مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات تأمل من زوارها الكرام المشاركة في الاستطلاعات التي تجريها بفعالية نظرا لفائدتها العالية
مجموعة اليسر للتدريب والاستشارات هي شركة تضامن لبنانية مسجلة تحت الرقم 489 تتنشط في مجال الدورات التدريبية والمؤتمرات العلمية والتربوية والاجتماعية والادارية والثقافية والتنمية والارشاد الاسري والاجتماعي ، واصدار المنشورات المتخصصة ، وتقديم الاستشارات في المجالات المذكورة وتوقيع الاتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات والشركات الوطنية والعالمية على انواعها والقيام بالاستطلاعات والابحاث العلمية والدراسات المتخصصة في لبنان والخارج - نتمنى لكم زيارة ممتعة

08‏/12‏/2010

الديمقراطية التوافقية كمرحلة أولية في عملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي.









رضوان زيادة .
مدير مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان. 
منقول : مجلة المستقبل العربي،مركز دراسات الوحدة العربية،كانون الأول(ديسمبر)2006،العدد 334 ،لبنان
تربط الكثير من الدراسات المتخصصة في ما يسمى ب" التحول الديمقراطي " بين القيم الثقافية لمجتمع من المجتمعات ، و بين صيرورة العملية الديمقراطية، فاستقرار مفاهيم من مثل التعددية والفردانية و المواطنة و حقوق الإنسان والمساواة داخل القيم العميقة للمجتمع ، يعد عاملا حاسما لجهة التحول الآمن لهذا المجتمع نحو الديمقراطية.من دون ذلك ربما لن تستطيع "الديمقراطية الوليدة" أو الناشئة أن يتصلب عودها من دون وقت طويل من الصراعات و الشد و الجذب بين مناصريها و أعدائها ، و التي ربما تتجلى في نزاعات مسلحة أهلية أو طائفية و ضعف المؤسسات الشرعية و الدستورية، و ربما أخطر من كل ذلك فقدان الأمن الشخصي للمواطن بما يعني فقدان استقرار المجتمع و الدولة معا.
النظام الديمقراطي إذا يكون أكثر أمانا عندما تكون بناه و سيرورته منسجمة مع القيم الشعبية العامة و النخبوية أكثر منها متصادمة.
لكن، ربما ينقلنا ذلك إلى تلك الثنائية التاريخية التي سادت فترة لا بأس بها و استقرت داخل وعي النخب العربية ، و تتعلق بالربط بين السيرورة الديمقراطية ودرجة التطور الإقتصادي ، وذلك عبر الربط بين درجة تطور الوعي الثقافي و بين الديمقراطية.
لابد من القول-في البداية- إن معظم الدراسات الجدية أشارت إلى وجود علاقة متبادلة إيجابية بين التطور الإقتصادي و الديمقراطية و بحسب تعبير ليبسيت (lipset)"كلما كان حال الأمة أفضل كانت فرص تعزيز الديمقراطية أعظم"، و قد برهن ليبسيت على أن الديمقراطيات عموما تكون أقرب لأن يكون مستوى تطورها الإقتصادي أعلى من اللاديمقراطيات.
و قد تابعه فيما بعد الكثير من الباحثين و لا سيما أولئك الذين احتفظوا بانتقادات جادة للديمقراطية انطلاقا من المنهج الإقتصادي أو الماركسي ، لكن سيغل و فاينزشتاين وهالبرين حاولوا إعادة قلب المعادلة و إعادة طرح النظرية بمنطق مختلف و هي" لكي تتطور الدول الفقيرة اقتصاديا ينبغي عليها أن تصبح ديمقراطية "، فقد نمت الديمقراطيات الفقيرة بسرعة توازي على الأقل سرعة نمو الأوتوقراطيات الفقيرة ، و تفوقت عليها في الأداء تفوقا كبيرا بحسب معظم مؤشرات الرفاهية الإجتماعية ، كما تفوقت هذه الديمقراطيات كثيرا في مجال تجنب الكوارث.
و هكذا يناقض سيغل و رفاقه النظرية القائمة على أسطورة"التنمية أولا" التي نادى بها كما قلنا منقبلسيمور مارتن ليبسيت قبل خمس و أربعين عاما ، معتبرين أن هذه النظرية أدت أولا إلى تخليد الإستبداد ، كما أنها أعطت مبررا حقيقيا للغرب لمساندة الحكومات الإستبدادية التي كانت خارج سيطرة الإتحاد السوفياتي ليحول دون تحولها إلى شيوعية ، و كتبرير قائم على أن الحكم السلطوي يخلق بنية اقتصادية و صناعية قوية في بيئة اجتماعية و ثقافية هشة.
بيد أن السجل الإقتصادي السيء للحكومات العسكرية في دول أمريكا اللاتينية ، والحكومات الدكتاتورية في أفريقيا و الدول الشيوعية في أوروبا الشرقية و آسيا أسقط الهالة النظرية التي أحاطت بنجاح بعض الأوتوقراطيات في شرق آسيا و بخاصة في سنغافورة و كوريا الجنوبية و تايوان وحديثا الصين ، فارتفاع نسب الفقر إلى درجة السقوط في المجاعة و الإخفاق في السيطرة على نسب البطالة و الفشل الصحي المتمثل في انتشار الأمراض الوبائية و الجائحة ، جعل الكثير من الباحثين ينتهون بعد مقارنة طويلة بين الدول الديمقراطية ذات الدخل المنخفض وبين نمو الدول ذات الدخل المنخفض و تحكمها حكومات سلطوية ، إلى أن الديمقراطيات ذات الدخل المنخفض، قد نمت بالمتوسط بسرعة توازي سرعة نمو الأوتوقراطيات ذات الدخل المنخفض خلال الأربعين سنة الماضية ، كما إن متوسط معدلات نمو الدخل الفردي في الديمقراطيات الفقيرة كان أعلى بخمسين في المائة من مثيلاته في الأوتوقراطيات الفقيرة ، فالبلدان التي اختارت الطريق الديمقراطي مثل جمهورية الدومينيكان ، و الهند و لاتافيا و موزامبيق والسينيغال قد سبقت نظيراتها الأوتوقراطية مثل أنغولا و جمهورية الكونغو و أوزبكستان وزيمبابوي ، وتصبح الأفضلية هذه أكثر وضوحا عندما ينتقل النقاش من معدلات النمو إلى المقاييس الأوسع للرفاهية من حيث قياس المؤشرات الإجتماعية مثل متوسط الإعمار المتوقعة وتوفير ماء الشرب النقي ، و معدلات التعليم ، وناتج الغلال الزراعية ، ونوعية الخدمات الصحية العامة.
و بذلك يمكن القول بثقة أن الفرضية القائمة على جدلية"التنمية أولا" و التي تزعم إن الديمقراطية ستتبع آخر الأمر التقدم الإقتصادي ، و بالتحديد حين يصل مستوى الدخل إلى المستوى المتوسط ما يدعم بناء الطبقة الوسطى ، وهو بدوره سيجعل عددا متزايدا من المواطنين رفيعي الثقافة يطالب بمشاركة سياسية أكبر، و هو ما سيقود في النهاية إلى تحول ديمقراطي ناجح هذه النظرية منيت بفشل ذريع لأن عددا محدودا جدا فقط من هذه الدول السلطوية قد استطاع بلوغ مستوى الدخل المتوسط من بينها اسبانيا و البرتغال و اليونان و التي يعود تحولها الديمقراطي إلى أسباب أوسع بكثير من تأثير نخبة طبقتها الوسطى ، وهذا يعني أن الدول ذات الأنظمة السلطوية لم تفشل فقط في تحقيق المشاركة السياسية و بناء المؤسسات الدستورية المستقرة، و إنما فشلت أيضا في تحقيق النمو الإقتصادي الذي تتذرع به من أجل عدم تحقيق الديمقراطية.
يعيد سيغل ورفاقه ذلك إلى عدد من الأسس المفاهيمية الرئيسية أولها لأن الديمقراطيات الفقيرة تتفوق في أدائها على الحكومات السلطوية ، لأن مؤسساتها تخول اقتسام السلطة ما يشجع على الإنفتاح و التكيف، فتأثير القواعد الشعبية على النخب الحاكمة ينعكس بشكل جلي في تحسين البرامج الإقتصادية و التنموية ، لأن العلاقة قائمة على المحاسبة و المساءلة و ليس على المحسوبية الضيقة التي تعطي حافزا ضئيلا لذوي السلطة في التركيزعلى رفاهية المجتمع فالميزة التنموية تتحقق في الديمقراطية اعتبارا من مبدأ المراجعة و الموازنة(cheks and balances)أي مراجعة كل مؤسسة من مؤسسات الدولة التشريعية و التنفيذية و القضائية للأخرى بغية الوصول إلى نقطة موازنة لخدمة المصالح العامة.
أما الأنظمة السلطوية فإن الإحتكار السياسي غالبا أو دائما ما يتحول إلى احتكار اقتصادي ما يضعف المنافسة و الإبتكار و هو يشل في النهاية الفعالية الإقتصادية .
ثاني هذه الأسس يعود إلى انفتاح الديمقراطيات على تدفق المعلومات و بالتالي قدرة القادة و الجمهور معا على الأخذ بعين الإعتبار بنطاق واسع من الخيارات ، ما يعزز السياسات الفعالة ذات الكفاءة و المعدلة بحسب الطلب، فالتطوير هو تمرين لتعليم المواطنين، و بالتالي تكون القدرة على تصويب الأخطاء أكبر، ما يعني أن الفرصة نحو الإنتقال باتجاه الخيارات الأمثل هي أكبر بكثير من الحكومات السلطوية التي تدار وفق آلية عمل المنظمات السرية، ما يضعف القدرة على التصحيح و يفتح الباب بشكل أوسع نحو الدخول في سلسلة لا متناهية من الأخطاء التي غالبا ما تنتهي بالكوارث السياسية و الإقتصادية.
وهكذا إذا كانت أسطورة "التنمية أولا" أو ما يسمى "الديمقراطية الإجتماعية" قد فشلت رغم طول عمرها الزمني في إنجاز ما سعت إليه على مستوى تحقيق التنمية الإفتصادية أولا ثم الديمقراطية ثانيا،فهل تكون العلاقة الجدلية بين "القيم الثقافية" وبين الديمقراطية محاولة أخرى لافتعال ثنائية تستهدف تبرير فشل تحقيق الديمقراطية عمليا؟
لقد استخدم الكثير من الباحثين هذا المنهج التفسيري في تحليل غياب الديمقراطية أو تطورها عند الكثير من المجتمعات غير الغربية و بخاصة العربية.و قد كان أحد مكونات هذا الإتجاه في الأدبيات الغربية، يركز على مجموعة خصائص و صفات الشعوب العربية، و منها النفاق و اللاعقلانية و الأعراف المتعلقة بالشرف ، وهي صفات و قيم تتناقض بمجملها مع الديمقراطية وقد يعيد البعض ذلك إلى "الإسلام" بوصفه دينا لا ينسجم مع الفكرة الديمقراطية لأنه لا يفصل بين الروحي و الزمني.
بيد أن وجهة النظر هذه تنظر إلى الثقافة أو حتى القيم نظرة سكونية قارة غير قابلة للتبدل أو التحول، و لا تحاول النفاذ إلى الأصول الإجتماعية و السياسية التي أتاحت لمثل هذه القيم الظهور هذا إذا سلمنا جدلا بمركزيتها و تأثيرها المحوري في الثقافة العربية ، ما جعلها تسود و تشكل بؤرة أو حلقة تنطلق النظرة السياسية العربية منها.
القيم ترتبط بعلاقة وثيقة بالمناخ السياسي السائد الذي يمكن أن يفرض شكلا من احترام القانون أو النظام ، و يمكن أن يشجع على إشاعة فكرة الفساد والمحسوبية، ويمكن أن يعزز المساءلة وما يرتبط بها من قيم النزاهة و المسؤولية، ويمكن أن يكون بيئة خصبة لنمو قيم التحلل و الهدر وانعدام المسؤولية و عدم حرمة المال العام.هناك إذا صلة عضوية جعلت الكثير من الباحثين يرهنون عملية التحول الديمقراطي بنمو فكرة المجتمع المدني الصاعدة تلك الحاملة لقيم مختلفة عن تلك التي أشاعها النظام التسلطي القائم، من شأنها أن تقود أو توجه مرحلة التحول الشعبيوالنخبوي باتجاه نمط جديد من القيم قائمة على المواطنة و الحرية و المساواة و المسؤولية والتعددية ،ولذلك تعد العلاقة القائمة بين النظام و المجتمع ذات دور حساس و محوري في توجيه عملية التحول الديمقراطي، فإذا كان المجتمع مخترقا مفككا، أي أن قوى المجتمع المدني ضعيفة غير متطورة ،فإن الضغط المنظم على النظام من جانب المجتمع يكون قليلا أو محدودا نسبيا
و يكون الضغط من أسفل باتجاه الديمقراطية ضعيف، و غالبا ما لا يكون لغياب آليات حل خلافات النخبة الحاكمة ذات شأن على مصير النظام.فيمكن أن تؤدي تلك الخلافات إلى تغيير في تركيبة هذه النخبة، و حتى يمكن أن تقود إلى تغيير النظام، لكن ذلك سيكون على الأرجح مجرد استبدال نظام سلطوي بآخر مثله.و لكن حينما تتمكن قوى المجتمع المدني من التطور، ولا سيما في شكل أحزاب سياسية مدعومة بشبكة واسعة من هذه المنظمات العامة و الخاصة ، و مؤهلة أو قادرة على ممارسة ضغط على النظام ، وذلك عبر امتلاكها بنى تنظيمية متطورة فعلا و قاعدة جماهيرية مع وسائل أو آليات واضحة لإستقطاب آراء هذه القاعدة وإطلاقها على المسرح السياسي فإن مقدرتها تكون على التأثير على مسارات التطورات داخل النظام مرتفعة و متعززة.
إن حضور قوى مجتمع مدني من هذا النوع يجعل الخوف من عواقب تجاهلها مدمرا، مما يشجع معظم الإصلاحيين للسعي إلى إحداث تغيير يقود في النهاية إلى تحول ديمقراطي ، ويعتبر التحول الديمقراطي في اسبانيا عبر الضغط من قوى المجتمع المدني حالة نموذجية على هذا النمط من التحول.
وذلك عندما رأى الحكام أنهم لا يستطيعون البقاء في السلطة ، في المحيط الأوروبي من دون استخدام مكثف للعنف ، في حين لا يستطيع أولئك المعارضون للنظام، على الأقل في الوقت الراهن ، تعبئة قوة كافية لإسقاطه، نظرا إلى موالاة القوات المسلحة للنظام، وهو ما خلق سلسلة من الضغوطات و ردود الفعل المضادة تدعى ب" لولب القمع و التنازلات"، إلى أن قاد ذلك في النهاية القيادة الإصلاحية في النظام ، و بخاصة رئيس الوزراء سواريث والملك،إلى القيام بعملية التغيير و التحول الضرورية بالحفاظ على نمط حساس و دقيق من التوازنات ، تجلت في إبقاء كل العناصر المحافظة في النظام و العناصر الأكثر راديكالية في القيادة المعارضة ضمن حدود العملية الواضحة لتغيير النظام باتجاه نظام ديمقراطي.
لكن، ماذا سيكون عليه الحال إن كان المجتمع المدني جنينيا أو حتى في حالات أخرى معدوما أو مشلولا عن الحركة و الفعل و بخاصة في حالات الأنظمة الشمولية (التوتاليتارية) (totalitarianisme) التي تسيطر الأنظمة الحاكمة فيها على كل مجالات و حقول الحياة المختلفة الإقتصادية و الإجتماعية و الإعلامية و الأهلية و بالطبع السياسية، كما يتميز هذا النظام بقيادة لا حدود ولا ضوابط لصلاحياتها و سلطتها، بحيث لا يمكن لأحد سواء أكان مسؤولا في النظام أو مواطنا عاديا التنبؤ بما قد يحصل، و يترافق ذلك مع نمط منالتعبئة الشعبية الكاريزمية التي تستهدف تفريغ النشاط الشعبي العام و جعله مسيطر عليه تماما عبر التأكيد المستمر أن لا تعبئة شعبية على أساس مستقل، بحيث يجري ضرب كل أشكال التنظيم المستقل و تطبيق قمع شديد و قاس لها ، ولا سيما تلك التي تحمل أملا في بلورة اتجاه سياسي حقيقي مستقل ، وقد انطبق ذلك بحدود ما على كل من العراق و سوريا و ليبيا و مصر في فترة من الفترات.
و لذلك غالبا ما تكون "الثقافة السائدة" أو"القيم الموجهة" متصفة بالسلبية و العجز ، بل أحيانا بالعنف و الإقصاء و الرفض ، بحكم أن المجتمع المغلق غالبا ما يكون تربة خصبة لنمو ثقافة الرفض كنمط من أنماط الحماية تجاه النظام السلطوي القائم، وهو لذلك يرتد إلى روابطه ما قبل المدنية القبلية و العائلية و الطائفية ، ويحتمي بها كحصن أخير ما دامت كل الروابط المدنية الحقوقية و السياسية و الفكرية قد جرى تدميرها و تحطيمها من قبل النظام الحاكم.
و هنا تكون عملية التحول الديمقراطي مسألة في غاية الصعوبة و الحساسية، فمن المعروف أن البلدان التي لم يدمر الحكم السلطوي فيها قوى المجتمع المدني ، تكون فرص التحول السريع إلى الديمقراطية فيها أعظم بكثير من تلك البلدان التي إما سحقت فيها هذه القوى أو تنقصها القوة والحيوية لتبدأ فعلها ، ففي البلدان الأخرى التي اتسمت قوى المجتمع المدني فيها بالقدرة على استعادة حيويتها ووحدتها من خلال بقاء قاعدة المجتمع المدني سليمة من حيث الجوهر كما في أوروبا الجنوبية و بخاصة اسبانيا و اليونان و البرتغال ، حيث كان الضغط الشعبي أكثر بروزا مقارنة مع مناطق أخرى مثلأمريكا اللاتينية التي كانت قوى المجتمع المدني فيها أقل رسوخا.
لذلك غالبا ما يسود شكل من أشكال الثقافة الإنقسامية أو التجزيئية لا على أسس سياسية، و إنما بناءا على اعتبارات دينية أو طائفية أو عرقية أو اثنية، بحيث تصبح هذه الإنقسامات أشبه بالكانتونات المعزولة غير القابلة للتجاور أو الحوار، و تكون المشتركات الوطنية الجامعة بين مختلف هذه الأطراف في حدها الأدنى، هذا إن لم تنعدم في بعض الأحيان و يكون ذلك مؤشرا على بداية الدخول في حرب أهلية طويلة و مزمنة لا يكون الخروج منها سياسيا أو تعاقدياإلا وفق منطق"الإنهاك المتبادل"، إذ تشعر الأطراف جميعها بوصولها إلى نقطة القاع النهائية من حيث القدرة على تحمل الآلام و العذابات المستمرة و الدائمة، ولذلك تضطر إلى الدخول في مفاوضات مع الأطراف الأخرى للوصول إلى مخرج أو حل سياسي غالبا ما يعكس "توازن الضعف" الذي وصلت إليه الأطراف جميعها.
و عليه فغالبا ما يتأسس هنا "ميثاق تعاقدي" أو"دستور توافقي"يعكس اتفاقات الحد الأدنى كما هي حال وثيقة الطائف التي توصلت إليها الأطراف اللبنانية المتناحرة بعد حرب أهلية استمرت خمسة عشر عاما.
و كما يعرف أودونيل(o'doonell) و شميتر(schmitter) الميثاق بأنه "اتفاق -قد يكون غيرعلني-بين مجموعة قوى ساعية لتحديد-أو إعادة تحديد-القواعد التي تحكم ممارسة السلطة على قاعدة ضمانات متبادلة للمصالح الحيوية لكل الأطراف المشاركة في العملية".
الديمقراطية التوافقية كمرحلة أولية في عملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي .
يعد الميثاق التعاقدي خطوة بالغة الأهمية و الحيوية في الوقت نفسه في عملية التحول الديمقراطي، ذلك أنه يضع الأسس لحل وسط انتقالي ، ربما يمتد لفترة طويلة و يتعلق ذلك بمستوى الحراك السياسي و الإجتماعي و الثقافي.هذا الحل يكون محل تفاوض و اتفاق تتفق بموجبه القوى على امتناع كل طرف من استخدام قوته لإيذاء الآخر و مصالحه الحيوية.
إن الميثاق التعاقدي هذا يعتبر لب و جوهر ما يسمى "الديمقراطية الوفاقية" أو "التوافقية" ، إذ هو يضبط حدود هذا الوفاق و التوافق بالنسبة إلى كل الأطراف ، ويعكس بالوقت نفسه التوازنات الدقيقة بينها ، وربما يكون هذا الميثاق مؤقتا ، أي أنه يحتاج إلى مفاوضات جديدة وخاصة عندما تتغير الأوضاع و يدخل لاعبون جدد الحلبة السياسية، لكن، تبقى بعض عناصر الميثاق أساسية ودائمة في ترتيبات التحول، وغالبا ما تغدو علامات دائمة تسم النظام السياسي و تدخل في صلب هيكليته.
لكن المفارقة تكمن في التناقضات التي ربما يحملها الميثاق، إذ تسعى نحو تحقيق شكل من أشكال الديمقراطية بوسائل لا ديمقراطية، إذ يحصل التفاوض و الإتفاق بشأن الميثاق بين قلة من اللاعبين، مما يخفض مستوى التنافسية المسؤولية عندما تحاول تأطير أجندة الشؤون السياسية عبر خرق مبدأ مساواة المواطنين.
و على الرغم من أن فكرة الميثاق أو"الإتفاق التعاقدي" تحمل اعترافا ضمنيا بالدينامية الإجتماعية و الفاعلية السياسية لعملية التحول، إلا أنه يصبح بعد فترة من الفترات عقبة أساسية أمام عملية التحول الديمقراطي ذاتها، إذ إن هذه الدينامية تصطدم بممانعات أو حواجز جرى ترسيخها عبر الميثاق نفسه الذي اعترف بها و أكدها كجزء من التسوية السياسية(compromise)، لكنه و بشكل ما خلدها أو أبدها عندما أعطاها اعترافا شرعيا و قانونيا، خاصة إذا كانت هذه الحواجز طائفية أو عرقية /إثنية يصعب تجاوزها أو في الحقيقة يستحيل تخطيها، ولم تستطع ثقافة المجتمع السياسية العدو فوقها خلال عملية التحول الإنتقالية لأسباب مختلفة و ربما لمصالح نفعية خاصة للقائمين عليها، وربما لعوامل خارجية قهرية استفادت من ترسيخ هذه الحواجز لضمان الإستفادة المباشرة ، وربما لأسباب داخلية تعود إلى انعدام قدرة النخب السياسية و المدنية على التبدل، و دخولهم في دائرة مفرغة من الإلتزام القانوني بالميثاق الذي اتفقوا عليه، لأن خروجهم عليه يعد خروجا على منطق الدولة أو النظام السياسي الذي ارتأوا العيش ضمنه و بالوقت نفسه عدم السماح لثقافة ديمقراطية حقيقية بالولادة و النشوء على أنقاض هذا الميثاق التعاقدي عندما يصبح هذا الميثاق أبديا، و تصبح مسألة الخروج منه ذات حساسيات تاريخية ربما تفتح نحو الدخول في نزاع أو صراع أو حرب أهلية من جديد.
إن الديمقراطية الوفاقية المؤسسة على الميثاق التعاقدي هي أشبه بالمرحلة الإنتقالية التي تخلف حربا أهلية ، أو فترة من الدكتاتورية الشمولية تمر بعدها البلد بمرحلة فراغ دستوري وقانوني يعكس اضطرابات القوى السياسية و الإجتماعية الفاعلة، وهو ما حدث في كولومبيا و فنزويلا في عامي 1957و 1958 ،حيث جرى تفاوض على اتفاقيات صريحة وواضحة بين الأحزاب ذات المصلحة، في حين توصلت الحكومة و المعارضة في إسبانيا إلى اتفاق على إطار دستوري لديمقراطية جديدة ، وفي الأوروغوايعقد قادة القوات المسلحة و الحزب"ميثاق النادي البحري" في آب أغسطس 1948.
كيف يمكن ل"المواثيق التعاقدية " أن تنقل البلد من مرحلة عدم الإستقرار إلى عتبة التحول الديمقراطي؟
تتسم هذه "المواثيق التأسيسية " التي تشكل جوهر مرحلة "الديمقراطية التوافقية" بعدد من السمات الرئيسية التي تدشن مرحلة تأسيسية على قاعدة الضمانات المتبادلة للمصالح الحيوية للأطراف المشاركة تتجلى في:
1-الشمولية: إذ يجب أن تضم كل القوى أو اللاعبين السياسيين الفاعلين على الساحة، كي يتم ضمان احترام هذا التعهد من كل الأطراف و كي لا يجري اختراقه أو افشاله.
2-التضمينية للقضايا المركزية و الجوهرية: بحيث إن المواثيق التي تتسم بالإتفاق على القضايا الإدارية أو الإجرائية غالبا ما لا تحمل صفة الديمومة أو الإستمرارية، كما إنها يجب أن تتميز بأنها ذات توجه عريض من الإهتمامات أكثر منها راسمة للقواعد و الإجراءات اللحظية الآنية.
3-التمثيلية: أي إعادة الإعتبار لكل القوى ذات الوزن حتى التاريخي منها، و التي كانت مهيمنة تقليديا، وذلك كي يجري إشعارها بأن مصالحها الحيوية مصانة، و غالبا ما يكون لهذه القوى دور 
في إعطاء "الشرعية" لميثاق جديد يتجاوز دورها التاريخي، و بصمتها هنا تكون واضحة لضمان
ثقة الأطراف الدولية.
إن مثل هذه "المواثيق" بحاجة أيضا إلى ضمان التوقيت المناسب لتأكيد سلامة تطبيقها، كما إنها بحاجة إلى تأكيد ثقة الأحزاب المشاركة في المفاوضات على أن التزامها بهذا الميثاق سيلزم اتباعها، و بأنهم سيتقيدون بأية اتفاقيات يتم التوصل إليها، ذلك أن الإتفاقيات التي تلقى معارضة واسعة من القواعد أو تقابل بنفور شديد غالبا ما يكون مصيرها الفشل.
كما إن أحد السمات التي تتطلبها هذه الإتفاقيات هو ميزة "الإعتدال" لدى قادة القوى السياسية المشاركة في التفاوض، وربما يكون الإعتدال أحيانا ثمنا للمشاركة أو بحسب تعبير صموئيل
هانتغتون"مقايضة المشاركة بالإعتدال"، و هذا ما يضمن توسيع حدود المشاركة في النظام السياسي بإشراك القوى السياسية المستثناة سابقا مقابل تخليها عن مواقفها الراديكالية كما حصل في الأرجنتينحين وافقت المؤسسة العسكرية على مشاركة البيرونيين في النظام، وفي اسبانيا عام 1977 عندما حصل اعتراف من قبل سلطة الحكم بالحزب الشيوعي، و الأوروغواي عندما اعترفت في عام 1984 بما يسمى "الجبهة العريضة".
لكن، السؤال الذي يطرح نفسه مجددا، كيف يمكن لهذه"المواثيق التعاقدية"أن تنقل البلد من مرحلة اللاستقرار إلى عتبة التحول الديمقراطي ثم تفتح الباب واسعا أمام الدخول في نمط من الديمقراطية السياسية التشاركية الحقيقية كما حصل في اسبانيا و اليونان؟ 


الديمقراطية التوافقية كمرحلة أولية في عملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي.
و كيف، بالمقابل، يمكن أن تتحول هذه"المواثيق التعاقدية" إلى تأبيد لحواجز الغيتوات ذاتها و تخليدها، بحيث إن بقاءها يصبح عقبة أمام التحول الديمقراطي الحقيقي و إلغاءها يعيد البلد إلى الحرب الأهلية ذاتها التي كانت هذه المواثيق ضمانة لخروج البلد منها؟
إنه النقاش السياسي و الشعبي الذي نشهده يوميا في لبنان على سبيل المثال في ما يتعلق باتفاقالطائف، فالمؤمنون به يدافعون عنه بلا حدود بوصفه السبيل الأمثل لضمان بقاء الدولة و مؤسساتها، و لإستمرار سبيل "العيش المشترك" بيد أن منتقديه يرون أنه ثبت نموذج "الديمقراطية الطائفية" إذا جاز هذا التعبير، و رسخ الزعامات العائلية و الطائفية التقليدية، و حول كل اللاعبين السياسيين الطموحين إلى مجرد أقمار يدورون في فلك هذه الزعامات ورئاستها.
ربما يحاجج البعض في أن "الطائف" لم يطبق بحرفيته وروحه، و ذلك لحسابات إقليمية تتعلق تحديدا بسوريا وانسحابها المتأخر جدا من الأراضي اللبنانية، و هذا صحيح و لا نقاش فيه، بيد أن بنودا أخرى لا تتعلق بسوريا لم تجد سبيلها إلى التطبيق أو حتى النقاش الجدي و العلني و الصريح لآليات التنفيذ المستقبلية وأولها"إلغاء الطائفية".ما يعني أن هذا "الميثاق التعاقدي" التاريخي الذي أخرجلبنان من حربه الأهلية صك لبنان على صيغة طائفية نهائية و مطلقة على صيغة "الديمقراطية التوافقية".
لا جدال في أن هذا النوع المجازي من الديمقراطية يبقى أفضل بمئات المرات من "الحالة اللاديمقراطية"سواء أكانت ديكتاتورية أو فوضى سياسية مطلقة، لكنها بالمقابل لا يمكن حتى الزعم أنها تمثل ديمقراطية ناجزة و مكتملة، إنها تحمل الكثير من العيوب و المساوىء الجوهرية و الشكلية، أولها بالطبع عدم ضمان المساواة المطلقة بين المواطنين و التعامل معهم على أساس أصولهم غير القابلة للإختيار سواء أكانت طائفية دينية أو عرقية إثنية، و بالتالي تجعل قدرة المواطن على المساءلة و المشاركة و من ثم التغيير من داخل النظام الحكومي ضعيفا و محدودا و أحيانا بلا طائل، وهو ما يولد بالضرورة إحباطا متزايدا و متراكما كما نجد ذلك متبلورا في صيغة "الإحباط المسيحي" اليوم، و هذا بدوره سيخلق أو يعيد إنتاج أزمات تاريخية وربما اصطناعها، في حين كان هذا النظام السياسي يعتقد أنه تجاوزها و أودعها التاريخ المنسي ، لكن مكر التاريخ الذي تحدث عنه هيغل ربما يطل مستقبلاعبر بومته التي تحمل الشؤم و الكثير من الدمار.
و يكاد الكلام ينطبق ذاته و بحرفيته على الحالة العراقية بعد سقوط النظام العراقي في عام 2003 فإذا أخذنا بعين الإعتبار كل الأخطاء الأمريكية و البريطانية التي ارتكبتها كقوات احتلال بعد دخولها إلى بغداد، لوجدنا أن هذه القوات ذاتها اصطدمت بفكرة رئيسية و هي شكل الديمقراطية العراقية التي يمكن بناؤها في المستقبل، فالمجتمع المدني على عكس لبنان في هذه الزاوية هش و ضعيف للغاية، إذ لم يكن صدام حسين بالطبع ليسمح له بالنمو أو حتى التشكل، و سياسة سحقه تعد جزءا من ضمان بقاء واستقرار نظامه، أما القوى السياسية و الأحزاب المعارضة التي أدارت العملية السياسية بعد سقوط النظام العراقي و التي تتحمل الجزء الأكبر من عملية الفشل التي نشهدها اليوم، فإنها أشبه ب"الطوائف الحزبية" أو "الأحزاب الطائفية" مع إدراكنا الكامل للتناقض المفاهيمي و السياسي الذي يتشكل منه هذا التعبير أو المصطلح. وبالتالي فإنها أعادت تنضيد المجتمع العراقي على أساس هويته الطائفية و العرقية، و هو ما يشكل حاجزا أو مدماكا حقيقيا لبناء الديمقراطية.
قد يقول البعض إنها الواقعية السياسية التي تشترط التعامل مع القوى الموجودة للبناء نحو الأفضل معها، وهو ما وجدناه في تحقيق مبدأ "التمثيلية" المتوازنة في مجلس الحكم الإنتقالي على سبيل المثال لكل الطوائف و الأعراق والأحزاب السياسية، هذا صحيح من زاوية سياسية آنية ولحظية، لكن الخطأ التاريخي كان في تأبيد الشكل القانوني لمجلس الحكم هذا، بحيث جرى إعادة استنساخ النموذج اللبناني وإسقاطه في العراق، وهو ما استمر حتى بعد تشكيل الحكومات العراقية المختلفة، وهي العقلية ذاتها التي رعت كتابة الدستور والوثائق الرسمية الأخرى القائمة على احترام"المحاصصة الطائفية" لإنعدام البدائل الأخرى وفقدان القوى السياسية والمدنية التي يمكن أن تعيد صياغة المشهد السياسي.
إن القبول بالأمر الواقع لا يشترط، بل لا يجب قوننته من أجل تأبيده، يجب قبوله و التعامل معه على أساس لحظيته وزمنيته، وليس تقعيده وتخليده وبناء هيكلية النظام السياسي عليه.
وعلى ذلك فلا يجوز اعتبار"الديمقراطية التوافقية" كشكل نهائي للديمقراطية يجري الدفاع عنه بوصفه المخرج أو أفضل الممكن، إنها ما يمكن الدفاع عنه-بكل تأكيد- في وجه الدكتاتورية التسلطية أو الفوضى، لكنها بالوقت نفسه يجب أن لا ننسى -ولو للحظة واحدة- أنها مرحلة انتقالية لا بد من المرور أو العبور فوقها نحو أفضل منها، إنها ربما أفضل شكل تاريخي لإدارة الصراع السياسي في لحظة من اللحظات، لكنها تصبح في لحظات أخرى أسوأ آلية لإدارة مؤسسات الدولة التشريعية والدستورية، لأنها تتضمن بكل تأكيد مآزق أو أفخاخ الشللية التي تحمل من داخلها القدرة التعطيلية الدائمة لصالح أحد أصحاب الفيتوات الكثيرين و العديدين، ما ينتهي بالدولة إلى الشلل الدائم و عدم قدرتها على الإستجابة لطموحات مواطنيها، و عندما لا يحمل النظام صفة القدرة على المرونة والتغير من داخله و بالوسائل السلمية فإنه سيتفجر من داخله بكل تأكيد استجابة للحراك الدينامي الإجتماعي و السياسي و الشبابي المستمر و عندها يدخل البلد من جديد في دوامة من البحث عن "ميثاق تعاقدي" جديد يستجيب للتوازنات السياسية المستجدة و المتغيرة.
إن مبدأ"الديمقراطية تصحح نفسها بمزيد من الديمقراطية" يكاد يكون قاعدة ذهبية في انطباقه على"الديمقراطية التوافقية" التي لا بد من اعتبارها كمرحلة انتقالية و ليس كحل نهائي ، ولتحقيق إنتقاليتها لابد وخلال عملية بنائها من توازيها مع عملية تاريخية تتمثل في ما يسمى "العدالة الإنتقالية" التي تتيح للدولة لإعادة تأسيس شرعيتها على أسس جديدة قائمة على أساس العدالة واحترام القانون وبناء المساواة بين جميع المواطنين في الواجبات و المسؤوليات و الحقوق.
تشير العدالة الإنتقالية إلى حقل من النشاط أو التحقيق يركز على المجتمعات التي تمتلك إرثا كبيرا من انتهاكات حقوق الإنسان، الإبادة الجماعية، أو أشكال أخرى من الإنتهاكات تشمل الجرائم ضد الإنسانية، أو الحرب الأهلية، وذلك من أجل بناء مجتمع أكثر ديمقراطية لمستقبل آمن.
ويمكن إدراك المفهوم من خلال عدد من المصطلحات التي تدخل ضمنه من مثل إعادة البناء الإجتماعي، المصالحة الوطنية، تأسيس لجان الحقيقة، التعويض للضحايا، وإصلاح مؤسسات الدولة العامة التي غالبا ما ترتبط بها الشبهات أثناء النزاعات الأهلية الداخلية المسلحة مثل الشرطة و قوى الأمن و الجيش.
يربط مفهوم "العدالة الإنتقالية" بين مفهومين هما:العدالة و الإنتقال، ولكن المعنى الدلالي الأدق للمفهوم يعني تحقيق العدالة أثناء المرحلة الإنتقالية التي تمر بها دولة من الدول.
كما حصل في تشيلي (عام1990) وغواتيمالا(عام 1994) وجنوب إفريقيا(عام1994) وبولندا(عام1997) وسيراليون(عام1999) وتيمور الشرقية(عام2001) والمغرب(عام2004) فمع حدوث التحول السياسي بعد فترة من العنف أو القمع في مجتمع من المجتمعات.
يجد المجتمع نفسه في كثير من الأحيان أمام تركة صعبة من انتهاكات حقوق الإنسان، وتسعى الدولة إلى التعامل مع جرائم الماضي رغبة منها في تعزيز العدالة و السلام والمصالحة.
ويفكر المسؤولون الحكوميون ونشطاء المنظمات غير الحكومية في انتهاج مختلف السبل القضائية وغير القضائية للتصدي لجرائم حقوق الإنسان، وتستخدم في ذلك عدة مناهج من أجل تحقيق إحساس بالعدالة أكثر شمولا وأبعد أثرا، من مثل إقامة الدعاوى القضائية على مرتكبي الإنتهاكات من الأفراد كما حدث في كوسوفو، أو ارساء مبادرات لتقصي الحقائق لمعالجة انتهاكات الماضي، كما حصل في سيراليون، أو تقديم التعويضات لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان كما حدث في الولايات المتحدة، أو التمهيد لعمليات المصالحة في المجتمعات المنقسمة على نفسها كما حدث في تيمور الشرقية.
إذا،وفي النهاية، لإنجاز"الديمقراطية التوافقية كمرحلة إنتقالية "لا بد من تأسيسها على أسس "العدالة الإنتقالية" وبهذين الجناحين يمكن إعادة تأسيس الدولة على شرعية جديدة تفتح الباب عندها لإمكانية مستقبلية لبناء الديمقراطية الحقيقية، وعندها لن تكون "الديمقراطية التوافقية" إلا مرحلة انتقالية تتصف بقابلية الولادة والبناء، وليس محاولة يائسة لإعادة الشباب و النضارة لكهل وصل إلى حافة قبره، لكنه يمانع من دخوله أملا في قدرة الحبوب المنشطة على بعث الروحالشابة به مجددا.
abuiyad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق