مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

09‏/12‏/2010

ترتيل مأزق الهوية وتجويده



د. فؤاد خليل
أستاذ جامعي - لبنان
       جريدة السفير04/11/2010  

منذ أن طرحت ثنائية البحر والجبل، ارتسمت محددات ثقافية عميقة للأزمة اللبنانية. وهي محددات ذات قوام رؤيوي يتصل بهوية لبنان وموقعه. إذ إن ما تنطوي عليه هذه الثنائية يكشف حمولتها الحقيقية أو مضامينها الفعلية... فالبحر يدل على ان لبنان منفتح على بلاد تقع في الغرب، وهو يحاكي حضارتها ومدنيتها، ويرنو كي يكون على شاكلتهما أو طرازهما؛ وله في ذلك قصب السبق في التاريخ. ففي الزمن الفينيقي خاض لبنان غمار البحار وانفتح على دول المتوسط، وتفتقت «عبقريته» في التجارة وأحرز «شطارة» غير مسبوقة.. والحال، فلا غرو أن يحاكي البلد الصغير، الغرب أي أن يجدّد المجد الذي كان عليه في زمنه «الغابر»! . والجبل يستبطن دلالتيْن: الأولى، المعقل المنيع الذي صدّ الغزوات الخارجية وحفظ استقلاله في ارض وعرة حوّلها «شعبها» إلى «مرقد» تشتهيه أجناس الخلق كافة. والثانية، تقابل الأولى وتمثل الحاجز الذي يفصل لبنان عن الصحراء. وليس المقصود في الصحراء هنا جغرافية بادية الشام أو الربع الخالي (على سبيل المثال)؛ بل سكانها أو أهلوها. فهؤلاء أو أغلبهم الأعم، هم في منطوى الثنائية بدو وأعراب. لهم نمط من العيش يختلف عن النمط اللبناني وهو أدنى منه في مرتبة الرقي والحضارة

وفي المقابل، برزت طروحات تواجه ثقافة البحر والجبل، وتقدّم بدورها رؤيتها الثقافية المخصوصة. فالانفتاح على ما وراء البحر لن يجعل لبنان على حضارة أوروبية أو غربية. «وعبقريته» في التجارة ليست فريدة في بابها. فسلطنة عمان (مثلاً) قدّمت تجربة رائدة في التجارة ابّان القرون الوسطى. وفينيقيا ليست حكراً على لبنان، بل كانت تمتد من رأس شمرا في سوريا شمالاً، حتى الكرمل في جنوب فلسطين. أما الجبل، فهو ليس معقلاً يفصل لبنان عن الصحراء، إنما هو جزء من بلاد أوسع. ولا يصح النظر إلى أهلها على أنهم أدنى من سواهم؛ ذلك أن ظروف عيشهم هي التي تحدد مستوى تطورهم وليس أيّ جبلّة .. أو طبيعة ثابتة فيهم

هكذا يتبدى بوضوح، أن الرؤية الأولى ترى الى لبنان أنه جزء من المشرق العربي بحكم الحتمية الجغرافية. لكنه جزء قائم بذاته، له تاريخه المستقل، وذو هوية خاصة به؛ أي أنه لا ينضوي في الهوية الجامعة للبلاد العربية. وما هو جامع بينهما يقتصر على كونه عضواً مؤسساً في جامعة الدول العربية.. أما الرؤية الثانية، فتفيد بأن لبنان جزء لا يتجزأ من الوطن العربي والأمة العربية، وان تاريخه يندرج في نطاق التاريخ العربي المشترك، كما أن حضارته هي جزء من الحضارة العربية الإسلامية.. 

ان التناقض بين هاتين الرؤيتين، أو بين محدداتهما الثقافية، وضع لبنان في مأزق هوياتي منذ الإستقلال حتى نهاية الحرب الأهلية.. ولقد جرى ترتيل هذا المأزق بشعائر وطقوس ملّونة. فرتّلت الطائفيات المسيحية الرؤية الأولى، وجودّت الطائفيات الإسلامية الثانية. ثم تنادى الفريقان إلى تلفيق تسوية بينهما. فكان ان ابتدعا: لبنان ذو وجه عربي ـ لبنان ليس ممراً أو مقراً للاستعمار ـ لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه. لكن التسوية اهتزت بعنف 1958؛ ولم تلبث أن تفجرّت في مجرى الحرب بين 1975 – 1989. ففي ظل هذا المجرى ظهرت حقائق الرؤيتين عارية من كل زيف أو خداع أو تضليل، أي أنها ظهرت من غير لبوس إيديولوجي عام أو فئوي. فقد أعيد إنتاج ثنائية البحر والجبل من خلال مشاريع التقسيم، أو من خلال توحيد البلد قسرياً وفاق أحكام الثنائية بالذات؛ كما إزدهرت طروحات التفوّق والإستعلاء على الآخر اللبناني (المسلم)، وعلى «الغريب» أي العربي وخصوصاً على السوري والفلسطيني إلى حد لا يبتعد كثيراً عن مقولات التمييز العنصري.. ومن جهة أخرى، أُنتجت عروبة لبنان على قوام عروبة رسمية موصوفة. وهي عروبة دمجية لها باع طويل في البراكسيس التراثي القومي. فكان أن أهدرت خصوصية البلد باسم الوحدة الوطنية. أما حين كانتتدعو إلى الوحدة، فكانت تمارس التجزئة والتفتيت. وعندما كانت ترطن بالحرية، كانت تبتدع في الواقع فصاحة القهر والتسلط.. 

هذه الحقائق تعهدتها قوى طائفية تابعة إلى الخارج. وقد أخذت على عاتقها أن تبني لبنان على تناقض هوياتي:
لبنان ذو وجه عربي وفي حياد عن الصراع العربي الإسرائيلي. وصيغته الفريدة تقوم على التلازم بين الكيان والنظام والطائفة.. ولبنان عربي الانتماء وجزء لا يتجزأ من الصراع. وصيغته الحقه تقوم على المشاركة المتوازنة بين طوائفه..!! 

تغييب المشترك الثقافي 

وفي مساق هذا الانشطار الكياني قدمّ الطائف تسوية «متقدمة» عن تسوية الجمهورية الأولى على الصعيد الهُوياتي. فنصّ على ان لبنان وطن نهائي، وانه عربي الانتماء. وهو جزء من الصراع العربي الإسرائيلي. لكن النص الدستوري، التسووي المسيحي ـ الإسلامي؛ لم يجد ترجمته في ثقافة هوياتية جامعة لدى القوى الطائفية. فما جرى واقعياً بين 1990و2005، هو انبناء ثقافة التخاصم الطائفي الكياني. وقد تبدّت هذه الثقافة عند الفريق المسيحي في مطلب المشاركة المتوازنة، وفي رفض الأرجحية الإسلامية على الدولة. وهو مطلب كان يرافقه أحياناً قول بعض هذا الفريق بالعروبة. لكن أغلبه بقي ضمناً لا يرى فيها هوية جامعة. كما أنها تبدّت عند بعضه الآخر في طروحات كيانية ترى أن لبنان يتشكل من ثلاث مجموعات لغوية ثقافية (عربية ـ فرنسية ـ إنكليزية). أو بمعنى آخر، ليست للبنان هوية جامعة أو مشتركة بين أبنائه.. وظهرت عند الفريق الإسلامي في تثبيت أرجحيته وتعزيزها في الحكم، وفي بناء عناصر قوته السلطوية. وابتدع بوصفه الأقوى، أسلوب الإرضاء والوقوف على خاطر «الخلق». إذ حاول أن يستوعب أو يضم الفريق المعترض على ارجحيته، إلى «حماه» السلطوي. وأفاد هذا الفريق من عروبة منمذجة على مقاس نظام محدد. فوظفّها في خدمة مصالحه الفئوية، على غير صعيد. ومن ثم لم يبنِ كما نظيره، المشترك الثقافي القائم موضوعياً بين مكونات البلد المجتمعية.. 

وما بين رفض ضمني لهوية جامعة، وعروبة منمذجة رسمياً، جرت إعادة إنتاج المحددات الثقافية للأزمة. ثم لم تلبث هذه الأزمة أن اتخذت أشكالاً جديدة مع مسار التحولات السياسية والثقافية في خريطة القوى الطائفية في المرحلة الممتدة بين 2005 وحتى اليوم. وكلُّ مقترب سوسيو ثقافي يتفحص موضوعياً هذه التحولات يمكنه أن يكشف عن تحول كبير في رؤى وثقافة بعض الطائفيات، عمّا كانتا عليه في الجمهورية الأولى، وعن تجدد رؤى وثقافة بعضها الآخر وفاق صيغ محددة ! وعن سيولة رؤى بعضها الثالث في نطاق عدد من الثوابت والأصول الوطنية.. 

وعلى هذا، هناك فريق أو تيار طائفي أعرض عن رأسماله الثقافي التاريخي، أي عن طروحاته ورؤاه الفكرية حول موقع لبنان من الصراع، وحول العروبة وخصوصاً العروبة الناصرية؛ وارتحل الى لبنانية كيانية وأقام في معاقلها.. 

هذه الإقامة جعلته يترجم الكيانية في شعار لبنان أولاً. وهو شعار دال على مدلول وحيد، هو تحييد لبنان عن الصراع العربي الإسرائيلي. والتحييد لا يتطلّب الحرب والقتال. ففيهما تتجلى ثقافة الموت لدى دعاتهما، بل يتطلّب «ثقافة العيش وحب الحياة». ثم تزينت هذه الثقافة بالانفتاح غير المشروط على الغرب الكولونيالي. فرحّب بها الاخير وتبنى تيارها وصنّفه في خانة التيار الاسلامي «المعتدل». فكان موقعه «الاعتدالي» أي موقع « الرشد والحكمة» يقتضي من هذا التيار ان يُعرض عن العروبة الناصرية، وان يذهب الى عروبة «صحراوية» «رشيدة وحكيمة». ومن ثم ان يكثر من الحديث عن عروبة «معتدلة وحضارية». والعروبة الحضارية هنا لا تعني سوى نبذ الحرب والتخفف من عداوة إسرائيل وعقد الصلح معها بحسب شروطها التي هي الى حد كبير شروط الغرب الكولونيالي. والأخذ بهذه الشروط جعل التيار «المعتدل» يستبدل إيران باسرائيل عدوة للأمة العربية و«لعروبته الحضارية» بالذات

لقد ارتكز هذا التيار على ثقافة كيانية معهودة. فانفتح على الغرب، بلاد ما وراء البحر، وابقى على الجبل حاجزاً بوجه «صحراء عربية قريبة» لكنه قفز عنه الى «صحراء عربية بعيدة». فكانت صحراؤه أصلاً من اصول «عروبته الحضارية والاقتصادية» على حد سواء... بتعبير آخر، لقد أعاد بناء ثنائية البحر والجبل في صيغة كيانية جديدة.. وهكذا، اذا كانت الثنائية الشيحاوية قد قامت على انتاج ثقافة الازمة الكيانية، فإن ثنائية التيار المذكور أدارت طيلة السنوات الخمس الأخيرة، مساراً مضطرباً من الأحداث والوقائع، أي أن ثنائيته تقوم على إدارة الفوضى الكيانية التي شاركته في صنعها الطائفيات كلها. فكان أن قدّم بالتالي شيحاوية هزلية تعاهد فيها البحر والصحراء على ثقافة «الاعتدال والواقعية

ومع هيمنة الريع، يغدو من الطبيعي ان تأنف بنيته من ثقافة الانتاج اي ثقافة القوى المنتجة في مصادر رزقها وحاجات عيشها وهمومها الوطنية، وان تنغمس في ثقافة ريعية اي في ثقافة التنعّم بالمال والافتتان بالمتعة السريعة كما الربح السريع، والتفاخر في فنون الاستهلاك وضروبه والتباهي بمظهرية خادعة او مزيفة، وكي يتراكم الربح، كان لا بد من سلطة تؤمن شروط تراكمه، كما شروط تنامي ثقافة الاستهلاك «العصري». وعليه، فكل ثقافة تغلّب مقولة العيش من أجل الاستهلاك ، تعبّر عن هشاشة حاملها البنيوي، وعن سطحية تفكيره، وبالتالي عن قابليته النفسية والفكرية لتبديل خياراته الوطنية والقومية أو أي خيارات أخرى لديه... 
هنالك فريق طائفي ما زال مفتتناً بطروحاته الكيانية. وهي طروحات مستمدة من ثنائية البحر والجبل، وقد اعتد بنفسه وفاخر بها لأن التيار الأول اخذ بقسم واسع من طروحاته تلك. لكن هذا الفريق جارى التحولات الأخيرة في لبنان. فأضاف الصحراء البعيدة الى ثنائيته. ثمّ أخذ يرطن بعروبة لفظية لكل لفطة منها وظيفة في النفع وفي السياسة. اما فصاحته الحقة، فبقيت على حالها لجهة تحييد لبنان عن الصراع وعقد الصلح مع اسرائيل ورفض اي ثقافة وطنية لبنانية وتصويرها إما انها وزر ثقيل على طبيعة لبنان الطائفية، أو أنها وسيبلة الخارج وهو هنا الصحراء القريبة، للتدخل في الشؤون اللبنانية. انه فريق اصيل في لبنانيته الكيانية الضيقة، ولذلك، تلقاه على عهده في اصالتها وخصوصاً بعد ان عززتها عروبة «الاعتدال» او عروبة موادعة العدو الصهيوني، بالولوج الى عروبة اقتصادية مثمرة. كما تلقاه يحفظها بدوغمائية معممة حيث تتوسل التبسيط والسطحية والبداهة، وتقدّم نفسها باسلوب القطع واليقين، وبلغة تكرر القديم بدلالات مؤدلجة... فدلالة الجماعات اللبنانية تحيل «حتماً» الى الطوائف؛ والى ان لبنان هو بالبداهة بلد طائفي وطرح المجتمع المسيحي (بين الحين والآخر)، يدل بشكل «قاطع» على وجود «نقيض» له، هو المجتمع الاسلامي، أي على وجود حضارتين او ثقافتين «مستقلتين» في لبنان، ولكل واحدة مرتبتها في معارج التقدم التاريخي. والحديث عن الخصوصية يدل «حكماً» على الوجود المسيحي . والكلام على العروبة يدل دون «لبس» على «الذوبان المسيحي» في المحيط الاسلامي الكبير

هكذا يبني الفريق المذكـور هويته الكيانية. وهو بناء ايديولوجي يتــصف بثقافة البداهة والاختزال . وتلك ثقافة تعبّر عن طبيعة اطارها المجتمعي. فهذا الاطار، تتوزعه فئات طبقية وسطى وصغيرة، وذات اصول ريفية وجبلية غالبة. وقد جعلتها هذه الأصول تمجّد الجبل وريفه، وتعلي من شأنه كمعقل خاص لها، تعتز به و«تستقل» من خلاله عن الآخر، في سبيله، تفتتن بذاتها الجمــاعية وتعدها في باب الفرادة. ترتاح الى ما وراء البــحر لأنه يرسّخ خصوصيتها. وتتوجس من وراء الجبل لأنه لا يتورع عن تهديدها... ولعل هذا ما جعلها على وعي ايديولوجي ضيق. وهو وعي يأنس بقابلية عالية، الى البداهة والسطحية والتبسيط، في اعلاء انتمائها الى هوية لبنانية ضيقة... 

وثمة فريق او تيار طائفي يتشكل من الفئات الطبقية نفسها، غير انه اكثر حضوراً في فئات مدينية وخصوصاً في الضواحي الجديدة. وهذه الميزة خوّلت نخبه ان تنفتح لاحقاً على خيارات فكرية وسياسية مغايرة لما كانت عليه طبيعة خياراته الاصلية

لقد كان هذا التيار يعبّر في اصول نشأته، عن ثقافة تكوينه المجتمعي في غلبة واضحة للطابع الريفي عليها. فكان ان قدّم خطاباً منطوياً على الطروحات الكيانية وعلى ثقافة الثنائية ذاتها. إلا انه ميّز خطابه بشعبوية تنغرس في تربة الريف والجبل والاحياء الشعبية في المدن، ما جعله يغدق عليه لبوس المنعة والاستقلال، والعنفوان والتحدي، والعزة والسيادة، والمجد والحرية، والانفة والتشوف في العلاقة مع الآخر. وتلك مفردات تحيل في مساق الخطاب الكياني التاريخي الى التسامي بثقافة الهوية اللبنانية والضيقة، ورفض او توهين اي انتماء الى هوية أخرى

وحافظ التيار على خطابه في الجمهورية الثانية الى عام 2005، وبعد خروج سوريا من لبنان، اخذ يجري تعديلات على رؤاه الفكرية والثقافية. وقد جاءت تعبيراً عن تغليب وعيه المديني في هذه المرحلة. فدخل في ضوئها في تجربة قيل عنها انها جديدة. اذ تفاهم مع من لم يكن ممكناً ان يتفاهم معه من ذي قبل. وانفتح على ثقافة الآخر، ولم يحسبها ثقافة ضدية لثقافته، بل وجد فيها خصوصية تغني واقع التنوع في لبنان. كما انفتح على ثقافة المقاومة، ورأى ان لبنان جزء من الصراع العربي الاسرائيلي، وتصالح مع خصمه الشرقي، ولم يأبه للتداعي السياسي عليه. ثم تحدث عن هوية مشرقية للمسيحيين، تستقي عناصرها من حضورها التاريخي الفاعل ومن تثاقفها مع المشرقيين كافة

وفي داخل خريطة القوى نفسها، يبرز فريق رابع يتشكل هو الآخر من فئات طبقية وسطى وصغيرة تنتشر في الريف، وفي الاحياء الشعبة للمدن وفي ضواحيها وتتوفر على ثقافة عامة يغلب عليها طابع الثقافة الشعبية والدينية الرفضية. وقد افاد هذا الفريق من ثقافة الرفض التي يختزنها تكوينه المجتمعي، فعمل على تأطيرها داخل ثقافة متسقة ومتكاملة، آخذاً بمنظومة ايديولوجية دينية ومتمايزاً بذلك عن القوى الأخرى. وهي منظومة ما فوق كيانية تحيل الى رؤية اوسع بكثير، اي الى رؤية ملتزمة بالقضايا الوطنية الكبرى سواء في لبنان أم في الاقليم... لذلك، رأى ان لبنان جزء من الصراع العربي الاسرائيلي. وقد خاض طويلاً في مجرى هذا الصراع. وقدّمت مقاومته تجربة رائدة في بابها. ثم ركّز على طرح ثقافة المقاومة وعدّها عنصراً من عناصر هويته

لكن هويته اصطبغت بالتناقض بين وظيفته وتركيبته. فهو يقوم بوظيفة وطنية وقومية ذات طبيعة جامعة. وهو يتكون من تركيب طائفي ذي طبيعة انقسامية في الانتظام الطائفي اللبناني. كما اصطبغت بثنائية العروبة والاسلام. وهي ثنائية تدخل الالتباس الى هويـته اذا لم يجر تحديد اي من طرفيها هو المرجع الانتمائي، واذا لم تتحول الوظيفة الوطــنية والقومية الى عاصم فكري وسياسي ضد التطييف . اما اذا استمر ذنيك التناقض والالتباس، فإن هذا الفريق لا يستطيع ان يقدّم الا خطاباً مركباً وغير متطابق في ثقافة الهوية. وهو خطاب يؤدي الى همينة المفارقة الدائمة التي تنتجها علاقة التراكب غير السوي بين الوطني والقومي، والديني والطائفي في «منظومة واحدة» لا انتظام متسقاً بين عناصرها ومكوناتها

يتضح من خلال هذا المقترب المكثف، ان رؤى وثقافة القوى الطائفية في مرحلة التحولات بين 2005- 2010 قد أعادت انتاج المحددات الثقافية للازمة اللبنانية. وكل منها أعاد انتاجها بترتيل او تجويد خاص به. لكنها تشاركت في تعميق مأزق الهوية. وهو المأزق الذي شكل القاع الثقافي والسوسيولوجي لديناميات التخاصم الطائفي بين 8 آذار و14 آذار طيلة المرحلة المذكورة
أما التصدي للأزمة، فإنه يبدأ من بناء المشترك الثقافي بين مكونات لبنان المجتمعية.

abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق