بعضهم بعضا في اختراع العدو المتمثل بالاسلام مما يعني تحولهم التدريجي من دائرة الاهتمام بعالم الالحاد والماديات إكتشاف الدين الإسلامي التي أخفقت السفارات العربية والإسلامية بالدعوة له إلا من الطلبة ورجال الأعمال والوعاظ المسلمين المنتشرين بين بلد وآخر مع ازدياد ثقافة إنتاج المعرفة بالاسلام والمسلمين حيث اتسع الاقبال على شراء القرآن الكريم و تزايد الاهتمام باللغة العربية وبالثقافة العربية والإسلامية . أما الانتصار الثاني فهو خلق فجوة عميقة بين الشخصية القاعدية للفرد غير المسلم والتربية والتعليم عن طريق إعادة اكتشاف الذات المسلمة من جديد عن طريق التعبير بالاثارة والاستعجاب والاستغراب حتى الدهشة من أجل اشباع الذات بالروحانيات التي كانت غائبة لفترة طويلة بين غير المسلمين(مصدر الفعل) وأيضا المسلمين أنفسهم( رد الفعل) من أجل تقزيم حالة النقص الناجمة عن ذلك وبالتفاعل الرمزي. وهي في اعتقادنا حالة ضرورية لإندماج المجتمعات في منظومة فكرية جديدة ذات خطاب موحد ووحيد، تشرع من خلاله الجديد وتدمّر ما هو قديم بمعنى تهذّبه أسريا و مجتمعيا ودوليا. فلا غرابة في أن يكون الرسول الكريم محمد صلى الله وسلم حي فينا وحي عند أمته غير المسلمة، إنما صناعتهم تذكرة لهم للعودة عن طغيانهم .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مجمل المخاضات العسيرة التاريخية هي عبارة عن كرّ وفر وصناعة الحدث وضده والفعل ورد الفعل، ولنستعير مقولة الفيلسوف وليام جيمس حول تاريخ الصراع بين الأمزجة البشرية[37]" كنتاج لتاريخ التجارب الكوكبية".
فلا شك،إذن، أن أخذ زمام المبادرة الذي تولّد عنه صناعة مشروع النهضة الإسلامية الجهادية بدا عليه الاضمحلال في مواجهة ما تسمّيه بأوجه الضلال والنزعات التكفيرية والنفعية والأخلاقية المحتجّة والمبجلة للعمل المادي على حساب العمل الديني، في ظل استغلال الدين الإسلامي كعادة ثقافية وليس كشريعة الله على الأرض. فالحاكمية لله، كما يرد ذكره في المصحف الشريف وينافح عنه سيد قطب بقوله:" أن الإسلام لا يعرف هيئة "دينية" مثل" هيئة الإكليروس" في الكنيسة المسيحية. والحكم الإسلامي ليس هو الذي تقوم به هيئة معينة؛ ولكنه كل حكم تنفذ فيه الشريعة الإسلامية إقرارا من الحاكم بأن الحاكمية لله وحده، وأن مهمته هو لا تتعدى تنفيذ الشريعة. فإذا كان معنى " الحكومة الدينية " في أية ديانة أن طائفة معينة هي التي تتولى الحكم ، فإن هذا المعنى ينتفي في الإسلام انتفاء كاملا؛ وليس هناك مبرر لأن يفهم أحد أن الحكم في الإسلام يحتاج إلى أكثر من تنفيذ الشريعة الإسلامية ، بعد إفراد الله سبحانه وتعالى"[38] .
 الحقيقة أن الانحطاط والتراجع الديني قد تغلغل إلى حدّ النخاع في الديانات السماوية الثلاث. فكل ديانة تزأر بحقها في السيادة الكوكبية ففشلت في ذلك لكن لماذا تحولت الديانات عن مضامينها من أجل الدفاع عن وجودها إذا اعتبرنا أنها منزّلة من رب واحد وأن شريعته واحدة وما الاختلافات في التحريم جاءت لتكون مؤقتة بعد تراكمت كلها في ديانة واحدة وهي الديانة الإسلامية الذي يؤكد القرآن في مواضع كثيرة أن جل الأنبياء كانوا مسلمين. فنوح عليه السلام كان مسلما كما جاء في المصحف الشريف" واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم..... فان توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين"[39]، كما قال تعالى بشأن إسلام إبراهيم عليه السلام " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين" [40].ثم يضيف بقوله تعالى" ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين "[41] أن هذا الإصرار على إسلامية الأنبياء هو مشروعيتهم العالمية كما قال الله تعالى في موس عليه السلام" أو قال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين" ويضيف الله تعالى بقوله"[42] وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين"[43]، وجاء في المصحف الشريف في ملك سليمان النبي عليه السلام بقوله تعالى" ألا تعلو عليّ وأتوني مسلمين "[44].
إن المسلمين الكوكبيين هم ليسوا العرب أو الشرقيين وحدهم بل ضميرهم الاجتماعي والروحي الملاصق لهم، فهم لا ينكرون هؤلاء الأنبياء المرسلين من رب العالمين هدى للعالمين وليسوا هم الفئة مخصوصة بعينها عرق أو مذهب أو لون قارة بعينها فهي ديانة كوكبية خسرها العالم بانحطاط المسلمين الحاملين لمشروع الكوكبية الشرعية كما عبر عن ذلك أبو الحسن النبوي بقوله"لم يكن هذا الحادث يخص العرب وحدهم، ولا يخص الشعوب والأمم التي دانت بالإسلام ، فضلا عن الأسر والبيوتات التي خسرت دولتها وبلادهم بل هي مأساة إنسانية عامة لم يشهد التاريخ أتعس منها ولا أعم منها؛ فلو عرف العالم حقيقة هذه الكارثة ن ولو عرف مقدار خسارته ورزيته، وانكشف عنه غطاء العصبية ، لاتخذ هذا اليوم النحس- الذي وقعت فيه- يوم عزاء ورثاء، ونياحة وبكاء، ولتبادلت شعوب العالم وأممه التعازي، ولبست الدنيا ثوب الحداد ولكن ذلك لم يتم في يوم، وإنما وقع تدريجيا في عقود السنين ، والعالم لم يحسب إلى الآن الحساب الصحيح....لشقائه وحرمانه"[45].
-أما بالنسبة إلى الديانة غير الإستراتيجية التي تملك قوة وغلبة مجموعاتية وثقلا سكانيا يمكّنها من إضفاء القدسية جرّاء اهتمامنا العاطفي الإضافي نحوها، وبخلق ديانة تتمتع بمنطق الديانة الإستراتيجية الطبيعية. ولعلّ محدودية التأثير على بقية الديانات الأخرى ذات الصفة الإستراتيجية بالطبيعة تكون ليست ذا تأثير. أما قابلية اندماجها في الأمم والممالك والدول كبيرة جدا. يقول روجيه غارودي " لقد علمت ديانات (الصين) و( اليابان) الإنسان هذا الانصهار مع كل " الكل". وتقضي الطاوية بالترصع في هذا المبدأ الكلي الذي .... ينتهي إلى تجسيد اتحاد الإنسان بالطبيعة "[46]ويضيف إلى أن " تعلم البوذية التي انطلقت من (الهند)، وانتشرت انتشارا جماهيريا في أسية كلها، بأن كل حياة ألم، وان الرغبات واللذات مسؤولة عن ذلك، وانه لا بد من أجل القضاء على الألم من كسر دارة انبعاثه المتجدد دوما وهي دارة تربطنا بعجلة الوجود. وإن الإنسان الذي يحجم عن الرغبة وعن اللذة سيعرف الخلاص عندما يذوب في السرمدية مثلما تصير كأس من الماء سكبت في البحر"[47]، أما بخصوص الديانة الكونفوشيوسية فقد شهدت ازدهارا كبيرا في عهد سونغ والاهتمام بالفن الصيني[48].
لقد استطاعت الديانة البوذية من الانتشار في الهند بشكل ملحوظ، فهي أمم تملك من الثقل السكاني العالمي الأكثر تصل ثلث سكان العالم لكننا لا نعرف من يمارس الديانة البوذية والكونفوشيوسية أو البراهمية أو الهندوسية أو الوثنية والزرادشتية التي هي راجعة إلى سلوك الكائن الاجتماعي المستقيم أم السلوك الأقل درجة من ذلك أو المنحرف تمام، فإذا كان السلوك مستقيما فان نهضة الأمم ستعزز من هيمنتها على العالم بسرعة شديدة لكن من يمنعها من فعل ذلك؟ أما إذا كان عكس هذا السلوك فمن يمنعها أيضا من بقائها على هذا الحال؟ إن المانع الحقيقي يبدو لنا هو درجة الغنى الروحي الذي تفتقده الديانات الوضعية أو غيرها،التي لا تؤمن بمصير الدولة الكوكبية للجميع بل إن إفراغها من جوهرها الحقيقي أدى إلى التعجل بسقوطها الحضاري لإنعدام التوازن الفيزيولوجي للكائن البشري ولتطغى الغلبة عليه باعتباره الجانب الأكثر مزاحمة للنفس بحيث تعتبر الديانة التي تملك إستراتيجية وجودها من واقع القوة والغلبة المجموعاتية الكوكبية ديانة آيلة إلى السقوط والانهيار ويستشهد في هذا الصدد روجيه غارودي بتجربة أحد اليسوعيين ويدعى كي دولولري منوها إلى حقيقة الدين وطبع البشر من خلاله " لقد جهدت لأنتزع من نفسي كل رغبة في الهداية، فما دمت مسيحيا فان علي أن أصبح مسيحيا ًحقا ، وقد اضطرني أخي الهندي إلى الاهتداء ، أو ليس جوهر المسيحية هو هذا المطلب ؟ . إن أخي الهندي غني بثلاثة ألاف سنة.. إنكم كلما أصبحتم أنفسكم وتكثر اختلافكم عني ازدادت صداقتنا غني وخصبا " [49].
أما أبو الحسن الندوي فمن خلال معايشته للديانات في الهند أشار إلى أنها ديانات متساقطة ومنهارة وفارغة من المحتوى بعكس ما ذهب إليه غارودي . ولعل أبرز ما تجده في الديانة البوذية بعد ابتلاع الديانة البرهمية الثائرة الموتورة تحول البوذية إلى وثنية غمرتها تماثيل بوذا وحيث حلت تنصب يقول أستاذ تاريخ الحضارة الهندية في الهند إشوراتوبا " لقد قامت في ظل البوذية دولة تعنى بمظاهر الآلهة وعبادة التماثيل وتغير محيط الرابطات الأخوية البوذية، وظهرت فيها البدع "[50] .
وقد يرجع في بعض الأحايين سبب هذه البدع إلى السقوط في فخ التبادل الثقافي غير المقصود أو المبرمج أصلا. ومن ثم التحول من الديانة الأصلية للآباء والأجداد باتجاه الديانة الإستراتيجية الطبيعية أو العكس، وتصل في بعض الأحايين إلى درجة الانصهار والذوبان في المجموعات. بمعنى أن درجة الذوبان والانصهار في الديانات هي عبارة عن حالة تساقط وانهيار للديانات السماوية وغيرها بسب حالة الفوضى غير الموجهة توجها سليما من القاعدة، وبالتالي مسألة الثقل السكاني لا يمكن أن تمثل معيارا مستقبليا لتحدي الديانة الإستراتيجية والشرعية القدسية، الذي من شأنه أن يمثل النمط المهيمن والغالب دون اعتبار معيار آخر وهو الجودة . والجودة كمعيار اجتماعي علامة على وجود درجة عالية رفيعة وغنية بالتنوع الثقافي والعرقي والمذهبي والطائفي والمناطقي والاقليمي والكوكبي تلخص درجة الغنى الروحي والجسدي ، فضلا عن الثقل السكاني واسع النطاق الذي ينضوي تحت هذه الديانات الإستراتيجية والذي يملك حظا من الطموح نحو التغيير الاجتماعي والدفاع عن ثقافاتها وخصوصياتها ونضالها من اجل تطويق حالة الظلم والقهر، إضافة إلى بناء حضارة الرفاه التي تنشدها ليس لمرضاة الإنسان لأخيه الإنسان بل لمرضاة الرب .
فالإيمان بواقع الربوبية أو بالمعتقدات الدنيوية والكوكبية الأخرى تشتد في الغالب نحو نمط غيبي وحيد وفريد ، رغم أن كل الأنماط تشترك جميعها بالإيمان أو الاعتقاد بالرب الذي تراه القادر على دفع حالة الظلم والقهر وتغير حالتها الاجتماعية نحو قيم وعادات وتقاليد جديدة إن هذه الحوارات الإيمانية تقر صراحة بوجود المعتقد الوحيد الذي هو الله. وأن لا سبيل غيره روحيا وأخلاقيا ترجع إليه، فهي في الآن ذاته تدرك حجم الحاجة إلى الله في الدولة الكوكبية المفترضة.ليكون الرب الملجأ الوحيد لكل الأمم والممالك والدول باعتبار أنها تخشى دوما من أن هذا المشروع صعب المنال في الوقت القريب لكن يمثل مطمحا استراتيجيا هاما ومركزيا في الحقبة القادمة من أجل التوحد نحو فكرة الله الواحد القهار ومشكلا الهدف الذي لا بد منه .
من هنا نستطيع القول أن كل من يصنف نفسه من الديانات السماوية أو الوضعية قادر على التوحد نحو فكرة الله الواحد القهار فهو يمثل مجتمعا متقدما نحو بناء الدولة الكوكبية المفترضة وينأى بنفسه وبديانته عن فكرة السقوط والانهيار الحضاريين بينما نجد أن كل من ينأى بنفسه عن فكرة بناء ديانة إستراتيجية شرعية لمجتمع ما بعد العولمة يعتبر هدفا متقدما فهو من المجتمعات الآيلة إلى السقوط والانهيار لا محالة.
خاتمة:
فإذا اعتبرنا أن غاية مجتمع ما بعد العولمة هو الوصول إلى الخلاص العظيم والتحرر من النزعة الشيطانية المعادية لأبناء جنسه وتطهيره من حالة الكراهية التي تتشبث بها هذه المجتمعات، في المقابل تعتبر كافة الوسائل الناجزة منذ فجر التاريخ إلى الآن من ما يمكن أن نسميه بنظام "الورثة الجدد" هم على قناعة تامة أن صراع الأجيال على الخير والشر هو بناء كوني وزمكاني، وان هذه الكتلة الكونية مؤطرة وفق الاطروحات الماورائية والغيبية ولا منازع عليها سوى بالسيطرة على مقدراتها ومكوناتها الحيوية للإنسان. وبما أن الإنسان لا يزال في مرحلة استغلال كافة الثروات الدفينة في باطن الأرض، فانه يسعى إلى توجيهها نحو شخصه. فالشخصية الحاكمة والماسكة في زمام الامور رغم قوة غطرستها المستمرة عبر التاريخ لم تمنع من استمرار قانون الطبيعة كفاعل حقيقي، لا يزال يجتث مشاريع البناء الحضاري الكوكبي في العصور الغابرة والحديثة والمعاصرة كجهابذة التاريخ ورموزها المنظرين من العلماء والأنبياء والرسل والمبشرين والمنتمين إلى الحقول الغنية بالمعرفة والتقانة والثقافة، كل ذلك اندثر مع فلسفتهم العسكرية والثورية والايديولوجية وحل محلها مشاريع حضارية جديدة أثمرت في واقع الحال مع نمط المعيش الاجتماعي. والواقع أن مضمون الاندثار الزمكاني حفظ لنا ملامح تذكارية من عظمة الأمم والممالك والدول لا تزال شاهدة على عصرها وخلودها لما تركوه لنا الآباء والأجداد من رصيد زاخر بالعبر والأحداث والتحركات التي أطرت علميا ومعرفيا الثروة التقنية والمعلوماتية التي تعيشها الدولة الكوكبية المعاصرة . لذلك تعتبر قيمة الحضارات والأمم السابقة في آثارها وأفعالها ومشروعية وجودها كحافظة للتراث البشري وبشكل خاص النهضة العلمية .
فإن نزوع الدولة الكوكبية المفترضة نحو الخلاص والفرار الابدي المحفوف بالمخاطر الجسيمة، يذكرنا أن لا سبيل إلا بالتوغل في ثنايا الاكتشافات والاختراعات العلمية المتتالية، أملا بالبقاء و تحقيق أفضل النجاحات للسيطرة على مقدرات الطبيعة. لكن المؤكد أننا نحمل أدوات وآليات تدميرنا كجنس بشري كوكبي. وسقوطنا الحضاري أوالرّهان على السقوط الحضاري الحذر مدعاة لهونا وفخرنا وأنانيتنا تجاه ما لم نملكه لنملكه بالجهل الأعمى أو اليقين المتصلب والطاغي، والقهر والفقر والظلم العالمي، والقوة العلمية النووية والهيدروجينية والانشطارية وغيرها، والنفوذ المتعالي للأقليات الحاكمة والمتغطرسة في العالم، والروح الفاسدة والشريرة ومفكرينا وعلمائنا والمنتسبين إلى الحكمة والحميمية المفرطة، والانتظارات الأممية بالخلاص العاجل، إن لكل أزمة بداية فهل سقطت أوراق الشر التام أم هي "جمرة جديدة" خيرّة قادمة؟.
الهوامش والمراجع:
[2] - الأندلسي ( صاعد )، طبقات المم، تحقيق حياة بوعلوان، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط1 ن بيروت – لبنان، 1985.ص39.
[3] - المرجع السابق ص40.
[4] - الشكعة ( مصطفى )، الأسس الإسلامية في فكر ابن خلدون ونظرياته، الدار المصرية اللبنانية، ط2 1988 .ص58.
[5] - المرجع السابق ص 58.
[6] المرجع السابق ص64.
[7] - المرجع السابق ص64.
[8] - يروتز( ماكس) ، ضرورة العلم، دراسة في العلم والعلماء، ترجمة وائل أتاسي وبسام معصراني، العدد 245 ، سلسلة عالم المعرفة أيار/مايو 1999 ص166.
[9] - المرجع السابق، ص 126.
[10]- الشكعة ( مصطفى )، الأسس الإسلامية في فكر ابن خلدون ونظرياته، الدار المصرية اللبنانية، ط2 1988 .ص34.
[11] - ابن خلدون ( عبد الرحمان )، المقدمة ، ديوان المبتدأ والخبر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الكبر، هحياء التراث العربي ، بيروت – لبنان ، 1988 ، ص 40 .
[12] - حسن ( السيد شعبان)، برونشفيك وباشلار بين الفلسفة والعلم، دراسة نقدية مقارنة، دار التنوير للطباعة والنشر،ط1، بيروت - لبنان 1993، ص 173.
[13]- المرجع السابق ص .173
[14] - المرجع السابق ص174.
[15] -كون( تومس)، بنية الثورات العلمية ، ترجمة شوقي جلال، سلسلة عالم المعرفة، الكويت العدد168ديسمبر كانون اول 1992،ص95.
[16] - البقصمي( ناهدة)، الهندسة الوراثية والأخلاق ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد174، حزيران /يونيو 1993، ص 92.
[17] -المرجع السابق ص93.
[18] - بيروتز( ماكس)، ضرورة العلم، دراسة في العلم والعلماء، ترجمة وائل أتاسي وبسام معصراني، العدد 245 ، سلسلة عالم المعرفة أيار/مايو 1999 ،ص 97.ةتشير الدراسات أن الغاز الطبيعي يوفر خمس حاجة العام، والفحم ربع حاجته من الطاقة ،أما احتياطات العالم من الوقود الاحفوري تقدر ب5.5 ترليون طن ، امكانية بقاء العالم يعتمد على الطاقة 275 فقط في حالة توقف عدد سكان العالم إلى 10 بلايين نسمة والتخلي عن الحروب والصراعات . انظر المرجع ذاته ص 92.
[19] - المرجع السابق ص 125 .
[20] -صحيفة الدستور الأردنية، ملحق خاص بالالفية الثالثة2000، بتاريخ 29 كانون الاول 1999.
[21] - عيسى( طلعت) ، سان سيمون، نوابغ الفكر الغربي ،دار النعارف. ط2، القاهرة 1959, ص 105.
تقول موسوعة المصطلحات الصهيونية أن اسمه العبري الأصلي هو يوسف بن متاتياهو هاكوهين. انظر كتاب كيث وايتلام، اختلاق إسرائيل القديمة اسكات التاريخ الفلسطيني، ترجمة سحر الهنيدي ومراجعة فؤاد زكريا، سلسلة عالم المعرفة الكويت العدد249، ط1ايلول /سبتمبر 1999، هامش ص49.
[22]- إمام (إمام عبد الفتاح)،الطاغية، دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي.سلسلة عالم المعرفة الكويت، العدد 183،هامش ص 41.
[23] - المرجع السابق ص 27 .
[24] - المصحف الشريف ، سورة النازعات، الآية 24.
[25] - المرجع السابق ص 161.
[26] -الكتاب المقدس، انجيل يوحنا (18:34-37)، دار المتاب المقدس في الشرق الأوسط ، ص 183 .
اشتدت العداوة لليهود فأحرقت فرنسا سنة 1244 نسخ التلموذ وأمر البابا اننوسنتالرابع باحراق نسخه في روما وامر الكاردينال ليجات أودو بحرق التلموذ ونسخه سنة 1248 وفي سنة 1299 حرق فيليب ليبل كل تلموذ اعيد طبعه واستمر هذا الاضطهاد العهد البابا جون الثاني والعشرين سنة 1322 وعند البابا يوليوس الثالث، وفي اسبانيا من تنكيل وحرق للتلموذ سنة 1492. وكذلك امر سكتوس سيننزيز في روما وفي بولندا سنة 1557 واسنمر العداء حتى أعلن البابا يوحنا بولس في مطلع التسعينيات عن المصالحة بين الديانتين اليهودية والمسيحيةلمزيد التعمق انظر رفيق شاكر النتشة، السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين ، السلطان الذي خسر عرشه من أجل فلسطين ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ط3، ص 18-19.
[27] -وايتلام(كيث)،اختلاق إسرائيل القديمة ،اسكات التاريخ الفلسطيني، ترجمة سحر الهنيدي ومراجعة فؤاد زكريا، سلسلة عالم المعرفة الكويت العدد249، ط1ايلول /سبتمبر 1999 .
[28]- إمام (إمام عبد الفتاح)، الطاغية، مرجع سبق ذكره ص160.
[29]- المرجع السابق ص 172.
[30] - المرجع السابق ص 173.
[31] - المرجع السابق ص 175.
[32] - يفوت(سالم)،ابن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب والأندلس،المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاءط1، 1986، ص53.
[33]- المرجع السابق ص 53.
[34] - لوبون( غوستاف)، الاراء والمعتقدات، نقله إلى العربية محمد عادل زعيتر، عني بنشرها الياس أنطون، المكطبعة العصرية، مصر، دون ذكر رقم وتاريخ النشر. ص 5.
[35]- المرجع السابق ص5.
[36]- المرجع السابق ص5.
[37] -المرجع السابق ص 82.
[38] - قطب( سيد)، العدالة الاجتماعية في الإسلام، ط8، 1388هـ-1968م، ص103.
[39] - المصحف الشريف ، سورة يونس الآية 70 و71.
[40] - المصحف الشريف ، سورة النحل ، الآية 120.
[41] - المصحف الشريف ، سورةآل عمران ، الآية 67.
[42] - المصحف الشريف ، سورة يونس، الآية 84.
[43] - المصحف الشريف ، سورة القصص، الآية 53.
[44] - المصحف الشريف ، سورة النمل، الآية 31.
[45] —الندوي (علي احسني)، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، الدار الشامية بيروت ، ط1، 1999ص41.
[46] - غارودي ( روجيه)، في سبيل حوار الحضارات ، ترجمة عادل العوا، منشورات عويدات، سلسلة زدن علماً، ط 2، بيروت –باريس 1982، ص 144.
[47] - المرجع السابق ص144.
[48] - المرجع السابق ص 145.
[49] - المرجع السابق ص 269.
[50] -الندوي (علي احسني)، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، الدار الشامية بيروت ، ط1، 1999ص 62 .
المصدر:مجلة علوم انسانية arabic book family counseling fox at uluminsania.net السنة الثالثة: العدد 27: مارس (آذار) 2006

رد مع اقتباس
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق