رمزية ريحان
المعهد العالي للدكتوراه - لبنان
26/11/2010
المصدر أنتوني غِدِنز، علم الإجتماع، ترجمة وتقديم : الدكتورـ فايز الصُيّاغ ...
يعتبر "العرق" من أكثر المفاهيم تعقيداً في علم الإجتماع ، نظراً للتناقض في استخدامه وغياب الأسس العلمية الموضوعية. فالعلماء والباحثين قاموا بتصنيف الشعوب والبشر على أساس عرقي نسبة للعوامل البيولوجية.
وذلك التصنيف أتى من قبل الباحثين تبريراً للنظام الإجتماعي بعد انتشار السيطرة الإستعمارية على بلدان العالم وخاصة الأوروبية منها في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ومن الباحثين الذين اشتغلوا في هذا التصنيف العرقي الكونت جوزيف آرتر دوغو بينو (1816-1882) الذي اعتبر تفوق الذكاء لدى العرق الأبيض على الأسود والصفر. ولحقه في ذلك حركات عنصرية وعرقية كحركة أدولف هتلر (النازية) في ألمانيا وحركة كُوكلوكس كلان في الولايات المتحدة وغبان الحرب العالمية الثانية تهاوت جميع المحاولات النظرية العرقية التي تعلي العرق الأبيض على غيره، وأصبح الدارسون في علم الإجتماع يعتبرون استخدام مفهوم العرق يرتبط بتصورات ايديولجية واستعلائية لما يدل على دلالات عنصرية مرتبطة بأصول بيولوجية، ولذلك تم استبداله بمفهوم "الأثنية"[1] لما يحمله من معنى إجتماعي خالص، فهو يشير إلى مجمل الممارسات الثقافية التي تعتنقها جماعة ما والتي تتميز عن غيرها سمات اللغة أو التاريخ والدين وأساليب الحياة اللباس والزينة.
والأثنية كظاهرة إجتماعيّة يجري إعادة إنتاجها على مر الزمن من خلال التنشئة الإجتماعية. فهي تحتل مكانة مركزية في تكوين الهويات الفردية والجماعية وتتعزز من خلال ممارسة التقاليد الثقافية في المجتمع.
ويؤثر علماء الإجتماع عدم استخدام مصطلح الأثنيّة لأنه ينطوي على معانٍ ودلالات وأبعاد إجتماعية ، كما أنّ الفوارق الأثنية بين جماعة وأخرى تولّد عدد من الإشكالات ذلك أنّ الجماعة التي تمثل أغلبية السكان تعتبر نفسها هي المكون الأصلي الأصيل للمجتمع تجاه الجماعة غير الإثنية أو (الأقليّات) التي تنتمي إلى نفس المجتمع وتعيش فيه.
ويشيع استخدام مصطلح الأقلية /الأقليات في أوساط علماء الإجتماع المحدثين لا للدلالة على الحجم العددي والإحصائي لفئة معينة من السكان، بل يضاف صفة الثنية بعد مصطلح الأقلية لتمييز مجموعة ما من الوجهة الإجتماعية بخصائص معينة وهذه الجماعة "الأقليّة الأثنيّة" غالباً ما تكون مستضعفة تخضع للأغلبية الساحقة في المجتمع وعادة يميلون إلى إعتبار أنفسهم متميزون عنهم، فيقيمون في مناطق بعيدة عن مساكن مساكن الأغلبيّة وفي أحياء مميزة، ويرتفع التزاوج فيما بينهم. مثلاً حالة (الأرمن في لبنان والفلسطينيون) وفي المجتمعات الغربية تتميز هذه الفئات بخصائص مادية وثقافية إثنية تنعكس على أنماط سلوكهم ومما يحملونه من معتقدات.
التحيّز والتمييز والعنصرية:
وكثيراً ما تربط مظاهر استضعاف "الأقليات الإثنية" في نظر علماء الإجتماع بشيوع مواقف التحيز واللامساواة ضدّها على المستويات الفردية والإجتماعية بالرغم من اختفاء نظام الفصل العنصري في الولايات المتحدة وانهيار نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا، فنجد أنّ هذه الأنظمة استعيض عنها في المجتمعات الغربية بما يسمى العنصرية الجديدة ويسميها علماء الإجتماع "العنصرية الثقافية" وهذا شكل جديد في تغليب ثقافة معينة على أخرى. مثلاً التركيز على ثقافة الأغلبية البيضاء مع الحط من الثقافات الأخرى في المجتمع نفسه.
التفسيرات السيكولوجية تجاه "الأثنية":
وتشير التفسيرات السيكولوجية للتفرقة الإثنية من خلال تقديم مقاربتان في علم النفس تساعد على فهم التوجهات المتحيزة والأسباب التي يعلّق عليها الناس.وتعتمد المقاربة الأولى على أنّ التحيّز يدور اساسه من خلال النمذجة أو التفكير النمطي أي أنّ هناك خصائص ثابتة ومتصلة على جماعة بشرية ما تظهر مشاعر العداء تجاه الآخرين وخاصة في لحظات فورات المزاج والغضب وبرز هذا النوع من خلال دراسة أجراها تيودور أدورنو عن (الشخصية التسلطية) ويرى أنّ خصائص تلك الشخصية هي حصيلة التنشئة الإجتماعية المبتورة من العاطفة والمحبة من الأهل .
وتلك الدراسة تعرّضت للإنتقادات ، وتركزت حجج الآخرين على أنّ النزعة التسلطية ما هي إلا انعكاس للقيم والمعايير التي تتبناها ثقافة فرعيةفي سياق المجتمع.
التفسيرات السوسيولوجية :
ومن هنا تأتي التفسيرات السوسيولوجية لتحديد أسباب النزعة العنصرية والتحيّز بوضعها في الإطار الثقافي وفي البنية المؤسسية للمجتمع.
ويجيء دور الأفكار التي طرحها علماء الإجتماع لتفسير تلك العداوات الإثنية في ثلاث محاور وهي " التمركز الإثني" و "انغلاق الجماعة الأثنية" و "تخصيص الموارد" فالأولى تشير إلى الشك تجاه الأجانب مقروناً بتقييم ثقافات الآخرين ويلازمها التفكير التنميطي ويظهر لديها الآخرين كبرابرة أو منحطين أخلاقياً وهذه الطريقة نجدها بين أصحاب المدن وأبناء الثقافات الصغيرة .
أما انغلاق الجماعة فيشير إلى محافظة المجموعة على الحدود الفاصلة بينها وتعمل على ترسيخ وسائل الفصل كحظر الزواج والحد منه وفرض القيود على العلاقات الإقتصادية والتجارية وغالباً ما تشترك في هذا النوع جماعتين بنفس القوة. ومن جراء الإنغلاق تنشأ أعنف الصراعات بين الجماعات الإثنية ذلك أنّها تشير إلى التفاوت واللامساواة في توزيع الثروة والسلطة والمنزلة الإجتماعية مما تدلنا على الفوارق المختلفة الظاهرة والخفية التي تفصل الجماعات.
وقد يحاول بعض الدارسين تتبع النزعة العنصرية إلى أصولها في الثقافة العامة في المجتمع وتمثل هذه الظاهرة إلى استجابة طبيعية في أوقات التغيير وعدم الإستقرار . لكن هذه التفسيرات لا تصل إلى حل المشكلة لأنّها لا تربط النزعة العنصرية بالبنى والقوى الفاعلة على مستوى المجتمع.
فيما يرى بعض المنظرين الماركسيين أنّ العنصرية هي من نتاج النظام الرأسمالي ، ذلك أنّ الطبقة الحاكمة قد استخدمت العبودية والإستعمار والعنصرية العرقية بوصفها أدوات لاستغلال الطبقة العامة. غير أنّ الماركسيين الجدد يعتبرون أنّ العنصرية حصيلة القوى الإقتصادية بمفردها، في حين يرى بعض الدارسين أنّ العنصرية ظاهرة مركبة متعددة الوجوه تشمل التفاعل بين المواقف والمعتقدات التي تحملها الكيانات الإثنية والطبقات العاملة وأنّ مجال النزعة العنصرية هو أوسع بكثير من الأفكار القمعية التي تحملها وتمارسها النخب القوية ضدّ الجماعات الضعيفة.
وفي الواقع إنّ إرتفاع معدّل الهجرة إلى البلدان والمجتمعات الأميركية والأوروبية وغيرها من الدول التي تشجع الشعوب إليها، أدّى إلى تزايد وتعدد الإثنيات في المجتمعات الحديثة مما زاد من حدّة الصراع الإثني. فالبعض قام بتهجير وطرد الجماعات المغايرة والحرب عليهم والبعض الآخر قام بتطهير وإبادة شعوب اثينية كاملة. وكان من بعض نتائج هذه الحروب وحملات الإبادة هذه سقوط بعض الأنظمة السياسية وخضع زعمائها إلى محاكم دولية بعد اتهامهم بجرائم ضد الإنسانية.
[1] من المفهومات الرئيسية في علم الإجتماع مفهوم الإثنيّة (Ethnic Group)، وكلمة إثنيّة مشتقة من أصل يوناني بمعنى شعب، أو أمة أو جنس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق